المحرر موضوع: هل بالإمكان رمي أحزاب الإسلام السياسي الى خارج المكان والزمان في العراق؟  (زيارة 450 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل سمير عادل

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 101
  • منتديات عنكاوا
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
هل بالإمكان رمي أحزاب الإسلام السياسي الى خارج المكان والزمان في العراق؟

سمير عادل

يُعدّ تيار الإسلام السياسي من أكثر تيارات الطبقة البرجوازية انحطاطا وتخلفا وإجراما، فالسلطة الحاكمة في العراق اليوم هي سلطة الإسلام السياسي بامتياز، والصراع القائم اليوم في العراق هو بين أجنحة ذلك التيار على السلطة من اجل حسمها لهذا الطرف أو ذاك، وبغض النظر عن تغليف كل جناح صراعه بشعارات فارغة من المحتوى لإثبات حقانيته الزائفة التي تتمحور تارة بالدفاع عن الشرعية والدولة والدستور وتارة أخرى بالإصلاح وطرد الفاسدين، وسواء مثلت تلك السلطة حكومة هلامية الشكل مثل الكاظمي أو شخصيات (إسلامية أقحاح) مثل المالكي والعبادي وعبد المهدي، فإنَّ جميع مفاصل المؤسسات الحكومية والتنفيذية والأمنية تديرها الأحزاب الإسلامية وميلشياته،  بيد أن الفارق بين النموذج العراقي وبقية نماذج البلدان الأخرى، هو عدم وضوح  الهوية السياسية للدولة فيما إذا كانت إسلامية أو أنَّها غير واضحة المعالم بشكل قاطع، بالرغم من (شيعية) ديباجة الدستور العراقي، ومن النوع الجعفري.
 ويعود السبب الى عدم حسم مصير السلطة السياسية التي تتكالب عليها جميع القوى السياسية القومية بشقيها العروبي والكردي والإسلامية بما فيها الأخوة التوائم في البيت الشيعي، وبالنتيجة ستؤدي الى حسم هوية الدولة بشكل نهائي فيما إذا كانت إسلامية أم لا، وطبعا لا بد من ذكر العامل الأساسي الآخر وهو جذر المجتمع العراقي المدني والعلماني، والذي قاوم لحد الآن جميع محاولات أسلمة المجتمع منذ الحملة الايمانية لصدام حسين عام ١٩٩٦، ومرورا بمساعي مليشيات جيش المهدي التابعة لمقتدى الصدر في بدايات الاحتلال عام ٢٠٠٣ في فرض الشريعة الإسلامية في مناطق نفوذه، ثم بعد ذلك جاءت القاعدة وأخواتها لفرض إمارتها الإسلامية وتحت عنوان مقاومة الاحتلال ومستغلة الحرب الأهلية الطائفية عام   ٢٠٠٦، وانتهاء بسيطرة داعش على ثلث مساحة العراق في حزيران ٢٠١٤. وبموازاة ذلك، كانت هناك حملة سياسية واجتماعية منظمة لفرض "التشييع" الإسلامي، في العديد من مناطق العراق، وخاصة بعد التخلص من سيناريو داعش في الموصل وصلاح الدين وكركوك وديالى وبابل، الى جانب مساعي حثيثة في إعطاء صبغة قانونية لذلك "التشييع" الإسلامي عبر تقديم مشاريع القوانين الى البرلمان لترسيخ سلطة الإسلام السياسي الشيعي؛ مثل قانون حرية التعبير الذي أعطى صلاحية كاملة بتنظيم المناسبات الدينية في أي مكان وزمان، وحتى الجامعات لم تنفذ بجلدها بتنظيم تلك المناسبات فيها، بالإضافة إلى تغيير عدد من المناهج المدرسية في مواد الدين والتاريخ حسب الرواية الشيعية للتاريخ الإسلامي، وتخصيص موازنة سنوية للأوقاف الدينية تقدر بأكثر من ٢ مليار دولار وهي أعلى من موازنة وزارة الصناعة، وتقديم مشروع قانون العطل الرسمية الذي وصلت عدد أيام العطل فيها الى ١٥٢، وأكثر من ٨٠ في المائة منها مناسبات دينية شيعية، إلى جانب مساعي لتغيير قانون الأحوال الشخصية وإحلال القانون الجعفري محلها وهلم جرا، ولم تكتف السلطة المليشياتية الحاكمة بتلك الحدود، بل راحت تستغل نفوذها في الأجهزة الأمنية والاستئثار بوجودها في السلطة وغياب الدولة بالمعنى القانوني والأمني، لشن الهجمات على النوادي الاجتماعية ومحلات بيع الكحول وقتل باعتها والعاملين فيها، كما سعت بمنع الحفلات الغنائية والمناسبات والمهرجانات ، على سبيل المثال مثلما حدث في مهرجان بابل الأخير واقتحام مدينة السندباد من قبل ميليشياتها إلى جانب تنظيم  الهجمات على عيادات التجميل وصالونات حلاقة وقتل العديد من النساء في وضح النهار.
في هذا المشهد الدرامي يتصارع اليوم جناحي الإسلام السياسي الشيعي على السلطة، جناح التيار الصدري بزعامة مقتدى الصدر الذي يمتلك ذراع مليشيات يسمى بـ سرايا السلام وجناح تحالف الميليشيات الذي يسمى بالإطار التنسيقي ويقودها المالكي-الفياض-العامري، والجدير بالذكر أن قانون الانتخابات يمنع مشاركة قوى ميلشياتيه في الانتخابات أو أي طرف له علاقة بأذرع عسكرية، ولكن من المثير للسخرية أنَّ لوحة المشاركين في الانتخابات، التي تتعلق عناصرها بالبيت الشيعي والتي وصلت الى البرلمان تمتلك مليشيات ممولة من موازنة الدولة.

المشترك بين الاخوة التوائم في البيت الشيعي:

كلا الجناحين التوأمين في البيت الشيعي متفقان على البرنامج الاقتصادي الذي وضعه بول بريمر الرئيس المدني للاحتلال الأمريكي في عام ٢٠٠٣ بالتنسيق والتعاون مع صندوق التنمية الأمريكي وصندوق النقد الدولي والبنك الدولي، أي أنَّ كلا الجناحين ليس لديهما مشكلة في تعطيل ٢٠٠ مصنع من كبريات المصانع في الشرق الأوسط مثل البتروكيماويات والحديد والصلب والورق وصناعة المركبات الثقيلة والمتوسطة عبر عدم تزويدها بالطاقة الكهربائية والتمويل الحكومي، كما أنهما متفقان في تخفيض قيمة العملة المحلية الدينار مقابل الدولار، ومتفقين أيضا بعدم تشغيل العاملين في القطاع الحكومي بعقود دائمة تجنباً لمنحهم الضمان الاجتماعي أثناء حوادث العمل أو الاستغناء عنهم وحرمانهم من العلاوة والترقية والضمان الصحي والتقاعد، ومتفقين أيضا على تحويل العراق إلى سوق عمالة رخيصة يحرم العمال من حقوقهم في التظاهر والإضراب والتنظيم في حالة أي نزاع بينهم وبين صاحب العمل  لتشجيع الشركات الأجنبية بالاستثمار في العراق كما نراه في شركات النفطية مثل بي بي البريطانية وبتروجاينا الصينية واكسيون موبايل الامريكية وتوتال الفرنسية و روز نفط الروسية  وايني الإيطالية، حيث يتعرض العمال إلى شروط عمل قاسية بالإضافة الى تفشي أمراض السرطان في صفوفهم.
نقول إن جناح الصدر وجناح الإطار التنسيقي ليس لديه أية مشكلة مع البرنامج الاقتصادي لحكومة الكاظمي أو الحكومات التي سبقتها، طالما يؤمن استقرار السوق العراقية ويربطه بالسوق الرأسمالية العالمية، في الوقت الذي يتحمل العمال والموظفين والمتقاعدين والعاطلين عن العمل أعباء الأزمة الاقتصادية، في حين لا يمس البرنامج الاقتصادي المذكور امتيازاتهم وعمولاتهم، كما انهما متوائمان في فرض الأسلمة للمجتمع العراقي مثلما ذكرنا، بيد أن المعضلة الأصلية هي في مشروعهما لإدارة السلطة.
وبهذه المناسبة يجدر بالذكر أن فشل حركة الصدر الأخيرة بالاعتصام أمام مجلس القضاء الأعلى، جاءت على اثر استرداد زمام المبادرة من قبل جماعة الإطار التنسيقي، حيث أخذت الضوء الأخضر من طهران بعد الزيارة الأخيرة التي قام بها رئيس مليشيات الحشد الشعبي فالح الفياض (تغيير في العوامل الإقليمية والدولية سنخصص له مقال آخر)، وقد ادخل قواته في حال إنذار وهدد الى جانب قادة الإطار التنسيقي بأنهم ملزمين بالدفاع عن الدولة والدستور والاستعداد بقمع الاعتصام دون أي تردد، وهذا ما دفع الكاظمي بالتصريح بأنه على القوى الأمنية الابتعاد عن الانجرار وراء الصراعات السياسية.

الأغلبية الصامتة وحكومة الأغلبية:

بعبارة أخرى فإنَّ محاولة إيصال المجتمع العراقي الى الانحطاط السياسي والتدهور الاجتماعي والانهيار الاقتصادي هو بسبب الإسلام السياسي و مشروعه الفاشل خلال ما يقارب عقدين من الزمن، وهذا يفسر أيضا توسع مساحة النزعة المعادية للإسلام السياسي من قبل الجماهير، ويوضح سر المقاطعة لانتخابات أكتوبر ٢٠٢١ التي وصلت الى نسبة اكثر من ٨٠٪، علماً بأنَّ الصدر وتياره السياسي يدركون هذه الحقيقة المرة، لذلك نراه يطّعم خطابه السياسي بنغمات وطنية رومانسية لذر الرماد في العيون وإبراز هوية مزورة بدل من هويته الإسلامية والطائفية وذلك لإخفاء قبحها كي يتجنب ابتعاد الجماهير المليونية منها.
ويجب أن ننوه الى أنَّ  عامل النزعة المعادية للإسلام السياسي في المجتمع العراقي يلعب دورا كبيرا في دفع التيار الصدري لطرح مشروعه السياسي عبر ما يسمى بحكومة الأغلبية، لأنه على دراية كاملة بأنَّ الأغلبية الصامتة التي فجرت انتفاضة أكتوبر إذا دخلت الميدان من جديد، فلن يقوم للإسلام السياسي ونظامه  قائم في العراق بل وحتى في المنطقة، وعليه في حكومة الأغلبية بالنسبة للصدر هي خطوة بالتنازل عن قسم من حصة الفساد مقارنة بحكومة توافقية ومنح فتاتها للجماهير التي يعيش أكثر من نصفها تحت خط الفقر، للجم أو الإبطاء من انفجار البركان بوجه كل السلطة السياسية، كما عشنا فصولها في أيام انتفاضة أكتوبر. ولو لم يكن هناك التنسيق والتعاون بين الجناح الموالي لإيران الذي سلط قناصته في قتل أكثر من ٨٠٠ شخص وجرح ما يقارب ٢٠ ألف متظاهر وبين التيار الصدري الذي حرق خيام المتظاهرين وقامت ميلشياته في مهاجمتهم بالسكاكين والهراوات، والإتيان بحكومة الكاظمي لإنقاذ النظام السياسي ومجمل العملية السياسية، لأعيد بالإسلام السياسي الى متاحف التاريخ، ولكان شخصياته ورموزه يقبعون خلف القضبان ويسوقون إلى المحاكم العلنية جراء جرائمهم ونهبهم وسلبهم.
إنَّ القلق والخوف والريبة يتعلق بالمستقبل الذي يخيم هذه الأيام على المجتمع العراقي بسبب هذه السلطة الإسلامية المليشياتية، وكأنَّ أكثر من عقدين من الزمن لم تكفيهم من إراقة دماء الآلاف المؤلفة من جماهير العراق تارة بالقتل على الهوية وأخرى بالحرب على الإرهاب ومرة بالقمع الوحشي لمطالب الأغلبية المطلقة من جماهير العراق المتعلقة بالحرية والمساواة وتوفير فرص عمل، وكل ذلك من أجل نهب أكثر ما يمكن من نهبه، واليوم نراهم يدفعون المجتمع إلى فوضى أمنية وسياسية.

هذه الصورة التي نعرضها، يحاول العديد من المدافعين عن العملية السياسية وكل النظام السياسي، حجبها، سواء بماهية هذه السلطة الرجعية، أو بتسويق نظرية أزلية من أجل إبقاء هذا النظام، بغية إحباط أية محاولة لوضع حد لمأساة جماهير العراق، وقد بلع عدد ليس بقليل طعم هذه الدعايات. ويجدر بالاشارة أنَّ حركة الصدر الأخيرة سواء فشلت او نجحت في تحقيق مطالبها في حل البرلمان وتنظيم انتخابات مبكرة التي لن تفضي إلا نفس السيناريو الذي  يسمونه بالانسداد السياسي ومن الممكن حدوث ما هو أسوأ منه، فإن ما سينتج هو تعويم فكرة مفادها إما الانتظار ل"صحوة ضمير" تحدث لممثلي التيار الإسلامي إمثال الفياض والمالكي والصدر والخزعلي والحكيم العبادي والعامري..الخ، حيث يعلنوا عن توبتهم ويسلموا انفسهم الى المحاكم ،وهو ما يعادل ذلك المثل القائل بأن دخول الجمل في ثقب إبرة ايسر من توبة أولئك، أو التسليم والاستلام للقدر الذي حدده هذا التيار الإسلامي وأثبت بشكل قاطع  طوال عقدين من الزمن بأنه لا يجيد غير القتل والنهب.
بيد أن الحقيقة المرعبة التي يخشى منها نفس التيار لأنه جرب بنفسه، هي أن الأغلبية الصامتة اليوم أو المتفرجة لم تقل كلمتها الى الآن، فكما أسقطت حكومة عبد المهدي التي وقفت خلفها قناصات جماعات قاسم السليماني-المالكي، لن تخونها جسارتها الثورية في رمي السلطة الإسلامية المليشياتية خارج المكان والزمان التي ما زالت  أصوات ناقوس انتفاضة أكتوبر تصم آذانهم .