المحرر موضوع: قراءة في سونيتة الغجر  (زيارة 214 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل محمد علي محيي الدين

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 637
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
قراءة في سونيتة الغجر
« في: 18:08 26/08/2022 »
قراءة في سونيتة الغجر
محمد علي محيي الدين
عن دار الفرات للثقافة والاعلام صدرت المجموعة الرابعة للشاعر العراقي المغترب ذياب مهدي غلام وهي ب (180) صفحة تضمنت مجوعة من قصائده التي كتبها في منفاه الاسترالي تناول فيها شجون وشؤون الغربة والعشق والانتظار متغنيا بمثال يترائى بين ثنايا السطور فأي غجرية تلك التي ألهمت الشاعر وجعلته يتغزل بها ويغنى لها ويلهج بذكرها كأنها ايقونة عامرة بلياليه المدلهمة بغيوم الغربة وأنين الفراق وشوق العاشق لصدر دافئ، أي غجرية تلك التي جعلت الشاعر مأخوذا بها هائما في ملكوتها لا يجد فيما يرى الا تلك الغجرية .. بصدرها العاري ونهديها النافرين بكل شموخ وشعرها المنسدل كموج صاخب ، أي غجرية تلك التي تهرب النظرات وجله لرؤيتها فيأخذها الشاعر بين جناحيه ليطير بها في آفاقه العصية على الهائمين في ملكوت الحب. 
  هل هي النجف بعذريتها ونقائها وأطيافها التي طالما دغدغت خيال الشاعر والهمته من رونقها ما جعله يلهث في ازقتها يبحث عن شيء ضاع منه في سنوات العهر فيبوح بأسراره متنفسا أوجاعه التي جعلته يتلظى عشقا لرؤية تلك الملهمة التي ربما فقدت عذريتها فيما فقدت من ألق ظل يعيش في خياله، فهي الثالثة بين ملائكة الارض التي أحبها سبقتها شامية العنبر وحلة العشق ففيها وجد ملامح تينيك المدينتين اللتين الهمتاه ما وجده في ثالثة العشق:
منذ امرأتين
وأنا أسعى للثالثة
كنت الأولى
وأنت الثانية
فمتى تصبحين الثالثة
كي تكوني وحدك الوارثة
وأموت قرير العين
بين نهدين ،
ما اجمل أن تعشق امرأة
بحياتك عابثة
هذه الثلاثية.. ثلاثية الغربة والانتظار والعشق تتهادى بين ثنايا القصائد، تنثها مخيلة الشاعر في تراتيل  مختلفة، ففي الحقيقة العارية يجد فسحة للخروج من شرنقة الغربة ووحشة الانتظار ويلوح له وهج ربما هو المتنفس للخروج من عالم التيه الذي ضاعت فيه كل الملامح التي يمكن الاهتداء من خلالها لمسلك يوصله لذلك الالق الذي ما زال يعيش في ذاكرته المتخمة بالعديد من الصور عن تلك الايام :
تعري ... الآن يا ملاكي ، يا وطني وانقذيني من غربتي
تعالي ... فأنا بانتظارك
تعري ... يا مدينة العشق الخصب
واحتفظي بشموخ نهديك
تعري ... واكشفي بهائك الآخاذ يسحرني
تعري ... ولا تخجلي ولا تخافي فأنت ِ مغتصبة منذ عشرين عام مضت !؟
ودماء المغتصبات اطهر من الف عذرية خائفة
تعري ... امام من يقدسك حتى الثمالة ... حتى الجنون
كوني شاهداً على قبح الغربة النتنة
والصور التي تتزاحم في مخيلته تدفعه للولوج في عوالم التيه والضياع فينشد الصبر في أسطورة أيوب أو هلوسة آدم يبحث عن المواساة ليشد عزائمه برغبة عارمة ونزوع صامت لعالم أخذ منه الكثير:
بي رغبة للكتابة ، اليوم ...؟
بي شهوة الفتى لعهر البلوغ
حين يغريه الكبر ..!
بي وجع آدم
وصبر أيوب
تستبيح مواساتي إليك 
وتشد عزيمتي للبوح
ويجترمن السياب صليب المسيح ليحمله في غربته بدلالة جديدة تعلن عن انصياع مكابر لحبيب طالما داعب خلواته في استذكار موجع لغجرية كردستانية اضافت لعشقه بعدا جديدا أخذ ينز في ذاكرته كلما داعب مخيلته طيف هائم يذكره بليالي دهوك وجبالها ووديانها وما استجد في ذاكرته من ارهاصات تلك الايام:
انا كالمسيح.... يحمل صليبه ...
يأتيك صاغرا
يبحث في عينيك ... عن ملجأ لهمومه
يا سيدة المسافات ... 
يا سيدة لم تطأها اقدام المغول بعد
من منا احمق في هذا العالم .... انا ...
ام انت ؟
صدقتك ، كلامك ...   
وقرأت الانجيل لعينيك
وهجرت ... صباحات الحقل ... وخبز التنور
وحملتك كتعويذة امي ...
ايتها البتول من دهوك العراقية
والغربة هاجس مرير يتدافع بين ثنايا القصائد فطالما انداحت الذكريات المريرة تستذكر  ما سلف من أيام كان لها في خياله آثار لا تمحى ما زالت أطيافها تلامس ما تبقى من ذاكرة هائمة تجتر الذكريات وتتفيأ ظلال الراكد من زمن سالف كان له مكانه بين تلال الذكريات، مستعيرا الشجن العراقي في أغاريد زهور حسين وأنين دخل حسن وبكائيات عبد الرضا الرادود التي تعيد للذاكرة وذكريات النضال المرير وما آل اليه الوضع في ظل الاحتلال والانقلاب الكبير في الموازين والقيم التي طبعت في ذاكرته يوم كان الوطن وطنا والعراق عراقا:
صدى الريح المذعورة ....
في غربتي وطن
من كلمات ودموع وشجن
وطن يسكنني
زهور حسين وداخل حسن 
وأبو صوت الذهب ، عبد الرضا الرادود
" أيام هاي الدنيا أيام "
وطني علمني نحن أبناء فهد
وطني محتل ثانية ...!؟
منفيّاً في ذاكرتي
منفيّاً في عشقي
أحمل مظلتي حافياً تحت المطر
هارباً تحت المطر
أصرخ .. وكأن الصدى " أغنية عراقية "
تصدح في المدى :
" ورداي .. كلما اصيح بس الصدى
يصيح وياي ..وردآآآآآي ...!! "
ويظل الوطن هاجس الشاعر، والغربة ناقوس يقرع ذاكرته يستمد منها ما يبقيه يعيش على ظلال الذكريات:
أجل !...الغربة قبر
أتنزّه بين الكلمات لأكتشف العلاقة بين الزهرة ونهد الشمس
أركب زورق النار... وأبحر في ملكوت المطر
يشعّ الحلم في ذاكرتي كماسّة في أعماق البحر
وأخيرا هذا هو ذياب في ديوانه،  أنه ديوان حب، حب قران بين المرأة والوطن، والمرأة لديه ليست امرأة عمر أبن أبي ربيعة، أو نزار قباني، بعشقهما الذي ينظر إلى جسد المرأة دون أن يلج إلى عوالمها، ولا عشق العذريين الذي يتسامى عن النظرة غير البريئة، أنه ينظر اليها كإنسانة لها وجودها وكيانها كشريك فاعل في المجتمع، تساهم فيما يساهم الرجال، وتعمل إلى جانب الآخرين على قدم المساواة، أنها الأخت والأم والرفيقة، والزوجة ،والحبيبة، وليست من نساء  شعراء الغزل الذين يطوفون بعوالم اجسادهن بحثا عن لذة جامحة، أو نظرة تبطن في داخلها نوازع شهوانية، لذلك ترى صوره وأن بدت في ظاهرها موحية بما يعتمل في نفوس العشاق، إلا أنها تعبر عن عشق آخر، فالمرأة لديه رمز للنماء والحياة والوطن والحضن الدافئ الذي يمتلك أكسير الحياة.