المحرر موضوع: العراق و"الخليج العربي"... والتوتر الإيراني  (زيارة 571 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل Janan Kawaja

  • اداري
  • عضو مميز متقدم
  • ***
  • مشاركة: 31448
    • مشاهدة الملف الشخصي
العراق و"الخليج العربي"... والتوتر الإيراني
محمد شياع السوداني مصمّم على النجاح والسير في خطّ سياسي يعيد العراق إلى موقعه في العالم العربي وفي المنطقة من دون ان يكون معاديا لإيران
خيرالله خيرالله

لا يمكن الاستهانة بالسوداني
من المفيد التوقف عند ما يحدث في العراق، خصوصا في ضوء نجاحه، النسبي طبعا، في تنظيم دورة كأس الخليج العربي لكرة القدم. المفيد أكثر التوقف عند ردّ فعل ايران المشوب بالتوتر على تسمية "الخليج العربي" بدل "الفارسي" للدورة التي أجريت للمرّة الخامسة والعشرين واستضافتها البصرة.

يدل ذلك على أن تطورات مهمّة تحدث في الداخل العراقي، مثلما أن هناك تطورات ذات طابع مصيري في الداخل الإيراني. تجعل هذه التطورات في "الجمهوريّة الإسلاميّة" التي يتحكّم بها "الحرس الثوري" من ايران دولة ضائعة في خياراتها. في هذه الدولة الضائعة، هناك سلطة مضطرة في كلّ يوم إلى المزايدة بغية تأكيد أن العراق لا يزال في جيبها. تريد هذه السلطة التأكيد أنّ سيطرتها على العراق لم تتراجع قيد انملة وأنّها لم تخسر شيئا من نفوذها في بلد في هذه الأهمّية على الصعيد الإقليمي. العراق بوابة الخليج العربي كما أنّه جزء لا يتجزّأ من الشرق الأوسط ولديه حدودها مع ايران وتركيا في الوقت ذاته... 

يبدو أنّه لم يعد مسموحا للعراق الكلام عن "الخليج العربي" بعدما سلمتّه إدارة جورج بوش الإبن على صحن من فضّة إلى إيران. من الواضح أنّ رئيس الوزراء العراقي محمّد شيّاع السوداني ارتكب خطأ كبيرا، في حقّ إيران وما تطمح إليه عبر مشروعها التوسّعي. أراد القول، بكلّ بساطة، أنّ العراق هو العراق وإيران هي إيران.

في النهاية لم يأخذ هذا المشروع الإيراني بعدا جديدا واسعا إلّا بعد سقوط العراق الذي خاض حربا مع ايران استمرت ثماني سنوات وانتهت بشبه انتصار عراقي. إحتُسب ذلك انتصارا شخصيا لصدّام حسين الذي لم يعرف كيف التصرّف بعد تحقيقه لشبه الإنتصار ذلك.

كشفت دورة كأس الخليج أنّ ليس في الإمكان الإستخفاف برئيس الوزراء محمّد شياع السوداني وأنّ الرجل يمتلك شخصية خاصة به. صحيح أنّه كان مرشّح الإطار التنسيقي لموقع رئيس الوزراء، لكنّ الصحيح أيضا أنّه وضع مسافة بينه وبين نوري المالكي الرجل الأقوى في الإطار التنسيقي. إذا وضعنا جانبا وجود عدد من الوزراء، الذين لا يمتلكون كفاءة تذكر في الحكومة العراقيّة التي شكلها السوداني، لا يمكن تجاهل المواقف الأخيرة للرجل. لا يمكن تجاهل كلام السوداني في شأن ما يخص العلاقات العربيّة للعراق والترابط بينه وبين دول الخليج خصوصا. كذلك، لا يمكن تجاهل كلام رئيس الوزراء العراقي عن العلاقة مع الولايات المتحدة والموقف الذي اتخذه من الوجود العسكري الأميركي في العراق. يتعارض هذا الموقف تعارضا كلّيا مع مواقف السياسيين المحسوبين على إيران في العراق.

ثمة تحديات كبيرة تواجه رئيس الوزراء العراقي الذي عليه إصلاح خطأ ضخم أخلّ بالتوازن الإقليمي القائم في المنطقة منذ انهيار الدولة العثمانية في عشرينات القرن الماضي، أي قبل قرن من الزمن. كان العراق جزءا من التوازن الإقليمي كما قال الرئيس الفرنسي الراحل فرنسوا ميتران في العام 1981. سئل ميتران وقتذاك، بعدما قرّر مساعدة العراق عسكريا في حربه مع إيران، لماذا إتخذ هذا القرار؟ أجاب أن الحدود بين العراق وايران ليست حدودا بين بلدين، بل هي حدود بين حضارتين كبيرتين. إن سقوط هذه الحدود سيؤدي إلى خلل كامل على الصعيد الإقليمي. أشار أيضا إلى أن عمر هذه الحدود 500 سنة.

المؤسف أنّ المحافظين الجدد في الولايات المتحدة لم يأخذوا هذه المعطيات في الإعتبار. شنّ هؤلاء حربهم العراقيّة التي اسفرت عن زلزال ما زالت تعاني منه المنطقة كلّها إلى يومنا هذا بعدما صارت ايران ممثلة بميليشياتها المذهبيّة في العراق وفي قلب بغداد.

الأهمّ من ذلك كلّه، كيف التعاطي مع موضوع عراقي داخلي في غاية الأهمّية. يتمثل هذا الموضوع في التراجع الذي طرأ على المجتمع العراقي على كلّ المستويات، بدءا بمستوى التعليم وانتهاء بالسلوك الحضاري للفرد مرورا بدور المرأة ودرجة الإنفتاح على كلّ ما هو حضاري في العالم. كان مستوى التعليم في العراق مفخرة البلد واستمرّ كذلك حتى بعد إطاحة النظام الملكي...

هل يستطيع محمّد شياع السوداني إصلاح الخلل في التوازن الإقليمي الذي تسببت به الولايات المتحدة التي كانت وراء عودة الميليشيات العراقية التي قاتلت مع الإيرانيين إلى بغداد؟ لا شكّ أن رئيس الوزراء السابق مصطفى الكاظمي لعب دورا في جعل العراق يستعيد حدّا أدنى من التوازن داخليا وإقليميا. لكن ذلك لا يبدو كافيا في ضوء تراكم الأزمات العراقية على كلّ صعيد وفي كلّ مجال، بما في ذلك النقص في المياه الذي باتت تعاني منه بلاد الرافدين. نعم، إن بلاد الرافدين تتصحّر يوميا!

يدعو إلى بعض التفاؤل نجاح رئيس الوزراء العراقي في جعل تنظيم المباراة النهائية لدورة كأس الخليج تبدأ في الوقت المحدد لها وفي البصرة بالذات. مثل هذا الحدث يكشف النجاح النسبي للعراق في تنظيم الدورة، فضلا عن امتلاك البلد لأدوات امنيّة تسمح له بفرض ارادته على كلّ ما يمثل ايران في العراق بدءا بميليشيات "الحشد الشعبي".

ليس ما يشير إلى أنّ مهمة رئيس الوزراء العراقي ستكون سهلة. الأمر الوحيد الأكيد أنّه مصمّم على النجاح والسير في خطّ سياسي يعيد العراق إلى موقعه في العالم العربي وفي المنطقة أيضا من دون ان يكون معاديا لإيران. ما يمكن أن يلعب لمصلحته حال الضياع في "الجمهوريّة الإسلاميّة" حيث ليس ما يشير إلى أن النظام القائم قادر على سحق الشعوب الإيرانية المنتفضة في وجهه منذ السادس عشر من أيلول – سبتمبر الماضي، أي منذ ما يزيد على أربعة أشهر. ليس اعتراض المسؤولين الإيرانيين على تسميّة "الخليج العربي" سوى دليل ضعف وليس دليل قوة. ايران حرّة أن تعتبر الخليج فارسيا. العرب احرار في تسميته كما يشاؤون. هل بداية افلات العراق من القبضة الإيرانيّة وراء هذا الردّ المتشنج والمتوتر لطهران؟