المحرر موضوع: العودة من الأسر … قصة قصيرة  (زيارة 1083 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل جان يلدا خوشابا

  • عضو مميز
  • ****
  • مشاركة: 1834
  • منتديات عنكاوا
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني

ايها الاحبة كنت قد أبلغتكم بأنني ساكتب عن ايام الحرب وها انا اكتب لكم عن قصص واحداث وقعت لبعض الاصدقاء والأقارب والجيران .

بعد ان توقفت الحرب  العراقية الإيرانية والتي استمرت لثمان سنوات طويلة وعقيمة وكذبوا علينا حُكامنا وأحرقا الطرفين بلديهما فيها وخسرنا فيها  خيرة شبابنا وأولادنا وضاع من ضاع  واختفى من اختفى وهرب من هرب واستشهد الكثير من احبابنا وجيراننا وأصدقاءنا فيها بسبب غطرسة وتكبر  من كان يومها يحكمنا  . 

 توقفت الحرب وبداء الناس يجمعون ما تبقى من احلامهم وينفضون تراب وغبار الحرب ومآسيها من جباههم .
وبدات العوائل تبحث عن اولادها المفقودين او من هم في الأسر .
عاد بعض  ممن كانوا في الأسر والذين ضاعت  وتلاشت  احلامهم  وتهدمت افكارهم وجفت مشاعرهم وقتلهم شوق الاحبة والأرض وازدادت آلامهم وطالت مع الأيام  .
كان لي صديق في المدرسة  وكان على علاقة حب  ومودة بفتاة جميلة وزميلة في مدرسة  اخرى وكنا نعلم بهم ونفرح لهم ونقوى من صداقتهم وكأنّا  على تفاهم ويرسمون معاً للمستقبل .
تخرج صاحبي هذا والتحق بالجيش وبسلاح الدروع وبعد تقريباً سنتين لم نسمع منه خبر .
الا أن وصلت رسالة الى أهله وعلمنا انه أسير في ايران .
وبعد انتهاء الحرب الضروس ابلغني والده الطيب أن صاحبي واسمه أكرم  قد يعود بعد شهر او شهرين ففرحت كثيراً ولم أنام يومها حباً واشياقاً لصاحبي هذا الذي افترق  وغاب  عني .
كنت أفكر ماذا سيكون شكله وكيف سا استقبله  وهل تغيّرت اخلاقه واطباعه وهل ... وهل  ..  وهل  .. لكن السؤال الاكبر كان هل لا يزال يفكر بمن دق لها قلبه  واحبها ؟
انتظرت خمسة أشهر إضافية واخيراً التقينا وعلى عتبة دار بابهم  في عرصات الهندية حضنته وبكينا  وضحكنا وبكينا  .
نظرت  في وجهه رأيت الويلات نظرت في عيونه رأيت الماسي تطلعت في شكله رأيت انسان نحيف خسر وزنه وخسر شعره وتسوست أسنانه وفقد قدرته على الوقوف كثيراً  الا انه لم يفقد عقله وايمانه  وعاش على الحلم وصبر حتى عاد .
وكان أول ما سألني هو عن زميلته  واسمها احلام واين هي وكيف هي ؟
فقلت  : لا اعلم ولست ادري فأشياء كثيرة قد تغيرت اثناء وبعد الحرب . 
فقال : الا  شي واحد ياصاحبي لم يتغير الا هو اشتياقي وحبي وهيأمي  بها .
فقلت : ارتاح الان ونحمد الرب على سلامتك وعودتك  وغداً سيكون لنا  حديث .
فقال : لا والرب يشهد انك ستأتي معي غداً الى بيتهم .
فقلت : ياصاحبي الا ترى انك مستعجل  وانت بحاجة للراحة والاستقرار .. فاصبر وانتظر .
فقال : أما أن أراها  وأطمان وإلا سيكون  مكاني القبر .
فقلت : إذن  يوم الخميس سأكون هنا ونذهب معاً ( كان هذا يوم الاثنين ) حاولت ان أعطي له قليلاً من راحة البال والامل .
ذهبنا بعدها الى منطقة المسبح وتقريباً خلف السفارة الألمانية حيث كان بيت زميلتنا  .
ترجلنا من سيارة التاكسي  وتوجهنا نحو  الدار وطرقنا الباب مرة وبعدها مرتين وفي الثالثة فتحت لنا سيدة الباب
وقالت : نعم هل من خدمة
فقلت : أليس هذا بيت الاستاذ مراد ؟ 
قالت : مراد  .. من
فقلنا : مراد ابو سلام .
فقالت : لا يا أبني ابو سلام قد باع البيت لنا وسافر مع عائلته بعد انتهاء الحرب الى الاْردن  واعتقد انهم في استراليا الان  .
كانت هذه السيدة تتكلم .
وصاحبي يتنفس بسرعة وكأنه يختنق  وكأن شخصاً يضربه بالسكين في خاصرته ويمزق أحشاءه ويدمر حياته وينسف قلبه
لاحظت هذه السيدة صاحبي وهو يقع على الارض وبداء يتقيأ وأصبح لون وجهه شاحب  .
فقالت : ما به وماذا جرى ؟
فقلت : انه على مايرام ولكنه تعبان من السفر فقد عاد تواً من رحلة بعيدة وطويلة .
فقالت : سا اجلب  له الماء  لعله عطشان .
شربنا الماء  وشكرتها وحضنت صاحبي ورفعته من الارض وأسندته على جدارالدار   .
وقلت له : مابالك أصبر يارجل لا تحرجنا  امام الجيران   . 
فقال : لقد صبرت ثلاثة  سنوات وواربعة أشهر وتسعة ايام على هذا اللقاء والآن انتهت حياتي وجف املي وانكسر عودي وضُرب كياني وتبدد حلمي وحرقته النيران .
بقينا معاً كل اليوم  وذهبت به الى حديقة الواثق في منطقة ال 52 وهو صامت لا يتكلم يرفض ان يأكل او يشرب  .
 اتصلت بوالده وأبلغته بالأمر
فقال : هذه إرادة الرب ياابني أرجوك أن تأتي به الى البيت .
رفض أن يذهب  الى البيت 
فقلت : يحب ان نعود لان الاهل في حيرة وهم متوترين ويهمهم امرك وخاصة السيدة الوالده .
فقال : كنت أعد واحسب ايام عودتي كنت أتحمل العذاب والسجون والسجان كنت أتحمل الأعداء  والزنزانات والمشاكسات والتحقيقات .
الا انني لا أتحمل  رحيل من احبها قلبي ومن أردها واخترهاعقلي .
بقيت مدة من الزمن أزوره ولكن صحته تدهورت ودخل المستشفى اكثر من مرة وهو في حالة نزيف معوي حاد  .
وكان لا يأكل ولا يشرب بطريقة صحيحة حتى اسلم الروح  وفارق  الحياة  بعد عودته آلى الوطن بخمسة أشهر .

يا حزني عليك يا صاحبي
والبقية تأتي