المحرر موضوع: بائع الوهم  (زيارة 535 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل ماهر ســــعيد متي

  • عضو فعال
  • **
  • مشاركة: 73
  • منتديات عنكاوا
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
بائع الوهم
« في: 04:05 02/08/2022 »
بائع الوهم

زار قريته بعد غياب واجترار ذكريات اوجعته ،  لتستقبله الجموع الطيبة بالأحضان مرحبة .. وبدا يزور الوادي وينبوع الماء بشوق المتلهف لحبيبته .. ويغني مع كل زهور السهل ويرفرف يديه مع طنين النحل .. ولج بين جوانح البساتين والمزارع فرحا ..وزار الناس البسطاء ، لكنه وجد الاهالي بحال يرثى له من الفقر وضيق الحال فتألم لهم ووعد ان يرفع  عنهم جزءا من معاناتهم .وسيتبرع لهم بمدخراته ليرجئ مشروع زواجه .
وفي باكر اليوم الثاني بينما هو غائط في نومه ضيفا مرحبا به ..سمع صوت جرس يرن واحصنة تجر عربة ، يقودها رجل بجبة سوداء .. فتدافع الجمع حوله تركع له وتقبل حدوه حصانه المبجل وقد تركوا مزارعهم ليستمعوا اليه ولينعموا عليه بأموالهم وأغنامهم وبنيهم  .. دنا من المشهد في رغبة لإزالة  شدهه لسانه .. فإذ بالزائر شيخ حليق اللحية يغدق بالمواعظ ويحث الجموع بوقار ويحكي لهم حكاية شخص كيف قتل عشرة من الغول بيديه الصماء وصرع الفيل بقبضته وشق الجبل بأسنانه ، والقصة حدثت قبل الف عام مضت ..
هنا شده الفضول لرمي سهام اسئلته مستفسرا عن مصدر هذا الكلام .. فرد الشيخ بأنه مكتوب في كتابنا الحكيم والفريد .. والكتاب مسنون بحكمة الوحي ولا جدال عليه او نقاش فيه .. فبادر المتسائل .. لكن في ذاك الوقت كانت القصص منقولة بتواتر بين الاجيال ودونت لاحقا فكيف اصدق بما كتب ثم ان المنطق يقول غير هذا .. فنظر الشيخ الى المتحدث نظرة حقد تلاها الجموع متسمرون في وجهه .. لكنه اكمل حديثه بقوله : يا شيخ انت تبيع لنا قصصك وأساطيرك وأهالي القرية يمطروك بمالهم وبنونهم كي يخدموا في قصرك المزركش طائعين .. الشعب هنا بحاجة الى ثياب وطعام و مأوى .. وليسوا بحاجة الى حكايات يؤمنون بصحتها غيبا .. لن اشتري بضاعتك .. هي فاسدة .. وسأكون بالمرصاد لخرافاتك  .. جل ما تخشاه هو التساؤل .. تدعي معرفة كل شي وأي شي .. وأنت ضمن اختصاصك تجهل الكثير ..كيف لي ان اصغي لك وافسد عقلي وجسدي ..سأفضحك في ارجاء القرية حيثما حللت .. يا من تبيع الوهم بغلاف سكر .
 فما كان من البائع إلا وصرخ بأعلى صوته قائلا انظروا الى هذا الشخص هو يكفر بإلهتنا وينكر سيادتنا عليه .. ويقول بأنه ليس بعبد ذليل للسماء التي أوجدته .. هو ماكر ناكر يدعو لعبادة الاوثان .. اطردوه كي لا يلوث صفاء عقولكم . .. هذا الشيطان المغترب اعيدوه من حيث ما جاء .
فهب الجمع عليه غاضبين .. طاردين اياه لكونه مفسدة لهم ولأنه شك بأقوال الشيخ الجليل والعالم المبجل ..فهجم القوم عليه وأشبعوه ضربا ورموه خارج قريتهم ألطاهرة وحذروه ان يطأها بقدمه المتسخة بالشك مجددا ...
فاز بائع الجهل وراجت بضاعته ، وباع ذلك اليوم ضعف ما اعتاد بيعه .

الكاتب ماهر سعيد