المحرر موضوع: أضواء ومواقف عن حياة الضابط الشيوعي خزعل السعدي .  (زيارة 523 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل محمد السعدي

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 103
  • منتديات عنكاوا
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
أضواء ومواقف عن حياة الضابط الشيوعي خزعل السعدي .



أحياءا لذكرى أستشهاده البطولي , ومقاومته الوطنية .

في يوم ٢٦ مايس ٢٠٠٩ ، تكون قد مضت ٤٦ عاما على إعدام الضابط الشيوعي خزعل السعدي , احد تنظيمات الضباط الاحرار ، وقادة ثورة تموز ١٩٥٨ . على يد إنقلابي ومجرمي ٨ شباط ١٩٦٣ ، الذين إغتالوا الثورة وأبنائها في صبيحة ذلك اليوم الاسود من تاريخ العراق السياسي ، ليدفعوا العراقيين الى مصير مجهول ونفق مظلم والى يومنا هذا ، دفع شعبنا العراقي الثمن غالي من معاناة وتأمر وأخيراً الاحتلال ، وهنا المشهد يعاد على نبوءة ماركس – التاريخ يعاد مرة آخرى على شكل مهزلة . في ٨ شباط تأمر البعثيين مع بقايا اقطاع وقوى رجعية ، و بتحالف أمريكي ” إمبريالي ” مشبوه للاجهاز على ثورة تموز ومنجزاتها ورجالها  .
كما صرح به أحد قادة الانقلاب والبعثيين علي صالح السعدي ، نحن جئنا الى السلطة على متن القطار الامريكي ، واليوم وبعد كل التجارب المريرة من عمر تلك الفترة الزمنية من قتل ودماء وحروب ، في فاركونات ذلك القطار الامريكي .
تخترق الدبابة الامريكية ” همر ” حدودنا الوطنية عبر بوابة الكويت وعلى متنها قادة العراق الجدد ، أذناب المحتلين وبراثن التخلف .
في إنقلاب ٨ شباط ١٩٦٣ ، نصبت إذاعة لهذا الغرض موجهة من أرض الكويت أيضا لتدلي بها الانقلابين على أسماء وعناوين الشيوعين وقادة ثورة تموز ، لا ازيد عما قاله الملك حسين بعد سبعة أشهر من الانقلاب ، الى الكاتب والصحفي محمد
حسنين هيكل في مقابلة صحفية أجراها معه في باريس ونشرها فيما بعد في صحيفة الاهرام
القاهرية عدد ٢٧ ايلول من العام١٩٦٣ ، يقول الملك حسين رداً على سؤال لهيكل :
(( أقول لك ما جرى في العراق في ٨ اشباط قد حظى بدعم الاستخبارات الامريكية .
ولايعرف بعض الذين يحكمون بغداد اليوم هذا الأمر ولكني أعرف الحقيقة لقد عقدت
إجتماعات عديدة بين حزب البعث والاستخبارات الامريكية , وعقدت أهمها في الكويت .
هل تعرف ان محطة سرية تبث من الكويت الى العراق كانت تزود يوم 8 اشباط رجال
الانقلاب بأسماء وعناوين الشيوعيين هناك للتمكن من اعتقالهم واعدامهم .. )) ؟؟
واليوم يتحالف الاسلام السياسي و شيوعيي الاحتلال وبقايا من قوميين ، ليدنسوا أرض الرافدين ، العراق الآية الاولى ، مع غربان الجيش الامريكي في إحتلال بلدهم العراق ليحطموا تاريخه ، وينهوا معالمه ، ولينتهكوا حرماته ، وليدفعوه مرة آخرى الى ذلك النفق المظلم والمخيف ، وشعبنا يدفع الثمن ، وهو الضحية سياسة تلك التأمر الامبريالي والصفوي .
سأقدم رؤيتان حول الشهيد والمناضل خزعل السعدي ، بانضمامه الى حركة الضباط الاحرار بوقت مبكر ، والتشكيل الاول تحت مسميات مختلفة وأنتماءات متلونة وعقائد متصارعة ، لكن الدافع الرئيسي الذي ينضون تحت لوائه هو الوطن وتحريره من الاستعمار البريطاني وأذنابه ، والآخرى دوره في صبيحة ثورة تموز ، وموقفه الثوري من تداعيات أرتداد الثورة عن مضامينها الوطنية والقومية ، وموقفه المعلن من تدهور مسارات الثورة  وأصطدامه بالعقل اليميني التقليدي الشيوعي في دعوته الى أستلام السلطة من الزعيم عبد الكريم قاسم بعد مراهنته على القوى الرجعية ، ومطاردته للشيوعيين ، أجبرته على التخفي وزجه في السجن ، الى حين ظهوره في يوم 8 شباط في مدينة الكاظمية ليقود المقاومة ويصنع قنابلها ، ويوجها الى أوكار التأمر .
عام 1927 وفي عائلة متوسطة الحال اقتصاديا ً، ولد الشهيد خزعل علي السعدي وسط بساتين قرية الهويدر بمحافظة ديالى ، وفي مقتبل شبابه وتطلعه ، وقعت في العراق أوائل الأربعينات ظروف وأحداث مهمة ، وكون الجيش صار محط أنظار العوائل والشبيبة ، وفي ظروف أندلاع آوار الحرب على الجبهات العالمية ، فكر الشاب خزعل السعدي الانخراط في هذا السلك ،  فدخل الاعدادية العسكرية عام 1940 وتخرج منها عام 1942 ليبدأ حياته العملية ضابطاً في الجيش العراقي . هنا بدأت تتبلور جوانب الوعي الفكري والسياسي للضابط الشاب خزعل السعدي لتشكل خلاصة مسيرة أكثر من عقدين لنشوء أولى الحلقات الماركسية ، وفي وقت ترسخت فيه أيضا أركان الحزب الشيوعي العراقي وانطلاقاته لقيادة الكثير من النضالات الجماهيرية الواسعة ،  كوثبة كانون الثاني 1948 ، وانتفاضتي 1952 و 1954 و ثم انتفاضة .
عام 1956 التي عززت الوعي القومي الى جانب الطبقي والوطني ، ومن البديهي التذكير بان واقعة إعدام يوسف سلمان يوسف ( فهد ) عام 1949 مؤسس الحزب الشيوعي العراقي ، أحدثت هزة عميقة التأثير في الواقع العراقي وأبناء ذلك الجيل المملوء بالأمل والعزم والتطلع لصناعة حياة أفضل ، واليوم وبعد مضي هذه السنين يتحالف الحزب الشيوعي الرسمي مع المحتليين البريطانيين الذين أعدموا فهد مؤسس الحزب ، وقد ساهم الشهيد خزعل في تأسيس أحد أبرز تشكيلات الضباط الاحرار ( جماعة القسم ) والتي ضمت إضافة اليه الضباط التاليه أسمائهم : طه الدوري ، وخليل ابراهيم العلي،  واحمد محسن العلي ، وقاد التنظيم في البداية طه الدوري ومن ثم أصبح المسؤول عنه حسن النقيب على حد قول الراحل ثابت حبيب العاني في مقالات سابقة . وتميز الشهيد خزعل ، كما قال السيد النقيب بالفعالية والحماس في النضال الوطني وتخليص البلد من الحكم الملكي التابع  للمصالح البريطانية . وأصبح الشهيد أمر كتيبة المثنى الرابعة في ابي غريب ، أبو الكتيبة الحمراء بهكذا عرف بين أوساط الناس ومحبيه ، ولاهمية موقع الكتيبة التي كانت بأمرته ، وقربها من بغداد ، وسيطرتها على مرسلات ابي غريب ، تدخل دائما في الحسابات قبل الثورة وبعدها بأي عمل حاسم لمصلحة الثورة ، فكانت رأس حربة للثورة . لقد أثبت فجر الرابع عشر من تموز جدية الشهيد وقدرته على لعب دوره المطلوب ، ورغم التعتيم على الموعد بعد أن تأجل لعدة مرات بسبب الظروف اللوجستية الغير ملائمة لتحركات القطعات العسكرية ، كان الموعد 21 حزيران من نفس العام ، وانيط لسرية خزعل السعدي دوراً أساسيا في الخطة للاستيلاء على المراكز المهمة في بغداد.


والموعد الذي قرر عليه أخيراً ، 14 تموز 1958، فقد كان للشهيد خزعل السعدي منذ ساعات الفجر الاولى من أوائل الذين حضروا الى قلب بغداد بصحبة دبابتين ليضمن نجاح الثورة وأذاعة بيانها الاول تحت حراسته . يقول جرجيس فتح الله في كتابه ( العراق في عهد قاسم ) ص501 – وعن لسان الضابط الشيوعي إبراهيم الجبوري ( في الرابع عشر من تموز قمنا بواجباتنا حسب الاتفاق وخرجنا مع ثماني دبابات دون عتاد . وعندما وصلنا الى الاذاعة وجدنا دبابتين بقيادة خزعل السعدي وهو من تنظيمنا أيضا، وعندما رأى عبد السلام عارف الدبابات صرخ وهو يبكي لقد انتصرت الثورة)
وكان للحزب الشيوعي دور في تبليغ خزعل السعدي بيوم الثورة .
بقيت كتيبة المثنى للدبابات بأمرة خزعل السعدي ، محط حقد المعادين للثورة ، ولهذا تحولت الى رأس حربة معادية للثورة ومسيرتها الديمقراطية ، بل هي التي أجهزت على الثورة ورجالها من محيطها وقلبها تحركت القوة المعادية ، بعد أن أقدم الزعيم عبد الكريم قاسم على جملة تنقلات بين الضباط وأمراء الوحدات العسكرية ، كان الشهيد خزعل حصة الزعيم الاولى وتبديله بالضباط القوميين والبعثين ، ومن خلال متابعتي لهذا الملف تحديداً ، وشخصية عبد الكريم قاسم زعيم وطني بامتياز ، ونظيف القلب واللسان  لايجادل عليه أثنان ، لكن للآسف الشديد كل الباحثين لهذا الملف لم ينصفوا التاريخ ، حيث وقعت جملة أحدات في الايام الاولى من الثورة من أقرب حليف للزعيم هم الشوعيين من خلال المليشيات الشعبية وشعاراتها وأستهتارها في شوارع المدن العراقية ، ومارافق من تسلكات غير أنسانية وغير لائقة في بعضها تخدش أساسيات الناس في العلاقات والتقاليد ومعادية لديمقراطية الثورة ونهجها الوطني في أحداث حركة عبد الوهاب الشواف في الموصل 1959 ، وأحداث أخرى لايتحمل موضوعي تحميلها ، أجبرت الزعيم ان يلقي خطاباً في كنيسة ماريوسف ، يستاء به من سلوكية الشيوعيين ، ورافقها جملة تغيرات ، أطاحت به وبثورته وبحلفائه ، وفي هذا الاطار والحملة أحال عبد الكريم قاسم عدداً كبيراً من الضباط والقادة الى التقاعد ، وكان من أبرزهم شاكر الخطيب أمر قاعدة الحبانية ، وسلمان حصان الى جانب الشهيد خزعل السعدي ورفيقه خليل العلي . وكان الزعيم قد أرسل المقدم خالد مكي الهاشمي البعثي  ليتسلم أمر كتيبة الدبابات بدلاً من الشهيد خزعل السعدي وفي كتاب للزوبعي عن ثورة تموز - جاء في رسالة الرائد خالد حسن فريد ( أرسل عبد الكريم قاسم بطلبي في تموز 1959 لبلغني بأمر تعييني وكيلاً لأمر كتيبة دبابات المثنى بدلاً من المقدم خزعل السعدي وقال لي .....  أن الكتيبة أصبحت شيوعية فأطلب منك ان تدفعها خارج خط الشيوعيين وأستدرك الزعيم قائلا : ليست شيوعية ولكنها خارج خط الثورة وعليك أن تلتحق فورا وتسيطر عليها .)ص107
بهذه التراجدية السياسية جرد الشهيد خزعل من موقعه الحاسم وكان لعاب قوى معادية يسيل للخلاص منه والحصول على الموقع الحساس الذي كان بأمرته ، ليقضوا على الثورة ومنجزاتها وقادتها وفعلا ما تم .
 يقول السيد هاني الفكيكي :
في كتابه أوكار الهزيمة ... ( بدأ التركيز على كتيبة الدبابات الرابعة في أبي غريب وعلى القوة الجوية خاصة قاعدة الحبانية القريبة منها . بدأ التركيز على الكتيبة الرابعة بعد التغيير الذي جرى من قبل عبد الكريم قاسم ، بعد أن أبدل خزعل السعدي الشيوعي بخالد مكي الهاشمي وخالد حسن فريد ) . وتحولت الكتيبة فعلاً الى رأس حربة لضرب الثورة فيما بعد حيث كانت تبعد 20 كيلو متر فقط عن بغداد وهي أقرب موقع عسكري مؤثر من مرسلات أبو غريب . ويقول الفكيكي في نفس الكتاب أن حزب البعث أستطاع حشد عدد لابأس به من الضباط وضباط الصف  الأمر الذي أثار حفيضة الحزب الشيوعي الذي أصدر بيانا في 3-1 -1963 حذر فيه عبد الكريم قاسم من ان الكتيبة تحولت الى وكر للمتأمرين ) ص220 . وفي هذا الوقت ، لم تتوقف أستخبارات الزعيم عن ملاحقة الضباط الوطنيين والشيوعيين وكان في مقدمتهم خزعل السعدي ، الذي قرر وبعد محاولة إعتقاله مجدداً عام 1962 ، الاختفاء والتواري عن الانظار  .
لقد زجوا به في الايام الاولى من الثورة في سجن رقم واحد ( معسكر الرشيد ) ، لمدة عام مع مجموعة من المناضلين ، الذين وقفوا ضد إنحراف مسار الثورة . يقول الشاعر كاظم السماوي ، والذي كان في نفس السجن ، كنت أسمع صوته مجلجلاً وهو يتحدى جلاديه عندما كان يخرجوه الى حمام المعتقل المجاور لزنزانتي ، وفي ليلة صعود كاكارين الى القمر والفضاء  أراد الشهيد خزعل أن يبلغني بهذا النبأ الرائع حينها ، فرفع صوته ليخترق جدران الزنزانة ويصل الى مسمعي ، ومرة أخرى أرسل لي بيد أحد الجنود منشوراً حزبياً سرعان ما قرأته وطويته وحملته معي الى الحمام ، وفبعد محاولة إغتيال الزعيم الفاشلة في شارع الرشيد ، أطلق سراح مجموعة من الضباط ، وكان الشهيد خزعل بينهم . فكان للشهيد الوعي المبكر والتحذير بأن قادة الثورة وعلى وجه التحديد الزعيمين عبد الكريم قاسم وعبد السلام عارف  وبممارساتهما الهوجاء والتي لاتنم عن أي درايات بعالم السياسة ودهاليزها أنها تصل أحياناً الى السذاجة والتفرد الأعمى في إتخاذ القرارات بالضد من مصالح الشعب والجماهير أدت بهما الى طريق المتاهات وقتل شعلة الثورة ،  ومن هنا ، ومن هذا الخطر يمكن عزو مواقفه في دعوته المبكرة لازاحة الزعيم وأخذ زمام المبادرة لاعادة الثورة الى مسارها الحقيقي . واصل الشهيد خزعل السعدي وبنفس ثوري عمله لاقناع الحزب الشيوعي باعطائه الضوء الاخضر للتحرك وقطع الطريق على القوى المعادية ، وتقدم مع عدد من الضباط الشيوعيين بارسال مذكرة الى قيادة الحزب الشيوعي محذرين فيها من المخاطر الجدية لأن عبد الكريم قاسم لم يعد قادراً على قيادة الثورة والسير بها نحو تحقيق أهدافها ، وطالبوا في مذكرتهم .... بأن يسمح لهم بالذهاب الى وزارة الدفاع واجبار عبد الكريم على التخلي عن مناصبه لتفويت الفرصة على قوى الردة والتأمر ، ولكن كان رأي الاغلبية في قيادة الحزب ضد هذا التوجه . وقع المذكرة الموجه الى قيادة الحزب ، خزعل السعدي ، فاضل البياتي ، إبراهيم الجبوري ، سلمان حصان ، شاكر الخطيب ، عبد الكريم كاظم ، وخليل ابراهيم العلي ، والذين حضروا في إجتماع المكتب السياسي ودرسوا فحوى المذكرة هم : سلام عادل ، زكي خيري ، عامر عبدالله ، محمد حسين ابو العيس ، جورج تلو ، عزيز محمد ، عبد السلام الناصري ، والمرشح عزيز الشيخ . وعقد الاجتماع في حزيران 1961 وقد رفض المجتمعون أي تحرك ضد الحكم وتوجهوا بنقد شديد الى اللجنة العسكرية التي قيل أنها تستهين بقوى الجماهير ، وأكد المجتمعون أن السلطة ما تزال وطنية وحذروا من المغامرة ، بهذا الموقف السلبي والغير مسؤول ضاع العراق ، بدأ خزعل السعدي مع بعض من رفاقه يدعو بالسر والعلن الى العمل على إزاحة عبد الكريم قاسم من الحكم واعادة الوجه الاصلي للثورة ، وقد أجبرته هذه المواقف مع الشهيد خليل ابراهيم العلي أمر كتيبة الدبابات الثانية في أبي غريب بالذهاب الى مقر جريدة الحزب العلنية ( اتحاد الشعب ) بملابسهما العسكرية والاجتماع بقياديين في الحزب ، متخطين مراجعهما الحزبية ، في محاولة يائسة لاقناع الحزب بضرورة التحرك لاسقاط قاسم وحكمه ، مما ترتب على هذا الموقف المطاردة مرة آخرى والاختفاء مجدداً ، وقبيل إعتقاله ، قيم الشهيد سلام عادل هذا التراجع ( ان الانقلاب في 8 شباط قد بدأ فكريا ًوسياسيا ًواقتصاديا ًمنذ اواسط العام 1959 حينما تصرف قاسم بما يشبه الاستسلام للقوى السوداء التي أخذت تسترجع المواقع واحداً بعد الآخر في الجيش والدولة وفي الحياة الاقتصادية والمجتمع ، لكن المؤرخ التاريخي حنا بطاطا يوعزه الى موقف السوفيت وتحذيره للحزب من أي موقف قد يزعج قاسم ، فكيف يطرح مشروع أستلام سلطة ؟. وكانت التبعية وتقليدهم حتى بالمنام . في صبيحة إنقلاب يوم 8 شباط ظهر الشهيد خزعل السعدي في مدينة الكاظمية منذ ساعاته الاولى ، وبادر مباشرة بتشكيل فرق المقاومة الشعبية وميزها بعلامة وضعت على الاذرع تلخص بعنوان ( م – ش ) كما بدأ يصنع بنفسه قنابل المولوتوف ونظم الهجوم على مديرية الشرطة والقائممقامية وشرطة النجدة وأمانة العاصمة . وأتخذ من المساجد مواقع للقاء مع المفارز وتوجيه البيانات والنداءات . وعمل على تسليح مفارز المقاومة بالأسلحة الخفيفة من البنادق التي تمت السيطرة عليها من المواقع المحررة ، وشاركت أيضاً المرأة بشكل باسل في المقاومة  شدة المقاومة هذه ، أرعبت الانقلابيين وقوات حرسهم الذي سمي قومياً ، فتوجهت أرتال من الدبابات والمدرعات من اللواء الثامن بأمرة داود الجنابي وبمعية كتائب آخرى للانقلابيين ، ودارت معارك طاحنة هناك الى اليوم الحادي عشر من شباط . أنتهكت بها أعراض الناس والمقاوميين من خلال الاساليب الدموية في تصفية معاقل المقاوميين ، ووقع بيد الانقلابيين عضو المكتب السياسي هادي هاشم الاعظمي أبن المدينة وضعف في التعذيب وسبب في إعتقال الآخرين . أما الشهيد البطل خزعل السعدي أختفى في أزقة المدينة بين بيوت الناس ، ولم يعرف مصيره الا من خلال أعلان رسمي في الصحف العراقية يوم 26 مايس نبأ إعدامه مع نخبة من الضباط خزعل السعدي ، فاضل البياتي وآخرين بسبب مقاومتهم للانقلابيين . وتحدث بل أكد العديد من الشهود والباحثين في تلك المرحلة من عمر العراق على شجاعة الشهيد خزعل في مواجهته للانقلابيين في التعذيب . وقتل تحت التعذيب ولم تسلم جثته الى أهله رغم كل المراجعات من أفراد عائلته . عاش بطلاً ومات بطلاً بهذ الموقف الوطني الشجاع ، وهو المختلف مع الحزب ومع سياسة الزعيم الدكتاتورية ودعم الحزب لها ، وقاوم في الدفاع عن مباديء الحزب الوطنية ومسيرة الثورة والمباديء التي جاءت من أجلها . ألم تكن هذه التجارب المرة والغنية دروسا لنا بما يمر به العراق حاليا من احتلال وطائفية ؟.

الشيوعيين .. ومقاومة الكاظمية .

في فجر يوم الجمعة 8 شباط 1963, عندما أعلن الإنقلابيين عبر مرسلات أذاعة أبي غريب عن بيانهم الأنقلابي الأول ضد الجمهورية العراقية وزعيمها عبد الكريم قاسم . أدرك الشيوعيين في اللحظات الأولى من الانقلاب هما المستهدفين وخاصة بعد أن تأكد إغتيال الطيار الشيوعي جلال الاوقاتي أمام بيته في الكرادة مما أزاح الغبار عن الأنوار . فسارعا الشهيد حسين أحمد الرضي ( سلام عادل ) بأجتماع ببعض أعضاء اللجنة المركزية منبهاً أن الانقلاب لم يستهدف قاسم وحده وأنما نحن الشيوعيين وباعتباره زعيم حزب الشيوعيين العراقيين وضمن مسؤوليته التاريخية حرر بيان يدعوا به الشيوعيين وجماهير الشعب الى النزول الى الشوارع ومقاومة الإنقلابيين ووزع البيان في شوارع بغداد وألصق على جدران البيوت والمحلات . وأتصل بكامل الجادرجي رئيس الحزب الوطني الديمقراطي وبمحمد حديد رئيس حزب الوطني التقدمي لحثهما على المشاركة مع جماهير الشعب في التصدي للإنقلابيين لكنهم ترددوا بسبب ضعف الامكانيات والضعف في الملاكات والأدوات لتلك الخطوة الحرجة من تاريخ العراق .
وعاد الشهيد سلام عادل الاتصال بالزعيم عبد الكريم قاسم وأعلن موقفه الرسمي كحزب شيوعي بالوقوف والدفاع عن ثورة تموز ومنجزاتها ضد محاولات الإنقلابيين وطالبه بتسليم السلاح الى الجماهير الزاحفة الى بوابة وزارة الدفاع من الاحياء والمناطق الفقيرة وبيوت الصفيح ( الثورة وحي الاكراد والكريعات والشاكرية والشعلة ). ورغم محاولات الشهيد سلام عادل المتكررة منبهاً من الخطر المحدق القادم ، لكنه أمتنع عن تسليمهم السلاح وأكتفى بوعود مستقبلية للشوعيين بعد دحر نوايا الإنقلابيين وتأسفه عن ما بدر سابقاً من لدن زعامته في التضيق على الشيوعيين وتحجيم دورهم من خلال نزع سلاح المقاومة الشعبية وسلسلة من الاعتقالات شملت خيرة كوادره وملاكاته ، بل ذهب الى أبعد من ذلك منح أجازة حزب شيوعي صوري ( داوود الصائغ ) ورفض منح إجازة للحزب الشيوعي العراقي الذي تقدم بقائمة 360 ألف توقيع تطالب بمنحه الاجازة ، مما وسع الهفوة وقربه من القوميين والبعثيين ، وفي تقديرات شخصية وضمن الأطلاعات البسيطة السبب في تردد الزعيم قاسم بتوزيع السلاح على الجماهير المحتشدة أمام وزارة الدفاع هو خوفه من نيات الشيوعيين في الوثوب الى الحكم وأخذ كرسي السلطة وليس سفكاً للدماء … كما يروى ، بعد أن تحسس بلذة السلطة وسحر الكرسي وطيلة عمر ثورة 14تموز ، كانوا قادة الحزب الشيوعي ولائهم للزعيم قاسم أكثر من ولائهم للحزب مما أصابهم العمى مما كان يجري من أحاكة المؤامرة تلو المؤامرة لحين أنقضوا على الثورة والزعيم والحزب .
في مدينة الكاظمية .. وقعت ملحمة تاريخية حيث نزلوا الى الشوارع وقادوا الجماهير كل من هادي هاشم الاعظمي عضو سكرتارية الحزب الشيوعي ، الذي أنهار فيما بعد . وقاد الحرس القومي الى بيت سلام عادل ،  وهو المشهود له في صلابته بسجون النظام الملكي . وخزعل السعدي المقدم المتقاعد وعضو المكتب العسكري للحزب الشيوعي العراقي والذي أعتقل يوم 11 آذار وأعلن عن أستشهاده يوم 26 آيار وأعلن في الصحف الرسمية مع رفيقه فاضل البياتي . وحمدي أيوب العاني عضو لجنة منطقة بغداد الذي أعتقل بعد المقاومة وهو الذي أدلى على بيت هادي هاشم الاعظمي . وعدنان جلمران الذي هو أيضاً تعاون مع الانقلابيين . في البدء أتخذ قادة المقاومة من مبنى الاعدادية المركزية تجمعاً عاماً لهم ومنه تحركت الجماهير الغاضبة بقيادة الشيوعيين نحو مركز الشرطة وشرطة النجدة وقائمقامية الكاظمية وأحتلوها وسيطروا على أسلحتها وسلموها الى الجماهير وأحكموا سيطرتهم عل المدينة ومداخلها الرئيسية لمدة ثلاثة أيام متصلة بلياليها ، ولكن بعد أعدام الزعيم عبد الكريم قاسم ورفاقه في مبنى الصالحية يوم 9شباط . توجهت قواتهم وبتركيز كبير في الهجوم على المقاوميين في مدينة الكاظمية وأصدروا بيانهم السيء الصيت ( رقم 13) الى إبادة الشيوعيين في العراق ، وبعد ثلاثة أيام من المعارك نفذ أسلحة الشيوعيين المقاوميين ، لكن عدة وذخيرة الانقلابيين وتحشيداتهم الكبيرة ضعفت مواقع المقاوميين بعد أن تبدد أملهم بوصول تعزيزات لهم . أستباح المدينة أرتال من القوميين والبعثيين وعاثوا بها قتلاً وتدميراً .
بسبب من طابعها السياسي والتاريخي ,كانت مدينة الكاظمية حكراً للشيوعيين ، ولوجود كوادر يعتمد عليها في هذه المدينة أنتقل أليها عدد من الكوادر القيادية للحزب الشيوعي ومنهم هادي هاشم الاعظمي وحمدي أيوب العاني وخزعل السعدي والذي بادر مباشرة بتشكيل فرق المقاومة الشعبية وميزها بعلامة وضعت على الأذرع تلخص العنوان ( م . ش ) . كما بدأ يصنع بنفسه قنابل المولوتوف ونظم الهجوم على مديرية الشرطة والقائمقامية وشرطة النجدة وأمانة العاصمة . وأتخذ من المساجد مواقع للقاء مع المفارز وتوجيه البيانات والنداءات . وعمل على تسليح مفارز المقاومة بالأسلحة الخفيفة من البنادق التي تمت السيطرة عليها من المواقع المحررة . الى جانب السكاكين والأسلاك الحديدية ، بل وحتى العصي . وشاركت المرأة بشكل باسل في المقاومة ، ويذكر من أبرزهن بنات الجرجفجي وزهرة الوردي التي صعدت الى منارة جامع الدروازة لتخطب وتحشد وتحفز الجماهير على المقاومة . وحسب مختلف الروايات فإن معركة تحرير مركز الشرطة دامت أربع ساعات . وقتل فيها ثلاثة من عناصر الشرطة وجرح أربعون . لهذا كافأ الانقلابيون آمر المركز المدعو حمد محمود أمين ، فرقوه الى رتبة عميد وعينوه بعدئذ مديراً عاماً للشرطة ( مذكرات طالب شبيب ص 45 ) .
أرتعبت قيادات الإنقلابيين وقوات حرسهم الذي سمي قومياً من شدة المقاومة وأصدائها في عموم البلاد خاصة وانه كانت هناك بذور مقاومة في مناطق أخرى من بغداد كالأكواخ والشاكرية والكريعات والشواكة وعكد الاكراد . لذلك ركزوا قواهم وحشدوا أفضل أسلحتهم للقضاء على المقاومة الباسلة في الكاظمية . ففي فجر التاسع من شباط توجه رتل من دبابات ومدرعات اللواء الثامن بقيادة داود الجنابي بمعية الكتيبتين الأولى والثانية . الى ساحة عبد المحسن الكاظمي وكانت الساحة حسب وصف ( طالب شبيب ) . خالية من البشر ، وقد أخذ الدخان يتصاعد من أبنيتها وبشكل خاص من مركز الشرطة الذي أحرق المقاومون كل مكوناته بعد أن أخذوا ما هو مفيد لهم لإدامة المقاومة .
يقول طالب شبيب في مذكراته .. بعد أن شكلنا قوة ضغط كبيرة على مراكز المقاوميين الشيوعيين بالقصف الناري الشديد . أضطر الشيوعيين وبينهم خزعل السعدي الى التحصن في أعدادية الكاظمية وفي مراكز الشرطة وواصلوا المقاومة متحدين أنذارات قوات الانقلابيين ودعوتهم عبر مكبرات الصوت الى الإستسلام . ويضيف السيد ( طالب شبيب ) .( أثبتت التحقيقات فيما بعد أن عدداً من المقاومين أنسحبوا الى حيث يأمنون لكن الاكثرية دخلوا في مواجهة غير متكافئة كان مسرحها المدرسة الإعدادية ومركز الشرطة ومصلحة نقل الركاب ، وتقابل المتقاتلون أحياناً وجهاً لوجه … لتنتهي المعركة بمقتل أكثر من عشرة شيوعيين عند ( تانكي ) الماء ، وسقط عدد من قوات الانقلاب قتلى وجرحى ومن بينهم الملازم ثابت الآلوسي ) .
وسقط عدد من الشيوعيين وهم يقاومون الانقلابيين ، عبد الأمير الحايك , أبراهيم الحكاك , ناظم الجودي , علي عبدالله , محمد الوردي , كما قتل رئيس نقابة المعلمين في مدخل مركز الباغات لاطلاق النار عليه . كما جرح في المعركة الشهيد البطل سعيد متروك وأعدم عند سياج أعدادية الشعب في منطقة المحيط . ما زالت معركة الشيوعي في مدينة الكاظمية علامة فارقة في تاريخه السياسي بحاجة الى فصول من الدراسات والشهادات والتقييمات . طيلة عمر الثورة ، كان للشيوعيين فرصة كبيرة في أستلام السلطة وتفويتها على أعدائه وأعداء الشعب ، لكن تأكد ومما لايقبل الدحض لم تكن للحزب خطة أصلاً بهذا الاتجاه ويرجع العامل ذو الوزن الاكبر الى موقف السوفيت في دعمهم لسياسة قاسم ضمن مصالحهم الستراتيجية في الوقوف ضد أي تحرك قد يزعج الزعيم رغم الارتداد والنكوص في سياسة الزعيم تجاه الشيوعيين على حساب تقرب القوميين والبعثيين له ، وهذا الأمر ليس محصوراً على وضع العراق ، بل لعموم أنظمة المنطقة والعالم ، كانوا القادة الشيوعيين السوفيت يراهنوا على الاحزاب البرجوازية بموضوعة التحول الارأسمالي صوب الاشتركية أكثر من قناعاتهم بقدرة الاحزاب الشيوعية في التحولات الاشتراكية . أحد قادة أنقلاب 8 شباط عبد الغني الراوي ذكر في مذكراته حول حجم الشيوعيين وتأثيرهم على الشارع ( لو بصق الشيوعيين علينا لأغرقونا ) . والغريب في الأمر كثر هم قادة الحزب وضباطه جلسوا في بيوتهم ينتظرون عصابات الانقلاب ليسوقوهم الى مسالخ الاعتقال ومن ثم ينحروهم .