المحرر موضوع: الظلاميون والظلامية في العراق  (زيارة 538 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

متصل Janan Kawaja

  • اداري
  • عضو مميز متقدم
  • ***
  • مشاركة: 31477
    • مشاهدة الملف الشخصي
الظلاميون والظلامية في العراق
بعد الاحتلالين الأميركي والإيراني وتدمير ماكنة التطور والإنتاج والتنمية ليصبح بديلها بقوة القوانين الرسمية المسنودة من دستور غامض تكريس الجهل والتخلف وتحويل مظاهر الطقوس المذهبية إلى أشبه بالقوانين العامة الملزمة.
العرب

مظاهر ظلامية متخلفة
في ظل الواقع السوداوي المرير الذي يعيشه العراق تسللت الكثير من المقولات والأفكار الداعية إلى القبول والتسليم بالحالة العراقية المأساوية الحالية، خاصة في الجانب المعرفي والتاريخي الذي دائماً ما يصبح عوناً للداعين والعاملين على نهضة شعوبهم مهما كان واقعها قاسياً كالحالة العراقية الراهنة.

هناك ثقة لدى النخب المؤمنة بقيم التغيير والتقدم بأن ما حصل ويحصل في العراق حالة طارئة وفق قراءات التاريخ العراقي. لكن، بالمقابل هناك كثر من الناس، وبينهم مثقفون عراقيون، أصبحوا يسخرون ويشككون من فكرة التاريخ المجيد، يدّعون بأن الاستنجاد بتاريخ العراق الحضاري إنما هو هروب وتخدير مؤقت من الواقع العراقي الظلامي الحالي.

قياساً على الظواهر الاجتماعية العامة، تبدو فكرة مقاومة الظلامية والجهل والتخلف الهائل التي تسود العراق حالياً محاولة انتحارية ساذجة على المستوى النظري قبل الواقعي الذي أصبح، في ظل المظاهر السياسية والأمنية والثقافية الشاذة الجديدة، مُكِرسّاً لاستمرارها في مختلف جوانب الحياة العراقية للأسف.

التقليل من ضرورة، بل إلغاء فكرة الدعوة للتغيير ومكافحة التيار الظلامي في العراق، أصبحت من حقائق الواقع السياسي الجديد، والسبب المباشر وجود كثر من ظلاميي الفكر والتنظيمات، في طليعتهم قادة وموجّهون للسياسات الشاملة في البلد. فالفكرة الإسلامية لم تعد فكرة تنوير حقيقية للعقل، خاصة بعد استلام السلطة عام 1979 المزّيف الكبير الناكر للحداثة والمعرفة الخميني، وقبله قادة الإخوان المسلمين الحالمين بدولتهم الخائبة.

◙ الحالة الأخطر في المشهد الظلامي العراقي هي عمليات التسلل المُنظّم للقطاع الثقافي العراقي وفعالياته وكوادره القيادية، عبر الهيمنة على اتحاداته ومنظماته

انتقلت وظيفة الفكرة الإسلامية، في عراق ما بعد 2003، من أصولها الأخلاقية والدينية الأصيلة إلى غطاء مُتقَن لتكريس الجهل المُبرمَج وتمريره إلى الملايين من الجَهَلة العراقيين بطرق وأساليب لم يعهدها أبناء هذا البلد، الذين عاشوا قبل 2003 كمجتمع متجانس حالهم حال المجتمعات الأخرى، وصلت الأمية فيه أواخر سبعينات القرن الماضي صفراً، ويمتلك بنسب عالية العدد والنوع نخباً علمية في الطب والهندسة والتعليم وغيرها، استطاعت رغم حصارٍ قاسٍ كامل، استمر أربعة عشر عاماً، الحيلولة دون انهيار البلد، أو فتح ثغرات للانغلاق أو التخلف، قادهم نظام سياسي، بغض النظر عن سياساته اليومية، مؤمن بالعلمانية ونظرية فصل الدين عن السياسة.

بعد الاحتلالين الأميركي والإيراني المتوافقين على تدمير هذا الشعب، تم وبشكل مخيف تعطيل ماكنة التطور والإنتاج والتنمية وتدميرها. بديلها أصبح، بقوة القوانين الرسمية المسنودة من دستور غامض مُربِك، تكريس الجهل والتخلف وتحويل مظاهر الطقوس المذهبية إلى أشبه بالقوانين العامة المُلزِمةِ، تفصيلاتها المريرة تضج بها مواقع التواصل الاجتماعي العراقية، وتظهر الإنسان العراقي على سبيل المثال خادماً للفارسي القادم لزيارة مرقد الإمام الحسين، وخاضعاً لمؤسسات نظام الملالي الإيرانية التي أرادت بتعال وغطرسة المحتلين تمرير عنوان: هذا هو ردنا على العراق الذي انتصر علينا في الحرب عام 1988.

السؤال الأبرز في هذا الجانب المهمّ: هل المظاهر الظلامية المتخلفة التي أصبحت مهددِة لكيان المجتمع، بعد أن دمرت وألغت مقومات الدولة العراقية، ناتجة عن سياسات قادة الأحزاب وتبعيتهم للنظام الظلامي في طهران؟ أم أن للشعب العراقي، بما فيه من نخب ثقافية، أدواراً في تكريس هذا الواقع المر ومنحه شرعية الاستمرار؟

دخول العراق في الكهف الظلامي لم يكن ناتجا عن الغزو الإيراني فحسب، لأن الغزاة هم كذلك حتى لو لم يجدوا ترحيبا عاماً، يكفيهم تأييد فئات وجماعات محدودة العدد والمستوى. ولولا هؤلاء السُذّج والجهلة، كذلك المرتزقة العملاء، لما تمكنوا مثلاً من الهيمنة على المواقع الرسمية في وزارة الثقافة والفنون ومؤسسات الإعلام الرسمية والأهلية وبعض المرافق التعليمية والتربوية المهمة بشكل مثير.

◙ لقد وقع مدعوا قيادة المشهد الثقافي العراقي ما بعد عام 2003 في خانة الجهل والارتماء في أحضان الفكر الظلامي في بلاد الرافدين، بدرجة مُذلة مهينة

هل كان لدى العراقيين أو جزء منهم الاستعداد لبعث مشاعر التخلف والجهل وتعميمها بهذه السهولة، ولو لم تكن كذلك، لماذا تمددت هذه المظاهر في الجسد العراقي بسرعة مذهلة؟ ولماذا انتشرت بهذه الصورة المؤلمة لسمعة أبناء العراق؟ بل إن العنوان السائد لدى محبيه خارج حدوده خاصة من العرب يقول “لو لم يكن أهل العراق راضين عن حالهم الراهن لتمردوا وانقلبوا على تلك المظاهر”، التي في الحقيقة أغلبها جزء من انتقاء طائفي للتاريخ المظلم، والبعض الآخر بدع جديدة ابتدعها أتباع الولي الفقيه الإيراني لدرجة وصول بعض العراقيين في حالة الخضوع للقول “لا فائدة من معارضة المكتوب علينا” وهنا تكمن الكارثة الفعلية.

ثقل الدولة ومؤسساتها بعد عام 2003 تمّ تكريسه وإشاعته عبر الكثير من الإجراءات والقوانين المتخلفة، مثل تعطيل العمل بالدوائر الحكومية لقرابة مئة يوم في السنة، بين مواسم الزيارات إلى كربلاء والنجف وذكريات سلسلة ولادات ووفيات أئمة وأخوة وأخوات وأبناء وبنات آل البيت.

تكثيف الحملات الطائفية الميدانية وتغطيتها بإعلام طائفي متخلف في تخوين أبناء “الطائفة العربية السنية” ومثقفيها وهم لا يختلفون عن إخوانهم المثقفين من العرب الشيعة، وإشاعة فكرة جهنمية كاذبة تدّعي أن أحزاب السلطة الجديدة، وفي مقدمتها حزب الدعوة، هي أحزاب تنوير ومحاربة للظلامية والجهل والتخلف. بينما الوقائع أكدت وتؤكد محاربتهم المنظمة للتنوير، وفي أحيان كثيرة اعتقال دعاة الحرية والمدنية والانفتاح وقتلهم، تحت أغطية جاهزة رغم تعفنها: الإرهاب والبعث وداعش.

حزب الدعوة رائد في تكريس المفاهيم والمظاهر المتخلفة، من خلال حكمه المباشر لثماني سنوات وإشاعته عملياً ومن خلال الإجراءات الحكومية للتطرف والكراهية وإلغاء الآخر وانتقائية التاريخ. لقد شرعن ظلماً محاربة الطائفة السنية وتطويق بل تحريم نشاطات نخبها المثقفة في الميادين العامة في البلد.

ادعى نوري المالكي، حين كان رئيساً للوزراء، كذباً أنه وحزبه يتصدون لمن وصفهم بالتكفيريين والظلاميين الذين يخشون نور الحرية ويهابون التفكير السليم، وأنه لن يتراجع عن أداء هذا الدور الثقافي والإبداعي. وجد المالكي بهتاناً وكذباً أن الموجة الظلامية لو انتشرت بين الشباب فإنها تضاهي الاحتلال. هكذا هو المالكي يخفي ثقل الموجة الظلامية التي قادها حزبه على جميع فئات الشعب العراقي وفي مقدمتهم الطائفة الشيعية.

◙ قياسا على الظواهر الاجتماعية العامة، تبدو فكرة مقاومة الظلامية والجهل والتخلف الهائل التي تسود العراق حالياً محاولة انتحارية ساذجة على المستوى النظري قبل الواقعي

المشروع الإيراني في العراق وجد طريقه مفتوحا للتسلل إلى أذهان السذّج من الناس داخل الطائفة الشيعية والسيطرة على مشاعرهم، فيما تولت القوى التي تغطت بالإسلام (السلفي السني) تحت عنوان داعش مهمة إشاعة التطرف وادعاء مقاومة، “المد السياسي الشيعي” داخل الأوساط السنية توّجَها باجتياح العراق عام 2014، لكن أوائل المقاومين له كانوا أبناء الطائفة العربية السنية في الموصل وصلاح الدين وديالى وكركوك، حيث قاتلوه بشراسة وطردوه من أرضهم بتكاتف مع الجيش العراقي الباسل والمقاتلين الشيعة الذين تطوعوا للقتال (2014 – 2017).

لم يتوقف مشروع الهيمنة الإيرانية على العراق عند حدود السيطرة وتوجيه اقتصاد العراق وموارده إلى بلادهم عبر الأحزاب الحاكمة. رعاية الميليشيات تطلبت فتح مسارات الهيمنة الحكومية كمرحلة استثنائية لما بعد الوجود السياسي المتصاعد في البرلمان العراقي عبر الدخول في الحكومات، خصوصاً في عهد عادل عبدالمهدي (2018 – 2019)، وتعززت فيما بعد بإدخال وزراء في حكومة محمد شياع السوداني الحالية، الذي لم يتردد في تنصيب وزير التعليم العالي نعيم العبودي من عصائب الخزعلي الذي لا تعترف وزارته بشهادته. كذلك اعترضت واشنطن دبلوماسياً على هذا الاختيار عبر سفيرتها في بغداد لأن ميليشيا العصائب موضوعة على قوائم الإرهاب الأميركية وهو اعتراض لفظي لا يُقدّم ولا يؤخر.

الحالة الأخطر في المشهد الظلامي العراقي هي عمليات التسلل المُنظّم للقطاع الثقافي العراقي وفعالياته وكوادره القيادية، عبر الهيمنة على اتحاداته ومنظماته التي حوّلتها للأسف من المقاومة وتحريك الجمهور العراقي للتصدي للظلامية والجهل إلى الاستسلام الصادم، نتيجة الخوف من المجهول الذي هيمن على الكثير ممن كانوا يدّعون قيادة الثقافة والإعلام في العراق.

لقد وقع مدعوا قيادة المشهد الثقافي العراقي ما بعد عام 2003 في خانة الجهل والارتماء في أحضان الفكر الظلامي في بلاد الرافدين، بدرجة مُذلة مهينة، تجاوزت مقولة “وعاظ السلاطين” إلى “وعّاظ الجهل والظلامية”، لسببين مباشرين: مال الارتزاق الرخيص، والخوف من غضب الميليشيات الولائية. لكن هؤلاء شطبهم شعب العراق من خانة قيادة الثقافة في الشاغرة في العراق إلى حين.