المحرر موضوع: الحلقة الثانية ... إنه زمن الصلاة  (زيارة 439 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل المونسـنيور بيوس قاشا

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 241
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
الحلقة الثانية ... إنه زمن الصلاة
بقلم/ المونسنيور د. بيوس قاشا
   يسأل الكثيرون: لماذا نصلي؟ متى نصلي؟ ماذا نصلي؟ من أجل مَن نصلي؟ وهل نحتاج اليوم إلى صلاة؟ الصلاة الفردية مفيدة أم الجماعية أم الطقسية؟ هل من الضرورة الصلاة؟ وهل فقط في زمن الصوم أصلي؟... وأسئلة أخرى وخاصة نحن في هذا عالم التحديات العديدة والشكوك المختلفة والأهواء الأنانية وعبادة الإنسان المخلوق وانتشار الظلم والفساد والكذب. أمام هذه التحديات وتحديات العولمة المزيفة التي غايتها جعل الإنسان يترك جانباً الإله الحقيقي ليجعل من دنياه سماءً وسعادةً وغاية، لذلك أقول في هذا المضمار:
   إن الصلاة ما هي إلا نور لمعرفة النفس معرفة حقيقية فهي بذلك وسيطة بين الله والإنسان كي ترتفع عن مراكز الدنيا ونعلو نحو الإله الحقيقي. فالرب لا يلزمنا أن نصلي ولكن الدافع لذلك هو استمرار علاقاتنا في أمانة معه. فهي ليست منفصلة عن الحياة إذ لا يحسن أن نكرم الله بشفتينا في حين أن قلبنا بعيد جداً عنه، فهي ليست فقط تمتمة شفاه ولكن الدخول في التأمل ثم الاختلاء وهذه هي مسيرة الإنسان كما تبتغيه الكنيسة.
   فالرب يقول "متى صلّيتَ لا تكن كالمرائين فإنهم يحبون أن يصلّوا قائمين في المجامع وفي زوايا الشوارع لكي يظهروا للناس أنهم صائمون. ولكن أنتَ متى صلّيتَ فادخل إلى مخدعكَ واغلق بابَ قلبكَ وصلِّ إلى أبيكَ الذي في الخفاء" (متى5:6-14). في هذه الحالة تكون صلاتك لقاء مع الله والحوار معه من أجل الإنسان لأنها ارتفاع القلب إلى الله حسب عمل المسيح الرب الذي كان يصعد إلى الجبل يصلّي ويقضي الليل كله في الصلاة (لو12:6) بهذه الروح كان يصلي لأبيه، فالرب لم يعطنا صلاة العبيد ولكن صلاة الأبناء الأحباء إذ قال وأعلمنا قبل حدوثه "اسهروا وصلّوا لئلا تدخلوا في تجربة" (متى41:26). لذلك فهو يدعونا للصلاة لا "خوفاً" أو "واجباً" أو "إرضاءً لأنفسنا" أو "إرضاءً للناس الذين ربما نعبدهم"، بل هي صلاة مليئة بثقة الأبناء لأبيهم إذ قال "وإذا كان في جهاد كان يصلي بأشدّ لجاجة" (لو44:22) وهذا ليس مظهراً خارجياً كما نحن نفتش بل صلاة نابعة من إيمان في قلب الإنسان للعلاقة الموجودة بينه وبين الاتحاد بالله فهي لا تُحصَر في ساعات وأوقات معينة بل هي رسالة إيمانية مستمرة وخاصة في هذا زمن الصوم، إذ لا قيمة للصوم بدون الصلاة، ولا يجوز أن تكون نظرتنا على ذواتنا أو على مبتغى الآخرين لكي نظهر لهم. فمَن يدّعي الصلاة وحراسة الشريعة ولا يكون حافز لفحص ضمير مستمر يصبح قاتلاً. فكما قتل الكتبة يوحنا، صوت الحق الذي كان يزعج استقرارهم، كذلك سيقتلون صوت المسيح النابع والناشئ في قلب الإنسان.
لذا عليّ أن أختار بين أن أكون قاتلاً أو ضحية، فلا معنى للصلاة إذا كنتَ لا تحب جارك، وإذا كانت كل أعمالك وصلاتك تصبّ في هدف إرضائكَ الشخصي وربما الأناني، أو إرضاء الآخرين كباراً كانو أو صغاراً. فما تعمله أنتَ إلا أنكَ تستعمل الوسائل التقوية من أجل الرياء وهذا يمقته الرب وإنْ كان الناس يمجّدوه أو يمدحوه أو يقولون عنه ما لذّ له وما طاب بينما الرب علّمنا أن نصلّي بكل تواضع فقد قال "صلّوا أنتم هكذا: أبنا الذي في السماوات ليتقدس اسمكَ ليأتِ ملكوتك لتكن مشيئتك كما في السماء كذلك على الأرض. أعطنا خبزنا كفافنا اليوم واغفر لنا ذنوبنا كما نغفر للمذنبين إلينا. ولا تدخلنا في تجربة لكن نجّنا من الشر" (متى9:6-13) فهذه الصلاة ليست إلا ارتباطاً بالله الذي خلقنا على صورته ومثاله، فهي ارتباط جماعي ومع بعضنا، ففي هذه الصلاة قسمان: الأول الطلبات الثلاثة الأولى التي تبغي تحقيق ملكوت الله، أما الطلبات الأربعة الأخيرة يسأل التلميذ ما يحتاج إليه جسدياً وروحياً ليُسهم في تحقيق ذلك الملكوت، وهذا ما يؤكد أن صلاتنا ليست منعزلة عن صلوات الآخرين وما ذلك إلا امتداد لسرّ الافخارستيا الذي يجمعنا بالله وبالجماعة وهي تأخذ منه قوتها، ففي ذلك توجّه أفكارنا إلى الله لتقودنا إلى الينبوع السماوي ومنها إلى الإنسان وفي اندفاع إلى الله "لأن الروح نفسه يشفع فينا بأنات لا توصَف" (رومية 26:8) لأن هدفنا في هذه الحياة أن نكون قديسين، وكلنا مدعوّين لهذه الدعوة. فالقداسة ليست محصورة بشخص بل باب مفتوح لكل الناس.
فالمسيح في صلاته وفي مسيرة حياته لم يحاول الهروب من ظلم البشر ومن قساوة قلوبهم وعداواتهم ومصالحهم، ولم يهرب أبداً من الموت، ولم يضع أبداً اللوم على الله كما نفعل نحن إنسان اليوم وإنْ كنّا في زمن الصوم، فالمسيح الرب علّمنا وأعطانا درساً بليغاً بأنه مات قبلنا ليعلّمنا أن الموت هو انتقال إلى الحياة الأخرى، وفي هذا علّمنا أن تكون ثقتنا بالله وبالإيمان به وهي وحدها خلاصنا وقيامتنا "فمَن آمن به وإنْ مات فسيحيا إلى الأبد" (يو25:11) ويملك معه إلى الأبد. فالدرس البليغ هو تسليم الذات للرب عبر صلاة تأملية إلى الآب وحده سيد الحياة.
نعم، إن إنسان اليوم يفتش عن مكافئة الآخرين له أقلّه بقولهم "انظروا إنه صائم" أليس ذلك يدعونا إلى التفكير بأن الله يعطينا جزاؤنا وليس الإنسان، فلا يمكن أن ندّعي اليوم بأننا نفهم كل شيء وما علّمه المسيح أكثر من رسالة الإنجيل ورسالة كنيسة المسيح والتي دافعت بدمائها عن تعاليم المسيح ولا زالت.
وختاماً، إن زمن الصوم هو زمن الصلاة وهو فرصة نعمة لنتعمّق في هويتنا المسيحية ورسالتنا الإيمانية والتي تدعونا لا إلى الصلاة التي أرتضي بها بل إلى صلاة فيها أدخل مجال الله في التأمل والاختلاء وإنْ كانت من الصعوبات اليوم وبين جميع شرائح المجتمع معبدياً ودنيوياً... ليس إلا!!.