المحرر موضوع: بوتين، الناتو والقائمة الموحدة  (زيارة 518 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل حكمة اقبال

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 334
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
بوتين، الناتو والقائمة الموحدة
تتواصل تداعيات إستمرار الغزو الروسي لإوكرانيا بعد ما يقارب ثلاثة أشهر بإتجاهات محتلفة، تصاعدياً على الصعيد السياسي وأقل من ذلك على الصعيد العسكري، ولاتبدو هناك آفاق قريبة لنهاية تواجد القوات الغازية وإنسحابها من الأراضي الأوكرانية. وتطول قائمة الخسائر البشرية والمادية عند الأوكرانيين، وسيحتاجون الى وقت طويل لإعادة بناء مدنهم والبنى التحتية، وإعادة السيطرة على السلاح الموزع بين المقاومين، وقبل ذلك توفير الأمن النفسي للمواطنين من التأثيرات الكبيرة لمن شارك في الدفاع عن بلده، ولمن إضطر للمغادرة واللجوء الى دول الجوار من الأطفال والنساء.

في 9 آيار، ذكرى نهاية الحرب العالمية الثانية كان في موسكو عرض عسكري ضخم كما هو معتاد منذ أيام الإتحاد السوفيتي، وفي بروكسل كان هناك عرض إيحائي راقص في قاعة البرلمان الأوربي إحتفالاً بنفس المناسبة تحت إسم (يوم أوربا) الذي اُقر بمبادرة من فرنسا عام 1950 برسالة واضحة عنوانها "لا حرب جديدة في اوربا نهائياً".
تميزت كلمة الرئيس الروسي بوتين على غير ما توقعه بعض المحللين من انه سيذكر "انتصارات" غزو أوكرانيا، وهو كان ينتظر ان يسيطر على أوكرانيا وعاصمتها كييف بوقت قصير، ولكنه واجه مقاومة شديدة دعته الآن الى القبول بأقل من ذلك، وهو اقليم دونباس، وقد كرر كلمة دونباس ستة مرات في خطابه، ليحررها من "النازية الجديدة" ليعيش الناطقين بالروسية بوضع أفضل، وهو لم يذكر اسم اوكرانيا ولا مرة واحدة.
لم يذكر بوتين انه قريب من تحقيق انتصار في دونباس، ولم يقل ان الوضع جيد بالنسبة للجنود الروس في اوكرانيا، وذَكَر الممرضات على خطوط الجبهة وانه يتعاطف معهن، وذَكرَ أيضاً ان عوائل الجنود الروس سيحصلون على مساعدات من الدولة.
حمّل بوتين الغرب وأمريكا المسؤولية عن غزوه لأوكرانيا، وقال انه يريد تحرير روسيا من النازية الجديدة مثلما حدث في الحرب العالمية الثانية، وهو أراد أن يثير مشاعر الروس الذين قدموا ضحايا كبيرة في الحرب العالمية الثانية، لكنه لم يقدم للعالم ما يؤكد كلامه من وجود نازية جديدة تتحكم في السياسة الأوكرانية. وقد أشار حاخام يهودي اوكراني في مقابلة تلفزيونية إن اوكرانيا اليوم هي ليست اوكرانيا 1945، مشيراً الى ديانة الرئيس الأوكراني اليهودية. اما الحديث عن فوج آزوف فقد تشكل بعد احتلال روسيا لشبه جزيرة القرم، وتعدادهم ألف مقاتل أو أكثر وكانوا يدافعون عن مدينة ماريبول واستسلم من تبقى منهم نتيجة شدة الحرب والحصار الذي فرضته القوات الغازية. وهناك فرق بين مفهوم النازية والوطنية، وحتى بوجود نازية بين أوساط شبابية فكم تأثيرهم في السياسة؟ وكان أفضل رد هو كلمة اولف شولز مستشار المانيا الذي أنكر ذلك على بوتين، مذكراً ان المانيا كانت نازية، ولكن تجاوزت ذلك، ولايمكن تحمّل مسؤولية الحرب العالمية الثانية الى الأبد، مؤكداً انهم تعلموا الدرس وهم يعرفون إن اوكرانيا ليست نازية لأنهم يعرفون ماهي النازية.
كل ما تقدم هي مؤشرات ضعف بوتين في كلمته في الساحة الحمراء، وليس مؤشرات قوة له.

فيما كانت رسالة البرلمان الأوربي ان اوربا تريد السلام، ولكن هناك حرب قائمة في اوربا ولكنها لم تصل بعد لحدود دول الاتحاد الأوربي، واوربا تدعم اوكرانيا بالسلاح والمال لكي لاتتوسع هذه الحرب الى حرب عالمية ثالثة.
لقد وقف الاتحاد الاوربي منذ البدء ضد الحرب ورفضها، ورسالته انهم يقفون كتف الى كتف لعدم تفريق الاتحاد الاوربي والبقاء متحدين، ولكن توجد خلافات مثل عقوبات ضد روسيا وموقف هنغاريا مثلاً، ولكن ستخرج اوربا موحدة أكثر عند نهاية الحرب وتستمربالعمل للاستغناء عن النفط الروسي وتقريب اوكرانيا الى الاتحاد الأوربي، لأنها تريد العيش مع اوربا الغربية ولكنها تحتاج الى السلاح والعتاد لتحقق ذلك، وصد الغزو وإخراحه من اراضيها.

قبل وبعد الغزو، كرر بوتين ان الناتو سيكون تهديد مباشر لروسيا اذا انضمت اوكرانيا للحلف، عبر الحدود المشتركة التي تبلغ 400 كيلومتر، وكان قد أعلن انه يريد اوكرانيا منزوعة السلاح، ولكنه لم يقدم أي تصور عن كيفية هجوم اوكرانيا الصغيرة على روسيا الكبيرة، فماذا أدى الغزو؟ تقدمت لعضوية الناتو فنلندا التي تشترك مع روسيا بحدود برية لتكون الحدود البرية مع الناتو أكثر من ألف و300 كيلومتر، والسويد التي تشترك مع روسيا بحدود بحرية وأقرب نقطتين بين البلدين هما كالينغراد الروسية وجزيرة كوتلاند السويدية، ودائماً كان الخوف من روسيا في هاتين الدولتين كبيرا حتى إنتهاء الحرب الباردة وانهيار الإتحاد السوفيتي. ولكن الغزو الأخير أثار من جديد تلك المخاوف مما دفع البلدين للتفكير في الانضمام للناتو، وحصل ذلك بموافقة اغلبية برلمانية من أحزاب اليمين واليسار في كلا البلدين وقدمَ البلدان طلباً مشترك لعضوية الناتو، وسيتم قبولهما رغم الإعتراض التركي الذي سعى أردوغان منه الى تحسين أوضاعه الداخلية المتأزمة إقتصادياً، وليس كما صرح بوجود مناضلين أكراد في البلدين، وسيتم تسوية الأمر مع تركيا وستوافق في النهاية على انضمام البلدين للحلف.
وأوقف بوتين صادرات الغاز الروسي الى فنلندا مثلما فعل مع بلغاريا وبولندا، وهو بذلك قد خسر إيرادات مالية تحتاجها الخزينة الروسية، وسيتراجع عن ذلك في وقت قادم بعد ان تهدأ طبول الحرب، وأعلنت ليتوانيا يوم أمس أنها استغنت عن استيراد الغاز والنفط الروسي، بالمقابل بدأت أوربا تخطط للتخلص من الآعتماد على الغاز الروسي نهائياً، واولى الخطوات توقيع كل من الدنمارك والمانيا وبلجيكا وهولندا وبرعاية الاتحاد الاوربي على إتفاقية إنشاء أكبر مجمع لطواحين الهواء لإنتاج الطاقة النظيفة بمقدار 10 آلاف مروحة في مياه بحر الشمال، والتي ستوفر طاقة كهربائية نظيفة ل 230 مليون منزل في اوربا (تقريبا نصف مساكن اوربا)، ورغم ان سياسة التحول الى الطاقة النظيفة مخطط لها مسبقاً، لكن الغزو الروسي لأوكرانيا ساعد على فكرة التخلي عن الغاز الروسي نهائياً، وهذا ما لم يحسبه بوتين جيداً.

يقع حزب (القائمة الموحدة) في أقصى يسار الأحزاب البرلمانية الدنماركية، ولديه 13 مقعد من مجموع 179 عدد مقاعد البرلمان. تشكّل الحزب عام 1989 كتحالف بين بقايا ثلاث أحزاب هي اليسار الإشتراكي والعمال الاشتراكي والحزب الشيوعي الدنماركي، وفي عام 1991 تم توحيدهم كحزب واحد بنفس الأسم. وليس للحزب رئيس أو قائد، بل يعتمد القيادة الجماعية عبر الهيئة الإدارية للحزب التي تُنتخب كل عام في مؤتمر سنوي، وفي عام 2009 تم استحداث مهمة (المتحدث السياسي) الذي يمثل الحزب أمام قادة الأحزاب الأخرى، وتوالي على هذا المنصب ثلاث شابات لحد الآن، ولايعترف الحزب بالنظام الملكي ويطالب باقامة نظام جمهوري، ومن ضمن مبادئه الخروج من الاتحاد الأوربي وحلف الناتو.
حزب القائمة الموحدة، وكباقي الأحزاب البرلمانية الدنماركية، يمينها ويسارها، أدان الغزو الروسي لإوكرانيا، واعتبره "أمر مروع وغير مقبول على الإطلاق، ويجب أن يُقابل بأقسى العقوبات والإدانة والمطالبات بانسحاب القوات الروسية من أوكرانيا"، واعتبر الحزب إعتراف روسيا بدونيتسك ولوهانسك في شرق أوكرانيا انتهاكًا واضحاً للقانون الدولي، ودعا الى بذل قصارى الجهود لتأمين أشد العقوبات صرامة واستهدافًا ضد روسيا، ويجب أن تشعر روسيا بعواقب حربها ضد أوكرانيا.
الجديد انه في الإجتماع السنوي للحزب في شهر آيار الحالي صوّت المندوبون بنسبة الثلثين لصالح تعليق مبدأيّ الخروج من الناتو والخروج من الإتحاد الأوربي، وحسب المتحدثة السياسية للحزب (ماي فيلدسن) قولها: في الوضع الحالي، نعم، أعتقد أن الناتو هو ضامن للأمن، خاصة في دول البلطيق، وواحدة من أهم الخطوات السياسية التي طالما طالبنا بها هي وقف خط أنابيب الغاز الكبير نورد ستريم 2، ويجب علينا ممارسة ضغوط اقتصادية على روسيا وتجنب المزيد من التصعيد العسكري وحماية المدنيين وضمان حل تفاوضي سياسي.

لكل ما تقدم يمكن القول:
- تحوّل الغزو الروسي من حرب عدوانية ضد أوكرانيا، الى حرب عدوانية ضد أوربا والناتو على الأراضي الأوكرانية.
- الضحايا من المدنيين وخراب المدن تدعونا الى إدانة الحرب والمطالبة بوقفها وانسحاب القوات الغازية.
- الغزو الروسي وحّدَ دول اوربا أكثر من السابق، على العكس من رغبة بوتين.
- روسيا بوتين الرأسمالية هي ليست الإتحاد السوفياتي الإشتراكي السابق، فلنتذكر ذلك جيداً عند مناقشة موضوع الغزو.
- لم تقدم روسيا للإمم المتحدة ما يثبت إدعائاتها بتحرك الناتو نحوها.
- برز تضامن شعبي واسع من شعوب أوربا مع الشعب الأوكراني، وباشكال مختلفة وواسعة.
- الدول التي تعاطفت مع روسيا، وهي قلبلة، هي الأكثر بعداً عن مبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان.
- الحديث عن عائدية أوكرانيا الى روسيا التاريخية، يتعارض مع سيادة الدول المعترف بها دولياً، وعكس ذلك هل يحق لإردوغان وتركيا بالمطالبة بأراضي الدولة العثمانية؟
- يجب الحفاظ على السلم المجتمعي في أي بلد تتواجد فيه أعراق وناطقين بلغات مختلفة.
- لننظر الى البُعد الإنساني عند تقييم الأحداث وإطلاق المواقف.


حكمة اقبال
23 آيار 2022