المنوعات > منتدى الموسيقى

بعد مسيرة فنية زاخرة بالأبداع والتألق .. رحيل أيقونة الساكسفون وملكها الفنان الكبير جونسون بابيلا

(1/1)

Edison Haidow:
كتابة / اديسون هيدو

منذ ان اخترع البلجيكي ( أدولف ساكس ) آلة الساكسفون وحتى يومنا هذا لم يبهرنا أحد من الموسيقيين الاشوريين بجمال هذه الآلة وروعتها, ولم يشعرنا أحد بحلاوة طعمها ورِقتها, إلا قلة قليلة من العازفين الذين يعدون على اصابع اليد الواحدة، استطاع أحدهم وبأبداعه اللامتناهي وبأحساسه المرهف أن يحول كبريائها الغربي إلى فخامة شرقية, ويرسم الحانها ومقطوعاتها الموسيقية بروح اشورية خالصة, وبتوليفة سمعية غير مسبوقة، وبأسلوب الأرتجال المبهر، يقدمها ويغوص بها في عوالم النفس البشرية المفعمة بالأمل والأحلام، تعانق الأرواح، وتغمر القلوب، وتدغدغ الأحاسيس .
 
أنه الفنان الكبير جونسون بابيلا أحد أشهر عازفي الساكسفون, وأحد العلامات البارزة في الموسيقى الاشورية المعاصرة، الذي غادر الحياة في الثامن والعشرين من شهر يناير / كانون الثاني 2023 عن عمر ناهز الثمانون عاماَ أثر مرض عضال, بعد مسيرة فنية زاخرة بالأبداع والتألق, تمكن خلالها من إلهاب مشاعر مستمعيه وجمهوره الكبير في العديد من دول العالم وعلى مدار سنوات طويلة, وترك بصمة حُفِرَت فى أذهان كل من استمع لها وأستمتع بها، بتقديمه أجمل الألحان والمعزوفات الموسيقية الرصينة والمتناغمة، لأغاني كبار الفنانين العالميين والعرب والاشوريين، بأداء أحترافي مبهر على معشوقته الساكسفون, التي أتقن فن مغازلتها، وأجاد ترويضها بأنامل من حرير، ليحولها حبا ونغما نابعا من أعماق قلبه المرهف بالأحاسيس والمشاعر الجياشة، والذوق الراقي وسمو الروح التي أمتلكها، فأبهر الجميع بها وبموهبته وبقدراته الفائقة, فأصبح بحق واحداَ من أبرز وجوه موسيقى الجاز, ورمزاً من رموز الفن الاشوري الحديث .
 
ولد الراحل جونسون بابيلا عام 1942 في مدينة كركوك, ووالده هو الشاعر والروائي والكاتب والمترجم رابي جبراييل بابيلا ( 1898 ـــ 1957 ) أحد الوجوه الأدبية والتربوية المعروفة, واستاذ اللغة الأنكليزية والاشورية في المدرسة الأهلية الاشورية في كركوك, هاجر من مدينة سنكَار في اورميا أيران عام 1913 الى العراق وسكن مدينة كركوك وفيها تزوج من السيدة الفاضلة صوفيا بابيلا وأنجبا اربعة اولاد وبنتان كان جونسون الثالث بينهما. حيث بقي في كركوك فترة الطفولة والصبا وانهى دراسته الأبتدائية فيها ومن ثم أنتقل الى بغداد لدراسة الثانوية ( ثانوية الغربية ) عام 1963, وتخرج منها عام 1966 . في بغداد تزوج من السيدة فيونا وليام لازار وله من الأولاد تومي وتانيا .

والى جانب تعليمه الدراسي فقد مارس الرياضة وخاصة الطائرة والسلة والسباحة التي برع فيها وأصبح واحدا من أمهر السباحين في كركوك, ومعها بدأت لديه رغبة كبيرة في الموسيقى, فكانت بداياته مع الفن منذ الصغر حيث عشق العزف على الة الدرامز التي اتقنها وهو بعمر الشباب . وخلال مسيرته الفنية المعطاء التي امتدت قرابة الستين عاماً كان بابيلا فنانًا بارزًا ومؤثرًا, وواحداَ من أوائل موسيقيي الجاز البارزين في الوسط الفني الاشوري على آلتي الدرامز والساكسفون, وشخصية محورية للموسيقيين منذ ستينيات وسبعينيات القرن الماضي وحتى ايامه الأخيرة من حياته. فقد عاش ايام العصر الذهبي للموسيقى الغربية التي شهدتها مدن العراق التي يتواجد فيها أبناء شعبنا الاشوري خلال تلك الفترة خاصة بغداد وكركوك, عضواَ اساسياَ في العديد من الفرق الموسيقية التي عمل فيها, وشارك مع كبار المطربين في العزف معهم أمثال بيبا وولتر عزيز وايشا زيا ومالك ميرزا وأيوان شمديناني وتيدي أوشانا وسركون كابرييل ولندا جورج وغيرهم في الحفلات العامة وحفلات الأعراس .

في العاصمة بغداد أسس مع مجموعة من الفنانين المعروفين وقتها ( ومن ضمنهم شقيقه عازف الدرامز الشهير فيكتور بابيلا ) فرقته الموسيقية الأولى ( Drifters ) عازفاَ على الساكسفون, قدمت حفلاتها في الفنادق الكبيرة والعديد من الأماكن السياحية والأندية الاشورية اشهرها فندق الخيام وفندق السندباد وكازينو 14 تموز في بغداد, ونادي المجتمع العائلي الاشوري في الدورة, والنادي الاشوري الرياضي وفندق كركوك في مدينة كركوك لغاية عام 1968, العام الذي ترك فيه العراق الى ألعاصمة الأنكليزية لندن التي بقي فيها خمسة سنوات, استمر فيها عطائه وأبداعه الموسيقي والعزف على آلتي الدرامز والساكسفون لغاية عام 1973 حيث هاجر الى أميركا واستقر في مدينة شيكاغو ومن ثم أريزونا .
 
في شيكاغو أسس فرقة جديدة مع مجموعة من العازفين الاشوريين وهم عازف البيس كيتار ألن جورج, وأوسي على الطبل وهاكوب على الكيتار لغاية عام 1976, بعدها شارك مع فرق موسيقية عديدة منها فرقة ( Ishtar ) وفرقة ( Love Joy ) التي كانت واحدة من أشهر الفرق الموسيقية الغربية الاشورية في شيكاغو انذاك، والتي قدمت اعمالها للعديد من الفنانين والمطربين الكبار المعروفين في أميركا أمثال اشور بت سركيس وليندا جورج وايوان أغاسي ومالك ميرزا وجورج جهاربقجي وأواديس سركيس وولتر عزيز والكثيرين غيرهم، وسجل مع الفرقة ألبومه الأول عام 1991 بعنوان ذكريات الماضي ( Memories of the past )، ضم باقة جميلة من المعزوفات لأغاني كبار الفنانين، اضافة لمقطوعات من الموسيقى الفولكلورية الاشورية القديمة .
الذكر الطيب والرحمة الواسعة للفقيد الكبير ولروحه السلام ولزوجته واولاده ومعارفه وأصدقائه جميعا ولمحبيه وعشاق فنه الرصين في كل مكان جميل الصبر والسلوان .. الى جنات الخلد .
 

تصفح

[0] فهرس الرسائل

الذهاب الى النسخة الكاملة