المحرر موضوع: ثلثا السكان مازالوا نازحين على وقع الصراعات وغياب الخدمات والاعمار والتعويضات صراع اقليمي واشتباكات محلية ترسم خارطة القوى وواقع النزوح والهجرة في سنجار  (زيارة 550 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل سامان نوح

  • عضو فعال
  • **
  • مشاركة: 63
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
ثلثا السكان مازالوا نازحين على وقع الصراعات وغياب الخدمات والاعمار والتعويضات
صراع اقليمي واشتباكات محلية ترسم خارطة القوى وواقع النزوح والهجرة في سنجار

ميسر اداني وسامان داود     
"لقد خابت آمالنا مُجدداً.. عدنا قبل ثلاث سنوات الى سنجار لنؤسس لحياةٍ جديدة بعد أن فقدنا كل شيء في 2014، وها نحن ننزح مجدداً هرباً من المعارك... هذه باتت أرضاً لصراعات القوى المحلية مختلفة الولاءات وميداناً لتصيفية صراعات الدول الاقليمية فكيف يمكننا البقاء؟".
يقول الايزيدي الثلاثيني قاسم علي، بعد أن اجتاز بسيارته القديمة التي أقل بها عائلته المؤلفة من أربعة أشخاص، نقطة تمركز لقوات البيشمركة الكردية شمال سنوني التابعة لسنجار (120 كم غرب الموصل) باتجاه إقليم كردستان عقب استحصاله موافقة الدخول الى محافظة دهوك.
يضيف وهو يرفع يديه وينظر للسماء "سنذهب الى أقاربنا في زاخو..ماذا نفعل؟.. كتب علينا أن نقضي بقية أعمارنا هاربين من المعارك ونازحين في المخيمات".
وشهدت بلدة سنوني (147كم غرب الموصل) مطلع أيار/مايو 2022 اشتباكات مسلحة متقطعة امتدت ليومين، بين قوات الجيش العراقي ومقاتلي وحدات "مقاومة سنجار" (يه به شه) التي غالبية مقاتليها من الايزيديين وينضوي جزء من تشكيلاتها تحت الوية الحشد الشعبي المعترف بها قانونيا، لكنها مقربة فكرياً من حزب العمال الكردستاني الذي دعم تأسيسها في خريف العام 2014 لمواجهة تنظيم داعش.
الاشتباكات لم تكن الأولى لكنها كانت الأوسع، سقط خلالها أربعة قتلى وعشرة جرحى من الجانبين، ما أثار مخاوف السكان من انهيار الأوضاع الأمنية في ظل ضعف قوة الدولة وغلبة سيطرة الفصائل المسلحة في منطقة تضم بحسب مراقبين أكثر من 20 الف مسلح.
 
وكان قاسم، قد قضى أكثر من أربع سنوات في(مخيم جمشكو) للنازحين بمدينة زاخو أقصى شمال إقليم كردستان، بعد فراره مع عائلته من سنجار في آب أغسطس 2014 إثر عمليات القتل والخطف التي نفذها تنظيم داعش الذي سسيطر على المنطقة قبل أن يعود في العام 2017.
يقول عن تلك الفترة "مواسم الصيف والشتاء في خيم صغيرة متلاصقة، وتحملنا كل شيء، الفقر وألم فقد العشرات من أحبتنا، وكان لدينا أمل باستعادة حياتنا، وتعلم الدروس مما حصل لنا".
يضيف وهو يضرب كفيه ببعضهما:"اليوم جميعنا يائسون بسبب الخلافات السياسية، فأبناء سنجار أنقسموا بين مختلف القوى ولا جامع لهم، والسلاح بات في كل مكان وبيد الجميع".
يشكل قضاء سنجار بامتدادته شمالاً الى الحدود التركية، وغربا الى سوريا، وجنوبا الى بادية وصحراء الانبار وشرقا الى مدينة الموصل الاستراتيجية ثاني أكبر مدن البلاد، نقطة صراع محلية واقليمية، وشهدت خلال العامين الاخيرين جولات عدة من الاشتباكات الى جانب هجمات بالطائرات التركية المسيرة في ظل انتشار فصائل مسلحة مختلفة الولاءات تتصارع على السلطة هناك.
اندلعت الاشتباكات الأخيرة اثر محاولة الجيش العراقي السيطرة على نقاط أمنية تابعة لوحدات مقاومة سنجار واسايش ايزيدخان الايزيديتين اللتين رفضتا التخلي عن مواقعها.
المشهد الأمني المتوتر والصراعات المسلحة على النفوذ لا تغيب عن سنجار منذ آب اغسطس 2014 حين هاجمها مقاتلو تنظيم داعش وقتلوا واختطفوا آلاف الايزيديين والتركمان الشيعة، فيما نزح نحو 300 الف شخص نحو إقليم كردستان مازال نحو ثلثيهم يعيشون في المخيمات رغم مرور نحو سبع سنوات على استعادة المنطقة.
يقول الباحث السياسي عادل كمال، أن العديد من القوى العربية والكردية تتنافس اليوم على الأرض هناك فضلاً عن دول إقليمية كإيران وتركيا، نظراً لما تشكله المنطقة من أهمية لها.
ويوضح "ايران تعد سنجار، جزءاً مهما من طريقها الاستراتيجي نحو سوريا أو ما يصفه موالون لها بـطريق السبايا، في حين أن تركيا تعدها بوابةً لتوغلها نحو المناطق التركمانية في قضاء تلعفر المحاذي لسنجار، ومفتاحاً لمدينة الموصل(405 كم شمال بغداد)ولايتها المفقودة تاريخياً".
وبسبب ذلك، يرى كمال بأن "القضاء بات منقسما الى مناطق نفوذ متداخلة، ربما سيتطلب الأمر سنوات قبل حسم الصراعات فيها".
يمتد قضاء سنجار من الحدود السورية غرباً والى البادية الممتدة الى الأنبار جنوباً حيث معقل الجماعات السنية المسلحة منذ 2003 لغاية 2017، وشمالاً الى اقليم كردستان الذي يحكمه الحزب الديمقراطي، وشرقاً الى مدينة الموصل أكبر واهم المدن السنية والتي تضم في ذات الوقت خليطا عربيا كردياً تركمانياً سنياً وشيعياً.
 

هروب عبر الطرق الترابية
بعد ساعات من المعارك، تم قطع الطرق الرئيسية من قبل الاطراف المتقاتلة، غير أن آلاف الفارين من مجمعات شمال سنجار(خانصور وسنوني ودوكوري) تسللوا عبر طرق فرعية وترابية ووصول الى اقليم كردستان في مشهد أعاد ذكريات الهروب من تنظيم داعش في العام 2014.
سليم وهو خريج جامعي، اضطر لإيقاف سيارته التي حشر فيها سبع ركاب، حين قفز أبنه الصغير خارجاً منها بعد نوبة بكاء، بدا غير راغب في الكلام، قبل أن يتمتم "هذا حالنا يعرفه الجميع بكاء وهروب ونزوح دائم".
يضيف وهو يحاول تهدئة ابنه الذي لم يبلغ الرابعة بعد :"لقد هربنا من سنوني.. الصراع المحتدم على السلطة بين عدة جهات مسلحة يمنعنا من استعادة حياتنا الطبيعية ويثير مخاوف الباقين في المخيمات من العودة".
يقول سليم الذي عاد في العام 2017 ورمم منزل العائلة المدمر نتيجة لحرب التحرير من داعش، مستخدماً مدخراته التي جمعها من عمله لسنوات عامل بناء بأجر يومي "بعد تكرر الاشتباكات بات واضحا أن الحلول غائبة وأأن احلامنا البسيطة لن تتحقق".
ينقل الايزيدي الشاب مشاهداته "أصوات الرصاص كانت تسمع لساعات وفي كل مكان، الطرق الرئيسية كانت مغلقة، والاشتباكات وصلت لبعض الأحياء السكنية حيث انتشر المسلحون.. رأينا اسلحة متوسطة، واستقدم الجيش مدرعات وأسلحة ثقيلة، لو أن ربع تلك القوة ظهرت في العام 2014 لما سقطت سنجار بأيدي الدواعش أبداً".
 
بإلقاء نظرة سريعة على سنجار، نجد بأنها مزدحمة بالقوى المسلحة المتنافسة، ففي مركز المدينة وأطرافها تنتشر وحدات من الجيش العراقي وترفرف الاعلام العراقية على أسطح الدوائر الحكومية والأبنية الرئيسية، فيما ترتفع أعلام فصائل الحشد الشعبي المختلفة والقوى الايزيدية مختلفة التوجهات في جوانب المدينة.
وتبسط فصائل الحشد الشعبي المقربة من إيران التي تعد الحاكم الفعلي للمنطقة وصاحبة القرار فيها وفقاً لما يؤكدهُ أهالي المنطقة، سيطرتها على جنوبي سنجار وقرب الشريط الحدودي مع سوريا وشرقاً الى مدينة تلعفر أحدى معاقلها.
 أما في جبل سنجار شمالاً، وعلى طول امتداده غرباً والمجمعات السكنية المحيطة به، تنتشر وحدات مقاومة سنجار الايزيدية الموالية فكرياً وعقائدياً لحزب العمال الكردستاني المعارض لتركيا. وليس بعيداً، في شمال شرقي قضاء سنجار تسيطر الوحدات التابعة للحزب الديمقراطي الكردستاني والتي تأمل في استعادة سيطرتها المفقودة على القضاء مجدداً.
سعيد إبراهيم (38 عاما) وهو ايزيدي آخر كان قد عاد الى بلدة سنوني منتصف العام 2018 وافتتح محلاً صغيراً للملابس الرجالية ليؤمن بدخله قوت عائلته المكونة من خمسة أفراد، انتهى بهم الحال مجدداً في المخيم.
 يقول بشيء من الأسى "حصلت اشتباكات عنيفة ليلا، استخدموا خلالها جميع أنواع الأسلحة، عرفت ذلك من خلال الأصوات المختلفة، كانت النيران تحيط بنا. ثم اغلقوا الطرق الرئيسية فخرجنا عبر الطرق الترابية ذاتها التي خرجنا منها هربا في العام 2014 من داعش".
يتهم ابراهيم وحدات مقاومة سنجار الموالية لحزب العمال الكردستاني، باستغلال العائلات والتواجد بينها خلال مواجهتها للجيش العراقي:"اذا قتل مدني سيتهمون الجيش .. كان على الطرفين وبشكل خاص الجيش اخبار العائلات بالخروج قبل بدء عمليتها وإطلاق النار الذي نشر الرعب والفوضى".
يتابع الايزيدي الذي ملء سيارته بكل ما استطاع من مئونة وحاجيات منزلية، في إشارة ربما الى قراره بعدم العودة مجددا لمنطقة يمكن ان ينهار فيها الأمن بأي لحظة في ظل وجود قوى متناحرة :"يبدو ان علينا قضاء كل حياتنا في هروب دائم.. من الصعب جدا العودة إلى سنجار.. حقا الموت في المخيمات أفضل من الموت برصاصة طائشة".
ابراهيم، المحبط من اضطراره لترك منزله ومحله التجاري، قال: "نزحنا خوفا على حياتنا، قبل أيام أصيب مدنيان في دوكرى برصاص طائش.. لم نعد نثق بأي طرف يدعي الدفاع عنا وحمايتنا". سكت لبرهة ثم أكمل بنبرة فيها تصميم "سأعرض محلي للبيع واستقر في كردستان فهذه لعبة خطرة".
 

بيانات وتصريحات متقاطعة
في تعليقها على اشتباكات سنجار، حملت خلية الإعلام الأمني للجيش العراقي في بيانٍ لها، المسؤولية لوحدات مقاومة سنجار التي تعرف بـ(  يه به شه )، وطالبتها بوقف ما وصفته بـ"تحركاتها الخارجة عن القانون".
وذكرت أن مجموعة من عناصر هذه القوة قامت في 2 أيار بغلق عدد من الطرق التي تربط مركز ناحية سنوني ومجمع خانصور بالمجمعات والقرى المجاورة، وأقامت حواجز أمنية ومنعت حركة المواطنين، ما دفع القطعات العسكرية في قيادة عمليات غرب نينوى والوحدات المتجحفلة معها الى التدخل، الا أنها تعرضت الى "رمي كثيف بالرصاص" وهو ما دفعها الى الرد على مصادر النيران "وفقاً لقواعد الاشتباك" لفرض سلطة القانون والنظام واعادة فتح الطرق. وفقاً للبيان.
وفي اليوم التالي، الثاني من أيار/مايو 2022 زار رئيس أركان الجيش العراقي اللواء عبد الأمير يارالله و نائب العمليات المشتركة اللواء عبد الأمير الشمري يرافقه قائد القوات البرية ومدير الاستخبارات العسكرية، قضاء سنجار بغية تهدئة ألأوضاع، بحسب ما تم تداولهُ إعلامياً.
 إلا أن مصادر مطلعة في قيادة العمليات، أكدت بأن هدف الزيارة كان منح الفصائل المسلحة التابعة للعمال الكردستاني مهلةً للخروج من سنجار وتسليم مواقعها، لكن على الأرض لم يتحقق ذلك وعاد كل طرف الى مواقعه السابقة.
قبلها بأيام، كانت قيادة العمليات المشتركة، قد أعلنت عن وصول "تعزيزات عسكرية" كبيرة إلى سنجار "لفرض القانون". وأضافت في بيان لها، بأنها لن تسمح "بتواجد المجاميع المسلحة في القضاء، ولن تسمح لأي قوة بفرض إرادتها فيه".
 
وفي سؤالنا للمصادر التي تواصلنا معها في قيادة العمليات، عن المتسبب بالمشكلة، أفادوا بأنهم المسيطرون على القرار في الفوج 80 من الحشد الشعبي (قادة وحدات مقاومة سنجار) وهم أشخاص موالون لحزب العمال الكردستاني وليس أفراد الفوج. 
وانتقدت وحدات مقاومة سنجار (يه به شه)، التي كانت قد رفضت تطبيق اتفاقية سنجار بشكلها المعلن، موقف الحكومة العراقية، ونددت عبر متحدثين عنها باستخدام الجيش لمواجهة قوات قالوا بأنها تشكلت لمواجهة داعش والدفاع عن الايزيديين وهي اليوم جزء من الحشد.
وأبلغنا مصدر من داخل هذه الوحدات أن "حكومة الكاظمي" دفعت في 17 نيسان/أبريل 2022 بقوات من الجيش للهجوم على نقاط أمنية تابعة لها بهدف السيطرة على تلك النقاط وهو ما دفعهم للرد.
ولفت المصدر، الذي فضل عدم الاشارة الى اسمه، إلى أنه رغم  اطلاق حوارات في حينها للتوصل الى حل "فان الحكومة العراقية واصلت حشد القوات وارسال الأسلحة الثقيلة للهجوم مجدداً على مواقعنا بالمجمعات السكنية في شمال سنجار، ما أجبرنا على قطع بعض الطرق لمنع تقدمها".
 
كما وقعت اشتباكات بين قوات آسايش ايزيدخان والجيش العراقي يومي 18 و 19 نيسان/بريل 2022، بعد أن طلب الأخير من عناصرها إخلاء نقطة عسكرية بالقرب من بلدة سنوني.
المواجهات بمجملها، أسفرت عن مقتل أحد عناصر (يه به شه) وإصابة ثلاثة آخرين الى جانب إصابة 20 جندي وعدد من المدنيين، كما اعتقل الجيش 35 مسلحا تابع لـ(يه به شه) في المقابل أسرت هي 47 جنديا عراقيا. وتم لاحقا تبادل الأسرى بين الجانبين.
ومن جملة إتهامات (يه به شه) لرئيس الحكومة العراقية إيعازه لشن تلك الهجمات ارضاءً لتركيا وبتأييد من الحزب الديمقراطي الكردستاني الذي يأمل اعادة بسط سيطرته على سنجار، معلنة رفضها "لمحاولات نزع السلاح الايزيدي وإنهاء وجود قواتهم في الوقت الذي يمر العراق بأزمات خطيرة تهدد بعودة الحركات المتطرفة" وفق ما جاء في تصريحات وبيانات لمسؤولي تلك الوحدات.
وتقول (يه به شه) أن "مشكلة سنجار ليست عسكرية بل سياسية"، وأن من حق الايزيديين امتلاك "قوة ذاتية" تدافع عنهم بعد ما حصل في 2014 حين تخلى الجيش والبيشمركة عنهم ما مكن تنظيم داعش من السيطرة على مناطقهم وتنفيذ عمليات قتل واسعة فيها، ويكررون في تصريحاتهم "سنحمي أنفسنا ضد أي هجمات وليحدث ما يحدث" .
 

صراع تركي ايراني
يرى كاتب وصحفي من سنجار، يتابع منذ 2003 تحولات المشهد في المنطقة، أن الاشتباكات بين القوى المحلية المسلحة المتنافسة في سنجار، هو في العمق صراع اقليمي لاعباه الرئيسيان ايران وتركيا.
ويوضح الصحفي الذي فضل عدم ذكر اسمه لحساسية موقعه :" أن لكل من ايران وتركيا مصالحها الخاصة في السيطرة على سنجار، فأنقرة مهتمة بالمنطقة وتريد فرض سيطرتها عليها فهي أمنيا تشكل مثلثا مهما لها بين ثلاث دول، واقتصاديا تعد طريقا استراتيجيا للخط البري الذي تريد مده من أراضيها الى الموصل ولاحقا كركوك وبقية المناطق السنية عبر تلعفر التركمانية، وبالنسبة لايران هو طريق استراتيجي أمني واقتصادي نحو سوريا وهي مساحة نفوذ مهمة وسط بيئة سنية غير موالية لها".
واستبعد الصحفي، أن ينتهي الصراع المحلي الاقليمي على سنجار خلال وقت قريب، مرجحاً أن تشهد المنطقة جولات صراع عديدة بين فريقين، الأول مدعوم من ايران ويتمثل بالحشد الشيعي مع الحشد الايزيدي والمتناغم مع القوى الموالية لحزب العمال. والثاني مدعومٌ من تركيا ويتمثل بالحزب الديمقراطي وبعض القوى السنية اضافة الى تشكيلات الجيش العراقي التي تريد فرض سلطة الحكومة الاتحادية على المنطقة في مواجهة سلطة الحشد، على حد قولهِ.
 
يتفق الكاتب الكردي سامان سنجاري مع تلك الرؤية، ويقول أن تركيا تريد على المدى البعيد قطع التواصل بين كرد العراق وكرد سوريا عبر السيطرة على سنجار وهذا يحقق مشروعها باضعاف اقليم كردستان وخنق الادارة الذاتية الكردية في سوريا.
ويشير إلى أنها، أي تركيا "تستخدم حجة القضاء على حزب العمال الكردستاني باعتباره منظمة ارهابية في تحركاتها، في حين تريد ايران الحفاظ على نفوذها القوي هناك لضمان خطوط امداد أمنية بل وحتى لدعم مشاريع مد خطوط الطاقة من ايران الى سوريا عبر المنطقة". 
وينبه سنجاري الى حجم التعقيدات وتداخل القوى وتقاطع المصالح في الملف، فحزب العمال الكردستاني الذي هو فصيلٌ يحارب تركيا وله جناح معروف باسم (حزب الحياة الحرة) يحارب ايران، بات اليوم ينسق عبر القوى المقربة منه في العراق مع طهران لشن هجمات على الوجود العسكري التركي في اقليم كردستان وشمال العراق، مستدلاً بذلك الى توالي الهجمات على قاعدة بعشيقة التركية في شمال الموصل، والتي تبنى آخر هجوم عليها بطائرتين مسيرتين أودى بحياة شخص، فصيلٌ تحت اسم "أحرار سنجار".
ويرى سنجاري بأن اتفاقية سنجار لم تجد طريقها للتطبيق لأنها لم تراعي التوازنات على الأرض في ظل وجود الحشد والقوى الايزيدية التي ترفض إعادة بسط سيطرة الجيش العراقي وقوات البيشمركة التابعة للحزب الديمقراطي الكردستاني على القرار هناك، وأن المشهد الحالي هو "هدنة مؤقتة دون وجود رؤية وخطط واضحة للحل في ظل توازن القوى القائم هناك".

عشرة آلاف نازح جديد
بعد ساعات من اشتباكات سنجار في 2 أيار/مايو2022، اعلن مدير دائرة الهجرة والمهجرين في دهوك ديان بير جعفر، عن وصول 650 عائلة من سنجار الى محافظة دهوك باقليم كردستان تضم  3570  فرداً، لكن الأرقام تصاعدت سريعا لتصل الى أكثر من 1700 عائلة. في وقت كشف محافظ دهوك عن وصول 10 آلاف نازح.
بعد نحو اسبوعين من توقف الاشتباكات، أعلنت دائرة الهجرة عن عودة 200 عائلة الى مناطقها في سنجار "لالتحاق أفراد فيها بوظائفهم وأعمالهم هناك" فيما بقي الجزء الأعظم من النازحين لدى أقاربهم في المخيمات أو بيوت في مدينتي دهوك وزاخو.
النازحون الجدد اضيفوا الى النازحين السابقين في المخيمات. فبحسب إحصائيات مديرية الهجرة والمهجرين بمحافظة دهوك، من مجموع 135 ألفاً و 844 نازحاً موزعين على 15 مخيماً في دهوك، عاد إلى سنجار 33 ألفاً و724 شخصاً فقط، فيما بقي 102 ألفاً و 120 في المخيمات.
وتعليقا على موجة النزوح الأخيرة، غردت نادية مراد الناشطة الايزيدية الحاصلة على جائزة نوبل للسلام، قائلة "بعد سنوات من النزوح، يضطر العائدون الجدد مرة أخرى إلى الفرار من منازلهم بسبب الاشتباكات المسلحة. أدعو المجتمع الدولي إلى التدخل والعمل مع الحكومة العراقية لحل القضايا الأمنية المستمرة في المنطقة وحماية المدنيين".

البنى التحتية والتعوضيات
الى جانب الصراعات الأمنية، هنالك عاملان آخران حاسمان في مسألة الاستقرار بسنجار، الأول يتمثل بالوضع الاقتصادي، حيث تندر فرص العمل هناك، والثاني يتضمن توفير الخدمات الأساسية واطلاق عمليات الاعمار.
يذكر تقرير صدر عن المجلس النرويجي للاجئين، في ايار 2022 أن الدمار الواسع والتوترات الامنية والاجتماعية يعيق عودة نحو ثلثي أهالي سنجار إلى ديارهم، مشيرا الى ان 99% ممن تضررت منازلهم وقدموا طلبات تعويض للحكومة لم يتلقوا تعويضا لغاية الآن. وأضاف التقرير أن "نحو 193 ألف شخص من ايزيديين وعرب وكرد، مازالوا يعيشون حالة نزوح".
 
ويشير التقرير إلى أن الاشتباكات الاخيرة أدت الى نزوح أكثر من 10 آلاف و260 شخصاً، اكثرهم عايشوا جولتين أو ثلاث جولات نزوح سابقة، وتكشف نتائج استطلاع لآراء 1500 نازح أجري قبل موجة النزوح الأخيرة، بشأن تقييم استعداد النازحين للعودة، أن "64% منهم قالوا بأن منازلهم متضررة على نحو كبير، في حين أن 32% أبدوا قلقهم من الوضع الأمني".
ليلى قاسم، سيدة إيزيدية نازحة في دهوك، تعرض منزلها في سنجار للتدمير، تقول "معظم أهالي سنجار فقراء ولا يستطيعون إعادة بناء دورهم المهدمة والحكومة لم تعوضهم، كما أن الخدمات هناك سيئة، بل أن المسؤولين في نينوى يقولون صراحة أنهم لن يقوموا بحملات أعمار ما لم يعد السكان".
 

اتفاقية سنجار المعطلة
في  تشرين الأول/ أكتوبر 2020 توصلت الحكومة الاتحادية مع حكومة إقليم كردستان الى اتفاقٍ لتطبيع الأوضاع في سنجار ومعالجة الملفين الاداري والأمني، الأول عبر تشكيل إدارة جديدة تخضع للسلطة الاتحادية لكن بالتنسيق مع حكومة الاقليم، والثاني عبر ابعاد قوى الحشد وتسليم أمن القضاء للجيش والشرطة الاتحادية وتعين 2500 عنصر من أهالي سنجار على ملاك الشرطة المحلية لحماية المنطقة.
لكن الاتفاقية واجهت صعوبات في التنفيذ، أشارت اليها الممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة في العراق جينين بلاسخارت، في تقريرها المقدم الى مجلس الأمن في 17 أيار 2022، قائلة "بينما يحتاج السكان المحليون على نحو عاجل إلى إعادة بناء حياتهم، لا يزالون يواجهون عقبات غير معقولة بسبب الخلاف على الترتيبات الأمنية وتقديم الخدمات العامة والإدارة الموحدة".
 
ممثلة الأمم المتحدة قالت أيضا "منذ التوقيع على الاتفاق، دعوتُ إلى التنفيذ السريع له، لكن من الواضح إن العكس هو ما يحصل فحتى الآن لم يتم الاتفاق على اختيار قائمقام جديد مستقل (للقضاء) ولاتزال الأموال الخاصة بالقوة الأمنية المحلية محجوزة ربما بسبب التدخل بإجراءات التعيين غير الواضحة".
وفي اشارة الى أهمية حل مشكلة المقاتلين الذين انضموا مضطرين الى فصائل مسلحة، ذكرت بلاسخارت في تقريرها "بخصوص إجراءات التعيين تلك، أؤكد مرة أُخرى على أهمية انتهاج مسار عملي وواقعي، إذ أن ليس كل من انضم الى-قوات أُخرى- في الماضي يمكن ببساطة أن يتم التعامل معه بالكيفية ذاتها. ويجب أن ندرك أن بعضهم -وفي غياب سلطة الدولة- اختاروا ببساطة أن يحصلوا على شبكة أمان وهوية خاصة بهم ودخل لإعالة أسرهم".
وانتقدت بلاسخارت حكومتي بغداد وأربيل لضعف تواصلهما مع(المجتمعات المحلية) في سنجار، وقالت "من المهم أيضاً ملاحظة أن سنجار قد تحولت بنحو متزايد إلى ساحة للمفسدين الخارجيين والمحليين.هكذا لن يشهد الوضع أي تحسن"، منبهة إلى أن "الافتقار لآليات تنسيق وتنفيذ واضحة وهيمنة المصالح الحزبية يعوق بشكل كبير إحراز تقدم".

حراك شبابي وسط غابة الأسلحة
عقب الاشتباكات الأخيرة وفي ظل غلبة المصالح الحزبية وضعف منظمات المجتمع المدني، أطلق ناشطون شباب مبادرات لانهاء التصعيد واقتراح حلول جديدة لوضع حد للصراعات في سنجار. المبادرات تضمنت وقفات احتجاجية في ميادين عامة بسنجار وسنوني، ورسائل موجهة لأصحاب القرار.
اولى مطالب الحراك الشبابي، تمثلت باخراج كل القوى المسلحة خارج المجمعات السكنية والإبقاء على الشرطة المحلية الى جانب حل ازدواجية الإدارة بين بغداد واربيل، فيما يشير ناشطون خارج الحراك الى أن الحل النهائي "ربما يكمن في ضم وحدات مقاومة سنجار إلى القوات العراقية بشكل رسمي".
لكن أصوات الشباب تظل خافتة في مواجهة المصالح الحزبية وطموحات الدول الاقليمية ووسط غابة القوى المسلحة في المنطقة، كما يقول جلال حسن، أحد لمشاركين في الحراك، ويقول "في ظل غياب مؤسسات الدولة بالعراق التي تحفظ السيادة والأمن والمصلحة العليا لا يمكن انتاج حلول، لذا تجد أهالي سنجار من ايزيديين ومسلمين يرفضون العودة".
 

عدت إلى ذات الخيمة
شيخ خلف (41 عاما) هو أحد النازحين من المنطقة، والذي بعد ثلاث سنوات من استقراره بسنجار عاد الى ذات خيمته السابقة التي عاش فيها خمس سنوات بمخيم إيسيان في منطقة شيخان بسهل نينوى. يقول "التدخلات الخارجية لن تتوقف في مناطقنا، بوجود من يقاتل نيابة عنهم.. فقدنا الأمل بأن تصبح سنجار آمنة.. لقد باتوا يقاتلون بالأسلحة الثقيلة وكأنهم أعداء لبعضهم البعض".
أما طلال هسكاني، وهو شاب مهتم بواقع ومستقبل الايزيدية، فيقول بأن "الناس من حقها أن تهرب من سنجار، فاضافة الى سوء الوضع الاقتصادي، الأمن مهدد بسبب الصراعات". ويضيف "انهم يخافون على أرواحهم ويريدون بناء مستقل أفضل لأطفالهم، فالظروف غامضة وتجدد القتال متوقع في أي لحظة".
ويرى هسكاني ضرورة ترك خيار البقاء أو العودة لكل عائلة دون ضغط، لكن غالبية الايزيديين، الشباب على وجه الخصوص يرغبون بالهجرة. 
دلير، شاب في الرابعة والعشرين من عمره، كان يقف وسط عاصفة ترابية على مقربة من جسر سحيلا الذي يفصل اقليم كردستان عن مناطق سنجار، مودعاً عائلته التي كانت قد غادرت قبل عامين مخيمهم بأطراف دهوك وعادت الى قريتهم بسنجار. يقول وهو يدخن :"قلت لهم لا أمل ولا مستقبل هناك.. أي عاقل لا يمكنه البقاء وسط الصراعات ورغبة كل طرف فرض سلطته".
لا يجد دلير أفقاً للحل ويرى ان كل ما يمكنه فعله هو أن يحاول مجدداً الهجرة الى أوربا، فقد قضى في الخريف الماضي شهرين في بلاروسيا وتركيا محاولاً العبور لكنه لم ينجح فعاد أدراجه. يضيف الشاب وهو يهيئ الحوض الخلفي لسيارة كانت تنتظره ليضع فيه حاجياته: "سأهاجر، لا حل آخر".
بحسب منظمات ايزيدية فأن نحو 150 الف ايزيدي قد هاجروا من العراق باتجاه الدول الاوربية منذ العام 2014 وهذا الرقم يعادل نحو ثلث العدد الكلي للايزيديين الذين كانوا يعيشون في العراق قبل 2014. 
يتابع دلير وهو يزيل الغبار من نافذة السيارة الأمامية خلال دقائق انتظاره "لا مستقبل لنا هنا، حكومة بغداد ضعيفة وعاجزة والكرد فشلوا في ادارة سنجار وحمايتها وباتت المنطقة ساحة صراع اقليمي ستطول المعارك فيها".
*أنجز التقرير بدعم من مؤسسة نيريج للتحقيقات الإستقصائية.