الى اخي الفقيد اوراهم يلدا اوراهم
----------‐-----------
أعيش في جلبابك!
يا اخي، من قال انك رحلت، وبانك سافرت من دون أن تعود إلينا ثانية؟! اليوم مع ساعات الصباح الأولى رحت انبش في ذاكرتي، المتعبة في هذه الايام، رأيتك جالسا على كرسيك وبيدك
(الارض الخراب)، تلك القصيدة التي الهمك صاحبها في كتابة(الموت والميلاد)، رأيتك جالسا على كرسيك عند (راس اللاين) في الحبانية، غارقا في بحر كلمات ت.س. اليوت، غير مكترثا بالآخرين، كما لو كنت وحدك الجالس هناك. كنت انت الكبير وانا الصغير في الصورة، تلك الصورة التي لا ولن تغيب عن ذاكرتي حتى مماتي. انا كنت لا زلت صغيرا، وانت كبيرا مذ ذاك وحتى اليوم. كنت السند الذي اتكا عليه طوال حياتي، في كل مرة يخط قلمي كلمة، ولم يكن بالي يطمئن، إلا بمرور ما اكتب عليك. هل تتذكر اليوم الذي سلمتك قصتي القصيرة (الشبح)، كان ذلك في بداية السبعينات. كانت عبارة عن خربشات، لكنك اضفيت عليها لونا مختلفا، في غاية الجمال، ونشرتها حينها في جريدة (المزمار). في اليوم الذي رأت القصة النور، داخلني إحساس مفعم بالفرح، الأمر الذي حفزني للكتابة في لاحق الايام. اخي، حتى في غربتك كنت قريبا جدا مني، ولا أدرك تماما ما الذي كان يشدني إليك بهذه القوة، لم انقطع عنك يوما، أبدا.
اخي اوراهم، عندما التقيتك في زيارتي الاولى، قبل عشر سنوات تقريبا، بعد غياب طويل دام نحو اكثر من ثلاثين عاما، لم ينتابني شعور بالاشتياق، لأنك كنت دوما معي، كنا على تواصل دائم. حينها امضينا سوية احلى الساعات والايام في شيكاغو، في متن مكتبك، وبين أصدقاءك، المقربين جدا اليك.
ولكن، في زيارتي الثانية للقياك، بعد مرور سنة واحدة على زيارتي الاولى، عشت الجحيم في اكمل صورته، عندما رأيتك سجين سريرك في المستشفى، بعد أن خانتك ذاكرتك، وسرقت منك كل ما لديك من كنوز المعرفة. كانت تلك الصعقة صادمة جدا لي، لم يكن بمستطاعي رؤيتك في صورة لا تضمك انت والكتاب بين يديك. كنت الصديق الوفي للكتاب، لم تخنه يوما، ولم تتركه مهملا قط. ولكي تكون قريبا من الكتاب، رحت تدير مكتبة، تضم بين طياتها كل الكتب المحببة اليك، وكذلك محبيك من الأصدقاء.
اخي اوراهم، انت لم ترحل، ومن قال إنك في سفرة من دون عودة؟! انا اعيش في جلبابك، فلا يخطر على بالك يوما انك ابتعدت عني. انت ملهمي في كل ما يربطني بهذا العالم الذي حوالي. انت محفور اسمك في أعماق قلبي. انت صرح كنت وستبقى كذلك لأمتك التي افديتها حياتك
يوسف يلدا
yousifyalda@hotmail.com