المحرر موضوع: من تراث القوش  (زيارة 568 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل يوسف شامايا

  • عضو جديد
  • *
  • مشاركة: 3
    • مشاهدة الملف الشخصي
من تراث القوش
« في: 18:01 21/10/2022 »
 
من تراث القوش
يوسف شامايا
مقدمة:
بمناسبة مرور اربعين يوما على غياب المعمر الألقوشي المعروف يوسف ياقو شامايا ( 1924- 2022) ، ووفاء لذكراه انشر موضوعا كتبه عن تاريخ القوش والذي ارسله لي قبل 17 سنة ( الناشر) .
كانت مخلفات قانون الغاب ما زالت تفرض بعض الظواهر الاجتماعية والاقتصادية على المواطن العراقي بسبب تسلط القوي على الضعيف المقرونة بحملات السلب والنهب والتي كان يقوم بتنفيذها حفنة من القتلة الماجورين وبتوجيه وتخطيط رؤسائهم الذين كانوا وجوها اجتماعية بارزة في المجتمعات التي تنتمي اليها، حيث كانت الكثير من قرانا تتعرض لهذه العمليات خصوصا القوش والقرى المجاورة لها، فكان لها حصة الاسد من ذلك  ...
ففي عام 1903 تعرضت القوش الى غزو مسلح من قبل اشخاص غرباء تم تشخيصهم من خلال لغتهم والأزياء التي كانوا يرتدونها والاسلوب الذي دخلوا فيه البلدة وطريقة تعاملهم مع الناس.
وفي تلك السنة كان الموسم رديئا جدا بسبب الظروف الجوية السيئة التي كان لها تاثيرا سلبيا على الحاصل الزراعي مما جعل بعض المرتزقة وقطاعي الطرق وبتوجيه من رؤسائهم بالقيام بحملات السلب لانهم معتادون ان يعيشوا ويغتنوا باساليب قذرة غير مشروعة كالسلب والنهب والاغتصاب، فقد قدموا هؤلاء الاشرار الى القوش ومعهم دوابهم وخيولهم وعرباتهم ليحملوا عليها ما ينهبونه ويسلبون من المونة والحنطة والشعير وارزاق اخرى، وكان كبير البلدة انذاك (( ميخا دمّن)) قد تفاوض معهم وبعد ان اعلموه انهم جاءوا لتلك الغاية، وفي حالة عدم تلبية مطالبهم سيشكلون خطرا على القوش واهلها فطلب السيد ميخا دمان التريث بعض الوقت لحين اعلام اهل البلدة، فاخبر بذلك الكهنة ووجهاء القوش واجتمعت جموع منهم في بيت احد وجهاء البلدة لمناقشة هذا الموضوع الهام، وبعد التداول والجدال الساخن والاختلاف في وجهات النظر حيث كان هناك من وافق على تلبية مطاليبهم تلافيا للمخاطر والمشاكل التي قد تنشأ جراء ذلك وكان هناك من رفض وبشدة اعطائهم اي شيء حتى حفنة صغيرة من الحنطة لا-،- لاننا بخلاء ولا نكرم الضيوف بل لاننا اباة نرفض لغة التهديد مهما كان مصدرها خصوصا اذا كانت من اناس يختارون طريق الرذيلة في الكسب -،- . وكان هناك من يرغب الاستمرار في التفاوض معهم ... هنا تضاربت الاراء وتنوعت واختلفت الافكار حول ذلك الا ان الاغلبية كانت ترفض فكرة الاستسلام والرضوخ مهما كانت النتائج، وكان من بين المجتمعين رجل قوي البنية غيور في انتماءه محب لالقوش بلدته التي ولد وترعرع فيها، قام هذا الرجل ووقف في وسط الجموع طالبا السماح له بالتحدث، وقال (( انني ارى الحيرة على وجوهكم يا ابناء جلدتي، ما بالكم مرتبكين ومتذبذبين في اتخاذ القرار .. الا تعلمون ان هؤلاء الارذال يعيشون على السلب والنهب يسلبوننا شرفنا ... صدقوني لو اعطيتم لهم ما جاءوا لاجله اليوم ستبرهنون على ضعفكم وعدم قدرتكم على حماية بلدتكم والمحافظة على شرفكم واموالكم لانهم بالتاكيد سيعودون في الغد القريب  .. يقتسمون نساءنا وخيراتنا ويعتبرون كل شيء في القوش غنائم من حقهم التمتع بها .. فهؤلاء يا اخوتي معروفون بسلوكهم واطماعهم وجشعهم اللامتناهي وعلى امتداد التاريخ فان كنتم في تجمعكم هذا مختارين في اتخاذ القرار اسمحوا لي ان التجأ الى اباءنا واجدادنا العظام الراقدين في مساكنهم الابدية واسالهم لكي يحتكموا هم بيننا في اتخاذ القرار)) . وكان الجميع يصغون الى حديث هذا الرجل الذي كان كلامه معبرا زاخرا بالحماس والحيوية، وانبهروا حين تقدم من نافذة تطل على البلدة متجها بناظريه الى المقبرة حيث يرقد الاباء والاجداد وقال بنبرة حادة فيها من الغضب والثورية مما جعل الجميع يصغون اليه بانتباه شديد (( ايها العظام .. يا ابناء القوش الكرام .. انني اسالكم عن مصير بلدتكم التي رويتموها بدماءكم الطاهرة .. اليوم تتعرض القوش الحبيبة الى غزو مسلح من قبل الوباش .. يساوموننا على اموالنا وخيراتنا لا لشيء اقترفناه وانما لاننا قوم نحب ان نعيش بامان وسلام .. ناكل لقمتنا مجبولة بعرق جبيننا واجتمعنا هنا لنتخذ القرار حول ردع هؤلاء لكننا لم نتوصل الى شيء لاختلاف اراءنا ... فماذا تقولون انتم؟ هل نقبل بهذا الذل ونعطيهم ما يريدون؟ )) توقف قليلا وهو يحدق النظر من خلال النافذة ثم التفت الى الحضور واجاب- نيابة عنهم- (( يا ابناء القوش .. ان تراب بلدتكم اعظم من ان تدنسه اقدام هؤلاء الطغاة .. فان كنتم غير قادرين على حماية هذا الشرف الرفيع .. تعالوا ارقدوا في مكاننا لكي ندافع نحن عن شرفكم واموالكم)) وتقدم نحو الحضور وقال (( ماذا تقولون ايها السادة .. هل توافقون على مقترح اباءكم، هل تعطون الجزية لهؤلاء؟ )) هنا تعالت صيحات الرفض والغضب على الغزاة حيث اثار هذا الرجل الغيور الحمية عندهم واشعل نار الحقد على كل من يحاول الاعتداء عليهم واتفقوا ان يدافعوا عن بلدتهم حتى وان كلف ذلك حياتهم. فخرج السيد ميخا دمان وابلغ اولئك الغرباء بان – القوش ترفض هذا الاسلوب، ولا تقبل بالتهديد فالاهالي جميعا غير موافقين على اعطاءكم اي شيء واخبروا من ارسلوكم باننا كرماء في عطاءنا،، نحرم اطفالنا من الطعام والشراب لكي نساعد الفقراء والمحتاجين، واسلوبكم هذا مرفوض عندنا ونحن مستعدون لكل شيء،، فهيا عودوا من حيث اتيتم ولا تحاولوا القيام بما يثير رجالنا فانهم على اهبة الاستعداد للمواجهة،، -- عندها انسحب هؤلاء وهم يجرون وراءهم اذيال الخيبة والخذلان بعد ان شاهدوا الغضب والاستعداد للموت على وجوه اهالي هذه البلدة الصغيرة في موقعها والكبيرة في انتماءها.
nabeeldamman@hotmail.com
California on October 20, 2022
&&&&&
&&&&
&&&
&&
&