المحرر موضوع: هذا العراق خُلق ليُعشق لا ليُحرق  (زيارة 484 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل نبيل جميل

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 258
  • الجنس: ذكر
    • مشاهدة الملف الشخصي
هذا العراق خُلق ليُعشق لا ليُحرق


   في لقاؤنا القصير - الذي صار طويلاً في ذاكرتي - أرادت أن تشاكسني بسؤال: "أي رجل أنت .. أيها العراقي..!؟" .. "هل أنجب العراق من رحمه رجالاً مثلك…!؟".
   قلتُ لها: "هذا العراق يا عزيزتي هو العشق، وأنا عايشتُ طقوس عشقه المعتق بحبّات النخيل، والرافدين، وعيون بيخال وإينيشكي.. لا يرتوي ولا ينتهي فيه العطش للحب". "العراق هو عشق أصيل.. ودم يسيل. والعراقي مبتلى بهذا العشق الممزوج بالآهات".
   أتعرف يا صديقي، بأن لقاء الصدفة القصير معك ملأني بالغموض والفضول.. وأكثر ما أصابني هي الدهشة لوقع كلمتك التي ألقيتها قبل قليل في اليوم العالمي للاجئين بعد أن أخبرتَ الحضور بأنك لملمتَ حقائبك مُجبراً لتمضي إلى كندا.. ولكن شعرت بحزنك المفضوح، وتلمست خاطر قلبك المكسور على عراقك الحزين الذي كان حاضراً فيك يا سليل النخيل.. في صوتك المبحوح كموال عراقي.. في أحرف حنجرتك المتدلية على أسوار بابل.. بل في حقول سهل نينوى التي سرقت لونها الأخضر من عينيك. لا أعلم لِمَ هؤلاء الحكام المتسلطين وأساطيل الطغاة يتدخلون في شؤوننا ويغتالون أحلامنا. فما حدث للعراق وكأنه كان مُدبراً لسنوات طويلة ومؤامرة أكبر من كل التوقعات.
   نعم يا عزيزتي، وكأنما العراق قد لبس الحداد منذ أن قتل قابيل أخاه هابيل.. وكم من كربلاء قد وقعت.. وكم من أسراب هولاكو قد غزت.. وكم من طاغية ودكتاتور قد تسلّط. والوطن صار حلماً بتنا نعشق النوم لعلنا نراه في أحلامنا…! رغم كل هذا فأن العراق كل ما فيه له طعم العشق.. وعاشق الوطن يرى بلاده هي الأجمل. أنا أعشق العراق من شماله لجنوبه ومن شرقه لغربه، وأحب كل ما فيه من تناقضات ومفارقات. العراق إمرأة لا تفقد الأمل وإن فقدت كل شئ.. العراق بسيط في معيشته وعاداته، وأصيل في كرمه.. العراق كل شئ فيه جميل إلا الخونة الذين جعلوه حزيناً.. العراق حتى في حزنه يغني، وموسيقاه لها مزاج خاص.. العراق كله دهشة، وعلى أرضه - أرض السواد - حدثت كل غرائب الدنيا.
   ومن بعد أن ألتقيت بك، وذاب قلبي في عشقك للعراق.. أصبحتُ أعشق العراق أكثر، وصار النخيل عندي هو سيد الشجر.
 
نبيل جميل سليمان
فانكوفر - كندا