المحرر موضوع: الحرب الأوكرانية- الروسية والتوجه نحو التعددية القطبية  (زيارة 665 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل شابا ايوب

  • عضو فعال
  • **
  • مشاركة: 58
  • منتديات عنكاوا
    • مشاهدة الملف الشخصي
الحرب الأوكرانية- الروسية والتوجه نحو التعددية القطبية
مقدمة
شهد العالم في القرن العشرين احداث كثيرة منها ايجابية ومنها سلبية ومنها كارثية، ومن أهم هذه الأحداث والتي تركت أثراً على حياة الشعوب هما ثورة البلاشفة الروس في أكتوبر 1917 وقيام الإتحاد السوفيتي، والحدث الثاني هو انهياره في خريف 1991. يضاف الى ذلك اندلاع الحرب العالمية الثانية وما خلّفته من دمار إقتصادي وفي البنى التحتية ، وموت الملايين من البشر كان للاتحاد السوفيتي والمانيا حصة الأسد فيها، وعلى أثر هذا الدمار ومن أجل درء الحروب والحفاظ على السلم العالمي تشكلّت منظمة الأمم المتحدة في 24 أكتوبر 1945. وبعد 4  سنوات من انتهاء الحرب العالمية الثانية تأسس حلف الناتو (1). بعد تأسيس الحلف بدأت دول اوروبا الغ
ربية والولايات المتحدة بـإعادة تسليح ألمانيا الغربية وضمِّها الى حلف شمال الاطلسي في 1955، وبعدها بـأقل من أسبوعين تم التوقيع على إنشاء حلف وارسو(2).

بعد تأسيس الحلفين العسكريين انقسم العالم الى قطبين أساسيين مع ظهور حركة عدم الإنحياز وشهد العالم نوع من التوازن بين القوتين العظمتين الاتحاد السوفياتي والولايات المتحدة ولم يحصل صِدام عسكري مباشر بينهما بإستثناء ازمة الكاريبي عام 1961 والتي انتهت بإنفراج الوضع سلميا (ً3) ، ولكن كانت بين الحين والآخر تحدث حروب بالوكالة في الدول الخاضعة لنفوذ المعسكرين لذلك أخذ الصراع طابعاً ايديولوجياً أكثر مما هو عسكري وأُطلق على هذه الفترة بالحرب الباردة.
عالَم أحادي القطب
 بعد تفكك وانهيار الاتحاد السوفيتي عام 1991 وانهيار الكتلة الشرقية ومؤسساتها، كحلف وارسو، قبل ثلاثة عقود، ساد الاعتقاد بأن التعددية القطبية للعالم قد انتهت، وبرزت نظريات تؤكد انتهاء هذه الحقبة من التاريخ البشري، فبشَّر فوكوياما (4) بنهاية التاريخ، وتحدث هيننغتون عن تحول الصراع إلى صراع بين الحضارات، وكان يعني بصورة أساسية الصراعَ بين الحضارتين الإسلامية والغربية مستندا الى ظهور منظمات اسلامية ارهابية كـ«القاعدة» وطالبان ولاحقا «داعش» وغيرها من المنظمات المتطرفة والتي تستهدف الغرب ومصالحه.
وكان من تداعيات هذا الإنهيار غياب التوازن القائم بين القوتين العظمتين وهيمنة الولايات المتحدة بشكل كامل على السياسة الدولية وعلى اقتصاديات الشعوب، وأصبحت تتصرف كشرطي على شعوب العالم ولم يعد للأمم المتحدة اي دور في حل النزاعات الدولية بالطرق السلمية والدبلوماسية بسبب الهيمنة الامريكية والغربية عليها، وتَفكّكَ حلف وارسو ولم يعد له وجود في حين سعت الولايات المتحدة ومعها الغرب على إبقاء حلف الناتو وعمدت الى توسيعه بضم دول البلطيق (لاتفيا ولتوانيا وأستونيا) عام 2004 وكذلك بضم بعض دول حلف وارسو، واكتفت روسيا الاتحادية بالتفاهم الشفهي مع الغرب حول مسألة بقاء الناتو ان أرادوا ذلك بشرط عدم توسعه وشموله البلدان المجاورة لها، أو العمل على حلّه.

وخلال الفترة من 1991 ولغاية اليوم نمت النيو ليبرالية والمتمثلة بمذهب رأسمالي يؤيد إقتصاد عدم تدخل الدولة وعدم الإكتراث بالعدالة الإجتماعية (5) ، وإستغلّت أحزاب اليمين واليمين المتطرّف هذا الإنهيار للهجوم على مكتسبات العمال والشغيلة من خلال تشجيع رؤوس الأموال في التحكم بسوق العمل وفرض شروطهم وحصول الأثرياء وأصحاب الاستثمارات الكبرى على شروط ضريبة مخففة ورفع كلفة الخدمات والرسوم التي يدفعها المواطنون، والعمل في بيئة عمالية استغلالية.
 ومن مخاطر نهج النيوليبرالية العودة لإنتاج الطاقة النووية وتخفيض الضرائب على الرأسماليين وتقليص التخصيصات لصندوق الضمان الإجتماعي وتقليل تعويض البطالة وأيام المرض والامومة والمساعدة التي تتلقاها العوائل الكبيرة (6).

عن عائدية شبه جزيرة القرم
مرت شبه جزيرة القرم بسلسلة طويلة من الفتوحات والغزوات، ولكن ظلّت تحت حكم العثمانيين من القرن الخامس عشر حتى القرن الثامن عشر. في عام 1774، هُزمت الإمبراطورية العثمانية على يد الإمبراطورة الروسية كاترينة العظيمة ومَنحتْ الامبراطورية العثمانية القرم لروسيا وذلك بموجب أحكام معاهدة كيتشوك كاينارجي (7)  وضُمّت  الى الإمبراطورية الروسية عام 1783.
وقعتْ القرم تحت سيطرة جهات عديدة مرارًا وتكرارًا على مدار الصراع، وتشكلت العديد من الكيانات السياسية في شبه الجزيرة وإنتهت بقيام جمهورية القرم الاشتراكية السوفيتية المتمتعة بالحكم الذاتي تابعة لجمهورية روسيا الاتحادية الاشتراكية السوفيتية في 18 أكتوبر 1921 وإستمر الحال لحين  30 يونيو 1954 .
بعد وفاة جوزيف ستالين في عام 1953، نَقل نيكيتا خروتشوف، بالتعاون مع قيادة  الاتحاد السوفيتي، إقليم القرم من جمهورية روسيا الاشتراكية السوفيتية إلى جمهورية أوكرانيا الاشتراكية السوفيتية.
وقّعَ الوثيقة كليمنت فوروشيلوف، الرئيس الشرعي للاتحاد السوفيتي آنذاك (8).
وبهذا الصدد أشير الى ما إدعى به سيرغي خروتشوف، نجل نيكيتا خروتشوف، أن القرار كان بسبب بناء سد لتوليد الطاقة الكهرومائية على نهر دنيبر وما يترتب على ذلك من رغبة في أن تكون الإدارة كلها تحت كيان واحد بكون سيفاستوبول في شبه جزيرة القرم موقعًا لأسطول البحر الأسود السوفيتي، وهو عنصر جوهري في السياسة الخارجية الروسية و السوفيتية، فقد حققت عملية النقل الأثر المقصود المتمثل في ربط أوكرانيا بروسيا ، واستُخدم مُلصقٌ تحت عنوان «معًا إلى الأبد»، احتفالًا بإعلان الحدث عام 1954. كان من بين الأسباب الأخرى التي قُدمت، تكامل اقتصادات أوكرانيا وشبه جزيرة القرم وفكرة أن القرم كانت امتدادًا طبيعيًا لسهوب أوكرانيا.(9)
وبعد أن نالت أوكرانيا استقلالها عقب انهيار الإتحاد السوفياتي أتفق الروس مع الأوكرانيين على تأجير القاعدة البحرية في مدينة سيفاستوبل، و كان سيتعين على الأسطول البحري المغادرة عام 2017 بموجب هذه الإتفاقية. لكن الذي حصل هو أن  البرلمان الاوكراني في زمن الرئيس يانوكوفيتش قد صادق على اتفاق جديد مع روسيا يمدد بقاء الأسطول الروسي في قاعدة سيفاستوبل البحرية بشبه جزيرة القرم حتى عام 2042 مقابل تقديم روسيا تسهيلات غير مسبوقة لأوكرانيا بأسعار واردات الغاز الروسي.

وصوت البرلمان الاوكراني  لصالح تمديد عقد إيجار القاعدة البحرية الروسية بواقع 236 صوتا أي بعشرة أصوات أكثر من العدد المطلوب لإقرار الاتفاق. في السياق ذاته صدّق مجلس النواب الروسي (الدوما) على الاتفاق الذي توصل إليه الرئيس الأوكراني فيكتور يانوكوفيتش والرئيس الروسي ديمتري ميدفيديف ، حيث أقره 410 أعضاء في الدوما المؤلف من 450 مقعدا.
ورأى المعارضون الأوكرانيون حينذاك وفي مقدمتهم رئيسة الوزراء السابقة تيموشينكو والرئيس السابق فيكتور يوشينكو أن وجود القاعدة يضر بمصالح أوكرانيا الوطنية وأرادو إزالة القاعدة لدى انتهاء عقد الإيجار في 2017. ومما زاد من مخاوف الروس على فقدان قاعدتهم البحرية في سيفاستوبل هو ميل الحكومات الأوكرانية التي جاءت بعد انقلاب 2014 الى الغرب والإعلان عن رغبتها بإنضمام أوكرانيا إلى حلف الناتو. وأعتقد هذا هو أحد الأسباب الرئيسية الذي دفعَ الروس الى ضم شبه جزيرة القرم الى روسيا الإتحادية.

الحرب الأوكرانية الروسية
في اوائل عام 2014، أصبحت شبه جزيرة القرم محور اخطر أزمة بين الشرق والغرب منذ الحرب الباردة، وذلك بعد الاطاحة بالرئيس الأوكراني المنتخب ديمقراطياً (والموالي لروسيا) فيكتور يانوكوفيتش في 2014 باحتجاجات شابها العنف في العاصمة كييف قادها القوميون الاوكرانيون المتطرفون وبدعم مباشر من المخابرات الامريكية والبريطانية. عند ذاك، قامت قوات موالية لروسيا بالسيطرة على القرم، وبعد ذلك صوت سكان المنطقة - وغالبيتهم من ذوي الأصول الروسية - في استفتاء عام للانضمام الى روسيا الاتحادية. ولكن أوكرانيا والدول الغربية قررتا ان الاستفتاء كان غير شرعي وفرض الغرب عقوبات إقتصادية شديدة على روسيا.

يبدو جلياً لكل متابع للأوضاع في أوكرانيا ان حكوماتها التي تشكلت بعد إنقلاب 2014 إستفزت روسيا بإعلانها عن رغبتها في الانضمام الى حلف الناتو بالرغم من معارضة روسيا ذلك، ومارست هذه الحكومات سياسة  التمييز والكراهية ضد الروس الاوكرانيين  وضد الروس عموماً مما دفع الروس الاوكرانيين في منطقة الدنباس الى المطالبة بحكم ذاتي تحت إدارة كييف. فردّت عليهم حكومات كييف بالهجوم المسلّح، وهذا دفع مواطني جمهوريتي لوغانسك ودانيتسك طلب المساعدة العسكرية من الحكومة الروسية لصد الهجوم العسكري الاوكراني والدفاع عن انفسهم. وهذا ما تم فعلاً، واستمر هذا النزاع على أمل فضه بالطرق السلمية عبر اتفاقية مينسك(10)  بمساعدة فرنسا وألمانيا كطرفي وسيط.
وركزت الاتفاقية على وقف إطلاق النار، وتبادل الأسرى والمعتقلين، وإقامة منطقة عازلة، ومراقبة منظمة الأمن والتعاون الأوروبي لوقف إطلاق النار ومراقبة الحدود الروسية الأوكرانية. كذلك، أكدت انسحاب «الجماعات المسلحة غير النظامية، المتشددين، المسلحين، المرتزقة» من الأراضي الأوكرانية، بالإضافة إلى دعوة الحكومة الأوكرانية إلى اعتماد قانون للعفو عن المتورطين في الصراع في دونباس.
وقد وعدَ فلاديمير زيلنسكي شعبه بحل النزاع العسكري في الدنباس بالطرق السلمية وبتنفيذ اتفاقية مينسك في حالة فوزه بالانتخابات الرئاسية، لكنه نكثَ بوعده لاحقاً بسبب الضغوطات الامريكية والبريطانية وإقناعه باسترداد الجمهوريات الانفصالية بالقوة المسلّحة من خلال تقديم الدعم اللازم لحكومته وقوّاته المسلحة بالسلاح والمال والخبرات العسكرية. وقد أعَدّ زيلنسكي بالفعل خطة لتحرير هذه المناطق عبر تعبئة أكثر من 40000 مقاتل، مما دفع الروس لافشال هذه الخطة قبل تنفيذها بالقيام بما اسموه العمليات العسكرية المحدودة في الدنباس لحماية أشقاءهم الروس في جمهوريتي لوغانسك ودانيتسك من الهجوم المخطط له.
إعتبر الغرب هذا التدخل غزو لدولة مستقلة وذات سيادة ومخالف للقانون الدولي وحشّد كل قواه لمواجهة روسيا فَزاد من العقوبات الاقتصادية على روسيا وتقديم الدعم العسكري اللازم للقوات المسلحة الاوكرانية لإسترداد كامل الأراضي الاوكرانية من قبضة الانفصاليين والقوات الروسية.

وقد أحدثت هذه الحرب انقساماً واضحاً بين الشيوعيين انفسهم، فمنهم من يرى ومن موقف مبدئي للشيوعيين ضد مٌشعلي الحروب ( الحروب غير العادلة) بأنه غزو روسي شنّه بوتين على دولة  مستقلة وذات سيادة وهو انتهاك للقانون الدولي وبالتالي يستوجب الإدانة ويُطالب القوات الروسية بالإنسحاب، ومنهم من ينظر إليها بعين أخرى ويرى أنّ أمريكا هي وراء هذه الحرب وبأنّها مخطط إمبريالي أمريكي يسعى الى مواصلة الهيمنة على العالم بتوسيع الناتو نحو الشرق لتطويق روسيا ومحاصرتها وتحجيم دورها في تغيير النظام العالمي الأحادي القطب وكذلك السعي لتفكيك روسيا الاتحادية طمعاً في مواردها، وبالتالي لم تُبقي الحكومة الأوكرانية والغرب لروسيا خيار آخر للدفاع عن أمنها القومي وحماية الروس الأوكرانيين في الدنباس من القصف المتواصل غير التدخل العسكري المباشر بعد أن تنصلت أوكرانيا عن بروتوكول مينسك.

في حقيقة الأمر أن ما يجري على الأراضي الاوكرانية ليس سوى ساحة للصراع المحتدم  بين روسيا من جهة والناتو بقيادة الولايات المتحدة من الجهة الأخرى. روسيا تعتبر توسيع الناتو نحو الشرق ليضم أوكرانيا بمثابة تهديد مباشر لأمنها القومي وسيجعل صواريخ الناتو على بعد 500 كم فقط من العاصمة موسكو، وتقول موسكو : هذا ما لا يمكن السماح به. وهناك إجماع من جميع أحزاب البرلمان الروسي بما في ذلك الحزب الشيوعي في روسيا الاتحادية وأغلبية الشعب الروسي على ضرورة حماية إخوتهم الروس الاوكرانيون من الأذى، وَمنع انضمام أوكرانيا إلى الناتو، والذهاب ابعد من ذلك، أي العمل بثبات من أجل تغيير صورة العالم من عالم أحادي القطبية الى عالم متعدد الاقطاب تُحترم فيه إختيارات الشعوب وتاريخها وثقافاتها وتطلّعاتها بعيداُ عن فرض نموذج الليبرالية الغربية عليها.
 
وبعد تزويد الغرب والناتو أوكرانيا بأسلحة متطوّرة واستخدام الاقمار الصناعية العسكرية في رصد المواقع العسكرية الروسية في منطقة الدنباس وَ وضعها بيد الاوكرانيين والخبراء الغربيين ، واسترجاع أوكرانيا مساحات تقدر ب 10000 كم مربع في منطقة خاركوف غيّرت روسيا من استراتيجيتها العسكرية بإعلان التعبئة الجزئية ودعوة حوالي 300000 عسكري من الإحتياطيين الى الخدمة العسكرية وغيّرت في دستورها لتجعل البلاد في حالة حرب حقيقية مع الناتو بعد ان كانت المعارك تقتصر بين الجيش الاوكراني ومقاتلي جمهوريتي لوغانسك ودانيتسك وبدعم روسي مباشر وغير مباشر. ان روسيا ترد على هذا التصعيد الخطير للناتو بتصعيد مقابل، وهذا ينذر بحرب عالمية ثالثة. وقد صرّح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ان روسيا لا يمكن لها أن تخسر هذه الحرب لان خسارتها تعني نهاية روسيا كدولة.
 
عالم متعدد الأقطاب
والآن، ومع العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، بدا أن نظريات وإستنتاجات فوكوياما  وَ هيننغتون لم تكن ذات أسس موضوعية راسخة، بدليل الاعتراف الخجول لفوكوياما بالتشكك في نظريته السابقة، وذلك في مقالة له بعد الأحداث الأخيرة في أوكرانيا(11)، حيث يقف العالم أمام تطورات جذرية وبروز قوى جديدة تتمتع بالعديد من الأفضليات الاقتصادية والعسكرية والتقنية التي تؤهلها للعب دور محوري في الصراعات القادمة، والتي ستساهم في عودة العالم من جديد إلى التعددية القطبية لتنهي بذلك ثلاثة عقود من عالم القطب الواحد الذي ساهم في خلق مزيد من بؤر التوتر، على عكس الاعتقاد الذي ساد من أن الأحادية القطبية ستساهم في الاستقرار والأمن الدوليين.
 
وفي موازاة ذلك كثّف الصينيون جهودهم في تطوير قدراتهم الاقتصادية والعسكرية وحتى في مجال الفضاء من خلال الإستفادة من التقنيات الغربية الحديثة والجمع بين اقتصادين إشتراكي ورأسمالي ، فتحققت لديهم وفرة في الانتاج وبنسب نمو اقتصادي عالي جداً مقارنة بالدول الرأسمالية يصل الى حد 11 %.  وإذا ما استمر النمو الاقتصادي الحالي في الصين بنفس النسب المذكورة فإنّها ستتفوّق على الولايات المتحدة في المجال الإقتصادي ، وهذا ما تخشاه الولايات المتحدة وتعمل بكل قوتها على إعاقة التطور الاقتصادي في الصين. و كشفت الولايات المتحدة عن هواجس القلق من تشكيل نظام عالمي جديد، واعتبر وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، أن بلاده تخوض منافسة قوية مع الصين هدفها الحفاظ على النظام الدولي الحالي. وقال في خطاب بجامعة جورج واشنطن (26 مايو/ آيار 2022): «إن الصين تشكل أخطر تهديد طويل الأمد للنظام الدولي، وهي الدولة الوحيدة التي ـ إلى جانب الرغبة الجادة لإعادة تشكيل النظام الدولي ـ تملك القوة الاقتصادية والدبلوماسية والعسكرية
والتكنولوجية المؤهلة للقيام بذلك. واعترف بلينكن بالعجز عن تغيير مسار الصين وطموحات الزعيم الصيني، شين جين بينغ (12).
وفي روسيا وصل إلى قمة هرم السلطة رجل قوي ومتمرّس وناشط في أجهزة المخابرات السوفيتية فلاديمير بوتين فأعاد الاعتبار لروسيا ولمكانتها الدولية كدولة عظمى وذلك من خلال تحسين وضعها الإقتصادي وتطوير قدراتها العسكرية بما يضمن أمنها وسلامة أراضيها بعد ان حوّلها بوريس يلتسين إلى دولة فاشلة تشبه إحدى دول العالم الثالث.
كما يجب ان نحسب حساب لصعود الهند التي أصبحت اقتصادًا عملاقًا سريع النمو حيث تحتل الهند 
المرتبة الخامسة عالمياً وَ وصلت نسبة النمو الاقتصادي في السنوات الأخيرة  10% (13) ، كما أصبحت مركزًا لخدمات تكنولوجيا المعلومات. حيث تمتلك الهند برنامج فضائي يتضمن العديد من المهام المخطط لها أو المكتملة، وتُعد الهند دولة ممتلكة للأسلحة النووية.
كل هذا يُشير الى تشكل عالم متعدد الأقطاب و يمكن أن يُفضي الى وضع حد للهيمنة الامريكية والغربية و تنتهي الأحادية القطبية للعالم، ليعاد تشكيله مجدداً عبر نظام عالمي جديد للقرن
الحادي والعشرين. وبهذه الرؤية، صارت المصالح الكبرى للعالم الغربي تتمثل في احتواء الصين وروسيا والهند، تلك القوى التي ربما تزيح العالم الغربي من الصدارة، وتعيد قيادة العالم إلى آسيا.
ولم يكن تخطيط الولايات المتحدة و بريطانيا لجر روسيا الى هذه الحرب إلّا من أجل استنزاف طاقاتها الاقتصادية والعسكرية المتصاعدة، إذ كان بمقدور الدولتين تفادي نشوب الحرب بتقديم ضمانات لروسيا بعدم ضم أوكرانيا لحلف الناتو. لكنّهما دفعتا أوكرانيا الى تأزيم الوضع مع روسيا وساهمتا في دعم  الجماعات القومية المتطرّفة وأصبحت أوكرانيا مرتعاً للفساد المالي وقاعدة لغسيل الأموال ولإنتاج الأسلحة الجرثومية(14). وسكتَ الغرب على انتهاكات الحكومات الأوكرانية التي تشكلت بعد الانقلاب على الشرعية وقتلها حوالي 14000 روسي أوكراني من سكنة مقاطعة الدنباس.

وقد كشفت هذه الحرب عنصرية الغرب وإزدواجية المعايير في التعامل مع أزمة اللاجئين وذلك بتفضيل الاوكرانيين على غيرهم من اللاجئين ومنحهم امتيازات خاصة.

المراجع
(1) هو حلف عسكري دولي تم التوقيع عليه في واشنطن في 4 نيسان 1949 ويشكل نظاما للدفاع الجماعي تتفق فيه الدول الأعضاء على الدفاع المتبادل رداً على أي هجوم من قبل أطراف خارجية.
(2) حلف وارسو هو تحالف عسكري دولي تم إنشاءه في 14 أيار 1955 من الاتحاد السوفيتي و حلفاؤه كـرد على إنشاء الولايات المتحدة و حلفائها لـ منظمة حلف شمال الأطلسي (حلف الناتو)، بالرغم من أنه لم يتم إنشائه إلا بعد مرور ست سنوات من إنشاء التحالف الغربي (الناتو).
(3)  إنتهت الأزمة في 28 أكتوبر 1962، عندما توصل كلّ من الرئيس الأمريكي جون كينيدي وأمين عام الأمم المتحدة يو ثانت إلى اتفاق مع السوفيت لإزالة قواعد الصواريخ الكوبية شريطة أن تتعهد الولايات المتحدة بعدم غزو كوبا
(4)  فرانسيس فوكوياما هو عالم وفيلسوف واقتصادي سياسي، وأستاذ جامعي أميركي. اشتهر بكتابه  نهاية التاريخ والإنسان الأخير الصادر عام 1992، والذي جادل فيه بأن انتشار الديمقراطيات الليبرالية والرأسمالية والسوق الحرة في أنحاء العالم قد يشير إلى نقطة النهاية للتطور الاجتماعي والثقافي والسياسي.
(5) دوستالر جيل - من الليبرالية الى النيوليبرالية
(6) تقرير صادر من نقابات العمال في السويد ونشرته جريدة طريق الشعب
(7) )  معاهدة سلام بين روسيا والدولة العثمانية المنعقدة في 21 يوليو 1774 في معسكر قرب قرية كيتشوك كاينارجي التي تقع في بلغاريا المعاصرة -  ويكيبيديا
 (8)   Mark Kramer، "Why Did Russia Give Away Crimea Sixty Yeara Ago.
 (9)  Calamur, Krishnadev (27 فبراير 2014)، "Crimea: A Gift To Ukraine       Becomes A Political Flash Point"، NPR.
(10) بروتوكول مينسك الخاص بنتائج مشاورات مجموعة الاتصال الثلاثية هو اتفاق لوقف الحرب في دونباس بأوكرانيا، وقع عليه ممثلو ذلك البلد والاتحاد الروسي وجمهورية دونيتسك الشعبية وجمهورية لوهانسك الشعبية ومنظمة الأمن والتعاون في أوروبا في 5 سبتمبر 2014 
 (11) عالم متعدد الأقطاب د. محمد العسومي 3 مارس  2022
(12)  فتحي خطاب ،  تحوّل راديكالي في النظام العالمي 9 حزيران 2022
(13) ويكيبيديا
(14) كشف الروس بعد سيطرتهم على ماريوبل مختبرات عدة وقوائم بأسماء العلماء والدول الغربية المشاركة في هذه المشاريع الخطيرة التي تهدد حياة البشر.

 
كوبنهاغن 10 نوفمبر 2022


غير متصل وليد حنا بيداويد

  • عضو مميز جدا
  • *****
  • مشاركة: 3064
    • مشاهدة الملف الشخصي
عاشت ايديك اخي د. ابو سرجون
معلومات قييمة


غير متصل عبدالاحد دنحا

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 206
  • الجنس: ذكر
  • منتديات عنكاوا
    • مشاهدة الملف الشخصي
الاخ العزيز الدكتور شابا المحترم
مهما كانت الاسباب لم يكن هناك مبرر لغزو روسيا لاوكرانيا.
كما نسمع ونشاهد كم عدد الخسائر البشرية والمادية والتأثير الاقتصادي على جميع العالم ولربما تؤدي الى حرب نووية كارثية.
انني اعيد واكرر ان الحروب لاتحل المشاكل بل تعقدها فلو صرف جزء بسيط من المبالغ المصروفة على الحرب لحلت المشكلة سلميا.
مع خالص تحياتي

غير متصل شابا ايوب

  • عضو فعال
  • **
  • مشاركة: 58
  • منتديات عنكاوا
    • مشاهدة الملف الشخصي
بالطبع لا يوجد عاقل يفضل الحرب على الحلول السياسية والدبلوماسية لأن الحرب لا تخلّف غير الكوارث. ألأوكرانيون هم الذين إختارو طريق العنف والحرب ضد شعبهم وخلال ٨ سنوات من المواجهات العسكرية قتلوا أكثر من  ١٤٠٠٠  روسي أوكراني بسبب  نزعتهم القومية المتطرفة.. حاول بوتين حل الخلاف عبر التفاوض و وفق اتفاقية مينسك وبوساطة الأمم  المتحدة وبمساعدة ماكرون وميركل. لكن زيلنسكي تنصل عن هذه الإتفاقية وأخذ  برأي البريطانيين والأمريكان وذلك بإسترجاع جمهوريتي لوغانسك ودانيتسك بالقوة المسلحة وقطعَ لهم وعدا بإنضمام أوكرانيا الى الناتو. الموقف الروسي جاء لحماية سكان الدنباس الذين يعتبرونهم الروس جزءاًً من روسيا التاريخية ولإفشال خطط الناتو في تطويق روسيا وإضعاف دورها السياسي. يقيناً لم تكن روسيا ترغب بما وقع ، لكنّها أجبرت لإتخاذ هذا الموقف حماية لمصالحها. وأخيراً الدول العظمى ليست جمعيات خيرية وإنما تعمل وفق مصالحها، وتدفع الدول الضعيفة والشعوب الفقيرة فواتير الحروب التي تُشعلها
 شكراً على مروركم وتحية لكَ وللعزيز وليد حنا