رؤية تجسيدية في أحلام وردية ممنوعة
نقد : كريم إينا
صدر للأديب والكاتب السرياني بطرس هرمز نباتي مجموعة قصصية تحوي على قصص قصيرة بعنوان: " أحلام وردية ممنوعة" يقع الكتاب في (89) صفحة من الحجم المتوسط ضمّت مجموعته القصصية على (12) قصة، وافتها في البداية مقدمة عنها من قبل د. جاسم محمد جسام رئيس رابطة النقاد في إتحاد أدباء العراق، تصميم المجموعة نصير لازم سنة الطبع 2021 طبعت في مطابع الإتحاد العام للأدباء والكتاب في العراق– بغداد، لقد قرأتُ مجموعته القصصية مرّة واحدة، تتداخلُ المواقف في قصص القاص بطرس نباتي، وذلك لظهور مظاهر فنية تلمسُ التنافر والتفاعل بين الأجناس الأدبية، فهو يوضّح رؤيته في التشكيل البنائي السردي بوجود حياة في طقس ما، ففي ص11 تظهر قصة" حلم أحمر"، تتّضح العلاقات الموجودة بين أصناف الناس كربّ العمل، الراعي، الآخرين...إلخ، ثمّة أعباء كالتعب، والجهد، والأفكار التائهة للشخصيات كلّها تستقر في عالم وردي، كتمثيل ربّ العمل بالطمع والزارع يمثل القناعة التي وجهت صدمة قاسية للعم يوسف، أحياناً تترادف كلمات متشابهة في آن واحد تضعفُ من حبكة السرد، ونرى في ص15 قصة " شمعتان في ليلة الميلاد"، سار وسط ليل داكن السواد، عندما نسمع بالليل الداكن يعني تلميحة كافية للظلام، ولكن إرفاقها بالسواد مّما أزاد ضعف لونها المتخيّل، ثمّة مخبرين لا يعلم أحد بوجودهم وأطلق عليهم ( ذوي الأنوف الطويلة المبثوثة)، الأحداث عندهُ مزدحمة لبعض الفتية وهم يصيخون السمع لدقّة ناقوس أو ترتيلة في عيد الميلاد، لم يستمر الأب بحلمه الوردي، بسبب التعذيب والوقوف خلف القضبان، ولكن رغم ذلك إستتر خلف صخرة من جلمود ليفتح النار على الشر الذي وقف بوجهه، يستعير الكاتب في هذه القصة ضمائر الخطاب القصصي لتبقى ممزوجة بين القاص والقارئ، يبتعد عن المباشرة في سرده ضمن إجراءات تحليلية ومقترحات من فن قصصي غابر. المحتوى الحكائي لديه يُشيرُ إلى دلالة توفيقية بين فترات الزمان والفضاء الذاتي لشخصياته، يدخلُ القاص في سرده للواقعة التاريخية كمرتهن بمفارقة بين الرمز والأشياء المجردة والشخصيات التاريخية في بعض الأزمنة والأمكنة، وفي ص21 سرد القاص قصة حقيقية عن قرية العم شمعون والمخبر المطلوب من قبل المفرزة ومصير الناس التي تم إيداعها في السجن، يُعتبر أسلوب هذه القصة خبري وكحدث تاريخي تحظى بجانب كبير من الغضب والإحباط ، تكاد القصة مفلسة درامتها من الناحية الفنية كونها أتت بأسلوب إخباري أو نقل الحديث من هنا وهناك، لذا نرى القاص يحرص كلّ الحرص على المشهدية القصصية، ليقدّم لنا شيء مهم ومفقود ألا وهو ( العدالة) و ( الأمان)، ثمّ يقدّمُ أضداداً لها: كالقهر والفقر والإستلاب، لا ندري هل القاص كان موجود فعلاً أم لا؟، وما الغاية التي دفعتهُ ليصل إلى هكذا أسلوب إخباري وتقريري، وهل فعلاً أوصلت قصتهُ غايتها للملأ؟. ومن هذا المنطلق بدأ يعرض العلاقة بين السلطة والحرية، فتراهُ متمرّداً على مجتمعه، بل على وجوده نفسهُ، لغتهُ المباشرة والمفصلة تصبح لغة محلّقة بالمجاز التصويري السردي، ربّما يتناولُ المشاعر والأحاسيس المهترئة في نطاق الأسرة، ويطرح قضايا إجتماعية عامة توحي لنا بأنّ المجتمع فيه فساد سياسي وإنحلال خلقي، لا يمكن أن ينتج علاقات صحية متوازنة في إطار الأسرة، ورغم ذلك قدّم قصتهُ ضمن منظور إنساني عام لما فيها من عوالم متجاورة مع ما تقدّمهُ قصصنا العربية، رصد فيها حوارية الفن كالحكايات الشعبية عربية كانت أو كوردية، كان القاص يراقب الحدث من بعيد، ورغم المصائب التي كانت تحلّ بالقرية فإنّها كانت تحتفي في كل سنة بليلة مقتل المخبر، وفي ص27 نرى قصة تل قصرا التي ظهرت لها مقاطع تمثلُ نقطة البداية من أجل الوصول إلى مكامن الجمال والقبح، لو وضعتُ نفسي بدل الكاتب بطرس لشعرتُ بإنطباع أدبي وإستنبطتُ الرسالة التي يريد أن يوصلها للقارىء من خلال القصة، لقد طرح أفكار وشخصيات تنطلق من فضاءات القصة الرحبة والغوص في أغوارها العميقة، يقولُ: مثلاً / أنا لا أعرفُ من تكون؟ / إنّي أسمعك رغم التراب الذي فوقي /. تشترط في هذه القصة على الشمولية مع التركيز على العناصر الإبداعية التي جعلتها ذات قيمة أدبية ونكهة جمالية، يغوصُ الكاتب في تفاصيل خارجية غارقة في سطورها، فالصراع الأساسي يكمنُ بداخل الكاهن الذي تثيرهُ الأصوات والأشباح فتخرجُ بلغة المحسوس على لغة الحوار وهكذا دواليب...، أمّا قصة الغرفة الخالية ص34 يقول: / أينَ يا تُرى قد أصبحوا؟ / وأين يكونُ ولدنا يوسف الآن؟ / هل من أخبار عنهُ؟ / يتكرر إسم يوسف في قصص نباتي عدّة مرات، وهذه الدلالة تبوحُ لنا بأنّ يوسف هو إسم مقرّب لأهله، فنرى وجهة نظر الكاتب تطرح قضية للنقاش بين أفراد المجتمع، فالراوي ممكن أن يكون مرتبطاً على لسان بطل القصة، بمعنى هناك إرتباط كبير بين لغة البطل ولغة المؤلف، لأنّ الإنتقال من شخصية إلى أخرى تكون بعيدة عن طريق المونولوج الداخلي، ونغمة القصة واقعية ليست بعيدة كلّ البعد عن الصورة الفنية والخيال، أحياناً يستطيع الكاتب تطوير أحداث قصته لإستمالة تعاطف القارىء تجاه الشخصية، لذا إستخدم رمز الكاهن الذي يشترك عقله وقلبه في توازن الأحداث، وهذا ما نسميه بالشخصية ( النامية) أو المدوّرة. أمّا إذا كانت الشخصية مسطّحة تكاد تكون ثابتة أو جامدة لا تتطور، كالعائلة الساكنة في الغرفة الخالية، وفي ص 40 تظهر حكاية " الإله أيا" تقول: / تطلّعتُ في ملامح إله ( أيا) بدا حزيناً .. منهكاً .. / وكأنّهُ وصل للتو من سفر طويل عبر سماواته البعيدة.. / ربّما كان في زيارة عمل لأخيه الإله سين، هل هي مصادفة؟! لهذا التوافق بين الإله أيا والكاتب، هناك إختلاف في الجناس الأدبي لهذه القصة، لأنّها ولدت في أوقات سحيقة من الزمن ومتباعدة، خالفت نظرة الحياة، وتباعدت خطواته في مراحل التطور النفسي والعقلي معاً، فليس هناك صلة بين الحياة التي يعيشها القاص نفسه، وبين هذه الدنيا الواقعية التي يعيشها ناس اليوم في البيئة العراقية، لأنّهُ يلتذع بصنوف البيئة من الكبت الشديد وضيق الصدر، ربّما يكيلُ بمكيال الناشر، وهذا ما أفقد شخصيات القصص الحرية، فأصبحت أسيرة عند الكاتب، تشبّث الكاتب بجذور أرضه كتشبّث الرضيع بأمّه، بينما حبكة العم توما يظهر سردها في ص45 وهو يقول: / وسط أمواج متلاطمة من الأحداث / كانت قريتي مسرحاً للعديد من المشاهد... / يرصد الكاتب في أسلوبه الأدبي قضايا المجتمع، لذا إتّسمت كتاباته بالواقعية الحية، ويشابه في ذلك تقريباً الروائي المصري نجيب محفوظ الذي ولد الأدب عندهُ من رحم النفس الإنسانية ومعاناتها، لقد قدّم الكاتب بطرس منفعة إجتماعية بنيت على أساس الموضوعية ووضوح الفكرة بدون إلتباس، لذلك يكادُ من الناحية الأدبية غير عبثية لما فيها مراعاة التخييل والغوص في أعماق الشخصيات وتحليل الصراع الدائر حولها سواء كانت تعليمية، أو خبرية، أو إنسيابية نحو المأساة ...إلخ. وفي ص49 تظهر قصة " أوسا.. وربعية العرق" يمرقُ السرد القصصي فيها كحادثة مع وصف شعور وموقف ورأي، كان بإمكان الكاتب هنا أن يطور حكايتهُ فتصبح من التراث العراقي المعاصر، فقد أدرك الدافع للإفصاح عن شيء ما يتغلغل في أبعاد الأجناس والأنواع الأدبية المختلفة، لقد تمكّن الكاتب من وجدانه الذي جعلهُ عاملاً مساعداً في إظهار الأسلوب القصصي، وإرتبط إرتباطاً وثيقاً بالحالة النفسية التي كان يعيشها ويسمعها الكاتب. إذا ما تتبعنا نلاحظ الحادثة قد إرتكزت على شخصيتين محوريتين وبهما أزيح النير الذي كان كابوساً على كاهل القرية، وبدخول الغريب إلى القرية تحوّل المكان الأليف والآمن إلى موحش ومعادي ومغثّة، ونوع هذا السرد هو ثوري بحد ذاته لما فيه من دلالة على الصمود والقتال إلى أن تتجلّى الأمور. يقول الكاتب:.. / نهض ( أوسا) طوّح بعوجيته يميناً وشمالاً يهددُ بها العامل.. / إذهب إلى عملك يا إبن القحبة وإلاّ .....إلخ/. مصوّراً الحدث الذي يرافق زمن تواجدهُ في تلك البقعة، وهذا الوصف الإستشرافي يجنح إلى مخيلة سردية للمعاناة الداخلية بين الشخصية والمكان، الذي يردّدهُ دائماً في قصصه كعنوان: مثير للإهتمام بأحلام وردية. أمّا قصة الهذيان الأخير للملك ( نبونائيد ) ص54 يتكلم الكاتب عن مدينة ديلمون التي كانت السبب في حزن وبلاء مملكة نبونائيد، حيث يقول: / سأدّكُ أسوارك يا ديلمون وأجعلُ غربان العالم تنعقُ داخلك .. / سأجعلك ملعونة إلى الأبد.. /. وردت في هذه القصة أسماء: كـ شوبش شاكان، الأيساكيلا، ديلمون، إنليل، أكيتو، كلّها إشارات لإرث حضاري لملوك وكهنة ومدن في فترة حكم بابل، يفصح الكاتب بأنّ إنليل هو ربّ السماء، وأثناء دراستنا علمتُ بأنّ إنليل هو إله الهواء وإنكي إله الماء وآنو إله السماء، ولكن وربّما في حلكة من الزمن أصبح إنليل ربّ السماء. حاول الكاتب بأن يجسم صورة الإله الحسية لغاية غير فنية، قد تكونُ نوع خاص من الجنس الأدبي أو تكون جزء من الملحمة أو الدراما، إنّ تجربة نباتي زاخرة بالمعرفة من حيث التصوير والسرد القصصي، فقد إهتمّ بالتبسيط والوصف والتحليل فجاءت قصصهُ بسيطة لينة غير متكلّفة. الصراع موجود منذُ الخليقة ومعارك الفتوح والإنتصارات العسكرية في ذلك الزمان، إنّ السرد والشعر القصصي الناضج بمفهومه الحديث عند جماعة ( أبولو ) يرتفع مستواهُ إلى درجة محمودة، إنّ القصة في الشعر لا تجود لعدم إستيفائها لعناصرها الفنية فيه، ولكن محاولة إحكام العقدة في القصة المصوّرة بالكلمات، ربّما خالطتها بعض الصور الجزئية لتجسيم المعاني، لذلك السبب نرى الجمال التصويري في السياق القصصي مشوّق يدفع إلى اللهفة وحب المكاشفة عن المجهول. ربّما تأثر الكاتب بقراءاته برسالة الغفران للمعرّي والقصص الديني الأسطوري مستوحياً تفاصيل من أصول دينية وملاحم مؤثرة كملحمة كلكامش. نرجع للقصة التي أتكلمُ عنها، نراها قد إشتملت على ( مكان) متمثلاً بالآخرة ولهُ دلائل على ذلك ومنها مقطع ( دك أسوار ديلمون للأبد). رسم الكاتب الشخصيات والعقد والنهايات مع طبعها بشيء من الحوار في القصة. أمّا قصة " إمرأة من البعد الماضي في ص64 وهو يسترسل بعبارات متقطعة الأوصال لشخصية الأنثى، هناك وحدة إنطباع واحد يسودُ القصة بالمشاركة الوجدانية وهو الفرحة بالنجاح ونيل شهادة الإنتهاء، أمّا وحدة الزمان وقت لذّة الفرح بالتخرج ممزوجة بلذّة الشوق والحنين للأهل والأحباب مع التركيز على ألمها المتمثل بالحزام الناري، رغم غرابة الحالة المرضية إلاّ أنّها نصحت بتناول العديد من المسكنات لتهدئة أوجاعها..، أمّا وحدة المكان تمثلت في البيت وفي الخارج سواء عند الطبيب أو في الجامعة، يغدو في جوفها شيء من التعب والسهر والمعاناة، وأحلام وآمال، لذا يقول: / أشارت عليّ بالسكوت / قلتُ: لها والحزن يملأ كياني / لماذا فعلوا هكذا بهذه الأم المسكينة/؟. إستخدم الكاتب لغة عربية فصحى بطريقة جميلة تجمعُ بين قوة المعنى وسهولة الأسلوب لا تزعج برمزها ولا تجهد بغموضها. إنّما تنساقُ العبارات معهُ إنسياقاً لا يستوقفها لفظ غريب أو عبارة مستهجنة، إذاً الكاتب هنا إتّقن لغة الحوار بين أبطال القصة، وتكادُ لعبته تكون من بعض أساليبه أقرب إلى لغة الشعر. نحنُ أمام نص حافل بكل مقومات التميّز ونجاح القصة القصيرة، وتارة أخرى نراهُ زاخراً بكل العناصر الفنية والقيم الجمالية، فالحدث، والزمان، والمكان، والحبكة الدرامية تتنامى حتى تصل إلى ذروة التراجيديا المأساوية، فقد جاءت البداية رائعة حين تم الحوار بينهُ والأنثى الممزوج بآمالهما، إستطاع الكاتب الربط بين نبض البداية وتوقفه في النهاية، وعند سرد الحدث من البداية وحتى النهاية كان يراعي الإيجاز والتكثيف وعدم الإستطراد، مزج الكاتب ببراعة الواقعية ويتجلّى الخيال في قصته عند وصفه لبعض الأماكن، لحد وصوله إلى بلاد سومر وبابل، ممّا أفرز عنصر التشويق في السرد القصصي. نأتي إلى قصة " حلم فوق دراجة ص73 تظهر سمات الصراع لرجل قصير القامة يحتاج إلى لفظة حب، تتغير ذاته بمجرد إقترابه من الآخر بدليل ما يقول: / ماذا تفعلين لوحدك في هذه البقعة المنقطعة والبعيدة عن القرية؟.../ ألا تخافين على نفسك؟ / أجابته بنعومة ودلال / كنتُ أعرفُ أنك ستخرج في النزهة على هذا الطريق لذلك إنتظرتك منذُ الصباح الباكر/، رغم تباهيه بقميصه الأسود السميك، شرد ذهن البطل إلى عالم التخيّل ليلتقي بفتاة جميلة والتودّد لها وهي على سرج دراجته، ولكن ذاك التخيّل خرج من نافذة مفتوحة والرهبة تتسرّب إلى نفسه، إنّ ثنائية الحدث أدت إلى وجود فجوة زمكانية لبطل القصة وذلك لأنّ حلمهُ لم يتحقق بل الأندى من ذلك وجد نفسه بعيد عن حضن حبيبته ملقي على الأرض وسط الأشواك. وفي ص77 تظهر قصة بعنوان: " دعوة في ساعة متأخرة من الليل" إمتاز الكاتب هنا بجاذبية الأسلوب، وجمال التعبير، تظهر في هذه الشخصيات ظاهرة الإغتراب عن الذات أو عن المجتمع، إستخدم أسلوب التجديد والتكنيك كون القصة تمرُ في زمننا الحالي وتعبرُ إلى العالم الخارجي أي تعيش الأحداث في زمن سحيق أيام ملوك بابل وأكد، تعتبر هذه القصة بمثابة إنطلاقة لبطرس نباتي لإيصال صوته الخاص، حيث يظهر رمز عيد أكيتو الذي كان البابليون يحتفلون به لمدة إثنا عشر يوماً، ثمّة هاجس خفي إعتراهُ لحالة إحترافية لفك طلاسم الأختام الثلاثة، وبعد التجريب بفتحها كانت دعوة خيالية مجبولة بالمخيال الفانتازي كطرقات الباب ومخاض زوجته لقرب موعد ولادتها، كل هذه الأحاسيس ما هي إلاّ شفرات سردية للمتلقي من أجل أن يجني ثمرة الدلالة، وهنا قد إكتملت المفارقة بين الشخصيات والأمكنة المتغيرة. وهو يقول: / من الطارق يا ترى في هذا الوقت المتأخر من الليل؟ / ماذا يريدُ منّا؟ / وهل لك موعد مع أحدهم جاء يطرق بابنا بهذه القوة؟ أجبتها / لا والله لا أتذكر أنّني واعدتُ أحدهم /. كان قلقاً يتحسّس سكونه من الداخل وكأنّهُ يخبىءُ أمراً هاماً في جعبته، ولكن مجرد دعوة شخصية لهُ كانت من الملك العظيم وفي تلك اللحظة إستعاد لحظة تاريخية في حياته لحضور مهرجان أكيتو. ولكن تبقى ورقتي النقدية هذه تركّز على ثلاث قصص متميّزة في المجموعة، الأولى نهاية الملك نبونائيد، لأنّها تحملُ رموز عديدة كون القصة كتبتْ قبل سقوط النظام عام 2003، وجاءت تنبىء عمّا يحدث في عراقنا الحالي بعد السقوط. أمّا القصة الثانية إمرأة من البعد الماضي مثّل رمزها الكاتب عن حضارتنا التي خرج منها صواعق: آنو، وزوابع مردوخ، وقوّة وبأس أنكيدو، ومكر وخباثة دليلة العبرية، وجمال وإغراء عشتار، إنّ رمز الأم هنا دلالة عن ما مرضت وعانت به أمتنا العريقة، وفي القصة الثالثة دعوة في ساعة متأخرة من الليل، فهي تنبىء عن ولادة جديدة التي توحي بها ربط الماضي بالحاضر، حيث إستخدم أدواتها وألفاظها بدقّة كشخص قادم من أعماق التاريخ، يحملُ دعوة ينتظرها لوقت متأخر ليفاجئ بولادة جديدة في المشفى وبزوغ شمس ناصعة وعهد جديد في وجه الأفق، يبقى الشاعر والقاص السرياني بطرس نباتي محط أنظار النقاد لإعطاء رؤية تجديدية ومعرفية في مجال الأدب والثقافة في عصرنا هذا.