المحرر موضوع: المكرّس ... دعوة سماوية (الحلقة السابعة والأخيرة)  (زيارة 330 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل المونسـنيور بيوس قاشا

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 241
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
المكرّس ... دعوة سماوية
(الحلقة السابعة والأخيرة)
بقلم/ المونسنيور د. بيوس قاشا       
"المكرَّس... دعوة سماوية"، بحثٌ في رسالة المكرَّس بجميع تسمياته ودرجاته المختلفة، فهو دعوة سماوية، وخاصةً نعيش اليوم في مجتمع قد تغيّر في شرقنا كثيـراً جداً ربما بسبب الحروب والمآسي التي خاضتها دولُنـا في الشرق
– فمهما يكن من أمر "فليكن اسمُ الربِّ مبارَكاً" (مزمور2:113، أيوب21:1) - وما تمرّ به المنطقة من تغييرات هائلة عبر الحروب والتقشف والحصار والاختلاف في مسلك السياسة والمصالح العامة والفساد المستشري بين أبناء هذه الدنيا، وبيوغرافية داعش الإرهابي وقلّة الحريات التي تمارسها الدول كما يمارسها بعض الحكّام على شعوب مبتلاة وهي التي أُعطيت لشعوب ولم تُمنَح لأخرى.
فإذا سمحتم جميعاً أردتُ اليوم في بحثي هذا المتواضع عبر حلقاتٍ أن أكون شاهداً للحقيقة وسأبقى - وكما كنتُ وحسب قول البابا بندكتس السادس عشر – أن أروي حقيقة مسيرتنا في سلك المكرّسين وخدمة الكنيسة وبتسمياتهم المختلفة من الكبار والكهنة والرهبان والراهبات والمكرّسين والمكرّسات وكل الأصناف الإيمانية التي تعمل من أجل خدمة بيت الرب والشعب وعبر مسالك مختلفة.
     قبل الخاتمة
فاسألْ نفسَكَ: مِنْ أجل مَن أصبحتَ فكان هذا المسلك المختار؟ هل أصبحتَ مكرَّساً بدعوة خاصة وبسبب تربيتك الأخلاقية والإيمانية في عائلتك؟ أو كان أحد يعيش هذا المسلك ففُرِضَ عليك أن تكون مثله خوفاً من حديث أفراد عائلتك؟ هذه الأسئلة وأخرى تراود الإكليروس والرعية وشعب الله، وأخرى كثيرة تُطرح على كل إنسان، وهذا قليل من كثير، وما هي إلا فكرة بسيطة لِمَن قَبِلَ الكهنوت العام والخاص، وعلى المؤسسة الكنسية التي تهتم بالتنشئة والتعامل من قِبَل كبار معابدنا ومن أجل صغارنا.
فإنك حينما تتكلم باسم الرب فلا تقل إلاّ الحق لأنك تتقدم الجماعة، وما عليك إلا أن ترتّل وأن تكون رجل صلاة فأنتَ أبٌ للجميع، فكن حنوناً. لذلك عليك أنْ تفتح ذراعيك للجميع، للصالح والخاطىء، ليرجع الخاطىء إلى ربّه ويعمل الصالح من أجل ربّه أيضاً، كما عليك أن تعمل من أجل الجميع وليس فقط من أجل أحبّائك والذين اخترتَهم أصدقاءً لك، كذلك لا تحقد على أحد ولا تسامحه فأنتَ قائد حازم وحكيم، فكنْ مَرِناً لا تتكبّر ولا تتبجّح ولا تحابي ولا تتنصّل من مسؤولية، فأنتَ مُحِبٌّ وخادمٌ وليس أميراً، واجعل لك صورة صادقة ليسوع. كما أنتَ لستَ رجل أعمال ولا رجل الصور والفيسبوك والموبايل فهذه كلها وُجدت لخدمتك وليس لعبادتها. لا تنسى أن تقوم بزيارة المرضى، ولا تخاف الطريق والتعب، ولتكن رحمتك على الفقراء والمرضى والمعوزّين. لا تفرّق بين غني وفقير وبين جميلة ومرذولة، ولتكن ابتسامتك في كل حين حلوة دائماً في وجه الطفل والأرملة. واعمل على انتشال الإنسان من الغرق وخلّصه، فأنتَ لستَ سمساراً ولا تاجراً بل أنتَ أخٌ وأبٌ حنون، فلا تزمجر شيخاً بل عِظْهُ كأبٍ، والأحداث كإخوة،ٍ والعجائز كأمّهات،ٍ والحديثات كأخواتٍ. كذلك اجعل لك أذاناً صاغية لكل إنسان وإنْ كان مزعجاً، وصورة صادقة عن يسوع الخادم الأمين وليس أمير الزمان. لا تجامل أحداً على حساب المسيح أو حساب الكنيسة أو حساب عقيدتك أو حساب مصالح تَدُرُّ لك لبناً وعسلاً، فأنتَ مؤتَمَنٌ على ذلك وعليك أن تكون قدوةً للمؤمنين وملاحِظاً نفسك في الكلام والتصرف، في المحبة، وفي الطهارة والتعليم، كما عليك أن تتبع البِرّ والتقوى والإيمان والمحبة والصبر والوداعة، وأن تسير بلا لوم لأنك تعلم بِمَن آمنتَ. فالناس محبّين لأنفسهم وعديمي النزاهة ولهم صورة التقوى ولكنهم ينكرون قوتها، فإن أردتَ العمل بهذه الوديعة تكون في المسلك الأمين.
نعم إخوتي الأحبة، هذه رسالتنا وهذا منهجنا، والحوار طريقنا إلى التفاهم وقبول آراء الآخرين وإنْ كانت لا توافق إرادتنا الخاصة. هذا ندائي لكم يا كبار معابدنا الأعزاء وكبار زمننا، والطاعة واجبة تجاهكم مع كون الحقيقة وعيشها في مسيرة حياتكم دون مصلحة أو رؤية خاصة فإنها رسالة سامية، فالمسيح الرب أطاع حتى الموت موت الصليب (فيليبي8:2). إنها فكرة راودتني لِمَا رأيتُه وما سمعتُه وما حصل ويحصل على مدار الزمن والدنيا وأقول: نعم للحوار وليس شيئاً آخر. شكراً لإصغائكم وتحمّلكم كلامي هذا، وأرجو الاعتذار من كل واحد كبيراً كان أم صغيراً، ومحبّتي للمكرسين تدوم طول الزمان فهم الرعاة الأُمناء وعليهم أن يكونوا أُمناء لدعوتهم وللذين دعاهم وليس لشيءٍ آخر. فشبابنا لهم مواهب خاصة فلنرعاها في هذه المسيرة الأمينة وفي هذا الزمن، حينذاك سنكون آباءً أوفياء، وسيعرف الناس أنكم تلاميذي إذا كنتم تحبون بعضكم بعضاً (يو35:13).
     الخاتمة
المسيح هو الطريق، فأنت يجب أن تكون مُعِدَّ الطَّريق! وإذا كان المسيح هو الحق، فأنتَ كن الشاهد الأمين للحق! وإذا كان المسيح هو الحياة، فابذل حياتَكَ لأجل الحياة. فلكلِّ بناءٍ يرتفع أساساتٌ يرتكز عليها، وكلما كان الأساس قوياً كان البناء راسخاً ومتيناً. ومن الأساس تقوم أعمدةٌ ثابتة عليها، وإليها تستند جدرانٌ وسقوفٌ تجعل البناء كاملاً مكتملاً. أمّا المسيح فهو أساس الكنيسة المتين وأنتَ عمود الكنيسة الثابتة المُحْكَمَة التي قامت من المسيح الأساس الوطيد، وعليها يقوم بناء الإيمان والبشارة، وكما يقول مرقس الإنجيلي "لأنّ ابن الإنسان لم يأتِ ليُخْدَم بل ليَخْدُم بنفسه جماعة الناس" (مرقس45:10).
فلا كنيسة بدون بشارة. وكنيسة بلا تنظيم ورئاسة تُضحْي فوضى واضطراب في نفس الوقت. وعلى كل رئيس في الكنيسة وصاحب مسؤولية أن يعي جيداً أنّ الرئاسة والمسؤولية الكنسية ليست كذلك الدنيوية كبرياء واستعراض وتجبّر، بل هي خدمة وتواضع، وما خَفِيَ منها أعظم مما ظهر.
ولكي لا ننسى، أدعوكم إلى كتابة الآيات التالية فوق أسرَّتكم وعلى أسطح مكاتبكم لعل وعسى تكون علامات للمسيرة المقدسة "لا تَطمَعوا في الْمعالي، بَل مِيلوا إلى الوَضيع" (رومة16:12) و"لابسين ثَوبَ التّواضُعِ في مُعامَلَةِ بَعضِكُم لِبعض" (1بطرس5:5).
فلنعمل سويةً من أجل الغايات الأسمى والرسالة الصادقة والبشارة الأمينة، ولا نعتبر أنفسنا حكّاماً بل خَدَماً للبشر مهما كانوا وبما اتّصفوا، فالمسيح لم يسأل عن الأبرص وعن الأعمى وعن الميّت فكلهم أحبابه، والمكرس هو حبيب المسيح إذ قال الرب "دعوتُكم أحبائي ولم أدعُكُم عبيداً" (يو15:15) وبذلك نزيل الحدود الفاصلة لنفتح الباب فيدخل المسيح الرب ويسكن معنا ويتعشى من أجل أن لا تموت فينا دعوة السماء، فلا أسمى ولا أقدس منها... نعم وآمين.