المحرر موضوع: المكرّس ... دعوة سماوية (الحلقة السادسة)  (زيارة 456 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل المونسـنيور بيوس قاشا

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 241
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
المكرّس ... دعوة سماوية
(الحلقة السادسة)
بقلم/ المونسنيور د. بيوس قاشا     
"المكرَّس... دعوة سماوية"، بحثٌ في رسالة المكرَّس بجميع تسمياته ودرجاته المختلفة، فهو دعوة سماوية، وخاصةً نعيش اليوم في مجتمع قد تغيّر في شرقنا كثيـراً جداً ربما بسبب الحروب والمآسي التي خاضتها دولُنـا في الشرق
– فمهما يكن من أمر "فليكن اسمُ الربِّ مبارَكاً" (مزمور2:113، أيوب21:1) - وما تمرّ به المنطقة من تغييرات هائلة عبر الحروب والتقشف والحصار والاختلاف في مسلك السياسة والمصالح العامة والفساد المستشري بين أبناء هذه الدنيا، وبيوغرافية داعش الإرهابي وقلّة الحريات التي تمارسها الدول كما يمارسها بعض الحكّام على شعوب مبتلاة وهي التي أُعطيت لشعوب ولم تُمنَح لأخرى.
فإذا سمحتم جميعاً أردتُ اليوم في بحثي هذا المتواضع عبر حلقاتٍ أن أكون شاهداً للحقيقة وسأبقى - وكما كنتُ وحسب قول البابا بندكتس السادس عشر – أن أروي حقيقة مسيرتنا في سلك المكرّسين وخدمة الكنيسة وبتسمياتهم المختلفة من الكبار والكهنة والرهبان والراهبات والمكرّسين والمكرّسات وكل الأصناف الإيمانية التي تعمل من أجل خدمة بيت الرب والشعب وعبر مسالك مختلفة.
    التجربة والتكنولوجيا
نعم، حياة المكرس ليست بالسهولة التي نراها أو نفكر بها بينما كل دعوة تحتاج إلى إرادة ووفاء، وفي كِلا الحالتين - العزوبية كانت أم الزواج - ما يزيد من همومنا هو لهونا بوسائل التواصل الاجتماعي التي تجعل من الإنسان آلة بين صفحات العدوّ الصديق الذي نحمله بكل محبة واحترام، فهو العدوّ اللدود والصديق المحتال الذي يغرينا في مسيرة دعوتنا، إنه فيروس يعيب جميع الذين يستَعْبَدون له إذ شطر حياتنا وجعلها قسماً متوحداً وفي جميع مراحلها، في الأكل والشرب والنوم والراحة و.... ولعلّ كل ذلك يعطيناً مجداً لا يزول ولكن الحقيقة هي بالعكس، وهذا كله يعود إلى الإعلام الذي أصبح له دوراً مهماً في تغيير مسار الحياة وحسب هواه ومرضاتهم، فهو السلاح المؤدب الذي يقتلنا ونحن في عقر دارنا هذا من جانب. ومن جانب آخر كم هي أمينة مسيرة الإعلام في مسيرة حياتنا إذا ما كنّا لها مسيَّرين وليس مخيّرين ولكن مع الأسف فقد تَملَّكَتنا وأصبحنا لا نملك شيئاً سوى هي  وهي فقط، وشَلَّت جميع طرقنا، وجعلت من كلنا نقاط ضعف بإمكاننا أن نعمل ما نشاء، وللأسف الشديد ضاع الإنسان وضاعت قِيَمه ومبادئه وأصبح ألعوبة مؤدبة في يد الإعلام بعد أن استملكه الحاسوب والموبايل، وربما العكس في ذلك حينما يستعمل من أجل خدمة الإنسان.
ومع الأسف، اليوم هذا حال مكرَّسينا حتى في أديرتنا ومعابدنا، فقد أصبحت هذه الأمور بالنسبة إلى المكرَّس مكمِّلة لمسيرة دعوته، وربما تُدخِل المكرس في دائرة الأضواء الدنيوية فيرى نفسه هو وحده وينسى الآخرين المحتاجين إليه، بينما الدعوة لا تريد منا إلا أن نستخدم ذلك لخدمة دعوتنا ولصالح مؤمنينا. فلننتبه فليس من صالحنا أن نكون فقط في مجد العالم فالرب يقول "أنتم في العالم ولكنكم لستم من العالم" (يو19:15) وهمّنا الوحيد أن نكون في محل جميل فربما هذا يقودنا إلى أن نجعل من الموبايل رسالة خطيئة أو نقصان لتشويه صورة الله فينا وهذا ما أقوله وأردّده مع كل احترام للمكرسين والمكرسات، فهم يرون ويسمعون دون أن يدركوا أين هي الحقيقة ولا يدركوا صحة ودقة الكلام الذي قيل أو الذي تردد على آذانهم. وبسبب تعلق المكرس بهذه الآلات الحساسة والخدمة سيبقى مبتغاه دائماً حب الظهور والمجد الذي ربحه من حقيقة ربما تكون مزيفة، وكل ذلك يعمل في نفس المكرس إلى المادة والجاه والمال بينما الحقيقة إن هذه الأمور صُنعت لخير الإنسان ولفائدته وخدمته وليس لاستعباده، ولكن المشكلة ليست في الجهاز بل في الإنسان الذي يستخدم الجهاز.
وهناك من المكرسين مَن يعتبر أن هذا الموبايل هو لخدمة الإنسان من أجل إيصال كلمة الله عبر التواصل الاجتماعي ولكن أظن هو أصبح عند الكثيرين البشارة بالذات، وبالأنانية والكبرياء، والاستدعاء في قول "أنا ولا غيري" قبل التبشير بالإنجيل وبالحياة الروحية وبمسيرة السيرة وقداستها والدعوة الأمينة، وهكذا قليلاً فقليلاً يبدأ المكرس بضياع دعوته ولا يملك إلا مجد نفسه، وتصبح الدعوة عنواناً فارغاً لا أحد يعمل من أجلها وينسى أن رسالته ليست في مسارها الصحيح بل هي تتلكأ مثل الأعرج الذي يرى نفسه ناقصاً ولا يقدر أن يعمل شيئاً إزاء ما يعانيه، وتضيع قِيَم آمن بها ويصبح ازدهار رعيته وعطاءها في خبر كان ويتعب في جمع شبابه والتعليم الذي يريده فإنه يجد الصعوبة في إيصاله بسبب سيرة حياته الفاشلة والسيئة وذلك بسبب ما ربحه من مسيرة الحياة الدنيوية ومن إعلامها وأجهزتها الالكترونية بدل أن تكون لخدمته، فقد إستعبدته وتوحدته ولا شيء آخر... وإلى الحلقة السابعة والأخيرة.