الاخبار و الاحداث > الاخبار العالمية

جمهورية لندن

(1/1)

Janan Kawaja:
جمهورية لندن
الاختلال بالتوازن لأسباب جهوية أو مجتمعية مشروع خراب.
العرب

دولة داخل دولة بمواصفات مختلفة
على مدى 30 عاما، ظلت الحكومة البريطانية تغير اسم واحدة من وزاراتها الأساسية. نظام الحكم في بريطانيا يعتمد مستويين للوزارات. الأول، يسمى دائرة والوزير يكون عضوا في الحكومة/الكابينة الوزارية. الثاني، وزارة تتفرع من الدائرة الأساسية تختص بجزء معين من عمل الدائرة، والوزير يعادل وزير دولة في عالمنا العربي. استقر الاسم منذ عام 2019 على الهدف الحقيقي من هذه الوزارة التي حاولت التسميات السابقة إخفاءه. وزارة المساواة والإسكان والمجتمعات تعنى بقضية أساسية تواجهها بريطانيا وهي الفروقات المناطقية/الجهوية والتباين في مستويات المعيشة بين مجتمع عرقي وآخر ومحاولة ردم الهوة بين من هو قادر على تأمين سكن لائق من عدمه.

في بلد عريق بحكومته وعدالته الاجتماعية، أفرزت التغيرات الاقتصادية الكبرى التي اجتاحت العالم مع العولمة فجوات هائلة ما عادت الإجراءات الترقيعية التي تقوم بها البلديات في المدن الأقل حظا قادرة على سدها. المساواة المناطقية والمجتمعية تحتاج إلى سياسة حكومية شاملة وميزانيات كبيرة ونظرة مرنة تأخذ بالاعتبار أن إصلاح الوضع في مدينة أو بلدة أو منطقة لا يعني أن المشكلة قد تم حلها، فهذا بنفسه وصفة لغيرة مناطقية وعرقية: لماذا هم وليس نحن؟

الاختلال بالتوازن لأسباب جهوية أو مجتمعية مشروع خراب. صحيح أن لا دولة في العالم قادرة على أن تجعل كل ركن في جغرافيتها وكل فرد من مواطنيها سواسية مع أفضل ما يتمتع به ابن العاصمة مثلا، لكن بعض الإنصاف في توزيع الثروات والاهتمام يعمل على التقليل من المشاكل التي تنشأ بسبب الفروقات.

إذا كان هذا حال دولة مثل بريطانيا، فحدّث عن بلادنا العربية ولا حرج. أي محاولة لإقناع أبناء المدن والبلدات والقرى خارج العاصمة بأن عليهم أن يرضوا بالأقل، هي محاولة عبثية. في السابق، وقبل الفضائيات والشبكات الاجتماعية، كان ابن المنطقة النائية معزولا ولا يعرف ما يجري أو يرصد الفجوة بين ما يتمتع به ابن العاصمة أو المدن الكبرى وبين ما يصله من فتات الاهتمام. حتى هذا لم يستقم ما قبل ثورة الإعلام والاتصالات، إذ تشهد العواصم والمدن الكبرى تدفقات بشرية على مدى قرن من الزمان. أبناء المناطق الأقل حظا يبحثون عن فرصة عمل أو انتقال كامل إلى حيث ما يعتبرونه عيشا رغيدا. إطلالة على إحصاءات السكان للمدن العربية الكبرى على مدى مائة عام تكشف أن الناس “أسسوا” طريقتهم الخاصة في المساواة الجهوية والمجتمعية: احزم حقيبتك وتوجه إلى العاصمة وابحث عن عمل واستقر! البعض نجح وينجح، والآخر يكتشف أن العيش الرغيد ليس رغيدا تماما، وأن قائمة مختلفة من المشاكل تنتظره في العواصم والمدن الكبرى.

يسمّي البريطانيون العاصمة لندن بـ”جمهورية لندن” ليقولوا إنها دولة داخل دولة بمواصفات مختلفة. في جمهورية لندن السيارات أفخم والملابس أحدث والأكل أفضل. خارج لندن، هناك مدن وبلدات هي رموز حية للبؤس. جمهورية لندن جاذبة للهجرة وطاردة لمن لا يستطيع التأقلم مع غلائها ومتطلبات المعيشة فيها. الحكومة البريطانية واعية لهذا الخطر إلى درجة أنها غيرت مقر وزارة المساواة إلى خارج لندن. ما معنى المساواة إذا بقيت الوزارة المعنية بالأمر في العاصمة؟

أستطيع أن أرشح براحة ضمير عددا من عواصمنا العربية كي تكون جمهوريات أشبه بجمهورية لندن: جمهورية بغداد؛ جمهورية القاهرة؛ جمهورية تونس العاصمة؛ جمهورية دمشق؛ بل وأقول جمهورية بيروت. بقية الترشيحات متروكة لأهل كل بلد.

تصفح

[0] فهرس الرسائل

الذهاب الى النسخة الكاملة