المحرر موضوع: جينا لولو بريجيدا جميلة لكن خطرة  (زيارة 860 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل Janan Kawaja

  • اداري
  • عضو مميز متقدم
  • ***
  • مشاركة: 31496
    • مشاهدة الملف الشخصي
جينا لولو بريجيدا جميلة لكن خطرة
"ملكة جمال العالم" حصلت على اللقب عن طريق سحرها الذي أكسب الفن قدرة على التأثير على الأرواح قبل الغرائز.
فاروق يوسف

أيقونة عصرها
حتى خبر وفاتها يجعلنا نعيش زمنا جميلا لا يمكن استعادته وكم تمنينا لو أن أجيال الحاضر عاشته مثلما عاشته أجيال سابقة بخفة سؤالها الوجودي. مع جينا لولو بريجيدا لا يصح ان نقول لها وداعا فهي باقية معنا. أفلامها خلقت حياة مجاورة لا تنتهي. ولا يصح القول أيضا إنها جزء من ذاكرة السينما. فالصورة الحيوية تصنع أوهاما تمتزج بالحياة المباشرة. في السينما نعثر على حياة لم نعشها.

لولو بريجيدا تركت الشابة الفاتنة في الأفلام الخالدة ومشت في دروب الحياة نحاتة (كانت قد درست النحت قبل أن تتجه إلى التمثيل) ومصورة وصحفية وسياسية يسارية (فشلت محاولتها في الفوز بمقعد في البرلمان الإيطالي). "أجمل نساء العالم" كان عنوان الفيلم الذي أطلقها وكانت تستحق ذلك اللقب. عام 2013 باعت جزءا من مجوهراتها عن طريق المزاد وتبرعت بالمبلغ الذي حصلت عليه (3 مليون دولار) إلى أبحاث الخلايا الجذعية من أجل محاربة السرطان.

لولو بريجيدا كانت واحدة من ثلاث فاتنات (معها صوفيا لورين وكلوديا كاردنالي) تكلمت السينما من خلالهن باللغة الإيطالية، لغة اللسان والجسد والتعبير والرؤية الواقعية الجديدة التي أنقذت هوليوود من الاستغراق في تعاليها على الواقع. صنعن عالما بديلا من خلال جمال لافت ستكون السينما العالمية في حاجة إليه.

أيقونة السينما الإيطالية التي انتصرت على الشيطان في أحد أفلامها لن يتمكن الموت من اخفائها. ذلك لأن الخلود صار في عصر الصورة يأتي من جهة غير متوقعة. لا يقع ذلك الخلود بعد الموت. غيرت الصورة في عصرها المعايير. هناك مَن يُنسى في حياته كما يحدث لمذيعي نشرات الأخبار ومقدمي البرامج التلفزيونية بعد ثلاثة أشهر من اختفائهم عن الشاشة الصغيرة. في المقابل هناك مشهد سينمائي واحد يمكن أن يكسب ممثله الخلود في حياته ولن يتأثر ذلك بموته. على سبيل المثال ما حدث لعمر الشريف بعد فيلم "الدكتور زيفاكو". لقد ذهب الممثل المصري مع ديفيد لين من أجل لورنس العرب الذي كان فيلما استثنائيا غير أنه تألق في الفيلم المأخوذ عن رواية الروسي بوريس باسترناك "زيفاكو".   

مشاهد لا تُحصى وهبت السينما حيوية لا تصدر عن الحياة مباشرة، ذلك لأن الفن لا يكتفي باكتشاف الواقع بل يخترعه في معظم الأحيان. وحين تقف حسناء مثل جينا لولو بريجيدا في واجهة ذلك الاختراع فإن كفة العين المباشرة لابد أن تخسر. تلك المرأة لا تُرى إلا باعتبارها لغز جمال محير وليست مجرد امرأة جميلة. لم تكن لولو بريجيدا تنتمي إلى قائمة النساء الجميلات اللواتي يتسابقن لنيل لقب "ملكة جمال العالم" غير أنها حصلت على ذلك اللقب عن طريق سحرها الذي أكسب الفن قدرة على التأثير على الأرواح قبل الغرائز.

كانت تلهو كما لو أنها لا تمثل. وكانت طبيعية إلى درجة أن الطبيعة نفسها يمكن أن تُقلدها. ربما لأن في إمكان ضحكتها أن تقع لتربك مَن ينصت إليها كما لو أن موسيقى تفاجئه. "كانت هناك امرأة" يحتاج المرء إلى مَن يذكره وإلا فإنه سيظنها ظاهرة طبيعية كالغيوم التي تُمطر أو الزهور التي تنبعث فجأة من مكان نائم. حين ينظر المرء إلى مشهد تمثل فيه لولو بريجيدا يشعر أن ذلك المشهد صار يضج بحيوية هي ليست جزءا من المكان. هناك روح سرية تعبث بهواء المكان وتؤثثه بصور وافكار وأشكال لن تُرى إلا مرة واحدة.

رأيت فيلمها "أحدب نوتردام" في سينما غرناطة. كانت تلك واحدة من أجمل صالات العرض السينمائي في بغداد. التقيت فيها برومي شنايدر وكاترين دينوف ولا اريد أن أذكر ألان ديلون الذي لم تهدأ غيرتي منه إلا حين دخل في طور الشيخوخة. كانت سينما غرناطة قد تخصصت بعرض الأفلام الراقية بالرغم من أنها تقع في الباب الشرقي حيث يتجمع العاطلون عن العمل قريبا من جدارية فائق حسن. كانت جنة صامتة وسط ضجيج العيون التي تبحث عن لقمة العيش. بعكس ما يُقال فإن بغداد السبعينات كانت هي الأخرى مبعثرة بين الفقر والرغبة في أن يكون العالم جميلا. كانت غرناطة تغري بساعة من ذهب المشاعر الملتهبة وكانت لولو بريجيدا واحدة من نساء ذلك العصر الجميل الذي لن نخفي دموعنا ونحن نلتفت إليه.     

ما أحلاها جينا لولو بريجيدا وهي تهبني بكرم فرصة أن أعود إلى بغداد ولو مغمض العينين فلا أراها إلا باعتبارها الجميلة الخطرة.