المحرر موضوع: قراءات في كتاب المزامير  (زيارة 464 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل يوآرش هيدو

  • عضو فعال
  • **
  • مشاركة: 33
  • منتديات عنكاوا
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
قراءات في كتاب المزامير
« في: 18:51 07/07/2022 »
قراءات في كتاب المزامير

يوآرش هيدو

ان كتاب المزامير هو اشهر أسفار الكتاب المقدس وأكثرها استعمالاً، وهو السفر الوحيد من"العهد القديم"  الذي يستعمل دوماً وعلى نطاق واسع هذه الأيام وفي جميع الكنائس في كلأرجاء المعمورة،  وهو مقدمة ثمينة للحياة التعبدية  ومرجعاً لعادات  العهد القديم .

ولفظة" المزامير " جمع مزمور ، وهي من الفعل زمر زمراً  وزميراً أي غنى بالنفخ في القصبةونحوه،  الزمار المغني بالقصب،  والمزمار وجمعها مزامير القصبة التي يزمر فيها ، والمزموروجمعها أيضا مزامير ، ما يترنم به من أناشيد وخصوصاً  مزامير داود التي يضمها احداسفارالعهد القديم  تحت عنوان( سفر المزامير) وهذا موضوع حديثنا.

‏والمزامير مجموعة من الأشعار الدينية غرضها تمجيد الرب  وشكره . كانت ترنم على أنغام المزمار وغيره من الآلات الموسيقية كالرباب  والعودوالقيثارة والناي...الخ

‏ويسمى في العبرية (سفر تيهليم) : أي كتاب الحمد .
وقد  استعملت الكنيسة المسيحية " المزامير " في طقوسها  لأسباب عديدة منها أن الكنيسة الأولى نشأت في بيئة عبرية وكان من الطبيعيأن تتأثر
العبادة المسيحية بالعبادة السائدة هناك . ثم أن للمزامير  روعة دائمة وقيمة كبيرة ولها القدرة على تغذية الحياة الروحية للمتعبدين كجماعاتأو أفراد لما فيها من الغنى الروحي العميق و التجارب المختلفة ولأنها في أماكن كثيرة تعكس او تعبر عن حاجات الأشخاص،  فضلا عنقيمتها إللاهوتية. ‏

ولما انتشرت المسيحية أنتشر معها استعمال المزامير  في العبادة واستمر هذا الاستعمال حتى غدت  تلاوة المزامير شيئاً مألوفاً   في طقوسجميع الكنائس . وفي القرون الوسطى حينما كانت نسخ كتاب المزامير نادرة ، كان من الضروري أن تحفظ المزامير عن ظهر  القلب .
بل ان حفظ   المزامير غيباً كان يعد  أحياناً شرطاً ضرورياً للانظمام  إلى سلك الكهنوت.  ويقال أن أحد بأبوات روما رفض رسامة احدالمطارنة  لأنه لم يستطع  أن يستظهر  المزامير جميعاً عن ظهر القلب .
وفي كنيسة المشرق الآشورية تستخدم المزامير على نطاق واسع ‏بل تشكل حجر الزاوية في أداء طقوسها .
تنقسم المزامير إلى خمسة أقسام ينتهي كل منها بتسبيحة  وبلفظة "  آمين " وهي مضافة من قبل جامعي  الكتاب . ويعتقد البعض أن هذاالتقسيم الخماسي يرمز إلى الاسفار الخمسة الأولى من العهد القديم المنسوبة إلى النبي موسى ، اوإلى الحواس الخمس في رأي اخرين،  ومهما يكن من أمر فإن هذا التقسيم موغل في القدم.

‏يتضمن القسم الأول  واحداً واربعين مزمور اً  منها سبعة وثلاثون لداود  وأربعة منها  لمؤلفين  مجهولين تدعى "بالمزامير " اليتيمة .
يتضمن القسم الثاني واحداً وثلاثين مزموراً  منها سبعة مزامير " لبني قورح" ومزمور واحد "لاساف" (١)  ، وثمانية  عشر مزموراً  لداود   وأربعة لمؤلفين  مجهولين  ومزمور لسليمان  بن  داود.
وينتهي هذا القسم بعبارة " آمين ثم آمين تمت  صلوات  داود بن يسى".

‏ويتضمن القسم الثالث سبعة عشر   مزموراً  منها احدى عشر  مزموراً لآساف  وواحدا  لداود وثلاثة لبني قورح  وواحد لبني قورح  و(هيمان  الازراحي)
معاً ، ومزمور لايثان الازراحي.
ويتكون القسم الرابع من سبعة عشر  مزموراً  أيضا منها مزمور واحد ينسب لموسى النبي واثنان لداود والباقي  اي اربعة عشر مزمور ‏ لمؤلفين  مجهولين.


ويحتوي القسم الخامس على اربعة واربعين  مزموراً  منها خمسة عشر  لداود  ومزمور واحد لسليمان  والبقية، اي ثمانية وعشرين مزموراً  ،لمؤلفين مجهولين .
ويعتقد أن هذه الأقسام الخمسة جمعت  في سفر واحد بعد السبي البابلي.
‏لجميع المزامير عناوين عدا اربعة وثلاثين  مزموراً تدعى "مزامير  يتيمة "  . ولا يعرف أصل تلك العناوين إلا  أن الاعتقاد السائد هو أنجامعي الكتب المقدسة أضافوها  تماماً كما إضافوا عناوين الأسفار الأخرى من الكتاب المقدس. ‏
وهذه العناوين قديمة جداً  كما ذكرنا قبل قليل وهي مفيدة لمعرفة الظروف المحيطة بتأليف هذه المزامير  أو سبب تأليفها.
 لقد وردت كلمة " سلاه"  احدى وسبعين  مرة في تسعة وثلاثين   مزموراً  .  وقد اشتد الخلاف على معنى أو مصدر هذه اللفظة . ويرجح  البعض كونها  دليلاً  موسيقياُ  أو أنها تشير إلى نقطة أو  وقف  او شيء من هذا القبيل.

‏لقد استمر  تأليف المزامير مدة تقارب الألف سنة بدأ من ايام موسى حتى العودة من السبي البابلي او حتى بعد ذلك بقليل في أيام عزرا.  إلا أن معظمها كُتب  في ايام داود  وسليمان  وينسب ثلاثة وسبعون منها لداود طبقاً لعناوينها.
‏كان  داود  شاعر اً  وموسيقياً  ويدعى ب (  رئيس المرنمين ) .   ولا شك انه كتب مزامير كثيرة  و أمر بجمع بعضها وصنع آلات موسيقيةلتمجيد الرب ومدحه.  لذلك سميت المزامير كمجموع  " مزامير داود"  ومع مرور الزمن ولان  المزامير المنسوبة إليه كثيرة العدد  اذ  تبلغ ثلاثةوسبعين  من مجموع مائة وخمسين مزموراً  اي نصف عدد المزامير  تقريباً ، فأن كتاب المزامير سمي بأسمه " داود "  او "  داويدا " كمايسمى  في  السريانية  اختصاراً  أحياناً . ‏وقد دعاه يسوع المسيح " كتاب المزامير" .
‏كانت للمزامير  أهمية كبيرة عند يسوع. فقد  استشهد بها في مناسبات عديدة لتغذية القوة الروحية أو في لحظات الحزن  و التجارب أولتوضيح وتفسير تعاليمه.
 فقد استشهد بالمزمور ( المئة والعاشر ،  مثلا وهو يخاطب جماعة من الصدوقيين  قائلا : كيف يقولون أن المسيح ابن داود  ، فأن  داود  نفسهيقول في كتاب
‏المزامير قال الرب لربي اجلس عن يميني حتى اضع  أعداءك  موطئاً  لقدميك . فإذا كان داود يدعو ه رباً فكيف يكون ابنه " (لوقا  21 : 41 -  44  ) كما استشهد وهو على الصليب بالمزمور الثاني والعشرين “ إلهي إلهي لماذا تركتني " مرقس ( 15-34 ) . 

مزايا المزامير

‏ان احد أسباب روعة المزامير هو انها  شعر  يتسم بالبساطة و البلاغة في آن  معاً ، وتجتمع فيها الرقة   والإيمان العميق.
 أنها قصائد من أجمل الشعر نابعة من أعماق القلب معبرة عن مختلف المشاعر والأحاسيس و العواطف كالحمد  والتوبة والندم والحزنوالألم والغم والرجاء والفرح على نحو يجعل كل نفس  تقية  في كل زمان ومكان تشعر  بملائىمتها لاحتياجاتها .
‏ولكي يشعر المرء بقوة كل مزمور عليه أن يدرك الظروف  التي أحاطت بتأليفه كما أن  فهم المزمور يتطلب أحاسيس مشابهة  لأحاسيسالشاعر مؤلف المزمور.

‏"إن الروح في المزامير تخاطب  الروح  والقلب  يخفق للقلب نتيجة لاختبارات  مسرة  او  محزنة  ".
 لم تؤلف  المزامير بناءً  على رغبة أو طلب في مناسبة او بأمر  ملكي . أنها تدفق تلقائي لمشاعر   قوية جاشت في الصدور  و ولدت منالأعماق،  وتتحدث عن رغبات وأشواق اختلجت  بها النفس البشرية ، في لحظات الحزن  اوالسعادة.

‏"كما يشتاق الأيل  إلى جداول المياه  هكذا  تشتاق نفسي إليك يا الاهي  " ( مزمور 42 : 1 ) . “ غمر  ينادي غمراً   عند  صوت ميازيبك ،  كل تياراتك  ولججك  طمت الي ... أقول الرب  صخرتي  لماذا نسيتني؟"  ( مزمور 42 :  7- 9 ) .  " ليت لي جناحين كالحمامة فأطير واسكنبعيداً   واستريح"  (مزمور 55 : 6 ) .
وجاء في المزمور الاخير  : " هللوا  للرب ، سبحوا   الرب في قدسه،  سبحوه  في فلك قوتة  ، سبحوه على قواته ،  سبحوه حسب  كثرة   عظمته، سبحوه  بصوت  البوق ، سبحوه بالمزامير  والقيثارة  ، سبحوه    بالطبل  والدفوف  ، سبحوه  بالاوتار   والارغن ،  ‏سبحوه   بصوتالصنوج،  سبحوه بصنوج  التهليل  وكل نسمة فلتسبح الرب  هللويا."

‏وتقسم المزامير طبقاً  لمضامينها إلى ثمانية أقسام هي :
١- مزامير الحمد والتسبيح

٢-  مزامير الشكر لأجل المراحم  بالنسبة لأشخاص بذاتهم  أو بالنسبة للشعب.

 ٣- مزامير التوبة والندم .

٤- مزامير السفر والارتحال  من أجل العبادة أو "ترانيم المصاعد ". (٢)

 ٥- مزامير تاريخية.

٦- مزامير نبوية  ومسيحانية.

٧- ‏مزامير تعليمية تثقيفية  تتحدث عن خصائص الأشرار والإبرار  ونصيبهم ، وفي صلاح شريعة الرب ،  في بطلان حياة الإنسان وفيواجبات الحاكمين.

٨-  مزامير دعاء ضد الخطاة  ومعظمها لداود
 النبي.


     الخاتمة
____________

‏ان المزامير تنعش الحياة الروحية وتسمو بالإنسان إلى أجواء قدسية وتقوده  إلى مروج  السعادة   حيث الهدوء والسلام والسكينة.  ومنالمزامير التي لا تنسى ، عزيزي القارئ ساحدثك قليلا عن   المزمور الأول في كتاب ترانيم الأجيال،  كتاب المزامير ، الا وهو المزمور الأول . بامكاننا أن نسمي هذا المزمور الذي به يبدا كتاب المزامير بمزمور "الرجل الصالح".
‏في هذا المزمور يحدثنا مؤلفه  عن سعادة الرجل الذي اختار الطريق الصالح بدلاً من طريق الشر..... "طوبى للرجل الذي لم يسلك فيمشورة الاشرار،  وفي طريق الخطاة لم يقف ، وفي مجلس المستهزئين لم يجلس"  (مزمور 1:1 )
 ليس لهذا المزمور   اسم مؤلف أو تأريخ  تأليفه  فهو من المزامير اليتيمة .
في المزمور فكرتان الأولى( 1-3 )
 سعادة الرجل الصالح الذي يتصف بالسلوك الإيجابي المحمود ويبتعد عن كل سلوك سلبي مدان وممقوت .
‏فيشبهه بشجرةً  غرست عند جداول المياه فتعطي ثمارها  في أوانها  وأوراقها لا تتساقط  .  ان مثل هذا الرجل   ينجح في كل عمل من  أعماله  اي ان أعماله وسعيه  مثمرة دوماً   كتلك الشجرة  المغروسة عند مجاري المياه .  وفي الأعداد  (4-6 ) يحدثنا المؤلف عن اوصافالأشرار وعن نهايتهم ومصيرهم.
 أنهم بالمقارنة مع الصالحين أشبه ما يكونون " بالعصافة  التي تذريها  الريح "
فلا تقوم لهم قائمة لأن "الرب سيهلك طريق الأشرار".


الهوامش:
________

١- آساف احد موسيقيي النبي داود  ، وابناء  اساف كانوا مرنمين  في زمن النبي نحميا .

٢- سميت بترانيم " المصاعد " اما طبقاً لتقسيمها الداخلي  او لانها كانت ترنم على الأدراج  التي تقود الى دار الهيكل في أورشليم  للاحتفال بالأعياد .




   المصادر
__________

١-  كتاب المزامير  -  الكتاب المقدس.

٢-  ‏قاموس الكتاب المقدس ، 1971  ، بيروت ، تأليف نخبة من الأساتذة و الإختصاصيين واللاهوتيين.
 
٣- المزامير كتابة ترانيم الأجيال ل( پول  كريستوفر وارن ) ترجمة امال حلبي.

٤- مقالة  للخور اسقف  توما القس إبراهيم عن  ماهية ( المزامير ) باللغة السريانية  نشرت في مجلة قيثارة الروح العدد الرابع  سنة 1999. 


٥- المنجد في اللغة والإعلام.  ( الطبعة الثلاثون)  دار المشرق_ بيروت.