المحرر موضوع: الكتابة والابداع تحت الضغط العالي  (زيارة 380 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل بولص آدم

  • عضو مميز
  • ****
  • مشاركة: 1185
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني


   

الكتابة والابداع تحت الضغط العالي

  بولص آدم

  بعد فشل التنويم المغناطيسي، لجأ  فرويد الى التداعي الحر.
 الكتابة، الأدب والفن بكل ألأجناس والأنواع اللآحقة والمحدثة للأساليب السابقة ايضا، يتجلى فيها اجتراح العالم الداخلي في النص او القطعة الفنية ويؤسس تقنياته بشكل أو آخر على معالجات شخصية للتداعي الحر. على يد هذا، تنتهي الى ثرثرة فارغة او على يد أخرى، نوتة وعي منظمة، تدعو الى متعة التأمل والمعرفة، وعلى يد ذاك، تكون وسيلة فنية للغور في الحقيقة، الحقيقة الظاهرة والحقيقة المكبوتة. هو منطق اطلاق الحقيقة فنا ضمن تداع ٍ حر، هدفه معالجة فنية تقنية لعلو شأن الحقيقة وسموها الأنساني، الأحاطة بكل شئ حولها وطرحه منقوصا او كاملا وللأسباب المتعلقة بالمبدع وزمنه فنتاجه، وبأشتراط الداخلي ووصاية الخارجي، هي الخريطة التي تتضمن اشارات وطرق ورموز شتى، يستدل معها المبدع ويقرر مايختار او يستثني، هنا وهناك، رحلة يتوزع على جانبي طرقها، النجاح والفشل، المجدي واللآمجدي، الواعي وغير الواعي، التقريري واللآتقريري  والى آخره من الثنائيات، وذلك يؤدي حتما الى رغبة كبيرة في عرض فلسفي ولو مروراً لوجهة النظر، تارة في وعي الشخصية وتحريكها تبعا لذلك، او جو منعش من التجديد، وتارة أخرى في بداية النص او احيانا، كلمحة تطفو على أمواج النص ، صوتا او حسا او هيئة دالة ..

   المكابدات الروحية للمبدع العراقي وفي غالب نتاج الأبداع، هي نقطة انطلاق خزين هائل من غلة التجربة، لاشك في ان ذلك وبمستوى مكابداته الممتحن روحيا، في اقسى الظروف التي يمكن ان يمر بها اي انسان في العالم ومر بها فعلا المبدع العراقي حصرا، تؤهله لتناول الحقيقة والتفلسف حولها وحول الأنهيار في كل اتجاه تحت فنارها .. ماأنجز وقدم من كتابات أدبية وفنية و رغم الشلل في الدراما والسينما، ماأنجزه المبدع العراقي في تداعيه الحر المنظم فنيا واللماح كمعنى في رسالة ، لم يكن بالأمر الهين أو المتواضع قيمة ،  تفرد في نوعية ذلك المنجز الأبداعي وبسمات خاصة به، ربما ثقتنا التامة بظهور اعمال مهمة او اتجاهات مؤثرة في الفن مستقبلا، زيادة نوعية على ماأجتهد المبدع فيه، سيكون له صوت يصل اقاصي الأرض!.. غلة التجربة تحت الضغط العالي، يحلو لي ليس ترفا في اناقة الأختيار بوصف الضغوط المتعاقبة، بل هي كذلك، ضغط من كهرباء الخوف والأستلاب، ضغط عالٍ في حياة المبدع الواقف في طابور شعبه أمام شبابيك الظلمة في ادق تعبير!

   بثقة تامة يجمع المبدع ملاحظاته ويحدد موعد بثها في حياة منجزه، ملاحظات فيها الهاذي الراسب والعقلاني، يضيف الى خزينه مالم يلذ ولم يكن طيبا .. ماكان بريئا او مدنسا، هو المبدع الذي تم تهيئة طبق الشر ليكون قريبا منه مُرغماً ، وعدم تمني الشر وتفاديه ديدنه في أحسن الأحوال، او قل ابتعاده عنا، هو حلم كل انسان شريف، يتمتع بنظافة الضمير، ونحسب ان المبدع هو من يُسمى كذلك، ومن نفس النوع الأنساني، والا، فالمبدع بغير صِدقهْ  كتاريخ وانجاز، ماهو الا وحش لايختلف عن الوحوش السائرة على قدمين!.. لانتهرب من ذكر حقيقة نراها كذلك، بأن المخاطر التي صنعها الشرير، هي من اغزر المواد التي توفرت أمامنا، وهي جوهر الهلام الذهني الذي في متناول مشاريع ابداعنا، هي اللعنة التي نعالجها جماليا في عملنا كمبدعين! .. بثقافة مبدعنا وغربلة واقعه وعصره، اصبح الشر ضروريا وبوفرته الشاذة! لكي نبدع في الأبتهاج بعرس الحقيقة، والا .. نتجت اعمال باهتة خالية من اي نوع من انواع الصراع! .. ياللبؤس الذي لم نحصل على غيره.. أليسَت هذه كلها  ضغطا عاليا، وهي مرارة يصول ويجول حولها شبح الموت ؟ ( مفارقة مرة ).. فكيف والأمر موغل في تكديس صراعاته وتفجيرها بلا أدنى شعور بالمسؤولية،  والشر يؤدي رقصته الشيطانية في حاضرنا وذاكرتنا ؟
نص المبدع المعالج لمريض تعصف به وتفتك الشرور، مريض تحت العلاج السريري في تداعيه الحر .. المبدع في تأمله لعدم الترابط يعلم حصة الضياع هناك، يفكر محتارا، يعقلن يأسه، ثم يلهث مستجيبا لنداء الضمير، تنتفض انسانيته ببراءة من يتقدم بحسن نية لكنه يتقدم نحو طوابير الشبابيك المظلمة التي تنبُتُ في كل مكان، ما ينتظره هناك، هو لحظة مستفزة تدفعه لعمل المستحيل من أجل ولادة سعيدة لنتاج وفي اي نوع وجنس، يعلم مبدعنا، من هو ذلك المريض، وبشفافية انسانية يراقب مريضه وهو يتلفظ ماشاء من الفاظه، كلماته التي قد تعكس طريقته في فهم المعضلات وحل المشاكل من الورقة تحت قلمه وحتى الأقاصي..
   والمبدع  تحت الضغط العالي في عالمنا، يصارع مُتفننا، يُحضِّرُ من عشبة الصدق دواءا للشفاء من ذلك المرض وكل انواع الأمراض، هو سليل فترة شاسعة من تأملات اكتشاف الحبوب، ثم جمعها، ثم اكتشافها في كل مرة..  الآف السنين مرت، حتى عرف تماما، كيف يوفرها بوفرة وغزارة .. غلة التجربة في حياة المبدع .. يريد تعويض جوعه من كل نوع ، بوجبة ابداع يتمتع بأنجازها ويقدمها للمتلقي المعلوم والمجهول، قريبه على الأرض وقريبه في الأنسانية .
 ثقتنا عالية بعلو يوازي علو شأن الحقيقة وبالمستوى العقلاني المكتفي بأدلته، ليكن بتواضع وبمستوى محدد واضح، ثابت في جماليته، يمدنا طاقة لاحدود
 لها..
    ذلك المستوى، هو خارطة الحياة وسرمدية الأمل.