المحرر موضوع: يوم المعلم  (زيارة 389 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل محمد علي الشبيبي

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 164
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
يوم المعلم
« في: 19:47 03/03/2023 »
يوم المعلم


1/11/1970. المربي الراحل علي محمد الشبيبي في طريق عودته اليومية -شتاءً وصيفً- الى عائلته
في كربلاء من مدرسة "أبو سفن" في إحدى القرى في الحلة، لأن السلطة البعثية عام 1968 أرادة في
إعادته لوظيفته بعد فصل وسجن بعد انقلاب شباط 1963 الدموي في هذه القرية النائية أن تكسر
صلابته واصراره على مبادئه وقيمه متنكرة لخدمته الطويلة في التعليم التي تجاوزت 27 سنة ولم تراع
تقدمه في العمر، هكذا هو البعث .
في يوم المعلم أحببت أن أحيي جميع المعلمين الذين بذلوا أفضل ما يمكنهم من جهود وخبرات من أجل تخريج جيل متنور ومتمسك بالعلم. وبهذه المناسبة أنشر مقتطفات من شهادة بعض التلاميذ الأوفياء للوالد والتي سبق ونشرتها في مذكرات الوالد (ذكريات التنوير والمكابدة) التي صدرت في طبعتين الأولى عن دار تموز/ دمشق عام 2012، والثانية عن دار المدى/ بغداد عام 2021.
كتب الروائي عبد الرحمن مجيد الربيعي في حديث لمجلة "الزمان الجديد" بعددها السابع/ منتصف مايو 2000 في زاوية -الدرس الأول- تحدث عن دور #معلمه علي الشبيبي وتأثيره في تجربته الإبداعية، فكتب: [... تلك هي الدروس الأولى التي اقترنت كلها بالعقاب البدني والتي كونتني بشكل آخر.
لكن الدرس الذي قادني إلى الأدب كان على يد معلمي #العظيم المرحوم علي الشبيبي الذي كان رجل دين نزع العمامة وارتدى الملابس المدنية. وكان رجل أدب وشعر وهو شقيق المرحوم الشبيبي الذي اعدم مع فهد مؤسس الحزب الشيوعي، وقد علمت هذا لاحقاً لأنه لم يرد إثارة هذا الموضوع وقتذاك.
ويمكنني القول دون تردد أن معلمي علي الشبيبي هو "مكتشف" موهبتي الأدبية عندما أنتبه إلى كتاباتي في درس الإنشاء وكنت آنذاك في السنة الرابعة من الدراسة الابتدائية. وصار يمدني بتوجيهاته واذكر أن هديته لي عندما نجحت -الأول- في الامتحان النهائي كانت مكونة من أربعة كتب مازلت أتذكر أن احدها لمحمود تيمور والآخر لعبد المجيد لطفي الذي كان يحظى باحترام كبير نظرا لشجاعته ومواقفه الوطنية التي قادته للسجن مراراً.
وعندما يأتي من ينتبه إلينا، إلى قدراتنا، ويمنحنا الثقة، ويضعنا في أول الطريق الموصل ولا يتركنا نتخبط فإننا نكون بهذا من المحظوظين. فتحية إجلال لذكرى معلمي الجليل علي الشبيبي أبو كفاح وهمام الذي لولاه لما اختصرت المسافة إلى الكلمة. لما كنت ما أنا عليه بكل ما قدمت وبعناد واعتداد لابد منهما لكل من يدخل عالماً مكتظاً وعجيباً أسمه "الأدب" فيه من الذئاب والأفاعي أكثر مما فيه من الحمائم والغزلان]
*  *  *  *
وكتب لي في رسالة الكترونية خاصة الخبير القتصادي د. كامل العضاض أحد تلامذة الوالد تعليقا على ما نشرْته من (ذكريات معلم)، لقد أسعدني برسالته الالكترونية المفاجئة لي بتأريخ 25/1/2011 وتبعها برسائل أخرى. أثبت الجزء المتعلق بشهادته بحق معلمه المربي الراحل:
عزيزي الأستاذ محمد علي الشبيبي المحترم
تحية طيبة، وكل عام وأنتم بخير
تابعنا منذ مدة ما تكتب، وخصوصا حول تراث المربي الكبير الأستاذ علي الشبيبي، والدكم، رحمه الله. لقد صدقتَ في كل ما وصفته وعرضته من سيرة رفيعة وخلاّقة لهذا الرجل الأب والمُثقِف والوطني والذي ينتمي إلى أسرة معروفة بوطنيتها، والى مدرسة ثقافية أدبية ومتنورة.
لقد كان للراحل الخالد في نفوسنا، ونحن تلامذته الصغار في مدينة الناصرية في مطلع الخمسينات من القرن الماضي، إعجاب واحترام كبيران لشخصيته، و لا نزال نحمل عنه في ذاكرتنا صورا جليلة، كما لا تزال تتوغل في نفوسنا ما غرس فينا من حب للغة العربية وللأدب والفن المسرحي، والحب الإنساني. نعم، لقد كان إنسانا ومعلما رائعا، فقد كان و لا يزال يشكل في ضميري، شخصيا، مَعلَما أخلاقيا وعلميا وأدبيا رفيعا، وستبقى ذكراه في نفوسنا ما عشنا. ومن حقك وحق شقيقيك، كفاح وهمام، اللذين لا اعرف أين هما الآن؟ ولم أسمع عنهما منذ منتصف الخمسينات، حين غادرت أنا الناصرية، ولم أعد إليها إلا لماما. من حقكم أن تفخروا بتراث الوالد المربي، وأن تنقلوا لأولادكم نموذجه الأخلاقي والتربوي والسلوكي، طيب الله ثراه، فهو كان من البناة الخلاقين، فحسب سقراط، "حين تُعلم الأجيال بجدارة، فأنت تخلق"، فهو كان خلاّقا....
... أرجو أن أكون قد وفيت الوالد بعض الحق لا لكونه أبا وإنما لأنشر أفكاره التربوية ونظرته الاجتماعية التي سبق بها زمانه وخاصة عندما يتحدث عن وباء الطائفية وما يسببه من تخلف وجهل ودور المؤسسات الدينية في مكافحة وباء الجهل والتظليل، وكأنه يتشوف أيامنا الحاضرة.
*  *  *  *
نشر الأستاذ الجامعي د. محمد موسى جياد الأزرقي خمس حلقات "عن الطفولة والأمهات والوطن الذبيح" وتطرق في أكثر من حلقة  عن دور معلمه علي الشبيبي في تنمية قدراته في اللغة العربية واهتمامه بتوجيهه الوجهة التربوية الصحيحة. ومما كتبه في الحلقة الأولى [کنا منذ الصغر مولعين بالقراءة والتظاهر بأننا مثقفون. وقد عمل استاذنا علي الشبيبي، معلم اللغة العربية علی ترسيخ السمة الأولی فينا، دون الثانية .... وقد اکتسب ذلك الولع بالنسبة لي طابعاً آخر بفعل تشجيع استاذي علي الشبيبي، الذي وجد ان "صوتي جميل" وکان يطلب مني ان "اجوَّد" بعض السور القصيرة خلال ساعة درس مادة الدين والقرآن]
ويضيف د. محمد موسى في الحلقة الثانية: [.... إني شخصياً اعترف له فضله في توجيهي لحب اللغة والأدب والقرآن، فما زال صوته يتردد في مسامعي وهو يتلو قصيدة الفخر بالأرض العربية ومهبط الوحي بلا شوفينية وبدون تطرف:
لحصاها فضل علی الشهب
      وثراها خير من الذهب

تتمنی السماء لـو لبسـت
            حلة من ترابها القشب]


ويواصل الدكتور الأزرقي فيكتب في الحلقة الرابعة: [کان المرحوم علي الشبيبي، وهو أخو الشهيد "صارم" الذي اُعدم مع الشهيد "فهد"، مرشداً حقاً. فعلی مدی ثلاث سنوات، منه تعلمت قراءة القرآن بشکل صحيح، أين أقف، وأين امدُّ الکلمة، وأين أشدُّ عليها، وأين أغير نغمة صوتي. تعلمت منه حبَّ العربية وآدابها وقراءة الشعر والقاءه، فقد کان هو نفسه شاعراً. ومع انه بدأ حياته کرجل دين، فأنه نزع العمامة، واصبح معلماً متفتح الفکر سليم السيرة، يجعل الطالب يشعر أنه أکثر من معلم له، ويمکن الأعتماد عليه والثقة به، رغم أنه کان جاداً للغاية فيما يتعلق بأداء الواجبات وحسن التصرف والسلوك].
*  *  *  *
وللمربي الراحل علي الشبيبي نظرته الخاصة للمعلم ولدوره التربوي، ففي سيرة وذكريات الوالد وفي أشعاره وقصصه يجد القارئ الكريم كثير من هذه القيم النبيلة التي كان يتمسك بها المربي الراحل، ولا أريد هنا أن أتناول كل أفكاره فقد سبق ونشرتها عبر وسائل التواصل الالكتروني وفي الصحافة وفي مذكراته (ذكريات التنوير والمكابدة) ولكن هنا سأنشر مقالة قصيرة نشرها الوالد في جريدة التآخي رداً على مقالة بعنوان "نريد معلما يضيء ولا يحترق" لكاتبها "مهذار" نشرت في جريدة التآخي عدد 1294. فنشر المربي الراحل التعليق التالي كرد وتوضيح تربوي لـ "مهذار" وغيره، فكتب ما يلي:
[أخي مهذار. قرأت كلمتك المنشورة في عدد التآخي 1294 بعنوان "نريد معلما يضيء ولا يحترق". فاسمح لي أن أثرثر معك قليلاً، وبين الهذر والثرثرة تقارب في المعنى. وعسى أن أكون كالثرثار يجري فيه ما يكون منه كل شيء حي.
أنت تريد معلماً يضيء ولا يحترق، أمر لا يمكن أن يكون أبداً. فكل مضيء لابد أن يحترق، حتى الشمس، هذا الكوكب العظيم، يحترق منه ما يناسب جرمه العظيم. والمصباح الكهربائي، الذي يمنحنا ضوءًا جميلاً، هو أيضاً لابد أن يحترق.
انك تعيب الشمعة إذ تتركْ بسبب احتراقها سخاماً. فلا تريد لهذا السبب أن يكون المعلم -شمعة- كي لا يترك -سخاماً-. ما ذنب الشمعة، وقد أنارت لأجيال كثيرة من البشر، متعتهم بالنور، حتى أنها -ولأنها كانت أرقى وسائل الإنارة- عاشت حقبة كبيرة من الزمن في قصور الأغنياء والمنعمين، بعيدة عن أكواخ المعدمين! وظلت حتى يومنا هذا رمزاً للنور والمعرفة. ولهذا السبب أطلق القدماء على المعلم هذا القول -شمعة تضيء وتحترق- ليته كان -شمعة-  فمن الممكن أن نجمع حطام الشمعة الذائب فيعود شمعة من جديد. إن أقرب شبه للمعلم #جسر_خشبي يعبر عليه الملايين أو الألوف، حتى إذا تآكلت الأخشاب أبدلت بغيرها، ورميت إلى اللهب لتتحول إلى رماد.
كم يا أخي من المعلمين أضاؤا واحترقوا، ولم يتركوا سخاماً. تركوا ذكرى عبقة كأريج الزهر، تزيد أرجاً كلما تقدم الزمن. ولكن الأكثرين أيضا احترقوا وتركوا سخاما. لأنهم ارتضوا لأنفسهم أن يكونوا شموعا في الظلمة تنير حسب ما يرغب المتحكمون.
 علي محمد الشبيبي/ كربلاء- الجمعة 30/3/1973]

محمد علي الشبيبي
السويد/كربلاء 01/03/2023