المحرر موضوع: ( الآشورية والآرامية ) .. تسميتان للغة واحدة  (زيارة 916 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل Edison Haidow

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 651
  • الجنس: ذكر
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
( الآشورية والآرامية  ) .. تسميتان للغة واحدة

يوآرش هيدو 

‏يعتقد معظم الكتاب والباحثين والمؤرخين وعلماء الآثار المهتمين باللغات السامية وتاريخ بلاد ما بين النهرين ،إن ما يطلق عليه اللغة الارامية ، لغة مغايرة للغة ألآشورية - البابلية التي يطلقون عليها اختصارا الأكدية . ويزعم هؤلاء أن (الارامية)، لغة سكان سوريا، اشتبكت في صراع مع ( الاكدية ) ، لغة بابل واشور وتغلبت عليها وإزاحتها من مواقعها لتصبح بذلك لغة الشعب الأشوري برمته .

‏لقد شاع هذا الاعتقاد الخاطيء شيوعاً عجيباً وغدا وكأنه حقيقة لا تقبل النقاش . والغريب في الأمر أن العديد من الاشوريين تبنوا هذا الرأي. ومن بين هؤلاء على سبيل المثال المؤرخ ماتفييف ، والكاتب والمؤرخ بيراسرمس والكاتب جون جوزيف. إلا أن الدكتور بيرا سرمس يختلف في رأيه عن الآخرين بعض الشيء . فهو لا يقول ببساطة أن (الأرامية) اقتحمت معاقل (الأكدية) في بلاد اشور وحلت محل اللغة الآشورية . ففي كتابه ( تاريخ الأدب الأثوري ) يقول بيرا سرمس أن معظم علماء اللغات السامية الذين هم حجة في هذا الميدان ، يؤكدون أن اللهجة الشرقية من ( الآرامية ) دخلت بلاد بابل واشور في القرن الثامن قبل الميلاد وامتزجت ( باللغة _ الأكدية) وكانت نتيجة هذا الامتزاج ظهور لغة جديدة هي ( آرامو _ اكدية ) ، كما يسميها ، التي أصبحت لغة الشعب اليومية بينما ظلت الأكدية ( البابلية / الآشورية ) لغة الكتابة الرسمية لدى الحكام فقط . ‫ويضيف الدكتور بيرا سرمس ( إن اللغة المحكية التي تسمى أحياناً اللغة الحديثة ، المستعملة في اورمية وفي القرى المجاورة لمدينة الموصل وكذلك في مناطق من كردستان ، هذه اللغة ليست وليدة اللغة السريانية ( لشانا اتيقا ) ، لغة الطقس الكنسي ، بل هي وليدة اللغة ( الأرامو _ اكدية ). )

وفي مقالة للدكتور يوسف قوزي نشرت في مجلة المجمع الخاصة بهيئة اللغة السريانية تحت عنوان " اللهجات الآرامية وانتشارها الجغرافي وتغيير نطق حرف الحاء فيها " نقرأ راياً غريباً مفاده أن " الأكدية  كانت فقط لغة الكتابة الرسمية لدى الحكام وحدهم . اما أبناء الشعب العراقي فكانوا يلهجون بالآرامية في شتى أرجاء بلاد الرافدين " .
وواضح أن الدكتور قوزي يريد أن يقول أن الحكام الآشوريين كانوا غرباء عن شعبهم ومختلفين عنهم في انتمائهم القومي !! وأعتقد انه يشير إلى ذلك بوضوح في مقالته ، على ما اذكر ‏وقبل الولوج في صلب الموضوع أود أن أشير إلى أن من الخطأ الاعتقاد بإمكانية إمتزاج او تداخل لغتين لينتج لغة ثالثة لا تشبه اية واحدة من اللغتين المتداخلتين ، وتتميز عن كل منهما من حيث الكيفية . ففي واقع الأمر أنه خلال التداخل، والأصح الصراع ، تخرج إحدى اللغتين ظافرة وتحتفظ ببنائها النحوي والمضمون الأساسي لقاموسها ، وتستمر في التطور وفق القوانين الداخلية لتطورها بينما تفقد اللغة الثانية كيفيتها شيئاً فشيئاً وتضمحل بالتدريج  وبلا شك فإن اللغة التي تخرج ظافرة في هذا الصراع يغتني قاموسها بمفردات من اللغة المغلوب .

لا يمكن اذن، أن تكون اللغة الآشورية المعاصرة لغة نتجت عن تداخل أو امتزاج (الآرامية) و(الأكدية) ، لغة لاهي أرامية ولا أكدية بل (آرامو _ أكدية ) كما يزعم بيراسرمس.
ورداً على رأي الدكتور يوسف قوزي أقول : لقد كان الحكام الآشوريون من صلب الشعب الأشوري نفسه ولم يكونوا دخلاء او فاتحين غزاة فرضوا انفسهم بالقوة على الشعب الأشوري لتكون لغتهم مختلفة عن لغة المحكومين . ان جميع الملوك الذين تعاقبوا على عرش المملكة اشوريين ، من أول ملك حتى آخر ملك اشوري (اوبالت الثاني ) الذي مات وسط لهيب قصره المحترق وهو يدافع عن آخر عاصمة  للاشوريين حران ، فكيف يمكن أن تكون لغتهم مختلفة عن لغة شعبهم ؟! إن ذلك محض خيال يدعو للسخرية .

لقد كانت هناك لغة واحدة في بلاد اشور ، نعم لغة واحدة ، اللغة الآشورية . وبهذه اللغة كان يلهج الجميع ملوكا ومواطنين ، حكاما ومحكومين على حد سواء. إن الخطأ الشائع الذي أشرنا إليه في بداية حديثنا ادخله علماء الآثار الذين ظنوا او توهموا بأن اللغة المكتوبة بالخط المسماري لغة مختلفة عن لغة الآشوريين المعاصرين بفرعيها ان صح التعبير وأعني اللغة الدارجة او الفصحى المستخدمة في الطقس الكنسي.
 لقد جاءت قراءة علماء الآشوريات للقلم المسماري قراءة غير دقيقة وغير صحيحة في مواضع عديدة لأن هذه القراءة اعتمدت كثيرا على الحدس والتخمين.  لقد أصابوا في تسميتها بالاشورية لأنها كانت لغة الآشوريين ولكنهم لم يفلحوا تماما في قراءتها, لقد استخدم الآشوريون نوعين من القلم في كتاباتهم ، القلم المسماري والقلم الأبجدي . القلم المسماري كان يستخدم للكتابة على الأحجار والأجر وألواح الطين المفخرة في النار او المجففة في الشمس . وقد تخلى الآشوريون تدريجيا عن القلم المسماري ، واهمل استخدام الطين كمادة أساسية للكتابة ليحل محله الورق وأوراق البردي . إلا أن اللغة كانت واحدة وأن ما يقال عن تخلي الآشوريين عن لغتهم وتبنيهم (الآرامية) وهو ما اورده علماء الآثار وردده الجميع كالببغاء .

بعد اعتناق الآشوريين المسيحية ، اتلفوا معظم الكتابات التي لها صلة بالوثنية بينما ظلت الكتابات المسمارية المكتوبة على الأحجار والأجر وما شابه بمنأى من التلف. ‏ 
‏وإليك عزيزي القارئ نموذجاً من اللغة الأكدية ( الآشورية ) وهو نص يعود إلى العصر الأشوري الحديث ( 911_612 ) ينسب إلى سنحاريب الملك (705_681  ق.م) ..

I. INA UMESUMA  EGAL  LAM .  MES. BIT  NERGAL SAQERIB  TRABISUSA SULMANU _ASARED   MAR  ASSUR _ NASIR _PAL  MAR  TUKULTI  NINURTA ALIK MAHR IJA EPUSU  ENHA MA. 
‏II. BITU SUATU ANA  SIHIRTISU  AQQUR  DANNASU AKSUD _ 2ME NA
‏I_ ME  AMMATU  SIDDUI _MEINA I  AMMATU PUTU  QAQQARU TAMLA  UMMALLIMA  ELI  TARPAS  BIT MAHRI  URRDDI.
 

‏وهذان المقطعان ، عزيزي القارئ ، مقتطفات من نص طويل منسوب إلى الملك الأشوري سنحاريب كما قلنا قبل قليل . والآن إليك ترجمتهما ، حسب الدكتور عامر سليمان أستاذ التاريخ القديم ، كلية الآداب ، جامعة الموصل :
 
1ـ في ذلك الوقت كان ايكال . لام + ميس ، معبد الإله  نركال في مدينة "تربيص" الذي بناه شيلمنصر ابن اشور _ناصر بال ابن توكلتي _ نينورتا الذي سبقني ، قد اصبح متهدما . 
2-هدمت ذلك المعبد بأكمله ووصلت (الى) اسسه ، وملأت قطعة الأرض ( مساحتها 2 _ مائة  "اماة " عرضا " كمصطبة وأضفتها إلى ( مساحة )  المعبد السابق . انظر كتاب : اللغة الأكدية ( البابلية _ الآشورية ) تاريخها وتدوينها وقواعدها ، تأليف الدكتور عامر  سليمان ، صفحة ( 343  _344 ) . فهل يمكن عزيزي القارئ ، أو هل يعقل أن تكون لغة ملوك آشور واحيقار الحكيم بمثل هذا الشكل البدائي السمج الذي أشبه ما يكون بالهذيان منه إلى اللغة ؟( أعني النص المكتوب بالأحرف الإنگليزية _ للعلم ) .
 

‏فمن المعلوم أن اللغة الآشورية لغة سامية واللغات السامية متشابهة ومتقاربة إلى حد كبير كما نلاحظ ذلك بجلاء في اللغات الثلاث العربية والعبرية و( السريانية ) . بينما نلاحظ أن هذه اللغة التي يزعم علماء الاشوريات أنهم قد فكوا رموزها وقرأوها لا تشبه أياً من اللغات السامية المعروفة وهذا الاختلاف يدل على ان هؤلاء العلماء قد أخطأوا في قرائتها على النحو الصحيح .

‏في رأينا أن حل الرموز المسمارية شيء ، وقراءة اللغة المكتوبة بشكلها الصحيح وكما كان يلفظها أصحابها شيء آخر تماما .
لقد ورد في سفري ( اشعيا 36 : 11 ) و( الملوك الثاني من العهد القديم أن الكهنة وزعماء اليهود التمسوا من القائد الأشوري ( ربشاقي ) ان يكلمهم بلغته الآشورية التي كانوا يفهمونها بخلاف عامتهم ويسمى الراوي لغة القائد الأشوري ، خطأً بالآرامية . 

ܡܠܠ ܥܡ ܥܒܕܝܟ ܐܪܡܐܝܬ
ܡܛܠ ܕܫܡܥܝܢܢ  ܘ ܠܐ ܬܡܠܠ  ܝܗܘܕܐܝܬ  ܩܕܡ 
ܥܡܐ  ܕܩܐܡ  ܥܠ ܫܘܪܐ
 
وترجمتها : 
" كلم عبيدك بالآرامية لإننا نفهمها ولا تكلمنا باليهودية في مسامع الشعب الواقف على السور"

ويبدو ان الزعماء اليهود وكهنتهم في مخاطبتهم القائد الآشوري كانوا يفكرون دينياً وبنفسية اليهودي المؤمن باله واحد ، الذي يعتقد أن غير اليهود هم وثنيون أي إراميون وبذلك تكون لغتهم آرامية أي لغة وثنية .
وحتى أيامنا هذه نسمع أحيانا من يقول : " أنا لا أفهم المسيحي" أو " كانوا يتكلمون باللغة المسيحية فلم افهم شيئاً " على سبيل المثال . كان حريأ باليهود أن يستعملوا لفظة " الآشورية " في إشارة إلى لغة ربشاقي " التي يفهمونها بدلا من ( الآرامية ) وكذلك  لفظة " العبرية " بدلاً من( اليهودية ) في اشارة الى لغتهم هم . ومهما يكن من أمر فإن لغة ( ربشاقي ) ولغة سيده الملك كانت لغة واحدة وإن اختلفت التسميات ولا يمكن إطلاقا أن تكون بالشكل الذي ورد في النص المذكور قبل قليل المنسوب إلى سنحاريب .

إن الخطأ الذي وقع فيه أولائك الذين خاطبوا القائد الآشوري عند محاصرة الجيش الآشوري مدينة اورشليم ، بإطلاق لفظة (الآرامية) على لغة الآشوريين كما ورد في العهد القديم ، جعل الكثير من المؤرخين والباحثين وعلماء اللغة يعتقدون أن ( الآرامية ) هذه لغة مستقلة ومختلفة . عن لغة الآشوريين, وترسخ هذا الاعتقاد بعد اكتشاف آثار ومخلفات الآشوريين من قبل علماء الآثار في القرن التاسع عشر ، وحل رموز الكتابات المسمارية على المنحوتات وألواح الطين في مكتبة آشور بانيبال وأماكن أخرى من خرائب المدن الآشورية . 

‏ان شعباً قوي الشكيمة كالشعب الأشوري الذي بلغ درجة عالية جدا من الحضارة ، لا يمكن أن يتخلى عن لغته القومية حاملة حضارته وهويته قروناً عديدة ويتخذ لنفسهِ لغة جديدة وهو في اوج مجده وقوته .   
أن أي صراع بين لغة الآشوريين ولغة الآراميين، لو صح هذا الافتراض ، كان ينبغي أن ينتهي بأنتصار الآشورية وهزيمة ( الآرامية ) . لكن مثل هذا الصراع لم يحدث إلا في مخيلة هؤلاء الكتاب والباحثين ، لأن شروط انتصار لغة على أخرى في الصراع اللغوي، وهي شروط يعرفها اللغويون جيدا كانت لصالح الآشورية وذلك للأسباب الآتية ... 

1. لم يكن الآشوريون شعباً ضعيفاً خاضعاً لسلطان ( الآراميين )  بل بالعكس كأنوا شعباً قوياً مقاتلاً خضعت لسلطانه شعوب أخرى.
2. لقد دام حكم الآشوريين حقبة طويلة جدا من الزمن كانت كافية لأذابة لغات الاقوام الأخرى المحكومة ولا يمكن أن يكون العكس صحيحاً .
3. ‏لم يخضع الآشوريون يوماً إلى الإراميين بل على العكس من ذلك كان الآراميون رعايا الأمبراطورية الآشورية . ومن المعروف أن لغة الحكام هي التي يكتب لها التوسع والانتشار على حساب لغة المحكومين.
4. ‏لم يكن الآراميون أكثر عددا من الآشوريين ولا أكثر تحضراً بأي حال من الأحوال ويخطأ من يعتقد أن العكس كان صحيحاً ، بل هو على ضلال مبين.
5.‏لا ريب أن اللغة الآشورية كانت لغة غنية قادرة على التعبير عن حاجات أصحابها والدليل على ما نقول ذلك التراث الأشوري الهائل والمدهش المكتوب بالقلم المسماري الذي دونوا به تاريخ ملوكهم وانباء حروبهم وانتصاراتهم ومعتقداتهم الدينية وملاحمهم قبل أن يبتكروا لأنفسهم الأبجدية، التي يظن خطأً أنها من ابتكار الفينيقيين والتي طرأ عليها كثير من التحور والتطور حتى بلغت شكلها الحالي المعروف الذي يستعمله الآشوريون المعاصرون بالقلمين الشرقي والغربي فضلا عن القلم المعروف بالإسطرنجيلي . ومهما يكن من أمر فإن ما يسميه علماء الآشوريات ( الأكدية ) ، ينبغي أن يكون مطابقاً أو على الأقل قريباً من ما يسمى الآرامية . وإلا  فيجب رفضها كلغة" كما  يقول العلامة المطران قليمس يوسف، في مقدمة كتابه القيم ( اللمعة الشهية في نحو اللغة السريانية ).

الكلدان ولغتهم
‏يذهب بعض المؤرخين ، ومنهم طه باقر على سبيل المثال ، إلى أن الكلدان قبيلة ( ارامية ) توغلت في جنوب بلاد النهرين وتمكنت من تأسيس الدولة البابلية الثانية ( 626 _ 539 ق. م ) والتي اشهر ملوكها نبوخذنصر الذي ورد ذكره في الكتاب المقدس . وليس هدفي هنا تفنيد هذا الرأي الهزيل ، بل لأتساءل ، واطلب من القارئ العزيز ، أن يفكر معي : أليس من المفارقة أن تكون لغة العاهل ( الآرامي ) البابلي نبوخذنصر لغة اكدية ( بابلية _ آشورية ) وهو آرامي ؟  كيف أصبحت لغته اكدية ؟ الا يزعم كثيرون أن الأكدية انقرضت منذ عهد سنحاريب ؟! 
إليك عزيزي القارئ ، صلاة نبوخذنصر ( الآرامي ) ، البابلي إلى الإله مردوخ يوم ارتقائه عرش بابل خلفاً لأبيه نبو بلاصر . 
وردت هذه الصلاة في الصفحة ( 47 ) من كتاب ( تاريخ اللغات السامية ) ل( ا. ولفنسن ) أستاذ اللغات السامية في الجامعات المصرية ، وفي فصل عنوانه ( اللغة البابلية _ الآشورية ) أي الأكدية لكن نص الصلاة ليس ب( الآرامية ) التي يفترض أن تكون لغة (نبوخذنصر الآرامي ) ،  بل بالأكدية كما يخبرنا المؤلف !!

UR_AL_NU_KU_BELU MINI _NA_A_BA SI_ M A_ANA SARRI SA_TA RA _AM _M MA
SU_ E _ LI _ KA _TAABU
TU ES _TE _ES _SE _RI _SU _UM SU
HA_RA_NAI SIRT _TUTA PAKID _ SU 
ANA _KU_RU _BU _UMA_GI_RA_KA
BI_MU _TI _GA_TI_KA
AT_TA _BA_NA_AN_NI_MA_…

‏إلى آخر الصلاة التي يترجمها المؤلف كالاتي :
دونك يا إلهي ماذا كان يحدث 
الملك الذي أحببته 
والذي دعوت اسمه 
وقد ظهر الخير منك إليه 
قد رفعت اسمه إلى العلا
و هديته إلى سواء السبيل 
أنا الامير الخاضع لك 
أنا صنع يديك 
أنت خلقتني…..الخ


هنا يفرض سؤال نفسه : أن كان نبوخذنصر أرامياً ، فلم َ لم يرفع دعاءه إلى مردوخ بالآرامية لغته؟ ثم إذا كانت هذه هي اللغة الأكدية (البابلية _ الآشورية ) التي من المفروض أن تكون في زمن نبوخذنصر قد انقرضت وحلت محلها الآرامية كما يزعم البعض ،فمن ذا الذي يصدق أن مثل هذا ( اللغو) يمكن أن يكون من اللغة الآشورية _ البابلية ، لا بل حتى من إحدى اللغات السامية في الأعداد ( 23 ، 24 ، 2 ) من آب 1979 إلى نيسان 1908 من مجلة “ قالا سوريايا " ( الصوت السرياني )التي كانت تصدرها الجمعية الثقافية للناطقين بالسريانية ) ، نشر مقال يحمل عنوان " الصفحات الأولى من التاريخ / الكتابات التصويرية تقيم جسرا للتفاهم " (بقلم _ فريد تميمي ) ترجمة قالا سوريايا . وقد ورد في المقال : " لقد درست لغتي الآشورية طيلة حياتي" وأنا على يقين من أن الآشوريين في العراق القديم قد حافظوا على لغتهم صافية نسبيا .
وقد وصلتنا هذه اللغة عبر تسلسل زمني للكتابة ، منذ الكتابة التصويرية حتى الكتابة الأبجدية وذلك على مدى بضعة آلاف من السنين . انه لمن الخطأ التاريخي أن نقول أن لغة الآشوريين قد تلاشت وهذا الخطأ شائع بين المؤرخين واللغويين غير الآشوريين .
‏أنهم يجهلون أن اللغة الآشورية المستعملة اليوم قد ترقى مباشرة إلى اللغة المكتوبة بالقلم المسماري , وفي مكان آخر يقول فريد تميمي:"ان الاكتشافات الأثرية في العهود القريبة عظيمة حقاً ، إلا أن قراءة النصوص مازالت متاخرة وأظن أن العلماء الغربيين ، نظرا إلى جهلهم اللغة الآشورية المعاصرة ومعانيها ، قد فقدوا بذلك كنوزاً نفيسة لبحثهم ، ولعلهم بذلك فقدوا مفتاح معرفة الماضي …الخ" .
والمعروف ان فريد تميمي ( FRED TAMIMI ) عالم مشهور من علماء الآشوريات ASSYRIOLOGISTS أنشأ وترأس ( مؤسسة البحوث الآشورية ) في مدينة ترلوك بولاية كاليفورنيا وهو عراقي الاصل _ آشوري . وهو عالم لغوي ومؤرخ ومؤلف ومحاضر قضى احدى وخمسين عاماً في حل الرموز والكتابات والسجلات القديمة حسب ما ورد في مجلة بغداد اوبزرفر BAGHDAD OBSERVER العدد(2504) في ( 1976/5/8 ).انظر مجلة (الصوت السرياني ) العدد (10 )ص( 80 ).

يقول المطران اوجين منا في مقدمة قاموسه " دليل الراغبين في لغة الآراميين " ، وهو قاموس سرياني _ عربي  نشر عام 1900 وأعيد طبعه عام 1975 مع ملحق جديد من قبل المطران روفائيل بيداويد (بطريرك في ما بعد ) يقول : " اما لغة هذه البلاد فتنقسم إلى الهجتين شرقية وغربية ، اما الشرقية فهي لغة الكلدان الكاثوليك والنساطرة أينما كانوا وهي اللغة الآرامية الصحيحة القديمة المستعملة يوماً في مملكتي بابل ونينوى العظيمتين…الخ."

ويقول المؤرخ القس بطرس نصري الكلداني في مقدمة كتابه "ذخيرة  الأذهان في تواريخ المشارقة والمغاربة  السريان": ان اللغة الآرامية أي السريانية والتي تسمى أحياناً كلدانية هي اللغة الآشورية نفسها."
وللعلامة المطران مار توما اودو راي مماثل . ففي مقدمة قاموسه الشهير ( كنز اللغة السريانية ) وهو قاموس سرياني _سرياني ، يؤكد مارتوما اودو أن اللغة السريانية كانت لغة الآشوريين والبابليين . انظر ( ص9  ) من المقدمة
‏اما العلامة المطران مار قليمس يوسف فيقول في المقدمة القيمة لكتابه الشهير " اللمعة الشهية في نحو اللغة السريانية " ما خلاصته :" أن اللغة المكتوبة على الحجارة بالقلم المسماري والتي يزعم علما ء الآشوريات أنهم قد توصلوا إلى فك رموزها وقراءتها، يجب أن تكون مطابقة للآرامية لأن لغة أهل بابل وآثور كانت الآرامية . 
ولما كانت هذه اللغة التي وجدها العلماء الغربيون بقرائتهم الكتابات المسمارية لا تشبه الآرامية ، لذا يجب رفضها وانكارها . ويصف مارقليمس هذه اللغة بالبشعة والوحشية وبأنها نوع من الهذيان . ويتساءل: ماذا حل بهذه اللغة منذ بطلت كتابتها بالقلم المسماري ؟ ! هل انطمرت تحت الأرض مع الحجارة التي كانت مكتوبة عليها ، و أصبحت أثراً بعد عين؟!…الخ"
( انظر الصفحات 92 ، 93 ، 95 ، 96  من مقدمة كتاب " اللمعة الشهية، "الانف الذكر )

انا اتفق مع العلامة قليمس يوسف في إطلاقه تلك الصفات على هذه اللغة ، بكل ما فيها من الغرائب الكثيرة على حد قوله .كما اتفق معه في قوله أن هذه اللغة لا يمكن أن تكون لغة الآشوريين والبابليين الذين بلغوا درجة عالية من الحضارة واشتهروا بعلومهم ومعارفهم ، وبأن العلماء المشتغلين بالكتابات المسمارية لم يتوفقوا، بعد كل مابذلوه من جهود، في الوصول إلى ضالتهم المنشودة. لكنني لا اتفق مع العلامة الكبير قليمس يوسف في قوله " ان تسمية هؤلاء العلماء تلك اللغة "بالاثورية لا اساس لها!
لست ادري لماذا يرفض وينكر المطران قليمس يوسف ( الأثورية ) علماً انه يقر ويعترف بالشعب الآشوري في اكثر من موضع من مقدمة كتابه " اللمعة  الشهية " وتحدث عن مأثرهم وانجازاتهم وبأنهم وضعوا قبل كل الأمم المعروفة أساس العمران في الدنيا وأنهم اشتدت دولتهم وشوكتهم وامتدت سلطتهم في العصور المتتابعة إلى البلاد الشاسعة حتى بلغت مصر وظهرت أولى المعارف والعلوم والآداب…الخ"(انظر ص 100_101 )

إستنتاجات او خلاصة البحث   
1. أن اللغة المكتوبة بالقلم المسماري التي تسمى الأكدية (البابلية / الآشورية ) هي اللغة ( الآرامية ) نفسها .
2. ‏إن حل الرموز المسمارية شيء وقراءة اللغة المكتوبة بشكلها الصحيح وكما كان يلفظها الناطقون بها شيء آخر تماما.
3. ‏إن الاعتقاد الخاطيء لدى علماء الآشوريات الذي تنقصه الأدلة العلمية والتاريخية المقنعة والقاطعة وهو أن"الارامية " لغة مستقلة عن الآشورية ، جعلهم يعتمدون إلى حد كبير على الحدس والتخمين في لفظ الكلمات الآشورية المكتوبة بالقلم المسماري.
4. إن هذه اللغة المزعومة التي تنسب إلى أهل بابل وآشور _(وهم شعب واحد ) تبدو لغة سمجة غريبة تعافها الأسماع ولا تشبه "شقيقاتها " اللغات السامية لأن علماء الاشوريات رغم كل الجهود المضنية التي بذلوها لم يتوصلوا إلى قراءة الكتابات المسمارية قراءة صحيحة.
5. ‏لم تنقرض الآشورية ولم تتخل عن مواقعها لاية لغة أخرى كما زعم ويزعم علماء الآشوريات ويردد معهم كثيرون كالببغاوات ، وإن اللغة السريانية أفصح اللهجات " الارامية " اليوم على الإطلاق هي امتداد أو شكل متطور من اللغة الآشورية ذاتها.
6. ‏لم تكن هناك لغة آرامية مستقلة ومغايرة للغة سكان بابل وآشور بل أن لغة سكان سوريا كانت نفس لغة هؤلاء وأن وجدت فروق طفيفة فإنما هي فروق في اللهجة فحسب، ولا يعتد بها.
7. وبما أن ما يسمى ( الآرامية ) وغالبا السريانية ، كانت وما تزال لغة الآشوريين أيضا . فحري بنا أن نسمي هذه اللغة ، وبلا تردد ، اللغة الآشورية لأن الناطقين بها أشوريون ولأن. اللغة تأخذ اسمها من الشعب الذي يتكلمها ولم يعد هناك اليوم شعب يسمي نفسه ( الشعب الآرامي ).أن الآراميين ذابوا وانصهروا في المجتمع الأشوري قروناً قبل الميلاد. ولم يبق هناك اي اثر لهم يميزهم كشعب اليوم.
8. ‏يبدو انه مستشاري الملك اليهودي سموا لغة القائد الأشوري ( آرآمية ) لأنهم كانوا يفكرون دينياً وبسايكولوجية اليهودي الذي ينظر إلى غير اليهود بأنهم ( آرآميون ) أي وثنيون . وقد استخدمت "الارامي" بمعنى الوثني بكل وضوح حيثما وردت في رسائل بولس الرسول . كما ان أ. ولفنسن يؤكد في كتابه تأريخ ( اللغات السامية ) ان لفظة الآراميين في العهد القديم تمثل الوثنيين ( انظر ص 146) .
9. ‏إن قراءة صحيحة ودقيقة للنصوص المسمارية من قبل علماء يتقنون اللغة ( السريانية  ) الفصحى او لهجاتها الدارجة إتقاناً تاماً ، ستمنحهم المفتاح الذي يكفل لهم الوصول إلى " الضالة المنشودة لا خيالها " ، على حد تعبير العلامة قليمس يوسف داود.