المحرر موضوع: ماذا ستقول لربك الآن يا شيخ دريان  (زيارة 683 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل Janan Kawaja

  • اداري
  • عضو مميز متقدم
  • ***
  • مشاركة: 31599
    • مشاهدة الملف الشخصي
ماذا ستقول لربك الآن يا شيخ دريان
الانتخابات تمت وحصلت ما يفترض أنها تعديلات طفيفة في المقاعد. مبروك لمن فاز ومبروك لمن خسر. الشيء نفسه باق كما كان لأن ما تغير في المقاعد لم يتغير في القواعد.
العرب

بأي وجه ستقابل ربك يا شيخ دريان؟
مفتي طائفة السنة في لبنان الشيخ عبداللطيف دريان دعا أبناء طائفته إلى “المشاركة الواسعة” في الانتخابات، ولكنّ ثلثيهم قاطعوها، ولم يصغوا إلى دعوته. فماذا سيقول لربه الآن؟

ما اشتغل رجال الدين بالسياسة إلا وأفسدوها. ولكن الشيخ دريان لم يكتف بالإفساد، إذ أظهر جهله التام بنوازع أبناء طائفته وأسبابهم وظروف حياتهم، حتى ليبدو وكأنه مفتي طائفة أخرى تعيش خارج لبنان.

لم يطلب سعد الحريري زعيم “تيار المستقبل” من طائفته أن يقاطعوا الانتخابات، ولكنه أظهر سبب مقاطعة تياره لها. فالمشكلة ليست في الانتخابات بحد ذاتها، ولكنها مشكلة نظام، هو نفسه فاسد، ولم يعد يمثل لا مصالح لبنان، ولا مصالح شعبه. ولأنه لا سبيل إلى تغيير واقع هيمنة حزبي المخدرات التابعين لسلطة الحرس الثوري الإيراني، أو حصصهما في بنية النظام.

النظام السياسي الطائفي، بالمعنى المؤسسي للكلمة، هو الذي أوصل لبنان إلى ما وصل إليه. ووفرت الأزمة الاقتصادية الطاحنة وانفجار مرفأ بيروت، سببا لدفعه إلى الانهيار، لكي يغرق بفشله وعجزه، لا أن يُلقى له بقارب نجاة من خلال الانتخابات.

لو قلت إن الشيخ دريان لم يفهم سبب زيارة الرئيس ميشال عون له، بعد إعلان الحريري، فكأنك تبحث له عن أعذار. دريان ليس غبيا إلى ذلك الحد. لقد كان يفهم تماما لماذا حمل عون نفسه ليزوره في دار الإفتاء. فالرجل كان يريد أن يحمي نظام الفساد الذي يترأسه وأن يبقيه على قيد الحياة خوفا من مقاطعة السنة، لا خوفا من مقاطعة الحريري.

البلاد قد تمضي إلى سقوط رابع أشد. إما بالفشل في تنفيذ الإصلاحات الهيكلية التي تطلبها جهات الإنقاذ الدولي، وإما باندلاع حرب أهلية جديدة

دريان يفهم ذلك جيدا. فقرر أن يؤدي رسالته في حماية نظام الفساد. قرر أن ينحاز إلى ميشال عون، على حساب أسباب سعد الحريري، التي اتضح تاليا أنها أسباب ثلثي السنة في البلاد. بل قرر أن ينحاز إلى سلطة الجريمة التي دمرت بيروت وجعلت ثمانين في المئة من اللبنانيين يعيشون تحت خط الفقر، فساعدها لكي تحصل على شرعية انتخابية جديدة للبقاء. ولا تعرف ماذا سيقول لربه يومذاك.

لا تهم التغييرات في بعض موازين القوى عقب الانتخابات. فالنظام هو الذي فاز في جميع الأحوال. ولئن بدا أن تحالف ثنائي الفساد والمخدرات قد خسر بعض المواقع، وبعض مواقع الحلفاء، فالحقيقة الجلية هي أنه كسب بقاء النظام نفسه، الذي لن يتمكن الآخرون من إجراء تغييرات حقيقية في طريقة معالجته للأزمات.

نظام الطائفية السياسية قام على قواعد لتقاسم السلطة والمناصب والوظائف الرئيسية. هذه القواعد تترسخ الآن. تفرض نفسها أكثر مما فرضت نفسها من قبل. بينما كان يجب أن يسقط النظام بما جلب من فشل وبلاء.

الموازين التي تختل في المقاعد، لن تختل في القواعد. هذا هو الأساس. الثنائي الشيعي لم يكن فائزا على الدوام. ولم يحظ بالأغلبية على الدوام، ولكن نفوذه ظل قائما. وهو ما سيظل قائما حتى ولو لم تبق لهذين الحزبين عشرة مقاعد. لأن العلة تكمن في طبيعة النظام الطائفي نفسه، الذي يوزع الأدوار والحصص والامتيازات على أركانه بالذات. وطالما بقي هذا الثنائي مهيمنا على طائفته بالمال والسلاح، فلا إصلاحات سوف تتحقق، ولا تغيير حقيقيا سوف يؤدي إلى التمكن من معالجة الأزمات. يكفي “الثلث المعطل”، إن لم يكن في الحكومة، ففي البرلمان، وإن لم يكن في البرلمان، فبالمناطق، وإن لم يكن بها فبالسلاح.

هذا الأمر يفهمه الشيخ دريان جيدا. ولا تعلم ماذا سيقول لربه يوم يواجهه الجياع.

النظام نفسه كان يجب أن ينهار. ومقاطعة السنة، بموقف من دار الإفتاء، كانت سوف تُوقع النظام بأزمة بقاء، لا بمجرد أزمة اقتصادية. فتُعاد على أساسها صياغة مقومات جديدة غير صيغة العام 1943، أو ما عرف بـ”الميثاق الوطني” بين رياض الصلح وبشارة الخوري، التي وزعت الحصص الرئيسية على الطوائف. وهي التي امتدت تاليا لتجعل في لبنان دوائر لا تنتخب إلا أحزابا ذات هويات طائفية، وبالتالي أحزاب فساد، في نظام يشرعن الفساد، من خلال توزيع المكاسب والمناصب والفرص على الذين تعيّنهم أحزاب الفساد.

لقد كان بوسع المقاطعة السنية للنظام أن تُحيي على الأقل التعديل الدستوري الذي حصل بموجب القانون رقم 18/90، ووعد اللبنانيين بالعمل على إلغاء الطائفية السياسية. ذلك القانون نص في البند “ج” على أن “إلغاء الطائفية السياسية هدف وطني أساسي يقتضي العمل على تحقيقه وفق خطة مرحلية”. وتبعاً له نصت عليه المادّة 95 من الدستور: “على مجلس النواب المنتخب على أساس المناصفة بين المسلمين والمسيحيين اتخاذ الإجراءات الملائمة لتحقيق إلغاء الطائفية السياسية وفق خطة مرحلية وتشكيل هيئة وطنية برئاسة رئيس الجمهورية، تضم بالإضافة إلى رئيس مجلس النواب ورئيس مجلس الوزراء شخصيات سياسية وفكرية واجتماعية. مهمة الهيئة دراسة واقتراح الطرق الكفيلة بإلغاء الطائفية وتقديمها إلى مجلس النواب والوزراء ومتابعة تنفيذ الخطة المرحلية”.

النظام السياسي الطائفي، بالمعنى المؤسسي للكلمة، هو الذي أوصل لبنان إلى ما وصل إليه. ووفرت الأزمة الاقتصادية الطاحنة وانفجار مرفأ بيروت، سببا لدفعه إلى الانهيار، لكي يغرق بفشله وعجزه

وهو ما يعني أن مقاطعة الانتخابات كان بوسعها أن تستند إلى أساس دستوري، من أجل التغيير. ولكن “المشاركة الواسعة”، غيّبت هذا الإجراء، وأبقته قيد الإهمال.

فماذا ستقول لربك يا شيخ دريان؟
وجود أجندات طائفية، هو نفسه إهانة لوجود لبنان. الأمر بات واضحا الآن. ليس تاجر المخدرات حسن نصرالله هو الذي يتحكم بكل شيء في لبنان. هذا وهم. الحرس الثوري الإيراني هو الذي يقود، وهو الذي يقرر من يكون الرئيس، وماذا يمكن لرئيس الوزراء أن يفعل ولا يفعل.

لقد سقط النظام الطائفي سقوطا مدويا ثلاث مرات. الأولى، في الحرب الأهلية التي دامت 15 عاما بين 1975 و1989، فأتاح اتفاق الطائف في العام في أكتوبر 1989 الفرصة له ليبقى. والثانية، عندما بدأ الاقتصاد بالانهيار في العام 2019، وأعلنت البلاد إفلاسها، واندلعت انتفاضة أكتوبر في ذلك العام لتطالب بالتخلص من طغمة النظام، كلها على بعضها. والثالثة، بانفجار مرفأ بيروت في الرابع من أغسطس 2020، وهو ما كان مثالا دمويا صارخا ومفجعا لما تعنيه الأجندات الطائفية وأحزابها وأدوار وزرائها وكبار موظفيها في مؤسسات النظام.

ماذا كنت تريد أكثر من هذا، لتعرف أن لبنان لم يعد يقوى على البقاء، ببقاء نظام لم يجلب له إلا الخراب؟ ماذا كنت تريد للفشل أن يكون لكي تفهم أنه حطم حياة الملايين من اللبنانيين، وجعل أطفالهم يبيتون على الطوى؟ ماذا كنت تريد للعجز أن يكون عندما تعجز إدارة البلاد عن توفير الكهرباء؟ وماذا كنت تريد أكثر من أن ترى لبنان أصبح خاضعا للاحتلال بقوى شيطانية تزعم أنها “مقاومة”؟ ثم ماذا كنت تريد أن ترى فشلا مؤسسيا يجعل تعيين الحكومة ووزرائها ماراثونا يدوم أشهرا وسنوات ليتراكم الفشل والشلل فوق بعضه، فيدفع ثمنه الملايين من الناس؟

ماذا كنت تريد أكثر من هذا يا شيخ دريان؟ وماذا ستقول لربك الآن؟

الانتخابات تمت. وحصلت ما يفترض أنها تعديلات طفيفة في المقاعد. مبروك لمن فاز، ومبروك لمن خسر. الشيء نفسه باق كما كان. لأن ما تغير في المقاعد لم يتغير في القواعد.

والبلاد قد تمضي إلى سقوط رابع أشد. إما بالفشل في تنفيذ الإصلاحات الهيكلية التي تطلبها جهات الإنقاذ الدولي، وإما باندلاع حرب أهلية جديدة.

وبما أن فرصة التغيير قد ضاعت إلى حين آخر من الدهر، فلسوف يحمل الشيخ دريان أوجاع الناس ودماءهم على كتفيه، ويذهب بها إلى ربه، لعله سوف يُسأل: ماذا فعلت حتى جئت بكل هذه الأحمال يا دريان؟ وماذا فعلت لجهنم التي وعد صاحبك عون بها شعبه؟ ولماذا أصخت السمع للشيطان؟ كيف جاز لك ألا تميّز بين الحق والباطل؟ ولماذا دعوت الناس إلى الانتخاب ليبقى نظام الطغيان رابحا؟

السؤال الذي بين أيدي الناس الآن هو: ماذا ستقول لربك يا دريان؟ وبأي وجه سوف تقابله يا دريان؟