المحرر موضوع: وقفة مع المجموعة القصصية ( زيارة غامضة ) للاديبة سنية عبد عون  (زيارة 412 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل جمعه عبدالله

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 688
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
وقفة مع المجموعة القصصية ( زيارة غامضة ) للاديبة سنية عبد عون


 
نحن بصدد أديبة متمكنة من لغة السرد في الصياغة اللغوية الشفافة في اسلوبها المشوق والرشيق والبسيط , لكنه يدخل في عمق وصلب الموضوع , الذي يخص عينة  من عينات   الاوضاع السائدة  , وكذلك الدالة التعبيرية للحدث السردي الذي  يغوص عميقاً في المشاعر والإحساس الوجداني, تضعنا أمام مشاهد حسية من لوحة الواقع بالمعايشة والتجربة والفعل الحسي الدرامي في المسرح الحياة  , تؤطر صورة الماضي والحاضر العراقي القائم بصدق الاحساس والشعور  , في تناول الواقعي والموضوعي لمجريات مفردات الحياة العامة   , المشبعة بالهواجس والارهاصات في محطات القلق والحزن  الحياتي  , إزاء الأفعال المطعونة بمرارة المعاناة الغارقة   الى القمة في أزماتها القلقة  , وتجعلها لعبة في مهب الريح في   تداعيات  الفوضى والانفلات , واقع مأزوم بالأزمات , التي تدفع الى الوجع العراقي الى المعاناة  والإرهاق  والسأم الثقيل   , حكايات سردية تحمل الهوية العراقية ,  استلهام مفردات الواقع من خلال براعة  التناص  في محطات  التراث في التقاليد الاجتماعية , وتأثيرات في العواطف الدينية   . تصوغها  في بوتقة الخيال الفني برؤية واقعية دون مبالغة وتزويق , وهي تعبر عن روح الأوضاع  السائدة بمحتوياتها في القضايا  الساخنة بالفعل المعايشة اليومية ,   إنها باختصار تقدم الإرهاصات السيكولوجية  التي تجرفها مفردات كثيرة   . وتعطيها الجانب  السلبي , الذي  يخنق الروح العراقي وتجعله يخرج عن طوره بالغضب والحزن . هذه حفنة ( غيض من فيض ) في المجموعة القصصية ( زيارة غامضة ) التي تضم 38 قصة قصيرة , وكل لوحة سردية تمثل حدث عراقي قائم بالفعل والمعايشة ,  أو يمثل ظاهرة من الظواهر السائدة في  مسرح الحياة العام . 
× قصة : براكيتة :
 تضفي مشهداً  من المشاهد اليومية في زخم التظاهرات السلمية في الساحات والمدن واحداثها العاصفة  , ولكنها ايضاً تحمل تأويل المقارنة بين زمن الدكتاتورية .  وزمن العهد الجديد , الأول  يعتبر التظاهر السلمي اكبر جريمة ويقع تحت طائلة العقوبات الصارمة بما فيها الموت تحت التعذيب الوحشي . والزمن الحالي يجابه التظاهر السلمي بالعنف الدموي والدخانيات بالقنابل  الغازية التي تخنق الأنفاس . وبكواتم الصوت لنشطاء الحراك المدني السلمي . مجابهات يومية  عنيفة ,  حتى لا تحترم قدسية الامام علي ( ع ) عندما يرفع المتظاهرين صورته المقدسة , يعني يطالبون بالعدل  والحق وانصاف المظلومين ( كان الامام علي ( عليه السلام ) يتوسط هذه الحشود بأريج عدالته وجلبابه الذي يرقعه بيده ........ كأن قلوب الحشود تستحضر روحه الطاهرة , فخليته  بينهم رافعاً يده يومئ  بالهدوء والصبر ....... ) ص15 .
تتحدث بطلة الحدث السردي , بأنها كانت تبحث مع أبنها عن براكيتة   في المحلات التجارية للمصابيح المنزلية : وبراكيتة  هي قاعدة المصباح الكهربائي , ووجدت نفسها محشورة أمام سد الطرق وأمتلى الجو بالدخانيات الغازية الخانقة , ولم يجدوا الناس وسيلة من الاختناق الغازي من القنابل  سوى الهرب  واللجوء الى داخل المحلات التجارية . وكانت داخل المحل المكتض بالحشود الهاربة , وتقدمت لها إمرأة بالسؤال ( الأخت من أي فئة ؟ )  ضحكت بصوت مسموع وقلت لها ( أنا من فئة البراكيتة ) ص18 . ينطبق عليها المثل : شر البلية ما يضحك .
× قصة : دعوة خاصة جداً :
وهي تستلهم التناص للآية القرآنية الكريمة :
 
وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ".
شهداء الوطن وضحايا التفجيرات الدموية الأبرياء ,  ضحايا العنف الدموي للمتظاهرين السلميين  ونشطائهم الذين يطالهم الاغتيال بكواتم الصوت , جريرتهم انهم  يطالبون  بوطن , هم أحياء عند ربهم  في فردوس وجنة الله وهم الفائزين في الدنيا والاخرة . لقد اعتاد التقليد الشعبي في زيارة قبور الموتى من الاحبة , في تقدم الاطعمة والحلوى . وكانت الساردة تقوم  بزيارة قبر أبيها , وسمعت بقربها صوت حنون وحزين يناديها , من أم ثكلى فقدت فلذة كبدها وهو شاب جامعي , اخترقت سيارة مفخفخة حرم الجامعي و حولت المكان الى اشلاء متفحمة ومتناثرة , طلبت منها الأم المشاركة في الطعام والحلوى وقراءة سورة الفاتحة على أنها المغدور والشهيد , فلبت الدعوة بكل حنان وتعاطف حزين . وفي الليل في الحلم ,   وجدت ابن الأم الثكلى يتقدم اليها بكل انشراح , وهو يغتبط بالسعادة والابتهاج ويشكرها على تلبية دعوة أمه في المشاركة في الطعام والحلوى , وقراءة سورة الفاتحة على روحه الطاهرة , وكان مع مجموعة من الشباب الشهداء مرحين   ,ويقول لها الشاب الانيق والشهيد بكل وداعة وعزم وتصميم وحب ومحبة ( بالحب وحده ستكتب لك النجاة ....... الشعب يحتاج المخلصين // الشعب يحتاج المخلصين ) ص 32 .
× قصة : زيارة غامضة :
تستلهم معنى  مقولة ( القلوب سواجي / سواقي ) بأن الاحبة ضيوف دائمون على القلب وحواس الوجدان وفي الذاكرة الحية ,  سواء كانوا احياء أومن  خطفهم الموت . سمعت طرقاً خفيفاً على الباب في ساعات الليل الاخيرة , حينما كان ينتابها القلق والحزن الموجع ويقلق نومها , وحينما فتحت الباب وجدت امها المتوفية قبل عشر سنوات امامها  بوجه باسم وبشوش , استغربت  من مجيئها في هذه الساعة المتأخرة من الليل . فقالت لها الام لكي لتخفف من وطأة المفاجأة  والصدمة , بأن لا تقلق عن اولادها وزوجها فهم نائمون لا يسمعون حديثنا . ثم قالت لها الام المتوفية ( سمعت أنكِ تشكين من القلق والكآبة أو المرض ..... وانك تشعرين برتابة وملل .... وهذا ما يقلق راحتي أيضاً .... !! ) ص42 . فعلاً كانت تشكومن  المرض وعجزت من مراجعات الكثيرة  للأطباء لكن دون جدوى  ,لم تتلقى منهم العلاج الشافي , سوى الوعود الكاذبة , هذه المعضلة النفسية التي تعانيها وتقلقها , وجاءت أمها المتوفية تواسيها في محنتها ,  وتجبر بخاطرها  بالعزيمة والصبر على بلوى مرضها .
× قصة : رفيقة الارائك .
مهداة الى الطفلة الشهيدة ( مريم البابلية ) وهي تمثل رمز الطفولة المقتولة من الارهاب الدموي من الذئاب الآدمية , التي مشبعة بالحقد الاعمى على الانسانية , المشبعة بروح الانتقام الوحشي حتى من الاطفال بالتفجيرات الدموية , فكانت الطفلة الصغيرة ( مريم ) صاحبت أبيها للصلاة في الحسينية  , فداهم المصليين ارهابي مسلح بحزام ناسف فجره وسط المصلين  , وكان من ضمن الضحايا الابرياء الطفلة الصغيرة مريم علي .
 قصة : خوذة مرقطة .
 دخلت أستوديو التصوير وطلبت من عاملة الاستوديو مساعدتها في ترتيب اناقة شالها الاسود , وحاولت عاملة الاستوديو اقناعها برفع شالها الاسود  قليلاً من فوق  عينيها , ولكن المرأة الخمسينية رفضت وأبدت انزعاجها من الطلب , ثم اخرجت من حقيبتها اليدوية خوذة مرقطة ووضعتها فوق شالها الأسود ,  أي حطتها فوق رأسها , أثارت دهشة العاملة واستغرابها من هذا الفعل الغريب , لكنها اكتشفت على الفور بأن الخوذة المرقطة تعود الى أبنها الشهيد , الذي قتل في معسكر ( سبايكر ) ذبح مع اكثر من 1700 مجنداً شاباً , ذبحوا من الوريد الى الوريد , في مجزرة دموية رهيبة , نتيجة الارهاب والحقد والانتقام الاعمى الطائفي  المتعطش للدماء , أن جروح هذه المجزرة المروعة ,  تظل تنزف دماً وقيحاً عند الشرفاء ,   طالما القتلة الوحوش يظلون  بعيدين عن طائلة القانون بالقصاص العادل . تبقى مجزرة سبايكر حية في الضمائر الحية , ونقطة سوداء للحقد الطائفي الأعمى .
 جمعة عبدالله