المحرر موضوع: عابرون .. نص للشاعرة تارا ايبو  (زيارة 1158 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل د. بهنام عطااالله

  • عضو مميز
  • ****
  • مشاركة: 1508
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
عابرون

تارا ايبو
شاعرة وكاتبة
 
أنا وحيدة، أصدّق كل الوعود،  وأنتظر كل المواعيد ولم أكن عزيزة على أحد، أحببت أن يكون لي صديق يوماً دونما النظر إلى المصالح لم أجد  و لن يحدث .
أعطيت كل شيء و لم أحصل على  أي شيء.
كلهم عابرون في حياتي  يلقون بثقل متاعبهم على بوابة قهري ويمضون
فقط أمضغ همومهم، يرهقون طبلة أذني بإسقاط جوقة حماقاتهم فيها ولا أحد ينشد همومي فقط يمتصّون جرح ابتساماتي التي ملأتها بذهب انكساراتي وحسراتي لتبدو أنيقة.
كلهم عابرون، وأنا في محطة الانتظار باقية، الكل يعبر إلى وجهته راكباً تكسي أو سيارة فاخرة، حافلة مزدحمة بوجوه غريبة أو حتى مشياً على الأقدام معانقاً أحداً ما، فقط تبدو ظهورهم لي بمعاطفهم الداكنة وأصوات أحذيتهم المغادرة.
وتأرجح أحبابهم بذراعهم وابتساماتهم تعبر أكتافهم.
و أنا أنتظر المستقبل الذي يبدو كصندوق فارغ من كل شيء إلا الدموع.
المحطة تبدو مخيفة موحشة وكل الكراسي ضبابية ، المواعيد  اقتربت دقات ساعتها المرعبة .
الشارع رمادي و كل الصور مرسومة بالدموع كل الذي أرى رصيف بنهاية  مفقودة أضواء اغتصبتها الثلوج المقيمة ، خلف نورها الدامع مدن مدمرة وقرى ضائعة و فتاة حمقاء بريئة قتلها الحب . .. وشاباً منكسر بقبعة أوروبية وأنفاساً شرقية مبللة.
دوّنت هذه الرسالة و يداي ضائعة في ظلمة جيوب معطفي وأنا مارة بتلك الأميرة المرتجفة بساقيها العارية  وأصطكاك أسنانها تحضن دفء ماضيها وعيونها تجري خلف ممرات الخوف بأرنبة أنفها المتجمدة التي سقطت عنها كل عبق الأمان و السلام .
و من يستطيع أن يقرأ هذه الرسالة ، سوى الذي يعيشها ويحاكيها ويمضي فيها.
فتأمّلها وحاكِ إحساسك الأول عند ملامستها يا أيها القارئ ...لا تفزع من المعاناة وكآبة الروح فيها  ...نحن في عصر اللبلاب.
لا تمضي إلى اتجاهات أخرى، فقط ألقِ بنفسك في واحات الكلمات لتجد المعاني.
في شوارع مدننا المدمّرة، الوجوه رسائل نمر بها و نعبرها و نتركها تموت، ونحن ندير وجوهنا عن حقيقة يوم رحيلنا وفي داخلنا رسائل كنا نريد أن نكتبها لتتنفسها أنفاس الحياة
تمهّل يا أيّها الإنسان وأنت تزرع الوجع على جسد إنسان.
كلنا عابرون من بوابات الضباب مارّون، كُفَّ عن النسيان بأنّك مجرّد عابر.