العلامة ابن العبري في عيون مُعاصريه
دراسة تحليلية لقصيدة خاميس بر قرداحي تكريماً لابن العبري
ليس من الغريب ان تستأثر شخصية عظيمة كشخصية مار غريغوريوس ابن العبري بهذه المكانة المرموقة لا في قلوب ابناء كنيسته فقط بل في قلوب كل من افاض عليهم بوفرة محبته المسيحية الحقّة العابرة لكل التقسيمات المذهبية التي حلت بكنيسة المسيح. ومن خلال فترة مفريانيته على المشرق والتي دامت اثنين وعشرين عاما ، اثبت ابن العبري بعبقريته ومحبته العابرة وزهده بالدنيا ، على انه رسول محبة وراعٍ أمين لكل خِراف المسيح ، كيف لا وهو الذي قال [ ان خصام المسيحيين مع بعضهم البعض لا يستند الى حقيقة بل الى الفاظ واصطلاحات وبعد دراستي هذا الموضوع مدة كافية وتأملي فيه استأصلت البغضة من اعماق قلبي واهملت الجدال العقائدي مع الناس ]. مما لاشك فيه ان ما واجهه ابن العبري من صعوبات وقلاقل كثيرة في صباه وشبابه كان له الاثر الكبير في صقل شخصيته الفريدة الغزيرة بعلمها والعظيمة بزهدها ، ومع ان نبوغه برز اثناء رئاسته للجزء الشرقي من الكنيسة السريانية الغربية فأن ذلك الاحتكاك المباشر مع كنيسة المشرق في العراق وايران كان كفيلا ان يمنح فرصاٌ اكبر للتقارب والتعارف مع هذا الجزء السرياني الشقيق والمُكمل ومن خلال تلك المحبة الكاملة والنية الخالصة نسجا سوية صورة رائعة من ذلك التوافق والتناغم الذي لا زالت تُجسدهُ تلك القصائد التي كتبها بحقه احد ابرز الشعراء المعاصرين له من كنيسة المشرق والتي تعكس مدى المحبة والوقار التي تركها المفريان [1] مار غريغوريوس ابن العبري في قلوب معاصريه من الرؤساء الدينين والشعراء من ابناء كنيسة المشرق فهذا خاميس برقرداحي [2] ( ܟܼܡܝܼܣ ܒܪ ܩܪ̈ܕܚܐ ) يُطوع الكلمات بأبهى معانيها واجمل صورها لترسم مناقب هذا الحبر الجليل في لوحة وصفية بديعة اقرب منها الى قصيدة . وقد عثر على هذه القصيدة الفريدة الغير منشورة سابقا في احدى المخطوطات التابعة لمجموعة مخطوطات دياربكر( آمد) الكلدانية بعد حملة تصوير المخطوطات وحفظها الكترونياً وهذه المخطوطة هي كتاب ابو حليم [3] مع عونياثا ( قصائد غنائية ) دمار كوريل المدعو قمصا ومار كيوركيس الشهيد المُظفر ومار اسطيفان والقليل من ابيات خاميس برقرداحي وكانت هذه المخطوطة قد كتبت في ديرماراوگين ( ܥܘܡܪܐ ܩܕܝܫܐ ܕܡܪܝ ܐܘܓܝܢ ܒܛܘܪܐ ܪܒܐ ܕܐܙܠܐ) بجبل الإزل على مقربة من قرية معري ( ܡܥܪ̈ܐ ) المباركة وكتبت هذه المخطوطة في حدود عام 1553 ميلادية ومن المعلوم بان دير مار اوگين كان بايدي رهبان الكنيسة السريانية الارثودكسية حتى نهاية القرن الثامن ومن ثم انتقل اليه عدد كبير من رهبان كنيسة المشرق واصبح من اديرة كنيسة المشرق المهمة حتى نهاية القرن الثامن عشر ومن ثم عاد اليه رهبان الكنيسة السريانية الارثودكسية ولازال من اديرة هذه الكنيسة والجدير بالذكر انه في زمن كتابة هذه المخطوطة كان هذا الدير تابعا لكنيسة المشرق ، وكانت هذه المخطوطة جزءً من مجموعة آمد - ديار بكر الكلدانية وخلال الحرب العالمية الاولى تم نقل هذه المخطوطات الى بيت خاص ومن ثم انهارذلك البيت تحت ثقل المخطوطات واخيراً تم استرداد هذه المخطوطات من الركام بعد اشهر او سنوات ومعظمها جلبت الى مقر مطرانية ماردين الكلدانية ولحسن الحظ تم الحفاظ على هذه المخطوطة التي تحتوي هذه القصيدة الفريدة لخاميس برقرداحى. ولنا ان نذكرايضا انه عند انتقال هذا الحبر الجليل ( ابن العبري ) الى جوار ربه في تموزعام 1286 ميلادية في مدينة مرغة في اذربيجان ايران وكان يومذاك يهبالاها جاثليق النساطرة في مرغة ايضا نتيجة للقلاقل والاضطهادات التي كانت سائدة في العراق حزن حزناً شديداً لدى علمه بوفاة ابن العبري فامر بأن لا يخرج احد الى عمله ذلك النهار وان تغلق الاسواق وان يلبس الناس ثياب الحداد ، وتقرع اجراس الكنائس حزناً . وبرحيل العلامة ابن العبري من السريان المغاربة وعبديشوع الصوباوي ( مطران نصيبين ) من السريان المشارقة وهما من اعظم اعلام الادب السرياني في القرن الثالث عشر غابت شمس الادب السرياني وبدات اخر القلاع السريانية تنهار تدريجياً امام المد العربي .وفي ظل الحقب المظلمة التي تلت رحيل العلامة ابن العبري عكف ابناء الكنيستين السريانيتين جاهدين على الحفاظ على هذا الارث الادبي العظيم ولم تخلُ اية مكتبة من مكتبات اي دير او كنيسة من مصنفاته الشهيرة ولنا من كتابه (ܡܐܡܪ̈ܐ ܙܘܓܢ̈ܝܐ ܕܥܠ ܓܡܝܪܘܬܼܐ) النظم المزدوج في الحكمة الالهية [4] نموذجا الذي دأب المشارقة على المُساهمة في هذا الديوان الشعري الذي بدأه ابن العبري من خلال سبعة ادباء ابتداءً من خاميس بر قرداحي وانتهاءً بالاسقف عمانوئيل اسقف كنيسة المشرق الاشورية الحالي في كندا منذ القرن الثالث عشر وحتى الوقت الراهن.
من ضمن سلسلة المقالات التي تتناول الادب السرياني كتب الاستاذ Anton Pritula المختص في الادب السرياني في ( Collegeville, Saint Petersburg ) مقالة رائعة One More Unkown Khamis Ode in Honor of Bar Ebroyo
( قصيدة اخرى غير معروفة للشاعر خاميس برقرداحي تكريماً لابن العبري )
يُسعدني ان اترجم جزأً منها الى العربية مع ترجمتي لقصيدة خاميس بر قرداحي من السريانية الى العربية ايضاً.
من المعروف بأن اثنين من ادباء السريان البارزين العلامة ابن العبري من السريان المغاربة ومعاصره من السريان المشارقة خاميس بر قرداحي كانا مندمجين في مراسلات ادبية وكان يعرف احدهما الآخر شخصياً ويمكن ان يفترض المرء بأنهما قد التقيا في مناسبات عديدة في بلاط إلخانات المغول حيث مثّل كل منهما تقاليد كنيسته وهنالك دليل ما في اعمالهم الشعرية منها اوالنثرية يذكر بشكل مباشر حضورهم في مثل هذه الاحداث حيث كان لابن العبري كمفريان الكنيسة السريانية الغربية للابرشيات الواقعة شرقي نهر الفرات ومركز اقامته تقليديا في تكريت ان يسافر مع بلاط إلخانات المغول المُتنقل بين المدن الايرانية تبريز ومرغا وخاميس الذي كانت اربيل مدينة ولادته كان حاضراً في مقر الخانات المغول الصيفي في قلعة طاق ( نهاية القرن 13 ) .
في الوقت الراهن هنالك ثلاث مجموعات من النصوص تشهد على الاتصال الادبي بين هاتين الشخصيتين المُعاصرتين قد تم التعرف عليها . القصيدة التي نُشرت هنا لم يتم تحريرها او نشرها لحدالان وليست موجودة في اشعارخاميس برقرداحي المُدونة حيث انها فريدة في طريقة تكريسها المباشر فكلمة مفريان مذكورة في عنوان القصيدة وفي الشعر ( مقطع 3) بالاضافة الى ان القصيدة المؤلفة عمودياً من (16) بيتاً كل بيت يبدأ بحرف من الجملة ܐܒܘܢ ܡܪܝ ܓܪܝܓܘܪܝܘܣ ابانا مار غريغوريوس.
بما لا يقبل الشك فإن هذه القصيدة ألفت عندما كان المرسل اليه ( المفريان ابن العبري ) على قيد الحياة كما يظهرمن حرف النص ومن العديد من صيغ البركة والتمنيات الطيبة التي تنطبق على شخص حي ومن جهة اخرى بما ان لقب المفريان مذكور في العنوان والقصيدة نفسها فليس هنالك ادنى شك على ان زمن تأليف هذه القصيدة يمكن ان يكون خلال الفترة ( 1264-1286) عندما كان ابن العبري مفريانا على الشرق .تنسيب هذه القصيدة الى خاميس برقرداحي من الصعب تشكيكها بالرغم من عدم وجودها في مخطوطات اشعاره بالاضافة الى ان ترتيب القصيدة على طريقة الحروف تخص السريان المشارقة اكثر من المغاربة .
ܬܘܒܼ ܕܝܼܠܗ ܕܟܼܡܝܼܣ ܠܘܬܼܗ ܕܡܦܪܝܢܐ ܥܠ ܐܬܼܘ̈ܬܼܐ ܕܫܡܗ
1 ܐܥܛܦ ܡܪܝܐ ܚܝܠܐ ܘܥܘܫܢܐ ܐܦ ܢܨܚܢܐ
ܒܟܼܣܝܐ ܘܓܼܠܝܐ ܠܐܒܼܘܢ ܙܗܝܐ ܪܡ ܒܘܝܢܐ
2 ܘܩܝܡ ܟܘܪܣܝܗ ܘܢܗܘܐ ܠܥܠܡܝܢ ܡܬܼܥܠܝܢܐ
ܢܛܪ ܚܝܘ̈ܗܝ ܘܠܐܒܼܗܘܬܗ ܗܘܝ ܡܩܝܡܢܐ
3 ܡܪܐ ܕܚܝ̈ܝܢ ܓܪܝܼܓܘܪܝܘܣ ܡܦܪܝܢܐ
ܪܥܝܐ ܥܝܼܪܐ ܪܝܼܫܐ ܡܗܝܼܪܐ ܘܣܟܘܠܬܢܐ
4 ܝܡܐ ܗܘܸ ܡܕܥܗ ܫܡܫܐ ܗܘ ܗܘܢܗ ܡܢܗܪܢܐ
ܓܡܝܪ ܗܘ ܩܢܘܡܗ ܘܕܡܝܪ ܩܘܡܗ ܡܬܼܠܒܒܢܐ
5 ܪܓܼܝܓܼ ܦܪܨܘܦܗ ܙܗܝܐ ܩܘܒܠܠܗ ܡܢ ܪܘܚܢܐ
ܝܕܝܕ ܚܙܘܗ ܓܡܝܪ ܣܘܟܠܗ ܠܥܠ ܡܢ ܟܝܢܐ
6 ܓܝܼܚ ܗܘ ܡܬܠܗ ܓܢܝܼܚ ܣܩܘܒܠܗ ܡܫܬܦܠܢܐ
ܘܓܼܐܐ ܩܘܕܫܗ ܘܦܐܐ ܢܝܫܗ ܒܟܼܠ ܡܬܪܐܢܐ
7 ܪܡ ܗܘ ܕܪܓܼܗ ܪܘܚܐ ܗܘ ܬܓܼܗ ܘܡܒܝܐܢܐ
ܝܘܡܢ ܗܘܝܘ ܠܟܼܐ ܥܡܘܕܐ ܘܟܼܪܣܛܝܢܐ
8 ܘܕܠܪܘܚ ܩܘܕܫܐ ܛܝܒ ܢܦܫܗ ܗܘ ܐܘܢܐ
ܣܬܬ ܟܘܪܣܝܗ ܘܠܕܪܪܝܢ ܢܗܐ ܡܦܪܢܣܢܐ
قصيدة خاميس برقرداحي للمفريان ابن العبري المؤلفة على حروف اسمه
ا. وَشّح يا رب بالقوة والعزة وكذلك السناء
لأبينا السامي الفكربالخفاء والعلن
2. وثبت عرشه وليكن الى الابد مُتسامي
احفظ حياته ولإبوته كن مُديماً
3. مالك حياتنا غريغوريس الملفان
راعٍ مُستيقظ ورئيس ماهر وحكيم
4. الذي البحرهو معرفته والشمس هي عقله المُنير
طبيعته مُتكاملة ومقامه عجيب وجرئ
5. شخصه مرغوب ومحيا وجهه ازهى من الروحاني
منظره ودود وفهمه مُتكامل فوق الطبيعة
6. مثاله فائض وخصمه مهول وعاجز
عظيمُ طهره وجميل هدفه في كل مرشد
7. عالية هي درجته وروحه هي تاجه والمعزي
نهارنا هو بشخصه لكل معتمد ومسيحي
8. وللروح القدس اعّد نفسه لتكن له مأوىً
ثبّت كُرسيه ليكن مَضيفا الى ابد الابدين
[1] مفريان المشرق ( ܡܦܪܝܢܐ) هي الرتبة الثانية في الكنيسة السريانية وصاحبها ياتي بعد البطريرك وهو المسؤول عن الاسقفيات الواقعة غربي الفرات في العراق وفارس وتقليديا كان كرسيه في تكريت واهم تلك الاسقفيات كانت الموصل ودير مار متي وسنجار . كان للمفريان صلاحيات كبرى اهمها انه لا يقام بطريرك بدون مفريان كما كان له سلطة على كل الاساقفة في مفريانته.
[2] خاميس بر قرادحي ( ܟܼܡܝܼܣ ܒܪ ܩܪ̈ܕܚܐ ) من ابرزشعراء الادب السريان في القرن الثالث عشر ولد في اربيل - العراق وعاصر المفريان ابن العبري . كان خاميس كاهنا في اربيل وسمي ببر قرداحي لأنه ينتسب إلى عائلة الحدادين حيث كلمة قرداحا ( ܩܪܕܚܐ ) تعني الحداد باللغة السريانية . امتاز شعر خاميس بالعذوبة والسلاسة وجال في اشعاره كل انواع المواضيع الدينية منها والدنيوية .
[3] ابو حليم نسبة الى البطريرك ايليا الثالث ابو حليم ولد في مقاطعة ميافرقين سنة 1108 ميلادية ، رسم مطرانا لنصيبين ثم انتخب بطريركا سنة 1176 ميلادية نظم وأنشا صلوات تقال قبل صلاة الصبح في الطقس الشرقي .
[4] النظم المزدوج او ميامر المزاوجة، هو احد فنون الشعر السرياني التي تتمحور حول غاية واحدة، حيث يقوم عدة كتاب ومن ازمنة مختلفة، بكتابة قصيدة واحدة مبنية على قصيدة المفريان غريغوريوس ابن العبري الذي كتب ميمره في القرن الثالث عشر، حول الحكمة الإلهية وممن ساهم في الديوان الشعري الذي بدأه ابن العبري
1. خاميس برقرداحي
2. ايشوعياب بر مقدم "مطران
3. يوسف الثاني آل معروف "بطريرك من تلكيف
4. القس صومو من بيوس
5. الراهب الياس شير من شقلاوة
6. الراهب فيلبوس اسحق من قرية داودية - عمادية
7. مار عمانوئيل، الاسقف الحالي لكنيسة المشرق الآشورية في كندا
ܢܲܡܝܼܪ ܠܘܼܣܸܝܵܐ ܬܸܠܟܸܦܢܵܝܵܐ
ܡܕܼܝܼܢ݇ܬܵܐ ܕܣܸܬܹܪܠܸܓ ܗܵܐܝܬܣ ܡܝܼܫܝܼܓܸܢ ܐܲܡܹܪܝܼܟܵܐ
6/5/2022