المنتدى الثقافي > دراسات، نقد وإصدارات
القصيدة الحرة لدى الشاعر (خميس ألرجب هي نتاج عفوي إنساني... كتابة فهد عنتر الدوخي
(1/1)
فهد عنتر الدوخي:
القصيدة الحرة لدى الشاعر (خميس الرجب) , هي نتاج عفوي انساني.
كتابة: فهد عنتر الدوخي
ما عرف عن القصيدة كجنس أدبي مستقل له خصوصية متعارف عليها لدى النخب وجمهور الأدب ومن يعتني بها من الباحثين , وفي لغتنا العربية فإنها قد فتحت ابوابا جديدة وتمخضت عن طرائق حديثة, مصدرها القصيدة العمودية, التي اعتمدت على القافية والوزن والايقاع الموسيقي, الأمر الذي ميزها عن الظاهرة العالمية الشعرية, بإستثناءات قليلة جدا, اذ أن بعض اللغات الأخرى التي احتكت بها قد تأثرت بعناصرها الأساسية التي اشرنا اليها وسجلت في ارشيفها نصوصا على شاكلة القصيدة العربية, وفي مناسبات عديدة اشرنا الى فك أسر النص الأدبي الذي يدور في فلكها من قيود, يراه البعض من النقاد وأساتيذ اللغة العربية أن القصيدة قد تحررت من النمط التقليدي القديم لتقوم, قصيدة التفعيلة, وقصيدة النثر أوالأصح استخدام مصطلح القصيدة الحرة, وفي سبعينيات القرن الفائت قد دأب ناشطون في هذا المجال لفك الإشتباك بين القصيدة الأم ووليدها ليطلق عليه ( النثيرة)..
أهداني الصديق الشاعر الشوري الشرقاطي الاستاذ (خميس الرجب) مجموعته الشعرية(أحلام عارية) الصادرة في العام2020 عن دار نون للطباعة والنشر والتي احتوت على اكثر من خمسين قصيدة, مايميز هذه القصائد أنها جاءت استجابة وجدانية روحية صريحة لظاهرة الوله والعشق لدى الشاعر, حتى وجدت انها عبارة عن قصيدة حرة طويلة تدفقت فيها مئات الكلمات والاستعارات التي أجابت عن أسئلة معتقة ورؤى متعددة, رغم ان المتلقي سيجد موضوعا واحدا قد شغل هذه النصوص, الا ان اللغة الشاعرية الجميلة التي وظفها الاستاذ الرجب قد أعطت دلائل على قدرته الفائقة للتعامل مع الكلمة مع تكرار حضورها وتشابك المفاهيم والتي تدور في فلك واحد هي الحبيبة الغائبة الحاضرة في ذاكرة الشاعر الذي ما انفك يجالسها في ظروف خاصة و آماد مختلفة قريبة منها وبعيدة, لذلك يجد المتلقي سعة كبيرة من البوح المتقن الذي يفسر عمق العلاقة بين أدوات الشعر الذي وضع أسسها وشيد معالم حضورها في مراحل حياته, وبين الحدث الذاتي الذي يحرك الموضوع حتى تتحرر هذا المنجز من الروح الذاتية والحوار الداخلي الى سعة الموضوع الأعم والاشمل وهو لغة الشعر الجميلة المدهشة.
فرق كبير سيدتي,
بين أول الربيع وآخر الشتاء,
أنا جبل ثلج,
بعد قليل تحرقه الشمس,
ويسيل نحو السهل,
ليتجمع ببركة ماء,
وانت تزهرين بكل الألوان,
وتفوح عطورك نرجسا وخزامى,
وتبتسم لجمالك نجوم السماء,
حين أراك تتغير مواعيد ذاكرتي,
وألغي جميع مواعيد عشيقات الأمس,
حين اراك, كل أشيائي تعود جميلة,)
الصفحة30 من قصيدة ,عشق سري.
النص برمته، يتوشح برباط واقعي صادق، نقول دائما، عناية الكاتب بكل ما يحيطه من أحداث، وأفكار وما يدور في فلك الحياة، لذلك استطاع، الشاعر أن ينقل لنا مشهدا من واقع يلامس هواجسنا ووجودنا، ويصور لنا هذا الأمر بعدسته الصافية النقية، لغة الأديب المتفردة الصريحة، حتى جعلنا نتوغل بعفوية بين تضاريس هذا النص بنية المستكشف لآفاق الجمال والحكمة والمعرفة.
(أعزف بحنجرتي,
لحنا لم أعد أتذكر لمن عزفته,
من حبيباتي القدامى,
أرقص حافي القدمين,
على أنغام سنيني العجاف,
تقترب عصفورتي,
تقترب أكثر,
يغريها فضولها,
اقتربي بسرعة ياعزيزتي,
لاوقت لعجوز مثلي,
يسكنه الغروب,
اتحسس شفتيها الطريتين,
رائحة الطين تمتزج,
برائحة البحر,
وعطر الياسمين,
الصفحة34 من قصيدة أرسم بالدمع شيئا مني.
، من البديهي أن المتلقي يحلق في فضاء النص بنشوة يتذوقها بطريقته الخاصة فهي تشحن أواصر الأمل والبهجة في خلده حتى يشعر انه يطير بأفق مرتفع ,تراه الناس فتعجب بحضوره وعلى شاكلة هذا النص، لابد أن نعي وجودنا وتأثيرنا على وقائع ملتصقة فينا، بوسعنا ان نجدد ملبسها الذي تلطخ بفعل عارض، أو طارئ، أرى أن سعة الإبداع التي تزين روح الشاعر من يعتني بالحرف ويعضد الجملة المفيدة، تتجلى بهذه الكتابة النوعية، وليست الكتابة التقليدية الصحافية المباشرة.
(من تعليق لي في ذاكرة الفيس بوك).
تسنى لي قراءة قصيدة (تمنحين الماء لونا بشريا). كنت قد أطلعت عليها خارج هذه المجموعة.
(جسدُكِ الناعم
يغازلُ ضوءَ الشمسِ
تمتزجُ بهِ ألوان الأغراءِ
ويمنحُ الماءَ لوناً بشرياً،
شفتاكِ تتلذُ بلمسهما قطراتُ الماء
كوردةٍ جوريةٍ تنزلقُ عليها
قطراتُ الندى في الصباحِ،
كم تمنيتُ أن تراكِ جدتي
لتندم على حكاياها الليلةِ
وتعيدُ رسمَ صورة المرأة الماكرةِ
وتضعُ اللومَ على الشاطرِ حسن،
دوائرُ الماءَ تحتضنُ جسدكِ
وتعاودُ الهروبَ عند كُل لقاءٍ،
شعركِ المبلل يمنحكِ هيبةَ
مهرة برية نافرة حد الأغواء،
وأنا رجلٌ ستيني
سيفي يشكو الصدأ
وخيولي عرجاء،
كل أوسمتي جراحٌ صيغت
من جراحٍ،
مهرجٌ يجيدُ اللعبَ بالكلماتِ
يسقطُ خوفاً في أول لقاءٍ،
رجلٌ كانت تغويه النساء
يجترُ تاريخاً من دمعٍ مر،
مطلوبٌ رأسي
عندَ نافذتي
في دفترِ ذكرياتي
وفي مملكةِ النساءِ،
غادري الماء سيدتي
وأتركي لي دوائرهُ
لأرسم شفتيكِ مركزاً
لكلِ دوائر الكونِ
وأُعاودُ رسمَ
تفاصيل جسدكِ
متى ما أشاء)
لم تكن القصيدة الحرة إلا نتاج عفوي إنساني، هذا الفرع يتشكل من جنس ثابت وراسخ من أجناس الأدب التقليدية المعروفة، لذلك فإن الشعراء الذين اعتنوا بها، خلصوا إلى نتيجة مفادها، إنها اكثر الفنون سعة في التأويل والترميز والتحديث، لذلك أبدع الأدباء الذين افترشوا بسطاء الحركة والعمل بعناصرها وضوابطها التقليدية، في هذه الجولة ألمتواضعة، لفت نظري، قصيدة للشاعر الأستاذ خميس رجب، ابا أشرف، عنوانها (تمنحين الماء لونا بشريا) الذي ابدع بصناعة سيناريو جميل مدهش مزين بلغة محببة باذخة وقد ضمها بخيال شاعري خصب، إذ يخاطب الجانب الآخر بإيحاء جذاب ممتع....
(جسدُكِ الناعم
يغازلُ ضوءَ الشمسِ
تمتزجُ بهِ ألوان الأغراءِ
ويمنحُ الماءَ لوناً بشرياً،)
هنا وظف الشاعر استعارات ذكية وصنع منها مشاهد حية توقظ ذاكرة الجمال والحب والحياة في خلد المتلقي، التزاوج بين أشعة الشمس واشراقها، وضوء القمر الأجدر ان يصف به جسدها الناعم حتى تتحرر الجملة من اشكالية المشاكسة، و التفرد النمطي لكن للشاعر رأي ولغة هو يدركها قبل المتلقي.
وفي ذات اللوحة القصيدة نقرأ...
(
تمنحُ بياض ندهديكِ ألوانا أخرى
أغطي عفتك بشال خجلي،
جدائلٌ مظفورةٌ بعجالة
عينان صافيتان كنبعٍ بكر)..
تذكرنا هذه الكلمات ببداية مراحل تجسيد هواياتنا عندما نقرأ لكبار الشعراء والشواعر قدرة تحمل مخاطر المغامرة، عندما نقتحم حدود الوصف ونعرج إلى إشكالية حضور مفردات وايحاءات الجذب عندما نمجد الصلة الحميمية بين الرجل والمرأة ونحن نتخيل هذه العلاقة الإنسانية بصراحة عالية،
(وأنا رجلٌ ستيني
سيفي يشكو الصدأ
وخيولي عرجاء،
كل أوسمتي جراحٌ صيغت
من جراحٍ،)
رغم ان هنالك نوع من المباشرة في الخطاب بصورته التقليدية، الأمر الذي يستدعي ان توظف هذه العبارات بلغة شاعرية عالية، لكنها مع هذا وذاك قد إجابت على حالة إنسانية وجدانية لكن كما أسلفنا بتجرد واستعارة واضحة...
اضاءة...
خميس رجب عبد الله.
التولد: 1960 الموصل العراق.
بكلوريوس آداب ,قسم التارخ, جامعة الموصل.
مدرس في اعدادية غطفان للبنين/ قضاء الشرقاط.
الإصدارات:
رقص على أطراف الذاكرة/ مجموعة شعرية.
الى هبل/ مجموعة شعرية.
للحب اسماء أخرى/ مجموعة شعرية,
أحلام عارية/ مجموعة شعرية.
سراب بطعم الماء /مجموعة شعرية.
تصفح
[0] فهرس الرسائل
الذهاب الى النسخة الكاملة