المحرر موضوع: من ذكرياتي – معهد مار يوحنا 4  (زيارة 1131 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل شمعون كوسا

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 201
    • مشاهدة الملف الشخصي
 
من ذكرياتي – معهد مار يوحنا 4
شمعون كوسا

ويتابع الراوي ، القابع في معهد مار يوحنا ، ذكرياته فيقول :
أما عن مدير السمنير ، الاب جوزيف اومي الدومنيكي  ، اشهد صادقا بانه كان كالوالد للجميع . كان يفضل بعض التلاميذ ، ولكنه كان لا يستثني احدا من رعايته . كنتُ شخصيا ارتاح اليه كثيرا ، لذا اخترته  مرشداً روحيّاً  طيلة سنواتي في المعهد. كان الاب جوزيف رجلا ذا هيبة ، ويتمتع بشخصية قوية ونادرة . كان شخصا جميل الملامح والبسمة لا تفارق شفتيه. كنتُ الجأ اليه في الكثير من مشاكلي  الروحية والنفسية والاجتماعية  ، وكنت اترك غرفته دوما وقد عادت الامور نسبيا الى حالتها الطبيعية .
امّا عن الاب ريشار (معاون المدير) فانه كان شخصيا قاسيا جدا ، على نفسه وعلى الاخرين .كان يحبّ البرد كثيرا ، بحيث كنت بمجرد  النظر اليه  ، أشعر بقشعريرة  . كان الكثيرون مُعجبين بصلابة طبعه وقوته، ولكني انا ، مع احترامي الشديد له ولهم ، لا استطيع نسيان حادثة وقعت لي معه وتركت فيّ  وقعا كبيرا جدا يصعب عليّ محوها ، بالرغم من انطواء العديد من السنوات وتراكمها على الحدث . قصدته مرة في مهمة استعصت عليّ. ذهبتُ اليه لانه كان المسؤول مبدئيا عن اسعاف الاكليريكي الحائر في إداء أية مسؤولية او عمل يخص سير الحياة المعهد. حال دخولي غرفة النجارة ، التي كان يتواجد بها اغلب الاوقات . حال دخولي اليها وقبل ان أتفوه بكلمة ، إحمرّ وجه الاب ريشار ، وكأنه كان في خضمّ حرب داخلية . واجهني بصرخة  ارعبتني تماما وجعلتني اولّي هاربا خشية وقوع كارثة. بقيت مكسور النفس وفي حيرة محت امكانية أيّ  اختيار يقود الى مخرج. لأول مرة كنت القى مثل هذه المعاملة ، لا سيما وأنّها آتية من شخص يُفترض فيه ان يكون لي مثلا ومرشدا ومساعدا ، يتحمّل  اخطائي اذا وجدت ، وتقويمها مثلا .
لم أجد غير اللجوء الى  مرشدي الاب جوزيف اومي . لا اتذكر بالضبط ما قاله لي ، وكأنه كان على دراية بحالاتٍ نفسية مماثلة للاب ريشار. لم يجد المدير علاجا آخر لاضطرابي الشديد غير نصحي ودعوتي ، الى زيارة الكنيسة  والسجود امام القربان . لم يهتدِ  هيجاني الى هدوء امام القربان . إن ما حدث البسني دهشة تفوق طاقتي . بدأتُ  بمناجاة القديسين المعروفين ، وتحولت الى غير المشهورين منهم،  ولكن حتى من بين الطوباويين  لم أجد أحداً  يهبّ  لنجدتي . كان كلّ قديس أناجيه  يُحيل  الموضوع لغيره ، إلى ان انتهت المناجاة والشكوى فوق مكتب قديس مجهول ، وتمّ حفظ المعاملة فيما بعد على احد الرفوف ضمن الدعاوى ضد مجهول.
في محاولة للتهرب ، ولو فكريا من الحيطان العالية للمعهد ، طلبتُ من اهلي تزويدي بصورة لجبل سورك القريب  من منطقتنا . كنت انظر الى هذه الصورة وبشئ من الخيال ارى  نفسي في شقلاوا . كانت الصورة تدعوني الى صمت وتأمل عميقين ، لاني  في موسم الصيف ، وفي موضع معين قريب من البيت ، كنت ابصر قمة جبل سورك وهي تلاصق السماء الزرقاء . كنت وكأني ارى السماء  وباب الملكوت مفتوحا بجماله وبهائه.
في المعهد ، كنت قد بنيتُ حياتي الروحية على فكرة بان الله هو الجمال الكامل ، كانت هذه الحقيقة تساعدني على قدر المستطاع ان أرى كل شئ جميلا نيّرا ، او أنسى مشاكلي وهمومي عبر تركيز انظاري على جمال الله . هذا الجمال كان يعني النور المشعّ في فضاء شاسع، يبسط فيه المسيح ذراعيه بطلعة بهية وابتسامة، وحلم ، وهدوء ، وكلها زرع الطمأنينة الكاملة في النفس.
النظرة المسيحية اللاهوتية الى الملكوت والله مشابهة لهذه الفكرة ،اعني ان الحياة الابدية هي النظر الى الكمال والجمال الكامل الذي يملا النفس بكل ما تشتاق اليه ، بحيث لا يبقى نقص او فراغ ، فلا تعو د النفس ترغب شيئا آخر لانها مغمورة تماما ، وفي ذروة سعادتها ، وتبقى هذه الحالة متجددة باستمرار والى الابد .
من بين المراقبين الذي تعاقبوا على قسم الصغار ، اذكر نعمان وريدة  الذي اصبح كاهنا وتوفي فيما بعد ، حنا عوديش من بطنايا ، اصبح مطرانا على كندا وتوفي ، حنا زيا مرخو من مانكيش  الذي سيم مطرانا لأربيل وتوفي في الاردن بعد فترة غيبوبة . وكان تربطني علاقة قوية بالتلميذ حنا زيا مرخو . واذكر ايضا من بين المراقبين ، فرنسيس منصور الذي بعد تركه المعهد ،  التحق بالحركة الكردية تحت اسم قيصر حجي ولاقى حتفه هناك .
كانت حيطان المعهد عالية ، ولهذا في بعض الاحيان ، كان مجرد الصعود الى سطح السمنير في مهمة او عمل اخر ، يساعدنا في الهرب مؤقتا من المحيط الداخلي الضيق . كان النظر الى سطوح البيوت المجاورة والتطلع الى مسافة ابعد ، يجعلنا ننسى قليلا  ، فتنفرج نفسنا وينشرح صدرنا .
من بين مدرّسينا يجب ان اذكر القس جبرائيل جرخي  من الموصل الذي علّمنا العربية نحواً وصرفاً ولسنوات عديدة . في بعض السنوات كان ينوب عنه القس البير أبونا . وفي مرحلة السنة السادسة ، كان الخوري حنا رحماني الذي يتولى دروس الادب العربي . اللغة الفرنسية بدأناها مع القس اسطيفان زكريا والقس البير ، وانتهينا بدراسة الادب الفرنسي لسنتين مع الاب ريشار. الاب جوزيف اومي كان يتولى تدريس الدين لقسم الصغار .اللغة اللاتينية تلقيناها على يد الاب ريشار ، الهندسة والجبر كانتا من اختصاص الاب امودري ، كان معلما بسيطا وطيب القلب ولكنه من حين لاخر  يتعرض لنوبات عصبية تغير ملامحه. مادة الدفاع عن الدين أي (الابولوجيتيك) ، كان يعلمها الاب فانصان ليكونت ، مادة الفلسفة تولى تعليمها  لمدة سنتين الاب جان فيليب لاشيز . أما اللاهوت العقائدي  كان من مسؤولية الاب فيرياث ، واللاهوت الادبي كان الاب مينو . الانجليزية لمدة سنة واحدة كان يلقى دروسها الاب جان فيّيه الذي اصبح مستشرقا ، وكتب العديد من الكتب التاريخية عن المسيحية في الموصل وغيرها . جميع هؤلاء المعلمين كانوا فرنسيين من الرهبنة الدومينيكية ، العائدة للقديس عبدالاحد . وتلقينا أيضا بعض دروس العبرية من قبل الاب فيلو سالو الأستوني الجنسية  ، وفي فترة لاحقة كانت لنا دورة في الدين الاسلامي على يد الاب جومييه المختص في الدين الاسلامي ، وكان مقيما في القاهرة .
بعد هذا السرد اليابس ، هل بقى لكم نفس لمتابعة الحديث ؟ سنرى.


غير متصل وليد حنا بيداويد

  • عضو مميز جدا
  • *****
  • مشاركة: 3064
    • مشاهدة الملف الشخصي
رد: من ذكرياتي – معهد مار يوحنا 4
« رد #1 في: 11:56 29/11/2022 »
الشماس شمعون كوسا المحترم
تحية
استمتع جدا بالسلسلة التي تنشرها وهي سلسلة تاريخية جميلة تعبر عن المرحلة التي سبقتنا في الاصرار على مواصلة طريق الرب كالصخرة التي ابني عليها كنيستي قالها الرب يسوع المسيح.
كتبت ايضا ملاحظة في الحلقة السابقة عن (مصطلح الصقيع كشتيمة)كانت تعبرعن الفكر الجامد تشبيها بالماء المتجمد في شتاء تلك الايام الذي كان يسمى بالصقيع وليس شتاء هذه الايام
احترامي شماشا   

غير متصل د.وعدالله عزيز

  • عضو فعال
  • **
  • مشاركة: 49
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
رد: من ذكرياتي – معهد مار يوحنا 4
« رد #2 في: 10:12 30/11/2022 »
 بدأتُ  بمناجاة القديسين المعروفين ، وتحولت الى غير المشهورين منهم،  ولكن حتى من بين الطوباويين  لم أجد أحداً  يهبّ  لنجدتي . كان كلّ قديس أناجيه  يُحيل  الموضوع لغيره ، إلى ان انتهت المناجاة والشكوى فوق مكتب قديس مجهول ، وتمّ حفظ المعاملة فيما بعد على احد الرفوف ضمن الدعاوى ضد مجهول.
الاخ العزيز شمعون
دخلت بمعمعة مع القديسين والطوباويين لحل مشكلتك  مع الاب ريشار ولكن بدون جدوى!؟
واخيرا روكنت على الرفوف....ولكن الى متى؟ والاب ريشار رحل الى العالم اثاني...

هههههههه بصراحة اخ شمعون تعبير ومحاكاة وحوار وشكوى مع القديسين اكثر من رائع
وهذه الذكريات تستحق ان تكون كتابا شهادة للتاريخ

فيما يخص الاب المرحوم ريشار صح كان انسانا عصبيا وهذه حالة الفرنسيين ولكن كان بسيطا ويحب النكتة ويتكلم السورث بطلاقة بالاضافة الى النجارة كان طبيبا ماهرا لطلبة المعهد وكذلك سباحا ماهرا تعلمنا على يده السباحة في الخوسر

...وبعد سردك الرائع عزيزي شمعون شنبقى متابعين للحديث الصريح والشيق...تحياتي

غير متصل شمعون كوسـا

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 219
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
رد: من ذكرياتي – معهد مار يوحنا 4
« رد #3 في: 12:42 30/11/2022 »
اخي وليد بيداويد

اشكرك من جديد على اهتمامك ومتابعتك لقصتي مع مار يوحنا الحبيب . فيما يخص بالصقيع ، كنت فعلا قد نسيتها وهي كانت تستخدم بكثرة . وكأني كنت اسمعها بالسين (سقيع) ولكن الاصح هو كما ذكرت (صقيع) لانه لا وجدود لكلمة سقيع بالعربية ، وكنا نقصد بها انسانا تافها جاهلا والكلمة كانت تأخذ معناها من الشدة التي كان يتفوه بها الشاتم البريء !!!!. اشكرك لانك تذكرني بما نسيت او تصحح ما كان خطأ .

غير متصل شمعون كوسـا

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 219
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
رد: من ذكرياتي – معهد مار يوحنا 4
« رد #4 في: 12:53 30/11/2022 »
اخي وعدالله

انا ذكرت حادثة معينة وقعت لي مع الاب ريشار وتركت اثرا كبيرا في اعماقي،  وهذا لا يعني البتة  بان الاب ريشار فقد كل ما كان يحمله من خصائل وقيم. انا اعتز بكل الخدمات التي كان يؤديها من كل النواحي ، اما انا فهذا الذي حصل لي مع الاسف . البشر اصناف ، قد تكون العلاقة سهلة مع شخصين وهذا لا يعني بان الاخرين لهم نفس الاستعداد والقبول او الطبيعة او التفاهم مع نفس الشخص . اما عن اتقان الاب ريشار للسورث فهذا اول مرة اسمعه لاني امضيت احدى عشرة سنة في السمنير ولم اسمعه يتكلم السورث ، لربما كان يردد بعض الكلمات. اما العربية فانه كان يعرفها ويستخدمها مثل الاب يوسف اومي . اشكك لاهتمامك بما اكتبه وليحفظك الله .

غير متصل د.وعدالله عزيز

  • عضو فعال
  • **
  • مشاركة: 49
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
رد: من ذكرياتي – معهد مار يوحنا 4
« رد #5 في: 07:53 01/12/2022 »
اخي شمعون

انا ما اتكلم السورث ولكن افهم بعض الكلمات والجمل....وعندما كان  ياتي الطلبة الجدد الى المعهد وقسم منهم لا يجيد اللغة العربية كنت اسمع الاب ريشار  يتكلم معهم بالسورث
وبطلاقة... فاكيد كما تفضلت الاب ريشار كان يجيد بعض الجمل والكلمات...وكنت اسمع من الطلبة كلمة ،، افهملي ابونا ،، جوابا له

مع التحيات