الحوار والراي الحر > المنبر الحر

قراءة قانونية في ملف التجاوزات على الأراضي الآشورية (بادرش نموذجاً)

(1/1)

د. منى ياقو:
قراءة قانونية في ملف التجاوزات على الأراضي الآشورية

(بادرش نموذجاً)



أ. د. منى ياقو

سوف اتناول الموضوع، من الجانب القانوني، وبحسب الهرم المتبع في الدراسات الاكاديمية:
اولاً – على الصعيد الداخلي:
1-على صعيد الدستور
تنص المادة 23 من دستور العراق النافذ، على أن " اولاً – الملكية الخاصة مصونة، و يحق للمالك الانتفاع بها و استغلالها و التصرف بها، في حدود القانون.
ثانياً – لا يجوز نزع الملكية الا لأغراض المنفعة العامة مقابل تعويض عادل، وينظم ذلك بقانون.
ثالثاً –
أ‌- للعراقي الحق في التملك في أي مكان في العراق، ولا يجوز لغيره تملك غير المنقول، الا ما استثني بقانون.
ب‌- يحظر التملك لأغراض التغيير السكاني "
و كما يبدو، فأن النص واضح و بشكل لا يقبل اللبس، في منع التملك الذي يحدث لغرض التغيير الديمغرافي حيث أن كل الوثائق و الشواهد، تدل على أن قرية بادرش مثلاً، كان يسكنها المسيحيين منذ 1920 و حتى يومنا هذا، و بذلك فأن محاولة احداث أي تغيير يضر بديمغرافية القرية، يعد فعلاً محظوراً وفقاً للدستور.
2- على صعيد المحكمة الاتحادية العليا
رغم ان المادة واضحة، الا انه و وفقاً لطلب الدائرة البرلمانية لمجلس النواب العراقي ،المرقم 1/9/4901 في 2/7/2013 بتفسير (المادة 23 /ثالثاً /ب من الدستور) ، فأن المحكمة الاتحادية العليا ، قد أصدرت القرار رقم 65/اتحادية / 2013 ، و الذي جاء فيه " ان الدستور العراقي حظر تمليك أو تملك الأشخاص افراداً او جماعات للعقارات بكل اجناسها و أنواعها و في أي مكان من ارجاء العراق سواء كان ذلك على مستوى القرية او الناحية او القضاء او المحافظة و بأي وسيلة من وسائل التمليك او التملك و ذلك اذا كان وراء ذلك التمليك او التملك هدف او غاية التغيير السكاني و خصوصياته القومية و الاثنية او الدينية او المذهبية ، حيث ان نص المادة 23/ثالثاً / ب من الدستور ، ورد مطلقاً في حكمه و هادفاً مع النصوص الدستورية الأخرى في الحفاظ على الهوية السكانية بمناطقها الجغرافية في العراق القومية منها و الاثنية و الدينية و المذهبية و ما شاكل و مقيداً لنص (المادة 23/ثالثاً /أ) ، من الدستور ، التي اجازت للعراقي تملك العقار في أي مكان في العراق ،لأن نص (المادة 23/ثالثاً /ب ) ورد بعد نص (المادة 23/ ثالثاً / أ) ، من حيث الترتيب التدويني ، و لأنه كما تقدم ورد بصيغة المطلق و المطلق يجري على اطلاقه " .
نفهم من ذلك ، انه اذا كان الأصل ان يتمتع كل عراقي بحق التملك في كل مدن العراق ، فأن الاستثناء هو الا يتم المساس بديمغرافية المنطقة التي يجري الامتلاك فيها ، هذا و أن رفض أهالي بادرش لتمليك ارضهم ( بمعناه الواسع ) ،و كون سكان القرية من الآشوريين حصراً ، فأن هذا دليل قطعي على أن ما يجري هو فعل محظور لأن نتيجته واضحة و هي احداث تغيير في الهوية القومية للمنطقة المذكورة، و بذلك فأن تملك تلك الأراضي لمن يحملون هويات دينية و قومية مختلفة ، هو فعل منافي لقرار يفترض انه بات و ملزم للسلطات كافة ، بحسب المادة 94 من الدستور النافذ .
3- على صعيد التشريعات النافذة في إقليم كوردستان – العراق
نصت المادة (3) من قانون رقم (5) لسنة 2015 – قانون حماية حقوق المكونات في كردستان – العراق، على أن "رابعاً – منع أي تصرف او سياسات سلبية من شأنها تغيير الأوضاع الاصلية للمناطق التي يسكنها مكون معين ، و منع كل تملك يهدف او يؤدي الى التغيير الديموغرافي للطابع التاريخي و الحضاري لمنطقة معينة ،لأي سبب كان و تحت أية ذريعة كانت ."
و ان المادة الأكثر أهمية في هذا الصدد، هي المادة (3) / خامساً، التي جاء فيها " معالجة التجاوزات الحاصلة على مناطق أي مكون و إعادة الحال الى ما كان عليه قبل حصول التجاوز، و إزالة الآثار و المخلفات التي أدت او تؤدي الى التغيير الديموغرافي، او تعويضهم في حالة استحالة إعادة الحال الى ما كان عليه ".
ان هذا القانون الذي طالما تم تسويقه اعلامياً، على انه نموذج للتعايش السلمي في الإقليم، لا بد ان يؤتي ثماره اليوم، بأن تثبت السلطات اننا إقليم يحترم التشريعات التي يصدرها برلمانه، و ان هدف هكذا تشريعات يجب ان يبقى محصوراً في اطار حلحلة المشاكل، لا ان يقتصر على إيصال صداه للمجتمع الدولي .
4- على صعيد مجلس القضاء في كوردستان- العراق
بتاريخ 18/1/2022 ، و بالكتاب الرسمي المؤرخ 1/3 /139 ، فقد قرر مجلس القضاء في الإقليم، و بالإجماع، في اجتماعه يوم 11/1/2022 ، ضرورة تطبيق القانون رقم 5 لسنة 2015 ، في كل دعاوى التمليك على صعيد جميع محافظات الإقليم (أربيل ، سليمانية ، دهوك و گرميان ) .
و برأيي ان صدور هذا التعميم، من جهة قضائية لها ثقلها القانوني في الإقليم، معناه امرين:
1-ان صدوره في هذا التوقيت، معناه التأكيد على ان "النص الخاص يقيد العام " ، و انه في دعاوى التمليك المتعلقة بالأقليات ، لا يمكن الاعتماد على نصوص قانونية أخرى صدرت سابقاً ، حتى و ان كان معمولاً بها ، بل يجب الاعتماد على هذا القانون المهم الذي صدر لحماية حقوق الأقليات في الإقليم ، من نواحي عدة ، من بينها ناحية التمليك و التجاوزات التي تحدث لأي سبب كان .
2- ان صدور هذا القانون، و بعد مرور حوالي سبع سنوات على نفاذ القانون المشار اليه ، معناه ان ثمة خلل او اِرباك قد حدث في تطبيقه خلال هذه المدة ، مما استدعى ضرورة التنبيه و التحذير بغية تصحيح المسار و حتى يحترم الجميع سيادة القانون ، لأنه بالقانون وحده يمكننا ترسيخ أسس التعايش بين جميع مكونات الإقليم ، بغض النظر عن عدد افراد كل مكون .
ثانياً - على الصعيد الدولي
1- اعلان بشأن حقوق الأشخاص المنتمين الى أقليات قومية أو اثنية والى أقليات دينية و لغوية لعام 1992
تنص المادة 1 منه، على ان " على الدول ان تقوم، كل في اقليمها، بحماية وجود الأقليات و هويتها القومية أو الاثنية، و هويتها الثقافية و الدينية و اللغوية، و بتهيئة الظروف الكفيلة بتعزيز هذه الهوية ".
2-اعلان الأمم المتحدة بشأن حقوق الشعوب الأصلية لعام 2007
نصت المادة 8/2 منه "على الدول ان تضع آليات فعالة لمنع ما يلي:
ب-أي عمل يهدف او يؤدي الى نزع ملكية أراضيها " كما ونصت المادة 26 من الإعلان أيضا، على ان " 2- للشعوب الاصلية الحق في امتلاك الأراضي والأقاليم والموارد التي تحوزها بحكم الملكية التقليدية "
ختاماً
كرئيسة للهيئة المستقلة لحقوق الانسان ، و كمواطنة آشورية مسيحية ، أود قول ما يلي :
1- ادعو كل الجهات المعنية، افراداً و شخصيات معنوية، الى ضرورة الالتفات الى حقيقة مهمة، و هي أن قضية التجاوز على أراضينا، ليست قضية امتار من ارض قد نخسرها او نحتفظ بها، لكنها بالنسبة لنا كأحد الشعوب الاصلية في العراق عامةً و الإقليم خاصةً، هي قضية وجود و ثقة و امان، اذ ان توالي التجاوزات أدى الى إيجاد مبررات للهجرة، مما نتج عن ذلك، تناقص في اعدادنا، حتى بات رحيل عائلة واحدة، يشكل خطراً حقيقياً على وجودنا القومي.
2- ادعو ، من الجانب الآخر ، أبناء شعبنا الذين هاجروا ، الى عدم قطع الصلة و التواصل ، بوطنهم ، اذ ان الاهتمام بالأراضي ، بأية طريقة كانت ،في القرى و الاقضية و المدن ، و الحرص على عدم بيعها ، لأي سبب ، يؤدي بالتالي ، الى عدم التجاوز عليها ، لأن البيوت العامرة بأهلها ، لن يدخلها الغريب بسهولة .
3-أن الدور الذي لعبته وسائل التواصل الاجتماعي، و تحديداً الفيسبوك، في المدافعة عن قضية بادرش، لم يكن هدفه التشهير بأحد، بل كان ذلك، الطريق الوحيد المؤهل لإيصال معاناة مجموعة من أبناء شعبنا.
كما و ان علينا ان نكون موضوعيين ، ففي حال حل كل قضايا التجاوزات ، فأننا سننقل صورة إيجابية عن الاحداث و نؤكد على صيانة التعايش و حرص السلطات على احقاق الحق و الحفاظ على التلون في الإقليم ، دون الإنصات الى أولئك الذين يبررون هذه التجاوزات ، حرصاً على مصلحتهم الشخصية ، لا حرصاً على مصلحة شعبنا أو سمعة الإقليم .
كلي أمل، أن يلقى خطابي هذا آذانا صاغية.

اخيقر يوخنا:
د منى ياقو
شلاما
سيدتي. وجودك كقلم قانوني يعتبر بحق المعبر الحقيقي للصوت الاشوري وذلك يزيدنا فخرا بك
سيدتي
تقولين ( ذ ان توالي التجاوزات أدى الى إيجاد مبررات للهجرة، مما نتج عن ذلك، تناقص في اعدادنا، حتى بات رحيل عائلة واحدة، يشكل خطراً حقيقياً على وجودنا القومي.) انتهي الاقتباس
وهذا ما نخشاه جميعا وفي نفس الوقت ما يمارسه الحاقدون علي الاشوريين لاجبارهم بترك الوطن
تحياتي

David Barno:
شكرآ دكتورة منى على هذا الأيضاح الوافي حول قضية التجاوزات،ومنها بالذات قرية بادرش،ولكن.. مسؤولي الحكومة في ناحية سرسنك هل يعرفون هذه المعلومات التي هي من صميم واجباتهم؟لا أعتقد ذلك!!،وإذا يعرفونها لماذا لم يتم تطبيق سياقات القانون واللجوء الى المحاكم الرسمية في الأقليم،وإذا لم يعرفونها!!فإن المشكلة تكمن في البنية التحتية في إدارة الأقليم التي هي بحاجة ماسة الى الثقافة القانونية في إدارة الوحدات الأدارية،نتمنى أن لا تتكرر مثل هذه التجاوزات في الأقليم مستقبلآ،ولنا كل الأمل والثقة بأن رئاسة الأقليم حريصة كل الحرص على حياة  المواطنين في إقليم كوردستان جميعآ، دون تفرقة، بالرغم من ظروفهم الصعبة التي يعانون منها ولاسيما الأعتداء السافر المستمر من قبل كل من تركيا وأيران على المواطنين في الأقليم،ونحن ندرك ونشعر بأن هناك أيضآ تيارات سياسية متطرفة من الأسلامين والقومين في الأقليم لا يؤمنون ولا يعترفون بالنظام الديمقراطي،ولا بالمساوات والعدالة بين المواطنين،وهذه مشكلة نعاني منها في الأقليم وفي المركز بغداد جميعآ.نأمل من الدكتورة منى أن تبقى هذه القضية ضمن إهتماماتها وشكرآ.

تصفح

[0] فهرس الرسائل

الذهاب الى النسخة الكاملة