المحرر موضوع: البطريرك راعٍ وجمهوره ليس نعاجا  (زيارة 637 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل Janan Kawaja

  • اداري
  • عضو مميز متقدم
  • ***
  • مشاركة: 31484
    • مشاهدة الملف الشخصي
البطريرك راعٍ وجمهوره ليس نعاجا
منذ أن اكفهر الوضع في لبنان سنة 2019 والبطريرك الراعي يقود حركة نضالية في سبيل إنقاذ لبنان من أجل تحرير دولته.
MEO

استكمال ما بدأه أسلافه
ليست البطريركية المارونية غصنا يتمايل يمنة ويسرة، ولا أذنا تتأثر بكل هـمسة. لذلك لا داع لأن يقلق البعض ويهلع كلما طلعت هذه الشخصية أو تلك درج بكركي. المهم أن نرصد خطواتها لدى خروجها ونزولـها الدرج. إن طائفة يرقى عمرها إلى القرن الخامس، وبطريركية يرجع تأسيسها إلى القرن السابع ما عادتا غصنا بل جذعا متجذرا في الأرض والتاريخ يواجه العواصف ويردها على أعقابها وإلى مصادرها.

وحين يستقبل غبطة البطريرك الكاردينال بشارة الراعي زوارا من جميع الاتجاهات ويصغي إليهم بانتباه، في أول الأسبوع أو في وسطه أو في آخره، لا يظنن أحد منهم أنه كسب البطريرك إلى جانبه و"راحت" على الآخرين. الإصغاء من باب اللياقة لا من باب الاقتناع. لكن، طبيعي أن يتوقف غبطته عند أي فكرة جيدة ونزيهة تبدى أمامه بغض النظر عن صاحبها، فالمعرفة نبع يجف من دون سقي دوري. يتركهم في غموض والتباس وقلق، إلى أن يطل عليهم في عظته كل أحد فيدرك الجميع حينئذ أن ما بني على صخر لا يهــزه زوار أو متغيبون.

وخلافا لما يتوهم البعض، غبطته يعرف مقصد كل زائر والغرض، ويملك القدرة على التمييز بين الحق والباطل، والمناسب والنافر، وبين صاحب الحاجة وصاحب الحجة. وهذا التمييز يسري على كل زائر أكان رئيسا للجمهورية أم مواطنا عاديا أو مرشحا للرئاسة زاد طموحه عن مؤهلاته بالولادة. لكن، ما يزعج غبطته أن يخرج زوار بعد لقائه ويصرحوا خلاف ما جرى من حديث ويتركوا الانطباع بأن غبطته أيدهم في مواقفهم. وهنا تبدأ المبارزات السياسية والسجالات الإعلامية الفاقدة الصدقية.

جميع المكونات السياسية المؤمنة بلبنان، مسيحية ومسلمة، تكن للبطريركية المارونية الاحترام، وتلقى لدى سيدها ملاذ الموقف الوطني المبدئي والمنفتح. وحتى حين تدافع البطريركية عن حقوق المسيحيين فعن حقوق جميع اللبنانيين تدافع. وتفعل ذلك من المنطلقات التالية: 1) دورها التأسيسي الخاص في قيام دولة لبنان الذي يفرض عليها واجب احتضان المكونات الأخرى وتفهم شكواهم. 2) إعطاؤها الأولوية لمفهوم الميثاق الوطني الذي يقتضي اعتبار مصالح الطوائف الأخرى بمثابة مصالح الطائفة المارونية. 3) انتشارها الواسع في سائر دول العالم ما يعطيها القدرة على أن تطرح قضية كل اللبنانيين على مراكز القرار (هذا إذا فعلت الكنيسة طاقاتها وجددت طاقمها).

حرصت البطريركية عموما على عدم تجاهل حقوق الآخرين وصلاحياتـهم وأدوارهم. وحين ينتقد البطريرك الراعي بشدة بعض القوى، فليس لأنها تعدت على حقوق المسيحيين تحديدا، إنما على حقوق جميع اللبنانيين وعلى الشرعية: هل المطالبة بمعالجة السلاح غير الشرعي، وترسيم الحدود مع سوريا، ومنع تهريب المخدرات إلى الدول الخليجية وغيرها، ومكافحة الفساد بشكل منتظم وغير انتقامي، وإعادة الهيبة إلى القضاء، هي مصالح مسيحية أم لبنانية شاملة؟ وهل المطالبة بالحياد الناشط (ولبنان نشأ واستقل حياديا)، وتدويل القضية اللبنانية (وهي أصلا مدولة قبل نشوء دولة لبنان وبعده)، ودعوة الأمم المتحدة إلى عقد مؤتمر خاص بلبنان يجدد ضمان الكيان اللبناني في نظام ديمقراطي مدني تعددي (وعصبة الأمم هي من أشرفت سنة 1920 على تثبيت حدود لبنان الدولية ونظامه وحددت مدة الانتداب الفرنسي)، وطرح تنفيذ اللامركزية الموسعة، هل كل هذه المطالب تفيد مصالح المسيحيين وتسيء إلى مصالح بقية اللبنانيين؟

منذ قيام دولة لبنان، التزمت البطريركية المارونية مصلحة لبنان العليا، وسارت مرات عدة خلاف رأي عام مسيحي معين إن لدى إنشاء دولة لبنان الكبير فزادت المساحة ولم يزد الولاء الوطني، أو لدى نيل الاستقلال فطرد الفرنسي من دون أن نستقل، وإن بقبول اتفاق الطائف من دون أن يطبق منه سوى ثلاثية الرئاسات التي عطلت انتظام عمل السلطتين التنفيذية والتشريعية والفصل بينهما، فطار القرار اللبناني الموحد.

واليوم، يؤدي البطريرك بشارة الراعي دورا لا يقل عن دور أسلافه. إذ عليه أن يكون البطريرك الياس الحويك في استعادة لبنان الكبير، والبطريرك أنطوان عريضة في استرجاع الاستقلال، والبطريرك نصرالله صفير في نفح روح المقاومة. وفيما كانت جميع القوى المسيحية وغير المسيحية متحلقة حول البطريرك صفير، بسبب غياب القيادات في التسعينيات، يقوم البطريرك الراعي بهذه الأدوار في ظل خلافات مسيحية قلما شهدتها الساحة المسيحية. ورغم ذلك يتحفظ بعض الأحزاب المسيحية عن دور البطريركية السياسي/الوطني (لكنهم يلجأون إليها "وقت الحشرة")، على أساس أن ما لله لله وما لقيصر لقيصر. لكن سها عن بال هؤلاء أن البطريركية المارونية في لبنان والمشرق فيها من الله ومن قيصر في آن معا، مع أن غبطته يدعو دائما إلى فصل الدين عن الدولة. وغفل عن بال هؤلاء أن البطريرك الراعي ما كان ليقتحم غمار النضال الوطني لو اقتحمه السياسيون بالقوة المطلوبة. صحيح أن البطريرك راع، لكن جمهوره ليس نعاجا.

منذ أن اكفهر الوضع في لبنان سنة 2019 والبطريرك الراعي يقود حركة نضالية في سبيل إنقاذ لبنان من أجل تحرير دولته، رغم التشويش على دوره. أطلق روحا وطنية جديدة وزخما مقاوما أحيا أجواء التصدي والصمود القديمة. صار قبلة السياسيين والديبلوماسيين والثوار والإعلاميين كلما تكلم. تحول مقصدا للقادة والمسؤولين المسلمين الذين ضعفت ثقتهم في عدد من القيادات السياسية المسيحية. عزز مرجعية بكركي وعادت ممرا إلزاميا للقضايا الوطنية وصولا إلى رئاسة الجمهورية. وشدد على ضرورة وقف تهميش، لا المسيحيين فقط، بل كل جماعة مؤمنة بلبنان السيد الديمقراطي.

أيد البطريرك الراعي الثورة حين كانت ثورة، وناصر التغيير حين كان تغييرا إيجابيا. طرح تحرير الشرعية حين كانت أسيرة نفسها وحلفائها. اتخذ مبادرات لتسهيل تأليف الحكومات، عمل مع المسؤولين في الفاتيكان لصياغة مقاربة فاتيكانية جديدة للقضية اللبنانية. شن حملة على الفساد وطالب بشمولية مكافحته وعدم تطييفه وإبعاد رذيلة الكيدية عنه. حشد الشعب اللبناني بكل أطيافه للصلاة في مرفأ بيروت وأثار بقوة مصير التحقيق، إلخ.

ولأن البطريرك بشارة الراعي يجسد اليوم روح المقاومة اللبنانية، ستظل على درج الصرح حركة لا تهدأ إلى أن يقوم السياسيون المسيحيون بدورهم بمستوى التحدي، وإلى أن ينتفض الشعب انتفاضة تاريخية (الإيرانيون وانتفضوا) ويردد: "لا تسكتوا"، و"لا تحاورا". فقط "انتخبوا رئيس جمهورية سياديا".