المحرر موضوع: التعليم العربي.. جدل المرجعية  (زيارة 428 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل Janan Kawaja

  • اداري
  • عضو مميز متقدم
  • ***
  • مشاركة: 31322
    • مشاهدة الملف الشخصي
التعليم العربي.. جدل المرجعية
التطوير لم يعد قاصرا على إعداد برامج معاصرة ونقل خبرات أجنبية، ولم يعد قاصرا على إعداد المعلم وتمكينه من فرص الممارسة النشطة للتدريس. الأجدى هو دراسة واقع الطفل المصري وثقافته البعيدة عن مظان تطويرنا.
MEO

الكثير من الشعارات على حيطان المدارس
تتراءى لكافة المحللين السياسيين وخبراء علم الاجتماع على وجه الاختصاص وتقنين التحديد أن ثمة محاولات راهنة بعضها خارجية والبعض الآخر من الداخل تسعى إلى التلاعب بالعقول لدى شباب الوطن العربي لاسيما في ظل إحداثيات صراع الأدمغة الذي بدأ فعليا منذ قبعات قراءة التفكير وإشارات الدماغ التي دشن فكرتها مشيو كاكو عالم المستقبليات المتخصص في نظرية الحقل الوتري، وصولا إلى اجتهاد مارك زوكيربيرغ إلى تحقيق عالمه الافتراضي  Meta بعد أن فشل وغيره من خلال تطبيقات إلكترونية ومنصات رقمية في السيطرة على العقول التي بدت بالفعل تائهة وأحيانا جامحة أيضا.

وربما جملة من الأحداث المتتابعة والمتسارعة التي جرت بالمنطقة بدءا من قمة المملكة العربية السعودية التي حضر فعالياتها الرئيس الأميركي بايدن مرورا باضطرابات المنطقة المتزامنة مع صراعات داخلية وفتن سياسية وتناحر حزبي لاسيما في لبنان والسودان والعراق وليبيا وتونس، هذه الأحداث صادفت سيناريوهات تبدو متماثلة في التصارع تمثل بعضها في معارك وسائل التواصل الاجتماعي حول بعض القضايا الفقهية، وأخرى حول مكانة المرأة ووضعها في البلدان العربية.

 بينما لجأت سيناريوهات لا تبدو متماثلة في التعارك الخفي من خلال التشكيك في ثوابت وقيم المجتمعات العربية التي تتضمن رموزا وشخصيات دينية وسياسية أيضا، كل هذا التناحر العلني تارة، والمستتر خلف أقنعة تنموية ومنظمات أهلية راكدة منذ اشتعال ثورات الربيع العربي مفاده دونما استقراء لتفاصيله إثبات أن المجتمعات العربية في طريقها إلى الانهيار وتقويض أركانها، فضلا عن تسليط الضوء على إبراز الظواهر الشاذة اجتماعيا مثل الانتحار أو الإلحاد، أو ما عرف مؤخرا بقتل الحب، مرورا بأفكار واجتهادات مريبة مثل جهاد النكاح. كل هذا ولا نغفل المشهد الرئيس في وسائل الإعلام لتيارات الإسلام السياسي لاسيما المتطرفة منها وليست الوسطية وكنهه تصدير ثم تكريس ثقافة عدم إعمال العقل وأن صواب المعرفة هي التي تستند فقط وحتما إلى سياسات السمع والطاعة والأمر والنهي وتدعيم ولاية الفقيه وإعلان الوصاية على العقول.

في ظل ما سبق من ملامح تبدو بالضرورة والحتمية بائسة وتدعو كثيرا إلى الاحتفاء بالإحباط والاكتئاب نرصد ملمحا أكثر أهمية وهو الجموح الطاغي لثقافة الاستماع لدى الشباب من ناحية لأمرائهم الذين سلموا عقولهم لهم واستسلموا أيضا لأحكامهم، كذلك هذا التواتر الذي عصيَ على علماء النفس والاجتماع العرب (مع التحفظ الشديد لإلصاق كلمة علماء بهذين التخصصين لثمة أسباب نوجزها أنهم من الأكاديميين الذين لا يزالون في زمن المحراب الخشبي والنظريات البائدة منتهية الصلاحية لم يخرجوا من عباءة برونر وفرويد وثورندايك وإميل دور كايم وبافلوف ومنهم من استغرورق في فلك البنيوية لرولان بارت وليفي شتراوس دون أي طرح علمي عربي يليق بالوطن العربي الضارب بجذوره في الثقافة والتحضر) في تفسير هذا الهوس بثقافة الصورة المتحركة ليست فقط من خلال تطبيقات الألعاب الإلكترونية المدمرة للانتباه والتركيز والمحفزة سلبيا على التشتت، كذلك البقاء كأسرى لثقافة الصورة الثابتة والمتحركة التي قلما تدفعهم إلى الإنجاز بإيجابية.

ولك أن تتخيل أن تلك المشكلات التي يراها البعض ضارية ومتوحشة وآخرون يرونها محكمة الإغلاق مما يصعب تفتيت أركانها يمكن حلها في إجراءات بسيطة جدا تتمثل في إعادة التعلم والفهم لأحكام دينيا الحنيف، ونفي الأكاذيب والادعاءات والجهل الذي يعد سببا رئيسا لاستقطاب عقول الشباب العربي.. هذا فقط فحسب!

وفي ظل هذا التحول في الوعي العربي الجمعي خصوصا فئة الشباب تظل مشكلة البلدان العربية الهاربة طوعا وطواعية من فعل التنوير وتثوير المعرفة هي عدم الفطنة إلى حقيقة تقارب اليقين بأن التعليم شرط أساسي لمجتمع حر وديموقراطي؟ وهل علمت بعض الأنظمة العربية المشغولة بالشأن السياسي بصورة مضطربة قدر اضطراب كوكب الأرض بتغيراته المناخية أن التعليم يعد بمثابة تأمين إنساني ومن أهم مواد وعناصر وعوامل وروافد التقدم والثروة وإعادة تنظيمها وتشكيلها ومن ثم عدالة توزيعها؟ أكاد أجزم بأن هذه الحقيقة بعيدة تماماً عن أذهان بعض الحكومات العربية بصفة عامة ووزارات التربية والتعليم والتعليم العالي والبحث العلمي بشتى دول الوطن العربي بصورة استثنائية خاصة، لاسيما وأن هذه الوزارات والحكومات بأسرها تعاني خطورة تقييد المعرفة والعلم وفق برامج سياسية معينة وبالطبع قد لن تتحقق تنمية تعليمية مادامت منظومة التعليم تأتي عبر قنوات سياسية موجهة حتى وإن أعلنت المؤسسات التعليمية الرسمية والخاصة أيضا أنها تمتلك روية ورسالة تعليمية نهضوية تتكيف مع متغيرات ما بعد جائحة كورونا وإزاحة النظم التعليمية المتوافقة مع سياسات ما قبلها.

وليس بجديد أن نبرهن على دور التعليم في تحطيم حواجز الخوف وتفجير طاقات الأمل لدى نفوس الناشئة من الطلاب والطالبات، كما أنه ليس بمستحدث أن نشير إلى ضرورة التأكيد على أن للتعليم دوراً في تشكيل عقلية الأمم وصناعتها. لكن هذا التأكيد وتلك الإشارة تعدان نوعاً من التنبيه على ما آل إليه وضع وحال التعليم قرابة عقود طويلة وبعيدة وسط أحداث المنطقة العربية التي تأبى أن تسكن في فلك الهدوء والاستقرار السياسي ولو بصورة نسبية مؤقتة.

 فلقد بات التعليم للقاصي والداني على أرض بلدان الوطن العربي رغم هذا الكم المعلن من الفعاليات والاحتفالات والاحتفاءات بنهضة العلم والتعليم قنصاً ثميناً وسميناً أيضاً وصار مطمحاً رئيساً من مطامح التيارات والقوى السياسية التي تتناحر جاهدة برؤى متباينة تبدو جلية في تطويع التعليم وصبغه بأي شكل من الأشكال الدينية وهذا لا يمثل اعتراضا على التعليم الديني الذي هو بحق ضرورة واجبة وسلاح حيوي في مواجهة التيارات الراديكالية، لكن ثمة تكهنات ربما باتت من الظن الذي يشارف اليقين أن توجهات بعينها تسعى منذ عقود إلى تطويع المناهج التعليمية لمصالح شيعية أو إخوانية أو سلفية جهادية وغيرها من التوجهات والمرجعيات الدينية الموضوعة.

وأضحى مناسباً اليوم أن يصيبنا العجب بعبارة الثورة مستمرة تلك التي تتصدر لافتات الثائرين والمعتصمين وأساطين مستخدمي تويتر وفيسبوك وتلك العوالم الافتراضية الإلكترونية التي قد تذهب بمرتاديها عيادات الطبيب النفسي. هذا الإعجاب ليس مفاده سحر العبارة ذاتها بل لأن معظم شعوب البلدان العربية لا يزالون أنفسهم مستهيمين بكاريزما الثورة الإيرانية التي سيطرت على عقول أجيال متلاحقة بالوطن العربي، وهم بالفعل لهم كل الحق في ذلك الهيام والغرام؛ فغالبية الشعوب العربية الآن من طلاب الجامعات وحتى الملتحقين ببرامج الدراسات العليا الكاذبة بالجامعات العربية الحكومية والخاصة العربية والأجنبية الأكثر كذباً وتضليلاً للعلم والمعرفة، لم ينتموا تاريخياً إلى ثورة الخميني وهم بالقطعية لم يعاصروا ولو ذهنياً وأيديولوجياً بدايات التشيع السياسي المعاصر ولا أقصد تشيع الفكرة والاعتقاد الذي لازم أنصار الإمام علي بن أبي طالب، لذا فإنه من البديهي انجذاب عموم الطلاب لهذا الفكر المعاصر غير المناسب لطبيعة مجتمعاتنا العربية مفهوماً واكتساباً وممارسة أيضاً.

لكنه من العجيب أن تبقى الثورة مستمرة إلى حين القضاء على كل مظاهر الفساد السياسي والظلم الاجتماعي لأننا حقيقة غير مفطورين على الديموقراطية وأن بعض الأنظمة السياسية البائدة في البلدان العربية بسياساتها التعليمية والثقافية والإعلامية سعت سعياً حثيثاً لتأهيل مجتمعات بأكملها تجهل مواضعة الديموقراطية وممارساتها وطرائق وسبل تعليمها.

وكنا نظن أنه بعد سقوط الأنظمة السياسية التي أشعلت المنطقة العربية فتنة وخرابا سنرى تثويرا مطابقا للسياق النهضوي التاريخي في ميدان السياسة لكننا اصطدمنا بواقع تعليمي عربي يؤكد أن المنظومة التعليمية بأكملها ستظل في حالة انتظار دائمة. وسيظل ملف التعليم هو الأكثر حضوراً في أجندة الحكومات العربية رغم غيابه غير المبرر.

ولا شك أن المنظومة التعليمية في الوطن العربي تعاني خللاً واضحاً وترهلاً يبدو مقصوداً في بنيتها بغير استثناء في المرحلتين الجامعية وما قبل الجامعية، فبداية من معلم أو أستاذ أكاديمي هو بالأساس وسيط تعليمي في وسط ومناخ متحرك متدافع إلا أنه في بعض الأحايين يقف حجر عثرة في طريق أي تقدم أو تحرك إيجابي، وهذا ليس بكلام مسترسل؛ فالتقارير التي كانت تعدها كافة منظمات المجتمع المدني العربية المعنية والمهتمة برصد واقع المعلم وكذلك استطلاعات الرأي الممولة من الوكالة الأميركية للتنمية تشير جميعها منذ عام 2008 وحتى الآن أن المعلم في الوطن العربي يعاني قصوراً سافراً وصارخاً في إعداده الأكاديمي والثقافي والتربوي وهذا يجعلنا نؤكد أن التدريس اليوم أصبح مهنة من لا مهنة له.

فالجامعات العربية التي تؤكد ليل نهار أنها ترتقي بمستوى التنمية المهنية للأساتذة وأعضاء هيئة التدريس غفلت لسنوات طويلة عن عمليات السطو الرقيق للأبحاث والدراسات الأكاديمية. وأستاذ بهذه العقلية البحثية يمثل خطراً بالفعل على عقول أبنائنا الطلاب لأنه بالضرورة سيعمد إلى خطف عقول طلابه نحو التقاط المعارف بنفس الطريقة السطحية التي يتعامل بها هو مع البحث العلمي، وكم صار مؤسفاً القول بإن الأستاذ الأكاديمي صار موظفاً بالدولة التي يعمل بها ولم يعد مفكراً أو منظراً أو مؤطراً لقيم فكرية تستحق أن تعيش لسنوات طويلة بعد موته.

ومعلم ما قبل الجامعي نفسه يعاني هذا الخلل في الإعداد أثناء الخدمة، فمن السفه أن نقوم بتدريب هؤلاء المعلمين على استخدام تكنولوجيا الوسائط التعليمية في التدريس وهو يجهل أساسيات التدريس نفسها بل وبعضهم يعاني قصوراً في إتقان مادته النظرية، والشواهد والأمثلة التي تحفظها ذاكرتي وتعيها جيداً عن كفاءة معلمي اللغة العربية داخل حجرة الفصل والتي تشير دلائلها إلى تدني المستوى المعرفي والثقافي لهؤلاء. وهؤلاء بالقطع هم المعنيون بتعليم أبنائنا وهم في ذلك لا يكترثون أن يلقنوهم قيماً وعادات ومبادئ تتفق مع هويات وطروحات فكرية تبدو متطرفة بعض الشيء من علاماتها المجتمعية قص شعر الطالبات أو ضرب تلميذ أهان تياراً دينياً سلفياً أو آخر أعلن عصيانه الفكري على الجمود في الخطاب الديني المعاصر.

ووسط هذا الخلل المتعمد في المنظومة الثقافية نجد مناهج تعليمية مستعصية على السقوط مثل التاريخ واللغة العربية واللغات الأجنبية بصفة عامة، ونجد على الشاطئ الآخر تيارات وطوائف دينية دخلت مغارة السياسة وهي تسعى إلى تطويع تلك المناهج بما يتفق وطرحها الفكري الأصولي. وهؤلاء اليوم أكثر المنادين بضرورة تطوير المناهج، بل صار في نظر بعضهم أمراً ملحاً ومشروعاً في الوقت الذي كانوا فيه قديماً يحاربون كل إشارة إلى كلمة تطوير أو تعديل. وفي ظل هذه المحاولات تظهر الأصوات الليبرالية التي تحذر من أخونة أو تشيع التعليم والمناهج الدراسية، وترهب من سلفية المناهج وتطرح سؤالها المحموم: هل من حق فصيل سياسي توجيه التعليم وفق رؤاه؟

أردت أن أخصص سطورا قليلة عن التعليم العربي الراهن. فرغم محاولات التطوير والتحديث إلا أن الواقع الثقافي للمدرسة الابتدائية على وجه التحديد يفرض تحديات صعبة المراس والتأويل وربما العلاج بطرائق سريعة. فالتطوير لم يعد قاصرا على إعداد برامج معاصرة ونقل خبرات أجنبية لدول راقت للرقي والتطوير، ولم يعد قاصرا أيضا على إعداد المعلم وتمكينه من فرص الممارسة النشطة للتدريس، فهذا ما اعتدنا قوله وفعله وتطبيقه، لكن الأجدى هو دراسة واقع الطفل المصري وثقافته البعيدة عن مظان تطويرنا.

هذا الطفل الذي يحمل مطامح بالتأكيد لا نعيها ولا نفطنها، بل نحن رهائن حبس نظرية بياجيه عالم النفس بأن عقل الطفل صفحة بيضاء. هذه النظرية باتت في طي النسيان والتردي، على المهمومين والقائمين اليوم على تخطيط وتطوير التعليم ومناهجه بالوطن العربي دراسة ما يريده المتعلم لا ما يريدونه هم بأفكارهم ونظرياتهم وأيديولوجياتهم التقليدية، الطفل هو المستهدف وهو الزبون الذي ينبغي إرضاؤه أولا مع التوفيق بين رغبات تعلمه ودوافع احتياجاته المعرفية والمهارية والمعرفة الواجب اكتسابها.

وملامح رئيسة أخرى في هذا الصدد المأزوم يمكن توصيف حالة الوطن العربي الراهنة تعليميا من خلالها، هكذا تبدو لي تلك الملامح، منها على سبيل المثال الحاجة المعرفية الطارئة للتعدد الثقافي وقبول الآخر بقوة عن ما قبل من مؤتمرات وفعاليات ومشاركات تبدو صورية أو ورقية كانت تدشن من أجل الظهور الإعلامي ليس أكثر، لكن اليوم أو بالأحرى الظروف الآنية تعددت الحركات الثقافية في الوطن العربي الأمر الذي يدفع بالمؤسسات التعليمية مراعاتها، ولكن صار كل فصيل ثقافي سواء يحمل توجها دينيا أو فكريا أو سياسيا أو اجتماعيا يقبل فكرة حراك الآخر وحقه في الدفاع عن طروحاته التنظيرية التي قد تجد صدى وواقعا ملموسا بعد ذلك.

وكان قديما في عقود بائدة الحديث عن التعدد الثقافي والحاجة المعرفية إلى روافد ثقافية متباينة وغير متمايزة نسبيا ضربا من الرفاهية والترف، وكان أبرز نتائج هذه الرفاهية التجاهل القصدي لثقافات عربية بيئية، اللهم ثمة برامج ثقافية عن فنون تلك البقاع ذات الطبيعة الثقافية النوعية وثقافاتها في برامج إعلامية مكرورة وأكثر مللا. لكن اليوم التعدد والحاجة المعرفية باتت ضرورة ملحة ليس فقط من أجل تفاهم وتعايش إيجابي، بل لأن هذا التعدد يقابله رواج اقتصادي وحراك اجتماعي يلقي بظلاله على المجتمعات العربية ككل.

واليوم في ظل هذا القبول لثقافات متباينة وجدنا اهتماما أكثر باللغة العربية والدفاع عنها وعن وجودها، وفي الدفاع عنها دفاع أول عن الثقافة العربية وخصوصيتها الفريدة، كما يرى كثيرون أن حالة التعدد الثقافي التي أنتجت نوعا من الدفاع عن اللغة من خلال سياقات ثقافية وطروحات فكرية مستعملة أقصى طاقات اللغة وبروتوكولات تشكيلها نوعا آخر من تجديد الليبرالية التي تعني حرية التعبير والتصوير.

ولا شك أن هناك علاقات موجبة بين الاستقرار الديموقراطي والتعدد الثقافي الحقيقي، فالمجتمعات المستقرة سياسيا والمكتملة لاستحقاقاتها الديموقراطية تجد في التنوع الثقافي فرصة طيبة لإثبات جدارة تطبيق الديموقراطية بنجاح وبغير استلاب سياسي أو إقصاء وتمييز لفصائل وأقليات.

لكن بالرغم من هذه الإشادة المستمرة بالتنوع الثقافي وتعدد الروافد والمشارب الثقافية في مصر، يظل هناك هاجس لسؤال مسكوت عنه دائما مفاده هل هناك مساواة في الفرص الثقافية؟

هذا السؤال ربما لا يحتاج إلى إجابة مكتوبة مثلما تفعل النخبة دوما، ويكررون منطقا بات فاقد الصلاحية للاستهلاك. لكن المساواة تتحقق بالفعل حينما نرتقب من الدولة المثابرة حقا على النجاح والارتقاء بالمواطن المصري الذي يستحق كل خير إلى مؤسسات فاعلة ترعى وتحمي التعدد الثقافي. إن النخبة العربية المهمومة بالتنظير والتقعيد وتقنين المعرفة في قوارير وطر مرجعية خرسانية فقدت الصلة تماما مع المواطن العربي الذي أصبح يمتلك حلولا سريعة لمشكلاته السياسية والاجتماعية، ولم تعد قناعات النخبة كفيلة بإقناعنا بضرورة التفاعل الفكري مع طروحات نظرية بليدة ووئيدة ايضا.

وربما جاءت فكرة مشروع بنك المعرفة المصري كبداية حقيقية تضمن التنوع الثقافي وقبوله من ناحية، ومن ناحية أخرى، أرى أن هذا المشروع سيلقي أضواء كثيرة على ثقافات ليست في الخارج فحسب، فالذي يهمنا ويعنينا هو الثقافات المصرية بفنونها وأدوارها التي تتكامل وتنصهر تحت مظلة ثقافية واحدة هي الثقافة المصرية.

ومصر مثل بقية دول العالم، في الوقت الذي تسعى إليه وغيرها من الأمم إلى اللحاق بركب الكونية، ترنو بقوة إلى تحقيق الخصوصية الثقافية وهي معادلة بحق صعبة لكنها ليست بالمستحيلة. وكما يقول الفيلسوف الكندي ذائع الصيت شارل تايلور بأن مطلب الكونية يحمل وعدا بالاعتراف بالخصوصية، وهو ما يشير إلى رفض التعارض والتناقض بين مطلب الكونية ومسعى الخصوصية ولاشك أن بنك المعرفة المصري سيحقق هذا الغرض عما قريب.

وإذا راجعنا كيف نجح الإرهاب في تغلغل المجتمعات العربية، وكيف نجح على التخصيص تنظيم الدولة الإسلامية في اقتناص الكثير من المكاسب في الأراضي العربية، لفطنا أن تيارات الإرهاب والتطرف دوما تلعب على فكرة التمايز الثقافي لبيئات بعينها مع توهين بقية الثقافات الأخرى، وتكريس الدعوة إلى الإقصاء والتمييز الأمر الذي يجعل لفصيل أو طائفة اجتماعية معينة ميزات دون الأخريات من الطوائف الثقافية، وكثيرا أشرت إلى أن القضاء على الإرهاب ينبغي أن يعالج ويحل بطرق سياسية وثقافية تزامنا مع الحلول الأمنية والعسكرية.