المحرر موضوع: بين غوغول واحمد شوقي  (زيارة 533 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل ضياء نافع

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 846
  • منتديات عنكاوا
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
بين غوغول واحمد شوقي
« في: 12:01 10/04/2022 »
بين غوغول واحمد شوقي
أ.د. ضياء نافع
كان صديقنا الكردي يصرّ ويؤكّد دائما على تسمية احمد شوقي ب ( الشاعر الكردي ) , وكنّا نضحك ونقول له , لكن شوقي ( أمير الشعراء العرب ) , فيجيبنا , نحن الاكراد (منحناه !) لكم , كي يكون ( أميرا !) للشعر العربي عندكم , اذ لم يكن لديكم أميرا للشعراء العرب عندها , وقد طالبه أحد الاصدقاء – ضاحكا ايضا – برقم وتاريخ الامر الاداري الكردي حول هذا ( المنح !) , او في الاقل , ببيت شعر من شوقي يشير الى ذلك , ولم يستطع صديقنا الكردي تلبية هذا الطلب المزدوج , لكنه – مع ذلك - استمر باصراره على تسمية شوقي بالشاعر الكردي , عندها قررنا الرجوع الى المصادر المتوفرة لدينا آنذاك , ووجدنا , ان (غوغل ) يشير , الى ان شوقي -  ( .....ولد من أب شركسي وام يونانية , وفي مصادر اخرى أباه كردي وامه من اصول تركية وشركسية ,... وبعض المصادر تقول , ان جدّته لابيه شركسية وجدّته لامه يونانية ... ) , ووجدنا كذلك , ان اسم احمد شوقي موجود هناك ضمن قوائم ( مصريون أكراد ) , وضمن قوائم  ( مصريون أتراك ) , وضمن قوائم ( مصريون شركس ) . وقد وصلنا جميعا الى استنتاج واحد يقول , ان المصادر العربية لم تتوقف بالتفصيل عند الاصول القومية لاحمد شوقي , اذ انه كان – للجميع - رمزا للشعر العربي في القرن العشرين ... 
 تذكرنا هذه الاحاديث الضاحكة قبل أيام , ونحن نستمع الى الاوكرانيين وهم في خضم هذه الحرب الدموية الرهيبة على اراضيهم مع شقيقتهم السلافية الكبرى روسيا , (والاقارب عقارب كما يقول المثل اللئيم ) , نستمع اليهم وهم يؤكدون , ان الكاتب الروسي نيقولاي فاسيليفيتش غوغول اوكراني ( أبّا عن جد ومن سابع ظهر) , اي انه من ( التبعية الاوكرانية ) حسب التعبير السياسي العراقي الذي كان سائدا قبل الاحتلال الامريكي  عام 2003 , وعلّق احد الاصدقاء قائلا – هذا يعني , ان اوكرانيا (منحت غوغول !) لروسيا (مثلما منح الاكراد احمد شوقي للعرب) , كي يكون ( أميرا !) للادب الروسي عندهم , لأن أدبهم كان يخلو آنذاك من منصب ( أمير الناثرين الروس !) , اذ كان عندهم فقط بوشكين (أميرا للشعراء الروس ) , وأضاف هذا الصديق قائلا - ان هذا الموقف يسمح لنا ان نقارن الآن بين غوغول ( الاوكراني ) واحمد شوقي ( الكردي التركي الشركسي) . ضحكنا جميعا , واعترضنا على هذا الاستنتاج الغريب العجيب وغير المتوقع بتاتا , وقلنا , انها ستكون مقارنة مصطنعة ليس الا , اذ ان هذه المقارنة غير دقيقة , بل وغير علمية بتاتا , لانها لا تتناول جوهر ابداعهما ( وهو العنصر الاهم في دراسات علم الادب المقارن عموما )  , وانما تعتمد فقط على اصولهما القومية , الا ان صاحبنا , الذي اقترح المقارنة بينهما أخذ يدافع بحماس – منقطع النظير- عن مقترحه هذا حول المقارنة بين غوغول وشوقي , ويبرر حتى ضرورته وقال - ارجوكم ان تمنحوني فرصة اكمال اقتراحي , وبعد ذلك سنتحدّث . وهكذا بدأ الكلام عن تلك المقارنة.
ومختصر كلام صاحبنا عن المقارنة بين غوغول وشوقي يكمن بما يأتي –
 كلاهما ( غوغول وشوقي ) كتبا ابداعهما ليس بلغتهما القومية , وانما باللغة السائدة في البلد الذي كانا يعيشان به , ولا يوجد لدينا اي نص عند شوقي باللغة الكردية او التركية او الشركسية , اذ ان كل ابداع شوقي مكتوب باللغة العربية , و كذلك الحال بالنسبة لغوغول , اذ لا يوجد لدينا اي نص عند غوغول  باللغة الاوكرانية , فابداع غوغول كله مكتوب باللغة الروسية , وحتى كتابه المبكر ( امسيات في قرية قرب ديكانكا ) الذي كان يتناول الفلكلور الاوكراني البحت بقصصه واماكن حدوثها , كان مكتوبا باللغة الروسية . هذا اولا , وثانيا , كلاهما ( غوغول وشوقي ) عبقريان , ولهذا وصلا – وبجدارة - الى قمة الابداع الادبي باللغة التي كتبا بها , وثالثا , كلاهما عبّرا في ابداعهما هذا عن أسمى ما كان يرغب بتحقيقه شعبا تلك اللغتين , ولهذا أصبحا خالدين في التاريخ الادبي لهذين الشعبين .
 اختتم صاحبنا كلامه بالقول – شوقي شاعر عربي بغض النظر عن اصوله القومية , وغوغول كاتب روسي بغض النظر عن اصوله القومية , وهذه هي خلاصة رأيّ الشخصي بعد هذه المقارنة بين شوقي وغوغول , فماذا تقولون ؟ بقينا جميعا صامتين , فقال مرة اخرى -  افهم ان السكوت من الرضا , ولكن – مع ذلك – اريد ان أسألكم , ماذا تريدون ان تضيفوا الى ما قلته ؟ قال أحد الحاضرين – اريد ان اكرر ما قاله شوقي - ...ودمع لا يكفكف يا دمشق ... . وقال الثاني – أما أنا , فاريد ان اقول للروس والاوكرانيين معا , الذين يتحاربون الآن – تذكروا , ان غوغول الاوكراني هو كاتب روسي , وان غوغول وبوشكين يقفان معا وجنبا لجنب في النصب الذي أقامه القيصر المحرر الكساندر الثاني في مدينة نوفغورد في القرن التاسع عشر بمناسبة الذكرى الالفية لتأسيس الدولة الروسية ( الدولة التي كانت تسمّى – كييفسكايا روس !!!) , هذا النصب التاريخي الذي لا يزال قائما وشامخا على الارض الروسية لحد الآن , ولا يمكن لبوشكين وغوغول ان يتحاربا مع بعض , اذ لا يمكن لبوشكين ان يريق دماء غوغول , ولا يمكن لغوغول ان يريق دماء بوشكين , وليتذكر الروس والاوكران معا هذه الحقائق الساطعة في تاريخهما المشترك  ...