من آباء كنيسة المشرق العظام
طيماثاوس الكبير البطريرك
ابصر مارطيماثاوس الكبير النور سنة (728 ) في مقاطعة حدياب في حضن أسرة آشورية ثرية ونبيلة . كان عمه مارگيورگيس اسقفاً لابريشية بيث بغاش . اعتنى الأسقف بابن أخيه منذ حداثته واهتم بتربيته ثم أرسله إلى مدرسة باشوش في وادي سفسافاً في منطقةالمرج.
يذكر توما المرجي إن الفتى طيماثاوس في طريقه إلى مدرسة باشوش لتلقي العلم مر بدير حيث رحب به راهب شيخ وسأله قائلا : " من أينأنت يا بني وإلى أين أنت ذاهب ؟"
أجاب مارطيماثاوس : أنا ابن أخي گيورگيس اسقف ( بيث بغاش ) ، وقد ارسلني إلى المدرسة التي يديرها الربان إبراهيم في قريةباشوش"
قال الراهب الشيخ." ليكن التفكير في الكتب نديمك واحفظ نفسك من النقائص ، لأنك ستصبح بطريركاً في أرض المشرق كلها و سيرفعالرب من شأنك حتى لا يضاهيك أحد من قبلك ولا من بعدك وستظل اثنتين واربعين سنة على راس كنيسة المسيح، وحين بلوغك هذا المقام فليمل قلبك الى تكريم هذا البيت المقدس... "واختتم الراهب كلامه بقوله " اذهب الان بسلام واحفظ ما أوصيتك به."
بعد أن نال مارطيماثاوس قسطاً وافراً من العلوم الدينية والدنيوية ودرس اللغتين اليونانية والعربية فضلاً عن لغته الأم ، استدعاه عمهالأسقف گيورگيس و أراد أن يخلفه على كرسي أبرشية بيث بغاش اذ شعر انه لم يعد قادراً على الاستمرار في إدارة الأبرشية نظراًلشيخوخته فقدم طلباً الى ( ماران عمه ) ميطرافوليط حدياب بتعيين مارطيماثاوس خلفاً له على كرسي بيث بغاش . مارطيماثاوساسقفاً على هذه الأبرشية سنة ( 769 ) . في عام (779 ) حينما مات البطريرك خنانيشوع مسموماً ، كان طيماثاوس احد المرشحين لتوليمنصب البطريرك الشاغر. غير ان منافسيه كانوا كثيرين وعلى راسهم ( ايشوعياب ) اسقف نينوى و هو رئيس سابق لدير ( بيث عابي ) الشهير.
الا أنا طيماثاوس استطاع بلباقته أن يقنعه بالعدول عن ترشحه للمنصب نظراً لكبر سنه ولجسامة المسؤوليات
التي سيكون من الصعب عليه تحملها، ووعده بترقيته إلى منصب الميطرا فوليط في حال توليه رئاسة الكنيسة.
جرى تكريس مارطيماثاوس بطريركاً في السابع من أيار سنة (780 ) بالمدائن بحضور رؤساء أساقفة ( بيث گرماي ) ، (حلوان ) ، (دمشق) ، ( مرو ) فيما امتنع بعض المطارين المناوئين عن الحضور . وحدث اضطراب في الكنيسة دام سنتين استطاع بعدهما البطريركالعظيم إن يصالح مناوئيه بحكمته و حنكته وتأنيه وحسن تدبيره فعادت المياه إلى مجاريها وعاد السلام إلى الكنيسة.
لقد أدرك مارطيماثاوس وهو الحكيم الفطن ان مستقبل الكنيسة مرهون بكفاءة واقتدار الاكليروس فدأب على تهذيبهم وتوجيههم وتعيين أساقفة مؤهلين ومقتدرين وعزز نفوذ الكنيسة في الصين والهند بإرساله عددا كبيراً من الرهبان والقساوسة .
كما أرسل مبشرين إلى شمال بلاد فارس في المقاطعات الواقعة جنوبي بحر قزوين وامتد النشاط التبشيري إلى بلاد التبت . وبذا حققت الحملة التبشرية في عهد مارطيماثاوس إنجازات باهرة قل نظيرها . شعوب برمتها مع حكامها اعتنقوا المسيحية وقليلةُ هي الأماكنالتي لم يصلها المبشرون في كل قارة آسيا.
عاصر مارطيماثاوس خمسة خلفاء عباسيين على مدى أربعة عقود وهم المهدي و الهادي والرشيد والأمين والمأمون . وكان المهدي يدعوه إلىمجالسه ويطرح عليه أسئلة عديدة حول مواضيع مختلفة فيجيبه عليها جميعاً اجوبةً وافيةً وقاطعة . وقد جرى بين الخليفة و البطريركحوار ديني مطول تضمنه كتابه الشهير ( الجدال ) .
وهذا الحوار هو أول مناظرة مهمة بين المسيحية والإسلام . وقد اثبت مار طيماثاوس في جداله مع المهدي بأنه محاور اريب يحسن الدفاع عن إيمانه مستخدماً الجدل المنطقي ويقول الحقائق دون موأربة .
تجدر الإشارة إلى أن كتاب ( الجدال ) ترجم إلى لغات عدة منها اللغة العربية.
كان مارطيماثاواس شخصية استثنائية من نواحِ عديدة. فقد كان دبلوماسياً بارعاً تميز بقدرته الفائقة على الإقناع في تعامله مع الحكاماو مع أساقفته على حد سواء .
ويتفق معظم مؤرخي الكنيسة بأنه واحد من أعظم
بطاركة كنيسة المشرق ان لم يكن أعظمهم على الإطلاق. كان مسيحياً غيوراً وقائداً مقتدراً يعمل دون كلل أو ملل وبحماس منقطع النظيرمن أجل ازدهار كنيسته. كما تميز بحكمتهِ وغزارة علمه ولم يكن هناك من يضاهيه في تعمقه في أسفار الكتاب المقدس وفي علم اللاهوتوالفلسفة . قرأ كتاباً لأرسطو ، الفيلسوف اليوناني العظيم ، و أوصى بترجمة كتبه الأخرى إلى اللغتين السريانية والعربية . كان يشجعالأساقفة ويحثهم على الاهتمام بالمدارس وقد جاء في إحدى رسائله إلى اسقف عيلام : " عليك ان تهتم بالمدارس من كل قلبك وان تتذكر دوماً بأن المدرسة هي بمثابة الأم التي تنجب وتربي أبناء صالحين للكنيسة ." في عهد مارطيماثاوس الكبير بلغت كنيسة المشرق اوجمجدها وعظمتها وازدهارها .
بعد أن دبر مارطيماثاوس الكبير الكنيسة مدة اثنتين واربعين سنة ونيف ، وافته المنية سنة ( 823 ) وقد بلغ من العمر خمسة وتسعين سنة ودفن في دير ماركليليشوع الذي كان قد جدده واتخذه مقراً لإقامته ِ. لقد حاز مار طيماثاوس عن جدارة واستحقاق على لقب (الكبير ) .
ويصفه توما المرجي في كتابه ( الرؤساء ) ب ( الراعي الكبير والسامي ) ويدعوه غيره ( كوكب الكنيسة ) وآخرون ( الملفان المسكوني ) او (الملفان الكبير)، ( الاب الحقيقي ومعلم الجميع) . وجاء في كتاب المجدل: "كان مكرماً عند الملوك و الخلفاء لغزارة علمه وفضائله وحسنأجوبته عن كل الاسئله في الدين والمعتقدات وغير ذلك."
لقد ابلى البطريرك العظيم بلاءً حسناً في الدفاع عن المسيحية وساس الكنيسة بحكمة بالغة وإقتدار .
وقد سجل التأريخ اسمه بأحرف من ذهب.
كتابات مارطيماثاوس الكبير :-
يذكر مار عبديشوع الصوباوي في جدوله الشهير ( جدول بأسماء المؤلفين ومؤلفاتهم ) : (( مارطيماثاوس الف كتاباً في الكواكب ، ومناظرة مع الخليفة المهدي ، وكتاباً في الاحكام الكنسية، وآخر عن المجامع الكنسية، ونحو مئتي رسالة جمعت في مجلدين ، وكتاباً عن التعليم المسيحي ، وجدالاً مع المخاصمين ( الهراطقة) .
ويقول الاب البير أبونا ان ابن العبري يورد معلومات مختلفة في كتابه ( التأريخ الكنسي) اذ يقول (ابن العبري ) " ان طيماثاوس الفعدداً كبيراً من الكتب ومواعظ الآحاد لمدار السنة وشرحاً لگريگور النزينزي اللاهوتي وكتاباً في الفلك ومجموعة جدالات مع جرجيسبطريرك اليعاقبة.
[ المصادر ]
١- توما المرجي ، كتاب الرؤساء ، عربه عن السريانية ووضع حواشيه الاب البير أبونا ، بغداد 1990.
٢-مار أفرام( جورج موكن ) ، مقالة له عن مارطيماثاوس الكبير نشرت في مجلة ( الپ و تاو ) ،العدد 16، خريف 2003.
٣- الاب البير أبونا ، أدب اللغة الآرامية ، بيروت 1970.
٤- أوجين منّا، المروج النزيهة في أدب اللغة الآرامية ، الموصل1901
٥- كريستوف باومر، كنيسة المشرق، christoph Baumer ,
The church of The East , An illustrated history of Assyrian Christianity