ألزميل الأكاديمي الأستاذ الدكتور ليون برخو
سلام المحبة
رغم أن قرار تنحّي غبطة البطريرك الكاردينال لويس ساكو الكلّي الطوبى هو قرار شخصي, إلا أن الإعلان عنه عبر وسائل الإعلام سابق لأوانه. كان من الأفضل التكتّم عن نيته لحين إنعقاد السينودس وعندها يُنفّذ ما يرغب به. هنالك العديد من المشاريع تظلّ حبيسةً بجعبة صاحبها بعد الإعلان عنها. سيشهد توقيت تنفيذ القرار فيما إذا كان الإعلان مجرد مشاعر عاطفية ظرفية أم قناعة ذاتية لها ما يبررها.
ألسؤال المشروع: ما هي الغاية من الإعلان؟ وهل ما صرّح به غبطته حصل عفوياً؟ هنالك عدة إحتمالات أتحفظ على درجها ومناقشتها. لكن ما أتمكن من قوله بثقة بأن غبطته قد أبدى امتعاضه من الكلدان في أكثر من مناسبة, وإحدى شواهدها هي إجابة غبطته على مداخلتي على مقاله في موقع البطريركية. لقد عبّر عن ما أردده "لا تعوّل كثيراً على الكلدان, حيث سيخذلونك من أول فرصة", ولكن بإسلوبه الخاص: ألكلدان مشتتون, إتكاليون, ومدمنون على الإنتقاد وليس النقد البناء..ليكن الله في عونهم. وقوله في ردٍ على مداخلتي على مقال آخر له: علّم أصحابك على التواضع والإعتذار والكف عن الإدمان على الإنتقادات الهدامة وغير الصحيحة.
يتبادر السؤال التالي: هل المقصود بالكلدان هم العلمانيون فقط ؟ أم يشمل ذلك الإكليروس؟.
ما هو معروف أن الراعي لا يكترث برأي الرعية عموماً, ولو إكترث السينودس لما أزال كلمة "بابل" من كنية البطريركية. كما أن الإنتقاد الهدام والنقد البناء طال غبطته منذ تسلمه كرسي البطريركية تقريباً ولم يُعر لذلك أيّ اهتمام. فهل من المعقول أن مجرد تجريح هذا وذاك, إن صحّ التعبير, تضطره لإتخاذ مثل هذه الخطوة, وهنالك العديد من المدافعين عن موقفه وشخصه بدون حدود وبالحق وبالباطل؟. قد يكون للعلمانيين تأثيراً على قرار غبطته لكني أشك بأنهم السبب الوحيد للإعلان عن مثل هذا القرار الخطير.
هنالك حقيقة لا تخفى على الكثيرين بأن أغلب رواد الكنيسة لا يهمهم من هو الراعي, ولا تفرق عندهم إن كان س أو ص من الكهان. وتبقى أقلية محدودة جداً من تختلف مواقف البعض عن بعضها الآخر. هنالك "مافيات الكنائس" التي تحرص على تواجدها على الدوام وفي كل الظروف وخلف ستار أيّ كاهن. وهنالك من يخدم بتجرد ويتحمّل محاربة مافيا الكنيسة المتسلطة. وهنالك من يمارس النقد البناء, ويظل نفر ضئيل لا يرضى حتى لو صعد القديس بطرس على المذبح. وهنالك فئات مبعثرة لها نوازعها المختلفة الأهداف والمصالح. كل هذه الأنماط ليست سوى أقلية محدودة أمام الكمّ الهائل من الأغلبية الصامتة التي لا يهمها من يرعى الكنيسة ومن يغادرها.
ممكن الإستنتاج من هذا العرض المقتضب عن الحقيقة التي لا تقبل الشك, ألا وهي عدم الإهتمام والتفاعل بما أعلنه غبطته عن نيته. أي أن الأغلبية لا تكترث سواء غادر غبطته أم ظلّ جالساً على كرسيه. من لا يقبل هذا الرأي عليه إثبات العكس وبالدليل.
أما عن الشق الثاني الذي يخص الإكليروس وتأثير واقعهم على قرار غبطته؟ بصراحة, رغم تحفظي عن كشف المستور, لكن ذلك لا يمنع من تبيان أن كاهنين كانا السبب بوفاة أحد المطارنة الروحانيين, وأن هنالك كاهنان لهما كنيسة مستقلة بسبب قصر بصرهما من جهة وفقر إدارة الطرف الآخر من جهة أخرى, وهنالك كاهن سلّمه مطرانه إلى القانون رغم إعترافه عنده وبذلك خان المطران سرّ الإعتراف,وهنالك كاهن تحوّل إلى الكنيسة الإنجيلية بسبب تعنّت القيادة الكنسية الكلدانية الكاثوليكية, وكاهن آخر غدى مبشراً بعد سنة سبتية فرضتها عليه القيادة الكنسية لسبب أو آخر, وهنالك كاهن ثانٍ منح لنفسه أو أيضاً أُجبر على التمتع بسنة سبتية وغادر إلى منطقة سكناه من كندا إلى العراق. وهنالك كهنة تم إتخاذ الإجراءات القانونية بحقهم بعد تدخل الشرطة الفيدرالية الأمريكية. هذا غيض من فيض مما حصل للإكليروس في السنوات الأخيرة في كل من الولايات المتحدة وكندا, والحبل على الجرار.
إذن هل هنالك عوامل إكليروسية دفعت ولا تزال تدفع غبطته للإعلان عن قراره بالتنحي عند بلوغ ال 75 سنة من العمر؟ هذا الإحتمال وارد, و"خبر بفلوس بكرى بلاش" كما يُقال.
واقع الكلدان كنيسة ورعية واقع مؤلم جداً, ولن يتغيرهذا الواقع إلا بمعجزة, ولكن متى؟
ولا بد أن أعيد ما سبق أن كررته: لو اتفق الملاك مع الشيطان لن يتفق مع بعضهم الكلدان, وأضيف: ولا أستثني منهم الكُّهان.
تحياتي