المحرر موضوع: المسيحية ليست مجرد دين بل رسالة ومنهج حياة :  (زيارة 653 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل د.عامـر ملوكا

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 205
    • مشاهدة الملف الشخصي
المسيحية ليست مجرد دين بل رسالة ومنهج حياة :
ان ظاهرة نشوء الأديان هي ظاهرة قديمة قدم الانسان وسوف تستمر مع استمراره في هذا الكوكب ، ويعتقد بان الدين لازم نشوء جميع الحضارات مقارنة بأمور أخرى كالعلم والتطور فانه لم يلازم كل الحضارات  . ونستطيع تعريف الدين على انه مجموعة من المبادئ التي تعتقد بها مجموعة بشرية كبرت ام صغر عددها ،  او هو انسياق فطري لذوي العقول السليمة طواعيتا لما به فائدة لهم وللبشر. اما جون ستيوارت فيعرف الدين بانه الاتجاه القوي المتحمس للعواطف والرغبات نحو هدف مثالي.
ليومنا هذا لم يتفق العلماء على سبب واحد لنشوء الأديان، بل تعددت الأسباب والتفسيرات. الانسان البدائي كان يخاف الظواهر الطبيعية وتنقصه الخبرة والقدرات العلمية لتفسيرها او السيطرة عليها كالفيضانات والزلازل والمطر والصواعق فكان الاعتقاد بان لا بد من وجود قوى عظمى تتحكم بهذه الظواهر فالجيد منها هو تعبير عن رضى هذه القوى والسيء منها يعبر عن غضبها.
 
والتفسير الاخر الاحترام للتكوين والتناسق في الطبيعة من حول الانسان شروق وغروب الشمس واليل والنهار والفصول الأربعة وغيرها الكثير فعزى الانسان القديم هذا التناسق الطبيعي لقوى عظمى مسؤولة عن هذا النظام. وأخيرا الموت والبحث عن الخلود ما بعد الموت وخاصة ان محاولاته المتكررة بالخلود قد باءت بالفشل فسعى الى إيجاد حياة أخرى ما بعد الموت ولتثبيت أفكاره اجتهد كثيرا في التفسير وإيجاد النظريات التي تدعم توجهاته نحو الحياة الأبدية.
ويعتقد العالم اللاهوتي الألماني رودولف اوتو بان الدين هو غريزة ولدت مع الانسان ولان الانسان دائما يشعر بعقدة النقص وعدم الكمال فهو اذا بحاجة الى الوصول الى الكمال وهذا لا يتحقق الا بالبحث عن قوى خارقة تستطيع ان تلبي او تكمل هذا النقص واسماه (الشعور بالمخلوقية ).
المسيحية ليست تعليمات جافة واوامر وفروض، بل المسيحية هي اتباع شخص المسيح والتفاعل الحي والمتواصل مع تعاليمه وارشاداته والايمان المسيحي ليس محفوظات وكلمات، بل هو قبول وانتماء الى شخص المسيح كما فعل تلاميذه واتباعه الأوائل وكما قال: " الكلام الذي اكلمكم به هو روح وحياة" وان حياة المؤمنين المسيحيين هي الشاهد للإنجيل. بل خاطب أعماق الانسان والقلب ولم يهتم بالقشور والمظهر الخارجي. والمسيحية هي علاقة مباشرة بين الانسان والله متخذين من المسيح وحياته نموذجا نقتدي به. والمسيحي يعيش هذه الحالة ليس كفرد منفرد ومنعزل، بل كعضو في مجموعة المؤمنين بالمسيح، وكعضو في مجتمع أوسع، هو المجتمع البشري وكمواطن، فيصبح هذا المجتمع المزدوج هو محك صدق انتمائه ومختبر لسلوكياته وأمانته لتعاليم المسيح. الله في المسيحية ليس مجرد خالق أو مرجع أعلى للخليقة، بل يدخل في علاقة ابوية وطاقة خير وسعادة للإنسان الذي يشترك معه في الحياة، والخلق وبناء الكون والخليقة. وليس هدفه اذلال الانسان او اعطاءه الأوامر وما على الانسان سوى تطبيقها، بل بينه وبين الله عهد محبة . فلقد ركز معظم المفكرين واللاهوتيين المسيحيين على الفكر العقلاني والحق الموضوعي ومن أمثال هؤلاء  كتابات الرسل، وأوغسطينوس، وأوريجانوس، وكالفن، ولوثر، وسي إس لويس، وجون ستوت، ونورمان جيزلر، وويليام لين كريج – قد اكدوا جميعا على ان الايمان المسيحي ليس بالأيمان الاعمى بل هو ايمان عقلاني ويستند على الأدلة والدليل الموضوعي للتاريخ.
في المسيحية لا يوجد شروط واوامر في جميع أمور الحياة كالعطاء فهي غير محدودة والمحبة أيضا ليست لها حدود ،اذا المسيحية مبنية على المحبة والتصالح مع الله ومع الذات ومع الناس. وعلى الرغم من ان المسيحية تستوفي كل الشروط التي تنطبق على أي دين من خلال عناصر الأديان، حيث الإيمان بالله هو عقيدة واتباع لنصوص كتابية مقدسة، مرورا باحتوائها أماكن للعبادة وأماكن مقدسة و كهنوت منظم ، وصولا إلى ممارستها لطقوس و شعائر و مراسم و أعياد ...... ولكن تبقى لشخصية المسيح وتعاليمه ومجيئه  على الارض ليقرب لنا صورة الله الذي لم نراه ، فعرفنا الله من خلاله أبا محبا للبشر وحنونا وبين لنا ضعفنا البشري فخاطب الروح والنفس والقلب لينعكس ذلك على حياة الانسان وعلاقته بأخيه الانسان  , والكون من حوله.
د. عامر ملوكا