المحرر موضوع: هل هناك دكتاتورية يمكن ان تمهد للديمقراطية؟  (زيارة 267 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل د. شوان نافع خورشيد

  • عضو جديد
  • *
  • مشاركة: 4
  • منتديات عنكاوا
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
هل هناك دكتاتورية يمكن ان تمهد للديمقراطية؟
د شوان نافع خورشيد
قد يعتقد الكثيرين بان الديمقراطية قائمة في العراق ولان الحالة التي نراها في العراق مزرية فهذا يعني بان الديمقراطية قد فشلت، ولذلك علينا ان نبحث عن البديل. بداية أرى انه من الأنسب ان اكشف اوراقي مسبقا. انا مع الديمقراطية. لا اعتقد بان ما لدينا هو الديمقراطية بشكلها الصحيح. ولا اعتقد بان بناء الديمقراطية الصحيحة سيكون هينا. واعتقد بان الدكتاتورية التي قد تطرح كبديل للديمقراطية خيار سيئ الا في حالة واحدة.
لنفترض جدلا باننا يأسنا من تحقيق الديمقراطية السليمة ولذلك فليس لدينا خيارا غير الدكتاتورية. المشكلة هي؛ دكتاتورية من (اية قيادة واية ايدلوجية)؟ لاشك بان كل جماعة سيعتقد الدكتاتور المنتمي اليها سيكون الأنسب. وحتما سنختلف. وماذا سيحدث اذا اصر كل جانب على مرشحه. اعتقد النتيجة ستكون حربا اهليا. قد نجد من يستسهلون الحرب وسيزعمون بانها ستكون قصيرة. ولكن هناك احتمال بان تكون طويلة وتبقى غير حاسمة كما هي في الصومال واليمن وسوريا.
ولكن ماذا لو قامت قيادة في الجيش عادلة وغير منحازة وتحظى بالشعبية في صفوف الجيش وخارجه بعملية مباغتة وسيطر على الوضع وماذا لو تزامنت تنفيذ الانقلاب مع خروج الجماهير الى الشوارع مؤيدا، وادى استعراض الدعم الى ردع المناوئين من اللجوء الى السلاح؟ الن يكون مثل هذا السيناريو كفيلا بتوفير الحل؟ اعتقد انه ليس كذلك. هناك من يعتقد بان عبدالكريم قاسم كان زعيما فذا يتوفر فيه الكثير من الشروط التي كانت ستجعل منه الدكتاتور المثالي. ولكن كان من الواضح بان قاسم لم يدرك بان عليه ان يكون او لم يتمكن من ان يكون مثل صدام لكي يتمكن من التخلص من امثال عبدالسلام عارف. بمعنى اخر لو لم تأت الى السلطة بطريقة ديمقراطية وعليه لم تحظى بالصلاحيات دستوريا، فعليك ان تكون مثل صدام وستالين. هذا، ولكن بتعبير مختلف، هو ما قاله لنا ميكافيللي قبل خمسة قرون. 
وهنا قد يرد محاور: وما ضر طريقة صدام؟ الم يكن العراق دولة قوية؟ كلا طبعا. حتى لو اغفلنا المجازر التي كان يقترفها، فان طريقته أدت الى اضعاف الشعب نفسيا، وعلمهم الخوف والخضوع والانانية، وفرض عليهم الجهل بحيث واصبحوا غير ابهين للمصلحة العامة وذلك ما سهل تحولهم الى شركاء في الفساد او ادوات بيد المليشيات. الدكتاتوريات تحتاج الى  تحتاج الى رعايا جهلة، انانيين، معدومي الثقة بأنفسهم وبالأخرين ومعدومين اقتصاديا، باستثناء حاشية واهل القائد وزبانيتهم. أي ان ما نحن نحصده اليوم زرع في عهد صدام والجمهوريين الاخرين من قبله. 
ولكن مع ذلك لا نستطيع ان ننفي إمكانية مجيء قيادة دكتاتورية قد تخلق الأرضية لمجيء الديمقراطية. فلدينا التجربة الكورية الجنوبية وحتى تايوان وسنغافورة الى حد ما.
في عام 1948 اشرف الأمم المتحدة علي انتخابات فاز فيها ريي سينغمان Ree Syngman، وقام حزبه، وللمفارقة يسمى بالحزب الليبرالي، بتزوير الانتخابات لصالحه في عام 1960. هذا ما سبب خروج مظاهرات طلابية ضده. وردت الشرطة باطلاق النار عليهم. وهذا ما جر مظاهرات أضخم ، وارغم الرئيس على التنحي. ولكن الأمور لم تستقر لخليفته المدني. في عام 1961 قام مجموعة من الضباط بقيادة بارك جونغ هيي Park Chung Hee بانقلاب عسكري. في عام 1963 استقال من الجيش وترشح للرئاسة وفاز ثلاثة مرات متتالية ولكنه اغتيل في عام 1979 على يد مدير استخباراته. كان بارك ضابطا في الجيش الياباني ولربما كان شيوعيا لفترة ما، كما يقول اندرو سالمون Andrew Salmon.   بمعنى كان يمكن اعتباره وصوليا او حتى مشبوها. ومع هذا استتبت له الأمور لأنه لم يتعرض الى رفض جدي لا من قبل الضباط الاخرين من الجيش ولا من المدنيين، بالرغم من ان الإدارة الامريكية كانت تنصح بإلتدخل ضده، كما يقوله مارك تكولا Mark Tokola اعتمادا على الوثائق المسربة من ارشيفات الحكومة الامريكية. 
بداية عمد بارك الي ازاحة الضباط المنافسين له من بين رفاقه من قادة الانقلاب وضباط آخرين ممن لم يطمئن لميولهم. وهذه الخسة هي ما يجب ان نتوقعها من كل قيادي فطن يأتي الى للسلطة عن طريق القوة. ولكن بارك يعتبر ايضا صاحب اعظم مساهمة في نهضة كوريا الجنوبية قافزا بها من مرتبة افقر الدول العالم الى منصة تتيح لها التطور الى مصاف اعظم اقتصاديات العالم. ورغم هذا الإنجاز علينا ان لا نتوقع بانه كان محبوبا ومدعوما من قبل الجميع او حتى الاغلبية. فهو ادخل تعديلات على الدستور لكي يتيح لنفسه البقاء في السلطة لولاية ثالثة، وواجه المظاهرات الطلابية بالعنف وضيق على المعارضة وفي النهاية أعلن حالة الطوارئ وعلق البرلمان ليكون دكتاتورا فعليا. وبالإضافة الى كل هذا، فانه يعتبر مسؤولا مباشرا او غير مباشر عن عمليات هدر حقوق واقتراف جرائم ضد المتشردين والمتسولين، والأطفال السائبين وبعض الطلاب المناهضين. 
بمعنى اخر لا يمكن ان نتوقع دكتاتورية مثالية. وعادة لا يتم التحول الى الديمقراطية برعاية ومباركة الدكتاتوريين وانما بالرغم عنهم. فلقد اضطر خليفة بارك اللواء جن دوو-هوان  Chun Doo-hwanالى الاستقالة بعد أن حاول هو الاخر ان يقوم بنفس دور سلفه وبعد ان قتل المِئات من الطلبة. أي ان الدور الأعظم للتحول الديمقراطي تلعبه الشعوب وليس الدكتاتوريين.
السؤال المهم هنا هو: ماذا يؤهل بعض الشعوب لأن تتحول الى الديمقراطية وشعوب اخر عاجزة عن ذلك؟ هذا سؤال عام ولا يقتصر على كوريا او العراق. فكل الشعوب العالم قاطبة كانت ترزح تحت ملكيات ذات سلطات مطلقة.
باعتقادي ان الشروط ادناه هي حاسمة.
أولا، توفر استقلالية اقتصادية للمواطنين. السياسة الاقتصادية بارك جون هيي أتاح للمواطنين الكوريين الاستقلالية الاقتصادية. في العراق بما فيه إقليم كردستان، لا تتوفر مثل هذه الاستقلالية. هناك طبقة رأسمالية في العراق الا انها شريكة للحكام. وهذه الطبقة تتعامل مع العقارات او التجارة أي انها غير منتجة واغلب اصول ثرواتها هي الاختلاس من المال العام. ليس هناك اقتصاد صناعي وزراعي منتج. وعلاوة على ذلك فان المال المختلس يمول تجنيد أدواة قمعية وقتلة مأجورين والكثيرين من "المثقفين" ليكونوا مطبلين للحكام. مسألة ضرورة وجود استقلالية اقتصادية للمواطنين لا تعني بان الرأسمالية هي شرط للديمقراطية. المقصود هو توفير وضع لا تتمكن فيه الحكام من ارغام المواطنين للرضوخ عن طريق الابتزاز الاقتصادي. 
ثانيا، التزام النخبة السياسية بايدلوجية تحتضن كل الهويات ولا تقصي فئة تختلف اثنيا، او دينيا او جنسيا او عنصريا و لأفكارهم الفلسفية. امثلتي للأيديولوجيات الاقصائية هي الايديولوجيات الدينية، والقومية، والشيوعية. عندما اتى بارك الى الحكم فانه لم يتبنى ايديولوجية اقصائية. بل انضم الى الإطار الليبرالي السائد. ولذلك فان معياره للحكم الجيد كان الازدهار الاقتصادي وهو ما قام به لكي يحظى بالشعبية. الايديولوجيات الاقصائية تتبنى اهداف تعتبرها اسمى وانبل من الحقوق الفردية واهتمامها بالتطور الاقتصادي يرتبط بكسبها للقوة وغالبا مع ينخرطون سياسة التسلح وتحدي قوى يعتبرونهم أعداء. في العراق أصبحت الايديولوجية العربية هي السائدة وكان طبيعيا ان تقصي الكرد وغير العرب من السلطة. وهذا ما سهل سلب ممتلكاتهم وظائفهم وحتى حياتهم. وهذه الحالة كانت تعمل كمفقس للناقمين على السلطة المركزية العراقية وتحويل بعضهم الى مجندين في الحركة الكردية المسلحة التي قامت بعد 1961 بالرغم من مآخذ كثيرة للكثيرين حول طبيعة الحركة وافاق نجاحها. ولكن طبيعة وجغرافية المنطقة والحكومة العراقية والحركة الكردية المسلحة لم تكن لتسمح لا للحركة والكردية ولا الحكومة العراقية بالانتصار الكامل. بل أدت الى خلق حالة حرب دائمة وخافتة، ما كانت لها ان تنتهى من غير تدمير كل قرى كردستان وإخضاع السكان في المجمعات القسرية او دفنهم. وهذا ما كان يقوم به صدام حسين. ولولا تورطه في حرب الكويت فانه باعتقادي كان بمستطاعه انهاء الوجود الكردي كليا في العراق.
بمعنى آخر ان المسبب الأكبر لاندلاع الحرب الاهلية في العراق كان اسقاط النظام الليبرالي في 1958 وفرض الأيديولوجية العربية القومية في بلد متعدد الاثنيات ولان العقل السياسي العام وكذلك منظري هذه الأيديولوجية كانوا غافلين كليا عن مسالة ضرورة تبني طريقة سلمية لتنظيم الصراع على السلطة. وما زاد الطين بلة هو ان التعبير السياسي الكردي والعراقي بشكل عام اخفق في تنظيم حزب يدعوا الى إزالة تاثيرات الأيديولوجية العربية من جسم السياسي الحكومي. بل اصبح الحزب الديمقراطي الكردستاني التعبير الوحيد عمليا (في البداية على الأقل، ولم يكن الجناح المنشق منه مختلفا في ايديولوجيته). وهذا الحزب، بكلا جناحيه، لم يكن بمستوى مهمة اصلاح الوضع بحيث ينهي الاضطهاد القومي. المقصود هنا هو ان ما كان يتوجب القيام به هو رفض الدكتاتورية، المطالبة باسترجاع النظام الليبرالي. مثل هذا الحل كان سينهي الاضطهاد القومي ويوفر على الشعب العراقي كل المآسي التي عانها منذئذ.
الشرط الأيديولوجي له أهمية أخرى. فهناك ايديولوجيات (في الحقيقة كل الأيديولوجيا مع عدا الليبرالية) يمكن ان تستعمل بسهوله كأداة للإخضاع، والتجهيل. فهذه الأيديولوجيات تفرض ما تفترضها كحقائق وتمنع او تمنع او تعرقل التفكير الحر والتنهل من العلم من مصادر اخرى. ما يساعد هذه الأيديولوجيات للقيام بهذه المهمة، كما قيل أعلاه، هي انها تبخس حياة الفرد باسم المبادئ العليا. وهذا ما يدخل الذعر والرهبة في نفوس كل من لم يسلب حياته. وفي مرحلة لاحقة فان الرعية سيتحول الى تابع للايديولوجية ويعمل كجزء من القوة القمعية، يمارسه ضد من لم يرضخ بعد.
وهناك فائدة أخرى للايديولوجيات الاقصائية لقياداتها. اذ إن ارضاخها للرعية وكذلك أعضاء الحاشية والمساعدين يهيئهم لقبول توريث السلطة. بعكسه لا يتم التوريث في ظل الليبرالية.
الشرط الثالث للتحول الديمقراطي، هو ظهور فئة سكانية مستعدة لكي تخرح للنضال. لقد لعب الطلاب في كوريا الجنوبية الدور الأعظم في التحول الى الديمقراطية من خلال خروجهم الشوارع. وعندما اصبحوا يتعرضون الى البطش والقتل على يد شرطة جن دوو-هوان  Chun Doo-hwanخرج اهاليهم للاحتجاج ايضا. ولكن انتاج الكم الهائل من الطلاب وخاصة الجامعين كان من ثمار النظام الدراسي الفعال الذي أقامه بارك لتزويد النهضة الاقتصادية بالكادر البشري المتعلم والكفوء. النظام التعليمي في العراق متهالك وبشكل مقصود، على ما اعتقد. مع ذلك هناك طلبة مثقفين وفعالين سياسيا. ولكن ليس هناك من يدعمهم ويحميهم فيموتون ويُنسون.
ان اهم نقاط هذا المقال هو كالاتي:
لقد ذكرت ثلاثة شروط رئيسية للتحول الديمقراطي.
خطر الأيديولوجيات الاقصائية هي انها تعطي العذر للقادة بان يمارسوا تصفيات دموية هائلة ومروعة.
هذه الأيديولوجيات تفتقر الى الوعي بأهمية امتلاك طريقة لتنظيم الصراع على السلطة بطريقة سلمية. ولذلك فان تبني هذه الأيديولوجيات تؤدي الى نشوب صراع دموي على السلطة. 
الرأسمالية قد تؤدى الى التهيئة للديمقراطية ولكنها عندما يكون المال في أعوان السلطة فإنها ستمنع الديمقراطية.
قد تكون بعض الدكتاتوريات مساعدة للتحول الديمقراطي. الا ان شروط توفر الدكتاتورية الجيدة صعبة.
وفي كل الأحوال فان معرفتنا بشروط التحول الديمقراطي سيغنينا عن الدكتاتورين.

تساؤلات قد تثار، ولكن اجوبتها لم تطرح هنا وستكون مواضيعا لمقالات لاحقة.
الم يعط صدام حسين الحكم الذاتي للكرد؟
 ولماذا ورط صدام حسين نفسه في حرب الكويت؟
 الاقصاء مورس بحق الشيعة العرب أيضا فكيف تفسر على أساس الاقصاء القومي؟
ماذا عن حق تقرير المصير للشعب الكردي؟
showan.khurshid@gmail.com