المحرر موضوع: الدمية المنتشلة  (زيارة 722 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل كريم إينا

  • عضو مميز
  • ****
  • مشاركة: 1311
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
الدمية المنتشلة
« في: 21:29 28/12/2022 »
قصة قصيرة
الدمية المنتشلة
كريم إينا
في إحدى ليالي الشتاء الممطرة في أفغانستان،وأنا أسير في الشارع المقابل للفناء والحزن قد ملأ قلبي بلون الدم، الذي سال من زوجتي حينما قتلها من لا قلب له، والأمر المحزن بالموضوع أن لا شاهد على كلامي، فلم يحاسب الظالم على جريمته، بل ألقي اللوم عليّ أنا كوني كنتُ أحبها أضعاف حبّي لنفسي وقضيتُ أعواما كثيرة في صندوق مظلم أقسى من شارع يعيشُ فيه متشرد، في كلّ ليلة كان يترددُ صوتها إلى مسمعي وتقول: لي كم تمنيتُ أن أنجب منك بإبنة عيناها زرقاوتين كعيناك الجميلتين، واليوم أنا خارج الصندوق، لكن أنا في الأرض وأنت هناك في السماء، فمتى معك أطير يا ملجئي، وكأنني خلقتُ في هذا العالم لأفقد الأشياء التي أحبّتها زوجتي.. أمّي.. أبي.. كان البؤس في حياتي أشبه بشعرة رمش دخلت عين مبتور اليدين، تظلّ في عين صاحبه ليال طوال يحاولُ محاربتها نفسياً وتلك الأيام تمنيتها في حياتي حبّاً طويلاً، فدام الحب ورحل الحبيب في ذلك الشارع المظلم، وقتها تناهى إلى مسمعي صوت طفلة تبكي بكاء الأرملة، إتجهتُ نحو صدى صوتها، لعلّها تحتاج مساعدة لم يكن لها أثر لكن صوتها الصارخ كان يجول الشوارع الفارغة، لم يمض كثيراً من الوقت حتى كاد الليل يسّورُ ليالي الدجى الممطرة، والصوت بدا يختفي عن مسمعي، إلتقطتُ أنفاسي البطيئة والطرقات تلونت بصرخات مبلولة، إنتبهتُ إلى ثغرة غريبة لم تكن ثابتة، بل تدور وتدور لم أشعر بنفسي غفيتُ على الأرض مع سرعة الضوء مضت ثواني قليلة، نهضتُ من طولي في تلك الأثناء أحاطتني دمية جامدة زرقاء العينين ترصدُ كل تحركاتي، وضعت خطوتها الأولى نحو ظلّي بكل حنكة ودراية، نسجتُ شباكها بإحكام لترديني، يتلونُ وجهها كقطع الشطرنج مرةً بهيئة فيل.. ومرةً تقفزُ كالحصان..وأخرى كالوزير.. تنتشر هنا وهناك من كلّ الجهات مليئة بالطاقة والحركة، لا أعرف كيف أتخلصُ من شراسة مخالبها الحادة، مرّت ساعات وصرختها ما زالت ترنّ في صدري كالبرق في السماء، سألتُ نفسي هل السبب هو الجوع.. أم الخوف؟. مجرد كلمات تتردّد هنا وهناك، طال الإنتظار لنطق كلامها وهي تشعرني بكآبة وملل، كان هناك بيت قديم مسكون تفوحُ منه رائحة الأموات، ولكن إلى متى أظلّ أبحثُ عن خارطة الطريق لأصل بأمان؟، ما زلتُ أنظرُ إلى الدمية بهدوء، عسى ولعلّهُ تحركُ ساكناً لأحظى بخيط بسيط لفك أسرار غموضها، تحرك مرة أخرى صوت تلك الطفلة الساكنة لمدة ثانية في الظلام، وهي تبوح لتلك الدمية بتحريك سكونها، رغم إختبائها في دهليز خفي، ينبعثُ منها صوت متقطع، بعد هنيهة خرجت أصوات قلبها من الماضي، وهي تدورُ نحو جسد الدمية القلقة، كان المكان يعجّ بالحجارة التي تغطيها أكوام من الأجساد المهترئة، ربّما كانت ذاكرتي في تلك اللحظة معلّقة، لا أرى حشرجة لصوتها الأخير، ظللتُ أتابع الصوت إلى آخر كابوس يصفعُ خدّهُ، وسط كلّ الرعب والظلام هذا صدحت عيني بفراشة ذهبية.. وهي تطيرُ مفعمة بالحيوية، كأنّها تقول: لي مهما إشتدّ الظلام، النور موجود دائماً يوحي بالأمل..سرتُ وراءها لعلّها تنجيني من هذه الظلمة، لكنّها دخلت عمق البحيرة وهي تضيءُ أمامي، أردتُ اللحاق بها لكنّي خفتُ من الغرق، تراني لم أحقق غايتي بسبب الخوف الذي ملأ قلبي، في تلك الأثناء وقفت شعيرات جسمي فإرتعشتُ من الخوف، متيقناً أنّ ملك الموت حضر لينتشلني، سمعتُ صوتاً يقول: لي إنْ ساعدتني سأجعلك تشعُ نوراً كتلك الفراشة التي رأيتها من قبل!..إستدرتُ نحوهُ، رأيتهُ رجلاً قصير القامة ينظرُ إليّ بعيون جائعة، كان الشيب يملأ رأسه، قد أخذ التعب منهُ مأخذاً، لم تمرّ دقائق وهو يمسك بلعبة شقراء، يحرك رأسها في كلّ الإتجاهات، تيقنتُ في تلك اللحظة بأنّ هذه اللعبة هي نفس الدمية الجامدة التي كانت ترصدُ كل تحركاتي، يا ليتني إنتشلتها أنا أولاً، لتراقبني ونطير أنا وهي كالعصفور الرقيق في فضاء السماء. ولكن القزم سقط من طوله بدون حركة لعلّهُ مات لا أدري ما السبب؟، ولكن الدمية التي كانت بيده وقفت من طولها وهي تتمشّى على ظهره، ركضتُ نحوها قبل أن تبلعها الأرض، أنتشلتها بسرعة خاطفة، صدر منها صوت خافت يقولُ: لي فتّش في داخلي، وقد ردّدتها عدّة مرات، ما باليد حيلة، حين ذاك فكرتُ أن أفتحها، وهنا كانت المفاجأة، ياقوتة حمراء من الزمرد داخل جسمها، لم أشعر بساقيّ من شدّة الفرحة التي غمرت قلبي، يا لها من ثروة كبيرة وهي تناديني لسعادة مبجلة، قررتُ بيع الياقوتة لشراء بيت فاخر وسيارة آخر موديل، ومن ثمّ الإحتفاظ بتلك الدمية الجامدة الغائرة العينين التي أصبحت بنظر الناس تحفة فنية ثمينة لا تقدر بثمن التي ربّما ينتشلها منّي أحدهم.