المحرر موضوع: ميخائيل يورييف تنبّأ بالكثير في روايتهِ الإمبراطورية الثالثة!  (زيارة 572 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل رعد الحافظ

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 673
    • مشاهدة الملف الشخصي
ميخائيل يورييف تنبّأ بالكثير في روايتهِ الإمبراطورية الثالثة!


مقدمة :
الروسي من جذور بيلاروسيّة (ميخائيل يورييف) ,رجل أعمال ,كاتب ,صحفي ,
سياسي ,اُنتخب نائب رئيس مجلس الدوما الروسي عام 1997 .
هذا الرجل تعددت نشاطاتهِ طيلة حياتهِ العمليّة .فهو ينتقل من العلوم الى الأعمال التجارية الى السياسة الى الصحافة الى كتابة الروايات!
وُلِدّ عام 1959 وتوفي عام 2019 عن 60 عام .كان مُبدعاً في طفولته فقد أنهى دراستهِ الأولية بعمر 14 عام ,قُبلَ بعدها بجامعة موسكو (كلية البيولوجيا),تخرّجَ منها عام 1978.أصبح بعمر 19 عام عندما بدأ أوّل عمل له في معهد علم الوراثة الجزيئيّة ,إستمر هناك لعشرِ سنوات!
يُذكر أنّ والده (زينوفي يورييف) كان أيضاً كاتب خيال علمي يحظى بشعبية كبيرة على تلفزيون الإتحاد السوفيتي ,توفي عام 2020 ,بعد إبنه بعام واحد!
وحتى والدتهِ (إيلينا ميخائيلوفنا) كانت صحفيّة معروفة!
عام 2006 كتب (ميخائيل يورييف) الرواية التي نحن بصددها (الإمبراطورية الثالثة) ,تنبّأ فيها بالطريقة التي سينتصر فيها (فلاديميير الثاني) على الغرب!
كانت الإمبراطورية الأولى المشار إليها في عنوان الكتاب هي روسيا القيصرية بينما الثانية كانت الاتحاد السوفياتي!
هذه رواية من الخيال السياسي الطوباوي (الحالِم) ,يتخيّل فيها مستقبل روسيا ما بعدَ تفكك الإتحاد السوفيتي .التنبؤات الواردة فيها تذكرنا بتنبؤات المُنجّم الفرنسي الشهير (نوستر أداموس) ,التي إنتشرت عالمياً منذ أواسط  القرن 16 الى يومنا.
جدير بالذكر أنّ بعض فصول رواية (يورييف) قد حدثت بالفعل ,وبعضها الآخر قريب من التحقق في أيامنا هذهِ ,بينما جزء صغير ثالث لم يتحقق بعد ,ويبدو كابوساً لجميع العقلاء ومُحبّي السلام في العالَم!
تعرض لنا هذه الرواية الصحافيّة الإعلاميّة (داليا محمد) ,وهي منتجة ومقدّمة برامج سابقة في الـ بي بي سي ,تنشر مقالاتها الثقافية حالياً في صحيفة الإنديبيندنت البريطانية (النسخة العربيّة) /الرابط أدناه!
صورة ميخائيل يورييف!

***
أحداث الرواية في نقاطٍ متسلسلة!
1 / رواية الإمبراطوريّة الثالثة : روسيا كما يجب أن تكون!
The Third Empire :Russia as it Ought to Be
تكهّنَ كاتبها بإستراتيجية روسيا بشن حربٍ هجينة ,وحملتها العسكرية الأخيرة وحتى الإبتزاز النووي للعالَم ,الذي يقوم به بوتن حالياً.
2 / تتطرق الرواية الى حرب روسيا على (جورجيا) عام 2008 ,وضمّ شبه جزيرة القرم 2014 ,والتوّغل في منطقتي دونيتسك ولوهانسك في نفس العام.
ولاحقاً الحرب الشاملة على اوكرانيا.
3 / ترى المراجعة التي نشرتها مجلة (ذا أتلانتيك) ,أنّ رواية ميخائيل يورييف مثلها مثل حرب بوتن على اوكرانيا ,تعبيرٌ عن القروسطيّة الجديدة في فترة مابعد الإتحاد السوفيتي .إنّها أيديولوجيا يمينيّة متطرّفة معادية للغرب وللديمقراطيّة ,
تمنح (الحضارة الأرثوذكسية الروسية) دوراً مهيمناً على أوروبا وأميركا.
4 / كان (ميخائيل يورييف) عضواً في المجلس السياسي لحزب اُوراسيا ,الذي يتبنى نظاماً إجتماعياً مبنياً على أساس إقطاعي ,تشرف عليه طبقة سياسية تحكم بقوة الخوف!
5 / كانت هناك معرفة شخصية بين بوتن ويورييف .ويذكر أن رواية الإمبراطورية الثالثة تحظى بشعبية وتأثير كبيرين في دائرة الزعيم الروسي ,
وقد وصفتها إحدى المنشورات الروسية ,بأنها الكتاب المُفضّل في الكرملين!
6 / يتّم سرد الرواية التي تبدأ أحداثها في عام 2054 على لسان مؤرخ برازيلي يصف أصول النهضة الروسيّة التي بدأها زعيم إسمهُ (فلاديمير الثاني) يحمل لقب (المُرمّم) ,ثمّ أكملها خليفته (غافرييل العظيم).
7 / الشخصية التي تُمثل جوزيف ستالين في الرواية هي (يوسف العظيم) ,الذي يشيد به (يورييف) لغزو أراضٍ جديدة ,وتدمير النُخب عديمة القيمة ,وتدمير الأعداء الداخليين لروسيا ,خلال عمليات التطهير في ثلاثينيات القرن العشرين ,
وترحيل شعوب بأكملها أثناء وبعد الحرب العالمية الثانية .ما أدّى إلى حالات موت جماعي!
8 / على مدارِ السنوات العشرين الماضية نفّذ الكرملين مشاريع إعادة السياسة الستالينية في روسيا ,وأعاد تسويق الديكتاتور السابق على أنّه قائد فعّال وحاكم قاسٍ ,لكن منصف .(يذكرنا هذا بالفكرة الإسلاميّة الحاكم الظالم لكن العادل)!
9 / يستخدم بوتن تكتيكات ستالين في الحرب الحالية أيضاً .(ذكرت السلطات في ماريوپول أن القوات الروسيّة قامت بترحيل سكان المدينة المحاصرة بالقوّة)!
10 / في بداياتِ الرواية ,تحدث في أوكرانيا إنتفاضة موالية لروسيا يرعاها الكرملين .من بين أهدافها ,التوّحد من جديد مع روسيا ,والتخلّي عن الإندماج غير الطوعي في أوروبا ,فضلاً عن رفض حلف الناتو المناهض لروسيا .أدّت هذه الإنتفاضة إلى حربٍ غير معلنة ,شهدت زحف القوات الروسيّة إلى أوكرانيا.
11 / بعد فترة قصيرة تعلن تسع مناطق في شرق وجنوب أوكرانيا (بما في ذلك شبه جزيرة القرم ودونيتسك ولوهانسك ومناطق أخرى تخضع اليوم للإحتلال الروسي) ,عن عدم إعترافها بسلطات الدولة الأوكرانية .ثمّ تعلن عن جمهورية دونيتسك - البحر الأسود الموالية لروسيا.
يعقب ذلك إجراء إستفتاء يصوّت فيه 82%  من السكان لصالح الإنضمام إلى روسيا .وفي روسيا يصوّت 93%  لصالح ضم شرق أوكرانيا إلى روسيا!
***
ماذا يحصل اليوم على أرض الواقع؟
ربّما ليس من قبيل الصدفة أنّ القوات الروسية إستولت بطريقة مماثلة على أراضٍ أوكرانية تحت ستار مبادرة مدفوعة محلياً ,عندما قام بوتن بضمِ شبه جزيرة القرم والتوغل في دونيتسك ولوهانسك عام 2014. 
منذ عام 2008 كان بوتن يكرر إدعاءه بأن أوكرانيا (ليست حتى دولة)!
يشبه تفكيره منطق (الإمبراطور غافرييل في رواية يورييف) ,الذي رفض بشكلٍ قاطع منح صفة الشعوب المُنفصلة للأوكرانيين والبيلاروسيين!
في الرواية يرى غافرييل أنّ محاولات إعتبارهم أعراقاً منفصلة عن الروس هي جزء من مؤامرة غربية عمرها قرون لتدمير روسيا!
على الرغم من أن يورييف لم يتوقع وابل العقوبات الغربية ووقوف الغرب في جبهة موحدة في وجه روسيا ,إلّا أنّه توقع إستعداد روسيا للانخراط في عملية إبتزاز نووي.
في رواية الإمبراطورية الثالثة تنتصر روسيا في الحرب العالمية الثالثة ,لأنّ الغرب يخشى الحرب النووية.
كتب يورييف : تردد القادة الأميركيون في إصدار الأوامر بشنِّ هجوم ,بينما أظهرَ الروس بوضوح إستعدادهم للقتال حتى النهاية!
اليوم ربّما يعتمد بوتن على دقة توقعات يورييف.
كان الرئيس الروسي يهدد العالم بأسلحة نووية في السنوات الأخيرة.
على سبيل المثال عام 2018 ,قالَ أنّه في حالة قيام حرب نووية مُفنية ,سيكون الروس ضحايا وشهداء سيذهبون إلى الجنّة ,بينما سيكتفي الغرب بالسقوط أمواتاً ,ولن يكون لديهم حتى الوقت لطلب التوبة!
قليلة هي الحكومات الأخرى التي تُعامل شعوبها بمثل هذا الازدراء الصريح!
***
النفط والغاز أيضاً !
عام 2014 أبدى بوتن وجهة نظر مماثلة بشأن إحتمال إستغناء أوروبا عن النفط والغاز الروسيين .قال سيقضي هذا ببساطة على قدرتهم على المنافسة ,وكان على حقّ .حيث لم يكّف المستشار الألماني أولاف شولتز عن شرح الأهميّة الأساسيّة للنفط والغاز الروسيين بالنسبة للاقتصاد الأوروبي ,في محاولته لمقاومة الضغط الدولي لحظر واردات الطاقة الروسية .
الأهمّ من ذلك هو أن الصورة الخيالية التي رسمها يورييف مُحبطة فعلاً ,فقد توّقع جُبن الغرب ,وأن يرّد على إجتياح روسيا لأوكرانيا من خلال مُسايرة المُعتدي!
في الواقع كانت العقوبات المفروضة على روسيا عام 2014 خفيفة .لكن الأمر المقلق أكثر هو أن يورييف توقع أيضاً أن روسيا لن تتوقف عند الضم الجزئي لأوكرانيا .وبالفعل أثبتت الحرب التي بدأت في فبراير الماضي أنّ هذه التوقعات على نفس القدر من الدقة.
اليوم قد يسعى الغرب المُرتعب من العنف الروسي ,إلى وقف الحرب من خلال الضغط على إدارة زيلينسكي لقبول بعض شروط روسيا على الأقل!
يُهلل يورييف لقدرة روسيا على الإستفادة من الدبلوماسية الغربية.
كتبَ :على الرغم من عدم الإعتراف الرسمي بضم روسيا لشرق أوكرانيا ,لكن تمّ تحديد خط الترسيم الذي تعهد الطرفان بعدم إنتهاكه.
اُشتُرط أن تتخلى روسيا عن أي إعتداء على المنطقة الواقعة إلى الغرب من ذلك الترسيم.
كان هذا علاقات عامة من جانب الولايات المتحدة لا أكثر ,لأنّها تعلم جيداً أن مثل هذا الأمر لم يكن في حسبان روسيا!
توضح خريطة الطريق التي وضعها يورييف لسياسة بوتن الخارجية عدم جدوى المحاولات الغربية للتوصل إلى حلّ دبلوماسي من دون تغيير النظام في روسيا. تحت حكم بوتن ستقوم روسيا بالهجوم مرة أخرى!
في (الإمبراطورية الثالثة) تجبر الطموحات الجيوسياسية الروسية ,الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي على إعلان الحرب.
يتخيّل يورييف أن لدى روسيا سلاحاً سرّياً يجعل البلاد لا تقهر أمام أي هجوم نووي.
يحاول بوتن تغيير منطق الردع النووي بطريقة مختلفة نوعاً ما ,عبر نظام الصواريخ فائقة السرعة الذي وصفه في ديسمبر 2018 بأنه منيع أمام أنظمة الدفاع الجوي والدفاع الصاروخي التي يحتمل أن يمتكلها العدو ,وأنّه هدية رائعة وممتازة لبلدنا للعام الجديد!
***
المشهد الأخير (الكابوس) ,هزيمة الحضارة الامريكية!
في النهاية يستسلم الأميركيون والأوروبيون ويخضع العالم للهيمنة الروسية!
 أروع مشهد في الرواية يتمثل في موكب يقام في الساحةِ الحمراء بموسكو.
من بين الشخصيات المُجبرة على المشاركة ممثلو النُخبة الأميركية ,الرئيس جورج بوش الثالث والرؤساء السابقون بيل كلينتون وبوش جونيور وهيلاري كلينتون .أعضاء حاليون وسابقون في مجلس الوزراء ومجلس النواب ومجلس الشيوخ .مصرفيون وصناعيون ,معلّقو الصحف ومذيعون تلفزيونيون ,محامون مشهورون وشخصيات رفيعة ,مغنّو الپوپ وممثلات هوليوود!
يمرون جميعاً في الساحة الحمراء مُكبلين بالأغلال مُعلّقين في أعناقهم لوحات تحمل أسماءهم .تُعلن الحكومة الروسية لمواطنيها وللعالم بأسره ,أنّ روسيا قاتلت وهزمت ليس فقط الجيش الأميركي ,لكن الحضارة الأميركية كلّها!
بمثل هذه المشاهد يقدم يورييف رؤى مهمة حول عقلية الكرملين ,والطريقة التي يرى بها بوتن ودائرته الغرب .ومواقفهم تجاه الدول المجاورة.
ربّما لا يتوقع بوتن حقاً أن يجّر آل كلينتون في سلاسل عبر الساحة الحمراء ,لكن يجب تصديق الرئيس الاوكراني (فولوديمير زيلينسكي) ,عندما حذر من أنّ الحرب ستصل إلى مسافاتٍ أبعد في عمقِ أوروبا إذا ما سقطت أوكرانيا !
حتى لو أدّت النكسات الروسية الأخيرة إلى هزيمة عسكرية في أوكرانيا ,فقد يهاجم بوتن إحدى دول البلطيق لتقويض الناتو.
وقد تقرر الدول الغربية عدم المخاطرة بحرب عالمية ثالثة من أجل دولة كإستونيا على سبيل المثال.
إذا لم يرّد الناتو عسكرياً على إعتداء روسيا على أحد أعضائه ,فإن التفكك الفعلي للحلف ,قد يوازن الكارثة العسكرية الروسية في أوكرانيا ,بالتالي ينقذ نظام بوتن!
***
الخلاصة :
تقول (داليا محمد) ربّما لا أحد يستطيع قراءة ذهن بوتن وما يفكر بفعله.
ورغم كون (رواية الإمبراطوريّة الثالثة) ,حكاية مُتخيّلة لكن من المُفترَض أنّها ما تزال قادرة على مساعدة الغرب في تقدير مخاطر عدوانية بوتن .كما يجب أن يلعب فهم الرؤية التوسعيّة لروسيا دوراً مهماً في القرارات الغربية المتعلقة بالحرب على أوكرانيا ,فكما يبدو أوكرانيا ليست هدف بوتن الوحيد!
في الواقع لقد شهدَ العالَم في الماضي مثل هذا السيناريو المزعِج الخطير!
ففي الأوّل من سبتمبر 1939 غزا (هتلر النازي) بولندا .
ثمّ دفعهُ نجاحهُ الأوّل وغروره وجنونه الى التوّسع في حربهِ ضدّ أوربا الجميلة.
والنتيجة يعرفها الجميع .ليس فقط مشاركة 100 مليون إنسان في تلك الحرب ,
لكن ضحاياها وصلت الى 80 مليون أغلبهم مدنيين ,والنهاية كانت بإطلاق هتلر النار على نفسه فأراح العالَم وإستراح!
مَن يعلَم ,قد تكون نهاية بوتن مشابهة ,رغم كون سيناريو الردّ العالمي للحرب على اوكرانيا يختلف هذه المرّة ,على الأقل خشية حرب نووية لا تبقي ولا تذر!
***
الرابط من الإنديبيندنت / رواية الإمبراطورية الثالثة ,هذا ما فعلهُ فلاديمير الثاني بالغرب / داليا محمد !
https://www.independentarabia.com/node/324401

رعد الحافظ
25 أبريل 2022