المحرر موضوع: الصدر فاشل في نجاحه ناجح في فشله  (زيارة 642 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل Janan Kawaja

  • اداري
  • عضو مميز متقدم
  • ***
  • مشاركة: 31431
    • مشاهدة الملف الشخصي
الصدر فاشل في نجاحه ناجح في فشله
سيلقي مقتدى أسباب فشله على الآخرين وعلينا أن نصدقه.
MEO

 مقتدى الصدر هرب بطريقة مؤسفة لمناصريه وبشكل غامض ودون أسباب معلنة
 لو أن أي سياسي في العالم قام بما قام به الصدر لأتهمه حزبه بالجنون وأبعده عن المشهد
حين حانت لحظة الحقيقة هرب مقتدى الصدر وهو يعرف أن الفوضى هي البديل. "ولكن السياسة في العراق هي عبارة عن ’سوق هرج‘، يدخلها مَن يشاء ويخرج منها حين يشاء" سيُقال. ذلك صحيح. وصحيح أيضا أن كل صناع تلك السوق هم مهرجون. الفوضى إذاً هي سمة السياسة في العراق الجديد فما الذي سيضيفه الصدر بقراره الصدامي الصادم، الهازم والمهزوم، الحائر والمحير؟

سيكون الأمر مختلفا هذه المرة. لقد عاد الصدر إلى قواعده. سيكون قائدا بطريقة تذكر به زعيم ميليشيا مغامرا بحشود الفقراء الذين فشل في تلبية شيء ولو صغير من مطالبهم المتواضعة. سيقودهم مرة أخرى إلى جحيم مظلوميته، باعتباره البطل الاسطوري الذي تآمر عليه الجميع داخل لعراق وخارجه. الضحية النموذجية التي يليق بها أن تدخل إلى السرديات البكائية العراقية. هو ذا اليتيم الذي طرده اللئام من مائدتهم. سيكون علينا ان نصدق كل ما يقوله الغفراء المغلوبون بجهلهم. كيف لا نفعل ذلك وهم الشعب. شعب مقتدى الذي سيكون له حساب مع الطغمة الحاكمة التي قررت أن لا تسمح لزعيمها بالإصلاح ومحاربة الفساد. علينا أن نصغي لرواية أخرى كما لو كنا من سكان كوكب آخر.

سيلقي مقتدى أسباب فشله على الآخرين وعلينا أن نصدقه.

لقد ظل يدور في مكانه ما أن وهبه الشعب العراقي فوزا سهلا على خصومه. قام الشعب بالدور المطلوب منه في المعركة وكان على مقتدى أن يكمل الحرب. غير أنه ومن غير أن يُعلن الأسباب قرر أن يغادر ساحة القتال مكتفيا بالطلب من نوابه الاستقالة والبدء بإجراءات التقاعد باعتبارهم نوابا سابقين.

لو أن أي سياسي في العالم قام بما قام به الصدر لأتهمه حزبه بالجنون ولتم عزله وإبعاده عن الحياة السياسية والعامة ولكن الأمور في كوكب العراق تجري بطريقة غير مسبوقة ولا تصلح للمقارنة. وهو ما يجعل الصدر وسواه من أفراد الطبقة السياسية مطمئنين إلى أن لا أحد في إمكانه أن يعرضهم للمساءلة. فالصدر خط أحمر لا يمكن اختراقه وليس في إمكان أي قانون أن ينال منه ما دام في إمكانه أن يصنع مفاجآت يحار بها أعداؤه قبل أصدقائه الذين يخفون وجوههم خشية أن يُسألوا عن تفسير عقلي لتصرفاته التي تؤكد أنه ينبغي أن يوضع تحت رعاية خاصة بالحالات الخطرة.

سيُقال إن الرجل لم يقو على مواجهة الضغوط الإيرانية فقرر الانتحار سياسيا بدلا من أن يصبح جزء من الجوقة الإيرانية. ذلك مقبول لو أنه أبقى على مجلس النواب المنتخب على حاله وابتعد بنفسه عن السياسة. لو أنه أصبح معارضا بنوابه الذين سيصيرون قوة تشريعية ضاغطة في مواجهة الفساد. غير أنه هرب بطريقة مؤسفة بالنسبة لمناصريه. فبعد أن أوهمهم بقدرته على البدء ببناء دولة عراق جديدة تقوم على الإصلاح ومحاربة الفساد والأسوأ في مظاهر ذلك الهروب ما ظهر في انسحاب قريبه محمد جعفر الصدر من الترشيح إلى رئاسة الحكومة كما لو أن الحفلة العائلية قد الغيت.     

الصدر في حقيقته ليس رجل سياسة كما أنه ليس رجل دين.

تلك مشكلة سيدفع العراق ثمنها. ليست تكلفتها قليلة إذا ما أخذنا في نظر الاعتبار أن الصدر قد طوى مرحلة مهمة من تاريخ الاحتجاج الشعبي من خلال وصوله منتصرا إلى السلطة التشريعية التي في إمكانها أن تعين رئيسا للحكومة وللدولة. كانت المرحلة المقبلة تمثل نوعا من الأمل في اتجاه إخراج العراق من النفق المظلم الذي سقط فيه بعد الاحتلال الأميركي.

لم تكن ثقة القلة من الشعب العراقي التي ذهبت إلى الانتخابات في محلها. ولكن هل كان لديها خيار آخر؟ أبداً. أما الصدر وأما خصومه وهم أتباع إيران الذين يُعتقد أنهم يديرون ماكنة الفساد وهم زعماء الدولة السرية التي فضلت أن تبقي الصدر يدير دولته خارجها.

الآن وقد وصلنا إلى دولة الصدر، علينا أن نفهم معنى الفوضى الذي سيؤدي إليها قرار الصدر بالانسحاب من العملية السياسية بطريقة غامضة ومن غير أسباب معلنة.

لو كان الصدر من غير دولة لكان انسحابه مريحا بالنسبة للكتلة التابعة لإيران، غير أن ذلك أمل بعيد المنال. فالصدر الذي فشل في إدارة نجاحه سيكون ناجحا في إدارة فشله. هو ما يعني أن أية حكومة سيتم تشكيلها لن تقاوم كثيرا.

تلك هي الفوضى التي لم يكن الشعب العراقي ينتظرها.