المحرر موضوع: تَجلياتَّ مفهوم الشرّ عندَ المَطرانّ مار باوي سورو.  (زيارة 913 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل سـلوان سـاكو

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 453
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
تجليات مفهوم الشرَّ عندَ المطران مار باوي سورو.
ثلاث محاضرات كانت كفيلة بأن تزيح الغموض والالتباس واللغط عن مفهوم الشرّ والشرير، من خلال سلسلة ندوات معروضة على اليوتيوب تحت عنوان (مقاومة الشر وقوة الشرير في حياة المؤمن). للمطران مار باوي سورو في كندا، ليس فقط من الناحية اللاهوتية وحسبّ ولكن أيضاً من الناحية الاجتماعية الواقعية ضمن حدود هذا العالم، نعم السلسلة قديمة بعض الشيء ولكنها مهمة وحافلة بالأمثلة من حياتنا وواقعنا اليومي المُعاشَّ.
بهدوء وتأني أختار المطران سورو مع حفظ الألقاب، كلماته بدقة وعناية، وأعطى مساحة أوسع لفهم أبعاد الموضوع وطبيعة الشر والشرير nature of evil، وعاد بالموضوع إلى الخطيئة الأصلية لآدم، وكيف كان صديقاً ل الله، (فخلق الله الإنسان على صورته على صورة الله خلقه ذكرا وانثى خلقهم) تكوين، مسلطا الضوء على بيئة الخلق الأولى، ومن ثم وبعد الجزء الثاني من السلسلة فهو يعرض عدة نقاط محوري نتحسس من خلالها مجتمعاتنا المعاصرة مما يؤهلنا لمجابهة القضية بوعي أكبر وتطوير أدواتنا المعرفية بشكل افضل، فالحرية الفردية individual freedom المعطاة للكائن البشري من قبل الله تعطيه الفرصة الكافية لاختيار طريقه كيفما يشاء. جاء المِثال من ذات المتنَّ والذي يُكرر في الكنيسة ضمن قانون الأيمان في إشارة ما يُرَى وما لا يرى، أيَ هناك أدراك حسي وواقعي لهذا العالم وبُعد آخر لعالم ثاني غير محسوس وغير محدود، ليأتي في سياق المحاضرة الأولى الحادثة الواقعية التي حدثت مع صديق المحاضر ذاته والذي تعرف عليه أبان دراسته في روما، بعد ذلك أصبحا صديقين، هذا الكاهن الصديق وقعت له تجربة إخراج شيطان من إحدى السيدات وكيف كانت تصله رسائل تهديد بالقتل من هاتف السيدة الممسوسة مع أن هاتفها الجوال كان في صندوق الأمانات في المشفى التي كانت تتعالج فيه، توثيقاً لحادثة ربما لم نشاهدها إلاَّ في السينما.
من المهم بمكان أن نلاحظ أن مثال الشر يتضمن بعض التصورات عن المجتمع والسياق الذي جاء فيه، يقول المطران كان الشيطان وعن لسان تلك المرأة يتحدث اللغة الآرامية وهي لغة قديمة، وجاء السؤال لماذا يتحدث الشيطان لغة قديمة لكونه هو ذاته مخلوق قديم.
يتبينّ اليوم كم هي مهمة هذه المحاضرات وغيرها في خلق وعي وفهم جديد لكل ما له علاقة بقوة الشيطان Devils power والشر، فالدارج اليوم بين المجتمعات الغربية خاصة هو لا وجود لماهية الشيطان، أيَّ بمعنى أنه كائن خرافي وكذبة من وحي وخيال ونسيج الإنسان ذاته وليس له وجود وكينونة Entity قائمة بذاتها بالأصل وهذا يضرب جذور العقيدة المسيحية من الأساس، وهذا ربما هو من أعمال إبليس ذاته لجعل نفسه أكذوبة حية، (لأنه كذاب وأبو الكذاب). يوحنا 44:8
ليس ما يعكس حال الضياع اليوم أكثر غير تسطيح المسألة برمتها وركنها فوق الرفَّ، بكلام أوضح لم يعد أحد يهتم بهكذا قضايا ويشغل وقته فيها، يكفي اليوم البحث وقتل جُلّ الوقت في مواقع التواصل الاجتماعية، من هذا المنطلق نفهم لماذا أزداد الشر واستفحل وشاع، أليست الحرب في أوكرانيا اليوم قبس من تجليات الشيطان العديدة، بداعي الحفاظ على مصالح روسيا، إنه عائق يَعَبر عن مدى جهلنا للمخاطر المحيقة بالإنسانية. قد يكون العقد المبرم بالدم بين ميفستوفيليس من طرف ومن فاوست من طرف آخر لمّ تنتهي صلاحيته بعد، وتلك الأعوام الأربعة والعشرين لم تنقضي إلى الساعة، فروح فاوست إلى اليوم تغمر روح العالم، فالشر يتناسل من الشر، من هنا نتلمس هذا السعير المحتدم لاستعمال أسلحة الدمار الشامل في وصفها الحل النهائي. لقد كرّس علماء كِبَار جلّ جهودهم لهذه الغاية، وهذه الجهود أعطت ثمارها في نهاية الأمر.
قدَّ يتردد سؤال في ذهنَّ القارئ عن مفهوم الشيطان ولماذا لا يستوعبه الكثيرين أو يتخطونه في أحسن الأحوال، ولماذا كل هذا الالتباس والغموض، ربما الجواب صعب بعض الشيء، ولكن هذا هو دور الشيطان في نهاية المطاف، بمعنى أدق أنه يقدم خدماته إلى كل من يريد أن يتبعه أو يسير في طرقه ليوقع أكبر عدد من البشر في الخطيئة والمعصية والهلاك، مع أنه في بداية التدشين لم يكن هكذا فهو ملاك ساقط. على سبيل الطرح طبيعة تكوين العقرب هو اللدغ المميت، وتكوين طبيعة العنكبوت هو غزل الهلل أو الشبكات بدقة بالغة من مادة بروتينية، هذه طبيعتهم ووظيفتهم الأساسية.
سيعتمد الكثير في نهاية الأمر على فهمنا لأبعاد الموضوع ومراجعة كل طرق التفكير وإعادة قراءة المسألة بشكل أعمق وأشمل ولكن ليس من أجل طرح تأويل جديد لا ينفع وإنما بهدف المراجعة لفكرة غابت عنا طويلاً في ظل زحمة وفوضى وخراب هذا الكون. يبقى السؤال الذي سيطرح نفسه أيضاً، هل سوف نتعلم من اخطائنا وعثراتنا وزلاتنا وإعادة بناء ذواتنا، أم نتخطاها كحادث عرضي عادي يقع يومياً وبشكل مستمر.
فمن يعرف أن يعمل حسناً ولا يعمل فذلك خطية له. رسالة يعقوب 17:4