المحرر موضوع: المَوصّل تَرتديّ حلتَها الجديدة  (زيارة 512 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل سـلوان سـاكو

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 454
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
المَوصّل تَرتديّ حلتها الجَديدة.
بقلم/ سلوان ساكو
من المؤكد أن محافظة نينوى تشهد تغييرًا ملحوظًا على أرض الواقع بعد حملة الإعمار والبناء وإعادة التأهيل التي تشهدها المدينة مؤخراً، والتي يُنقل مشاهد منها بين الحين والآخر من خلال منصات التواصل الاجتماعي والتي تصل حتى أقاصي الأرض فُيشاهد محبيّ الموصل ومواطنيها الأصليين الذين باتوا اليوم مُشتتين في كل إرجاء العالم هذا الحدث المبهج. جاءت هذه الجهود طبعًا بعزيمة ومثابرة المحافظ الحالي نجم الجبوري والذي يتصرف بحكمة ونزاهة مفقودة في العراق من وقتٍ ليس بالقليل بعكس سلفه السابق أثيل النُجيفي سَيِّئ السُّمْعَة والذي كان متواطئ مع الجماعات المسلحة الارهابية، وأيضًا بجهود أبناء المدينة أنفسهم الذين خبروا في الماضي القريب أبشع أنواع الحكم متمثلًا بتنظيم الدولة الإسلامي داعش، الذي قفز وسيطر على المحافظة بلمح البصر واستقطع أراضي واسعة ليس من العراق فحسب ولكن من الجارة سوريا أيضًا، فأصبح واسع الانتشار وبسط نفوذه وسيطرته على مساحات شاسعة من الرقة وصولًا حتى حدود العاصمة بغداد، كل هذا كان قبل سنوات قليلة ليس ألاَّ. ولكن هذا لا ينفي أن شريحة واسعة من أبناء الموصل كانت متعاطفة ومساندة لهذا التنظيم الارهابي، يؤكّد ذلك عدد الاعضاء الملتحقين بصفوف بداعش بعد أحتلال الموصل في العام 2014. ثمّة كلام كثير عن تلك المرحلة من التاريخ الحديث للعراق ولكنّ ما يجدر التوقف عنده هو الهجرة الواسعة للمكون الأصيل للمدينة آيَّ المسيحيين والتي باتت الموصل خالية منهم تمامًا اليوم، والقريب منها ليس في المدينة وإنما في الإقليم الكردي، أما في أربيل أو دهوك، لا يجرؤن العودة الى منزلهم خوفًا من تصفيات جسدية أو عملية أبتزاز تطلهم كما حدث بعد العام 2003 وصعودًا، إحداثًا عديدة حصلت في المحافظة تجسد حالة الفوضى الامنية والانتقام البشع الذي طال السكان المدنيين، ولكن الأكيد أن نقطة التحوّل الأهمّ كانت في حادثين كانا لهم الأثر الكبير على جميع المسيحيين وعلى كل المستويات، الأول في قتل المطران مار بولس فرج رحو والثاني في قتل الأب رغيد كنيّ ورفاقه الثلاثة، ليظل الحادثين البشعين متجذرا في الأذهان طويلًا وجرحين غائرين في الذاكرة الجمعي للناس. إذا كان من درس يمكن استخلاصه من تلك التطورات الخطيرة التي عصفت بالموصل فيمكن القول أنها لم تكن في ذلك الوقت صالحة للعيش والسكن وبات النزوح والهجرة الطريق الوحيد للخلاص من موجات العنف الطائفي الذي ضرب المحافظة والعراق ككل.
السؤال الذي يطرح نفسه اليوم بعد هذا التغيير الذي طرأ على المدينة وباتت ترتدي حلة جديدة أكثر إشراقًا من تلك السوداء التي نقبت فيها نفسها، هل هناك ثمة تغيرًا حقيقيًا في عقلية ووعيّ وفهم الناس، هل هناك ثمة مقارنة بين كل ما له علاقة بالأخرين وقبول الاختلافات مهما كانت الانتماءات، والأديان والمذاهب، يبدو واضحا أنّ المسافات التي تفصل الإنسان عن اخيه الإنسان بغض النظر عن هويته مازالت عالقة ومستمرة وتحتاج لاعادة هيكلة وتصورات جديدة. من الواضح أنّ ثمة حاجة إلى تغيير جذري في الفهم العام بعيدًا عن لغة التكفير والإقصاء وبلورة إرادة حقيقية تتعامل مع الأخر بشكلٍ سوي ومواطن حقيقي على درجة واحدة من الاحترام، هكذا فقط يمكننا القول أن الموصل ترتدي حلة جديدة.