المحرر موضوع: مقارنة بين ديالكتيكية هيجل وجدلية كارل ماركس /ج٢  (زيارة 1459 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل يوحنا بيداويد

  • اداري منتديات
  • عضو مميز جدا
  • *
  • مشاركة: 2492
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
مقارنة بين ديالكتيكية هيجل وجدلية كارل ماركس/ ج٢
بقلم يوحنا بيداويد
ملاحظات
1- نشر المقال في مجلة بابلون العدد 29 التي هي مجلة فصلية ثقافية متنوعة مستقلة تصدر عن أتحاد الكتاب والأدباء الكلدان / في ملبورن.
2- نود ان ننو القراء الاعزاء، لقراءة الجزء الاول يمكن فتح الرابط ادناه
https://ankawa.com/forum/index.php/topic,1039247.msg7783564.html#msg7783564
...........

- الجزء الثاني
تحدثنا في الجزء الأول باختصار عن الفلسفة المثالية، وعن مثالية هيجل (ديالكتيكية أو جدلية) وبالمقابل عرضنا تطور الفكر الفلسفي المادي عبر التاريخ  وتطرقنا على أهم مدارسه، بالاخص الفكر المادي الماركسي. نعيد تعريف كلا التيارين للتذكير قبل نقيم مقارنة بين كلا المدرستين المتناقضتين.
 
الفلسفة المثالية:
هو الفكر الفلسفي الذي يتناول المفاهيم والقضايا الفلسفية الميتافيزيقية غير المادية، والتي لا يمكن فحصها أو إجراء أي تجربة عليها للتأكد من صحتها، لكن رواد هذا التيار يقولون؛ يمكن الاستدلال على صحة هذه القضايا عن طريق المنطق والفكر (العقل) والشعور الصوفي. تعطي الفلسفة المثالية الأولوية للعقل أو الروح قبل الذات الفردية، ويؤمنون بأسبقية الفكر على المادة.
 
الفلسفة المادية:
هو التيار الفلسفي المعارض أو المعاكس للمثالية، يؤمنون بالأشياء المحسوسة التي يمكن إجراء التجربة عليها وفحصها للحصول على البرهان المادي. يرجع رواد هذا التيار كل الظواهر الموجودة في الكون إلى الطبيعة المادية أو الطاقة، وينكرون أي وجود للقوى الغيبية، أي ان الوجود أو الكون كله مادي، لا توجد أي قوة خفية خارجية تخضع لها المادة، بهذا تنكر المادية الماركسية وجود أي خالق لهذا الكون، فالحياة بكل غرائبها وكل الظواهر في الكون، ما هي إلا عمليات فيزيائية-كيميائية بين المادة والطاقة لا غير، اي لا يوجد أي بعد ميتافيزيقي أو روحي لهذا الوجود.
 
مقارنة بين الفكر المثالي-الهيجلي والفكر المادي- الماركسي
الآن نقيم مقارنة بين كلا المدرستين حول عدة مفاهيم جوهرية وهي:
1-   الظواهر ووجود الكون
كانت محاولات فيلسوف المثالية "هيجل" مركزة بصورة عامة على تفسير الظواهر في الطبيعة بحسب قانون واحد، هو الصراع المستمر بين الذات والموضوع وتأليف مركب جديد منهما. وضع هيجل نظريته الديالكتيكية التي ظن انها تعطي تفسيراً شاملاً لتطور الوعي عند الإنسان وبقية الكائنات الحية والموجودات من خلال صراع الأضداد، ولم يتطرق هيجل الى فكرة وجود الله الخالق أو مسبب خارجي.
 
أما الماركسيون الماديون طالبوا الفلاسفة والعلماء بوقف صرف جهودهم في هذا المسار، وصرحوا في أكثر من مناسبة، انتهى عصر تأثير الفلسفة واللاهوت، بل ماتت الفلسفة! واقترحوا عليهم ان يوضعوا تركيزهم على الاقتصاد وإعادة تنظيم العلاقات بين العمال والطبقة البرجوازية الاقطاعية، تغير نمط التفكير عند العامة واستخدام المعرفة بهذا الاتجاه.
 
2-   حركة التاريخ
كان الفلاسفة والأديان يركزون على التطور البيولوجي للطبيعة والوعي عند الإنسان والمجتمعات اما الأديان يركزون على الشعور الصوفي الوجداني من أجل الاتحاد مع الله الكامل، فالتاريخ حسب دياكيتكية هيجل هو السجل للتطور الفكري (الروحي) للأحداث والتجارب والمحاولات التي قام بها، بل هو خارطة المسار الذي سلكه العقل عبر المراحل المختلفة من الزمن في طريقه نحو الاهداف المنشودة، الا وهي الوعي الكامل او الحرية المطلقة، اي تطابق التام بين الذاتية والموضوعية، أو الذات والكون!
 بينما رواد الفكر المادي-الماركسي يعتقدون إنهم أسسوا علماً جديداً من خلال اهتمامهم بالتاريخ (المادية التاريخية)، ياملون من هذا العلم استثمار تطبيقات كل المعرفة الحديثة في بناء نظام اقتصادي يحل كل المشاكل التي يواجهها الإنسان والتي حسب قناعتهم إنها اجتماعية، وبنجاح هذا النظام ستوصل إلمجتمع الى مرحلة يكون خالي من الصراع بين الطبقات.
 
3-   الجدلية
أخذ كارل ماركس من هيجل فكرة الديالكتيكية (قاعدة التطور الروح)، المتمثلة بصراع الأضداد (الموضوع ونقيضه والمركب الجديد) وأعاد صياغتها في الجدلية المادية المتمثلة بصراع بين الطبقات في أي مجتمع نتيجة النظام الاقتصادي وحق التملك وحق استثمار الرأسمال والتي مصيرها محتوم بسيادة الطبقة البروتالرية-العمالية والقضاء على النظام الطبقي.
 
4-   الحرية
كلا النظامين يجعلون من الحرية قدس الأقداس لمذهبهم، لكن تفسيراتهم مختلفة وأحياناً متعاكسة. فنظام الهيجلي لا يلغي حرية الفرد الذاتية بل يعتبر وعي الذات (نزعاتها وطموحاتها) هي عامل ضروري ومحرك اساسي لتطورها الفكري.

 بينما النظام المادي –الماركسي يلغي حرية الفرد إذا تعارضت مع النظام التوليتاليري الجماعي، الذي يتطلب الغاء حريات العامة، ووتجريد الامم من نزعاتها العرقية ونسيان ارثها الثقافي الاجتماعي، الذي سينتهي بصهر الامم في بعد واحد على حد قول هربرت ماركوزي.
 
5-   حق التملك
إن النظام الشيوعي الماركسي مبني على فكرة خلق مجتمع خالي من الطبقات (كما قلنا سابقا)، أي إزالة الفوارق بين شرائح المجتمع، لانها مصدر العبودية والتبعية والضعف والتعاسة والفقر. هذا النظام لا يمكن تحقيقه إلا بإلغاء حق التملك ووضع نظام شيوعي، بكلمة أخرى ليس للفرد أي حق لاستملاك اي ممتلكات خاصة به، كل الممتلكات تكون تحت سيطرة الدولة أو النظام، فكل شيء يشترك في الاستفادة منه جميع أفراد المجتمع .
 بينما النظام المثالي يحكمه قانون واحد هو تقدم الوعي عند الأضداد واتحادهما معاً في مركب جديد بحرية تامة من غير اي قرار قسري، فحق الفرد مكفول.
 
6-   الفكر والواقع
في الفلسفة المثالية، والفلسفات القديمة بصورة عامة، للفكر أسبقية على الوجود، بمعنى لو لا الفكر لم يكن بمقدور الإنسان يعي وجوده، ولا يتحسس بالطبيعة المحيطة به، أي لم يكن هناك من يعطى معنى للوجود، لان بدون معرفة أو الوعي لا يمكن التاكد فيما اذا كان هناك اي وجود ام لا.
بينما الفكر الماركسي يعكس الفكرة، حيث يرى أن الوجود يسبق الماهية، الماهية عند الماديين يكتسبها الإنسان كنتيجة لنشاطه، حيث يكونها من خلال تفكيره، بل هي نتيجة لقراراته الواعية، هنا نلاحظ تحاول الماركسية قطع الحاضر من الماضي، اي تلغي اهمية المعرفة والخبرة والتجارب السابقة.

7-   الوعي
في الفكر المادي الماركسي ان الوعي هي ظاهرة مادية متطورة لا غير، بينما في الفكر المثالي الوعي هو نتيجة لتفكير العقل وتطوره عبر قفزات متتالي، في كل واحدة منها تحصل الذات على معرفة او إدراك جديد، كنتيجة للصراع الديالكتيكي بين الموضوع ونقيضه.
 
8-   النظرة الى الله
بصورة عامة أن الفلسفة المثالية والديالكتيك الهيجلي هو استمرار للخط الميتافيزيقي القديم التي أتت به الأديان والفلسفات الاغريقية، هي محاولة للتوفيق بين ارائها وبين العلوم الحديثة، أي ان المثالية تنزل الإنسان من السماء إلى الأرض،  بينما الفلسفة المادية- الماركسية ترفض ذلك، فالإنسان وجوده محدد بالمادة فقط، أي ان الإنسان هو نتيجة لتطور البايولوجي، أي نتيجة الصيرورة الموجودة في الطبيعة الواقعية (نظرية التطور لداروين) وليس نتيجة للوهم الذي يتخيله الانسان بأنه مخلوق غير عادي.
 
9-   القيم والمشاعر القومية
لم تلغي النظرية المثالية النزعات والمشاعر (الغرائز) الفردية والقيم الاجتماعية أو القومية، ولم تلغي الفكر الديني عند أي مجموعة بشرية بل اعتبرته من محطات أو محركات مهمة لتطور الفكري (تقدم الوعي)، بل ان هذه العوامل هي التي كانت ولا زالت تقوم بتشكيل الثالوث الديالكيتيكي الهيجيلي (الموضوع ونقيضعه والمركب الجديد).
 في الفلسفة المادية – الماركسية تجرد الإنسان من الغريزة المغروسة في صميمه، بل وضعت قوانين وانظمة جديدة تهدف إلى طمرها وضمورها من وجدانه بل الغاء شخصيته.
 
10-   مدى تحقيق الهدف
كما نوهنا الفكر المثالي الهيجلي هو استمرارية للخط الفلسفي القديم، الذي يجمع الأديان والنظريات الفلسفية في نظام بيولوجي مادي معقد صعب التقبل وصعب التحقق منه. لا زال يلقي صعوبة في الفهم والتفسير في كيفية الربط بين جميع الظواهر في الكون بحسب هذا المبدا، وان كانت هذه الجدلية تشير فعلا الى وجود خيط دقيق يربط بينها، وانه أحد القوانين العميقة الغامضة الذي تسير الطبيعة بموجبه.
بينما الفكر المادي الماركسي، التجئ إلى التطبيق العملي لبناء مجتمع خالي من الفروقات الطبقية من خلال تغير الدساتير والأعراف والقوانين المحلية والنزعات العرقية. لاقى هذا الفكر نجاحا كبيرا عند الشعوب الفقيرة التي كانت تحكمها الاقطاع بتعسف. ولكن مع الآسف مارس قادة هذا الفكر نفس التعسف الذي كان يمارسه الاقطاع من أجل الوصول الى اهدافهم، لكن في النهاية انهارت انجازاتهم بسبب الصراع الطويل مع النظام الرأسمالي المعادي له وسوء تقديراتهم في تفسير مبدا الديالكتيك نفسه!.
 
 
الخلاصة والتعليق
نجد في النظام المثالي الذي اتى به هيجل شذرات من نظرية التطور البايولوجي الموجود في الطبيعة والديانة البوذية والفلسفة الحلولية. لكنه نظام معقد، فهو صعب الاستغاسة لحد الآن عند الكثيرين، التغير الذي يزعمه هيجل يحصل بين النقيضيين غير ملموس أو محسوس، قد يحتاج إلى ملايين السنين أحياناً(كي تحصل قفزة التغير)، ولا يمكن إدراكها او التحسس به إلا على المستوى النظري لهذا هو مثالي.
 
أما مشروع كارل ماركس هو تكرار لاحد مباديء المسيحية في جزئياته (العلاقة الغني والفقر) لكنه بثوب الفكر المادي، لا الروحي، إلا أن تأثيره على الفكر الإنساني حقيقة كان كبيرا، كانت له مقبولية كبيرة لدى الطبقة العاملة والمتوسطة، لكن سرعان ما أصاب المؤمنين به خيبة. لن نتطرق إلى أسباب ذلك الان، إلا أننا لا بد ان نذكر هنا نتيجة سلبية مهمة أتت أو (شاركت) بها الماركسية سواء كان بوعي أو من غير وعي منظريها، آلا وهي ظهور مرحلة "تشيء الإنسان" في الحضارة الحديثة.
 
المصادر:
1- أطلس الفلسفة، بيتر كونزمان، فرانز-بيتر بوركاد، فرانز فيدمان، ترجمة د. جورج كتورة، الطبعة الأولى، المكتبة الشرقية، بيروت لبنان 2001.
2- جدل الإنسان (تطور الجدل بعد هيجل) المجلد الثالث، د. إمام عبد الفتاح إمام، دار التنوير للباعة والنشر والتوزيع، الطبعة الثالثة، بيروت-لبنان، 2007.
3- الفلسفة والإنسان، د.
علي الشامي، دار الإنسانية للدراسات والطبع والنشر والتوزيع، الطبعة الأولى، بيروت لبنان، 1991.

[/b][/color][/size]

غير متصل ChaldeanWriters

  • عضو فعال
  • **
  • مشاركة: 44
  • منتديات عنكاوا
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
زميلنا العزيز يوحنا بيداوييد المحترم
ننوه حول ماذكرنه في البداية (اقتباس)

1- نشر المقال في مجلة بابلون العدد 29  التي تصدرها نخبة من المفكرين والباحثيين والكتاب الكلدان   في مدينة ملبورن وحول العالم.

مجلة بابلون مجلة فصلية ثقافية متنوعة مستقلة تصدر عن أتحاد الكتاب والأدباء الكلدان / في ملبورن.



غير متصل يوحنا بيداويد

  • اداري منتديات
  • عضو مميز جدا
  • *
  • مشاركة: 2492
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
 
 ChaldeanWriters
شكرا للتنويه
وتم التصحيح
تحياتي

غير متصل د.عبدالله رابي

  • عضو مميز
  • ****
  • مشاركة: 1269
  • د.عبدالله مرقس رابي
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
الاخ الكاتب التنويري يوحنا بيداويذ المحترم
تحية
دائما تكون اختياراتك للكتابة موفقة ومهمة ذات قيمة وفائدة للقارئ، سواء مواضيع تخص تاريخ الفكر ونتاجات الفكرية للمفكرين، ومنها قد تكون مواضيع صعبة في تناولها كما هو موضوع اليوم.
كنت موفقاً في تلخيص المقارنة بين الفكر المثالي والفكر المادي متمثلة بكل من هيكل وماركس. واود الاشارة هنا بان تلك المحاولتين الفكريتين خضعت الى الانتقادات والتعديل بعد ان اصبحت اساسيات لانطلاقة فكرية لبعض العلماء ، فكلاهما هما من الحتميين في تفسير الظواهر ، الحتمية المثالية عند هيكل والحتمية المادية عند كارل ماركس ، تلك باتت غير مقبولة في الفكر الحديث عند علماء الاجتماع لتنوع المداخل الفكرية التي اسهمت في دراسة الظاهرة.
هذا للتذكير فقط مع تقديري لك .

غير متصل يوحنا بيداويد

  • اداري منتديات
  • عضو مميز جدا
  • *
  • مشاركة: 2492
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
الاخ العزيز الدكتور عبد الله رابي المحترم
تحية وسلام
اقدم لكم اجمل التهاني بمناسبة عيد اكيتو راس السنة البابلية الكلدانية والاشورية وجميع العراقيين.
كما اقدم لكم جزيل شكري وامتناني لتقيمكم وتقديركم لمقالاتي وابحاثي ومحاضراتي. حقا نحن مدينون لكم بنقدكم وتعقيباتكم وتعليقاتكم المفيدة.
نعم كلا الفيلسوفين عظماء في عطائهم وافكارهم واثروا على الفكر الفلسفي خلال 200 سنة الاخيرة. وفي نفس الوقت اؤيدكم ان الفكر الانساني اليوم عبر طروحاتهم بل ان المشكلة الاكبر التي يواجهها العالم هي ضياع البوصلة.
تحياتي
يوحنا بيداويد