المحرر موضوع: خطة الطوارئ الغربية لمواجهة أزمة الغذاء والطاقة  (زيارة 391 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل لويس إقليمس

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 426
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
خطة الطوارئ الغربية لمواجهة أزمة الغذاء والطاقة
لويس إقليمس
بغداد، في 4 تموز 2022
بسبب القفزات غير الاعتيادية والاضطرابات في أهمّ القطاعات الحيوية في مجالات الصناعة والزراعة والاقتصاد والمال، وما يرافقها من أزمات قاهرة وقاسية في أحيان كثيرة، لا بدّ من البحث عن وسائل تحدّد وتتبنى معايير لتشكيل وتأهيل عمل الشركات بمرونة تتوازى مع القدرات الفعلية والكامنة لأي بلد. فالأزمة الخانقة التي يتعرّض لها العالم أجمع من جرّاء سعير الحرب الروسية ضدّ جارتها أوكرانيا للأسباب التي نعرفها جميعًا، قد أتاحت للبلدان الواعية والحريصة على ديمومة اقتصاد بلادها وتنمية مواردها أن تأخذ في الحسبان جميع الترتيبات الضرورية لمحاولة حصر تأثيرها وعدم امتداد الأزمة إلى مديات يصعب السيطرة عليها بالوسائل التقليدية التي لم تعد فاعلة. ولعلّ من حصيلة هذه الحرب الضروس ما تعرّض له الأمن الغذائي من وراء مشكلة النقص القائم في توريد مصادر الطاقة من النفط والغاز الروسي، ولاسيّما الأخير الذي تعتمد عليه الماكنة الغربية في تسيير صناعتها وإدامة إنتاجها وتنمية اقتصادها. وقبل أيام قلائل فقط، صادقت المفوضية الأوربية على خطة أعضائها للصمود بوجه هذه الأزمة التي قد تطول مع إصرار الطرف الروسي على تحقيق انتصار على غريمه الأوكراني بأية وسيلة حتى تحقيق أهدافه من الحرب المدمّرة التي وجد حلف الناتو نفسه مشاركًا بطريقة غير مباشرة بصيغة تمويل الطرف الآخر بشتى أنواع الأسلحة منعًا لامتداد طموح الدب الروسي نحو بلدانٍ غير الضحية الحالية.
ولعلّ من بين القرارات التي صدرت عن المفوضية الأوربية بهذا الصدد، إتاحة الفرصة أمام الشركات المتضرّرة والأفراد بتقديم طلباتها للحصول على مساعدات طارئة بسبب النقص في إمدادات الغاز والكهرباء وفي الغذاء اعتبارًا من 4 تموز الجاري، بحسب بيان عن دوائر المفوضية. من حيث المبدأ، سوف يأخذ القرار في نظر الحسبان أيضًا حاجة الشركات التي التزمت بالقوانين الصادرة عن المفوضية الأوربية وليس الأفراد فسحب، بهدف دعم القدرات التنافسية لهذه الشركات وتجنب توقف الإنتاج الأساسي في المواقع التي تستهلك معظم الغاز والكهرباء. وفي فرنسا ذهب مصدر مسؤول في وزارة المالية إلى إمكانية أن تصل هذه المساعدة الطارئة إلى 50 مليون يورو للشركات التي تتعامل مع 26 قطاعًا صناعيًا، بما في ذلك صناعة الصلب وتصنيع بعض المعادن والزجاجيات والمطاط والبتروكيمياويات ومواد صناعة الورق وغيرها من الأساسيات. من جهتها، رأت بعض الشركات الفرنسية في شروط الاستفادة من هذه الحزمة من المساعدات بكونها معقدة في بعض تفاصيلها، حيث يترتبُ على الشركات المؤهَلة لمثل هذه المساعدة أن تكون قد قامت فعلاً بشراء مادتي الغاز والكهرباء بما لا يقل عن 3٪ من مبيعاتها السنوية في عام 2021، وتبيان تضرّرها بزيادة إنفاق مضاعفة في سعر الغاز طيلة فترة التأهيل للفترة بين آذار لغاية أيار2022 من جهة، وللفترة من حزيران لغاية آب 2022 من ناحية أخرى بالمقارنة مع متوسط الأسعار في 2021. فاعتماد تقديم قيمة هذا الدعم يخضعُ لمستوى الخسائر التشغيلية التي واجهتها مثل هذه الشركات في عملها. فيما رأى بعض أرباب العمل أنّ مثل هذه الإجراءات والمعايير لا تتناسب مع الادّعاء بفكرة الدعم المقررة من طرف واحد من دون استشارتهم. من جهتها، قدّمت وزارة الزراعة الفرنسية أيضًا، حزمة مساعدات مهمة بقيمة تصل إلى 150 مليون يورو لتغطية مساهمات الضمان الاجتماعي للصادرات الزراعية والصيد وفقًا لخطة الصمود العامة من أجل تخفيف التضخم الحاصل بسبب الحرب في أوكرانيا أيضًا. وقد تم فعليًا إطلاق الدفعة الأولى من هذه المساعدات في المجال الزراعي بقيمة 300 مليون يورو في أواخر أيار من العام الجاري دعمًا لمربي الأسماك، على سبيل المثال لا الحصر.

درسٌ بليغٌ للاستفادة
قد يبدو للناظر والمراقب تناظرًا معينًا في الخطة التي اتخذتها الحكومة العراقية في قانون الأمن الغذائي والتنمية الطارئ في قبة البرلمان بسبب الفشل في تقرير موازنة البلاد للعام الجاري. لكن الأمر يختلف تمامًا في سياسته واستراتيجيته وأهدافه ومفرداته. فخطة عموم دول المفوضية الأوربية ترمي لتقديم مساعدات حقيقية وليس مشبوهة في المجالين الزراعي والاقتصادي بتعدد أشكالهما وألوانهما، ناهيك عن المجال الاجتماعي وفق منهج حكومي استراتيجي لمعالجة أزمة راهنة غير معهودة كما نفهم من المضمون. وبحسب تصريح الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون نفسه، فإنّ خطة الحكومة الفرنسية مثلاً، تستهدف جميع مواطني البلد من دون تمييز، سواءً بصفة الأفراد أو أصحاب الشركات، لكون الخطة شاملة في مواجهة نتائج الحرب المشتعلة بالقرب من حدود أوربا التي زادت مخاوفُها وهواجسها من طموحات زعيم الكرملين. وعندما حدّد ماكرون أهمّ قطاعين قابلين للتأثير بسبب هذه الحرب، أي الصناعة والزراعة، فلكونهما عمادَ اقتصاد أيّ بلدٍ مثل فرنسا، سواءً في استيراد ما تحتاجه البلاد من البلدين المتحاربين من مواد ولاسيّما مفردات الطاقة، أو في تصدير الإنتاج الوطني لكليهما بالمقابل. وقد دخلت بعض هذه الإجراءات حيزّ التنفيذ في مواجهة الاضطرابات غير المعهودة التي شهدتها فرنسا، ومثلُها أوربا في عمومها، في استجابةٍ مباشرة للتطورات بسبب الاضطراب الحاصل في الشأن الاقتصادي والزيادة الطارئة في الأسعار في كلّ شيء بسبب نقص الطاقة نتيجة للحرب القائمة في القارة. وهذا ممّا استلزم من حكومة فرنسا بالتشاور مع نظيراتها الأوربية وأمريكا في حلف الناتو اتخاذ القرار الجريء بانتهاج سياسة استراتيجية مستقلة ضمن حدود الاتحاد الأوربي وتقليل الاعتماد على مصادر خارجية للطاقة، ومنها الغاز الروسي الذي اتخذه الرئيس بوتين سلاحًا ضدّ أوربا وعموم الغرب بسبب مساندتها وتمويلها الحرب في أوكرانيا ضدّ بلده. وهذا هو "ثمن السلام والحرية والديمقراطية"، كما يقول ماكرون، ما يتطلبُ قراراتٍ جريئة من أجل حماية الديمقراطية وتعزيز الحريات العامة حفظًا لمصلحة الأجيال ومصيرهم ومستقبلهم.
حبذا لو استفادت الحكومة العراقية والمعنيون بمعالجة أوضاع الشعب المضطربة بسبب الأزمة العالمية للغذاء ونقص الوظائف، من حزمة المعالجات الغربية الواقعية هذه، وذلك بوضع المبالغ المستقطعة من الوفرة المالية في مكانها ومواقع الحاجة إليها فعليًا، وليس بمنح جزءٍ منها مكرماتٍ لأحزاب السلطة مقابل موافقتها على تمرير القانون الطارئ للأمن الغذائي والتنمية. فالأول واضح في هدفه بتعزيز مفردات البطاقة التموينية لقوت الشعب وديمومتها بحصة شهرية متواصلة. والثاني يتعلق بمشاريع لها مساس بحاجة الشعب ومنها الطاقة بالذهاب لبناء محطات كهربائية أشبه بتلك التي بنتها الشركة العالمية الألمانية سيمنس وعطّلتها الحكومات الفاشلة المتعاقبة بأمرٍ من الإدارة الأمريكية. وكذلك الذهاب للاهتمام بأزمة المياه المتفاقمة وشحتها وما تسببت به من تصحّر ونزوح لأهالي المناطق المتضررة أكثر من غيرها. وهذا يتطلب أيضًا التخلّص من البيروقراطية في عمل مؤسسات الدولة وقسطًا من الشجاعة في القرار والفعل والتحرك الدولي والإقليمي بالتوازي مع الاستعجال بالتفاهم مع الدولتين الجارتين واتخاذ ما يلزم من إجراءات رادعة فعّالة مقابل سلوكهما غير الأخلاقي المخالف للجيرة ولأعراف الدولية. فالعقوبات الاقتصادية يكون تأثيرها كبيرًا عندما تتوفر النيات وتحضر الإرادات وليس بالخنوع والخضوع للأجنبي لأسباب تتجلى فيها المصالح الفئوية والخاصة، تمامًا كما تُظهر ضعفَ الجهة المتضررة ورزالتها في مواجهة العنجهية والسطوة والهيمنة على القرار الوطني. ناهيك عن موضوع المضي قدمًا في مشاريع لها أهمية كبيرة لمصلحة البلاد وتنميتها، ومنها مشروع الفاو الكبير وتنقية ما في دهاليزه من شوائب الاتفاقات الجانبية الخاسرة، والمضي في بناء سدودٍ جديدة تكون معينًا حقيقيًا لخزن مياه الأمطار تحوّطًا لأية أزمات قادمة. وإلاّ فالبلاد تنتظر تسونامي جارف  مصدره الشارع الثائر والمثوَّر عمدًا من أجل اكتساح معظم المشاركين في المنظومة السياسية الفاشلة في حالة بقاء الانسداد والاصرار على ذات النهج الخائب في منظومة التشارك والتوافق والتحاصص من مواصلة نهب ثروات البلاد وإدامة وتدوير ذات المنظومة الفاشلة في ظل غياب الإدارة الرشيدة في الحكم وتنامي الصراع على سلطة المغانم والمناصب بدل خدمة الشعب وتطوير البلاد وتنميتها.
حبذا