المحرر موضوع: قداس عيد القيامة الاحتفالي‬  (زيارة 860 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل ستيفان شاني

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 457
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
أين شوكتك ياموت وأين غلبتك ياجحيم 
اهتفوا ورنموا تعظيماً لقيامة المخلص
بصوت واحد وحناجر ملأها الفرح بالقيامة أحتفل المؤمنون مساء يوم السبت 8 نيسان 2023 في كاتدرائية ماريوسف في عنكاوا بقداس عيد القيامة الذي ترأسه سيادة المطران بشار متي وردة وعاونه الأب سافيو حندولا.
وفي عظته ركز سيادة المطران على أهمية الوحدة بين المسيحيين ليكونوا صانعي سلام للمستقبل دون الالتفات إلى الخلف مستفيدين من العِبر والدروس.
واكد سيادته خلال موعظة عيد القيامة على أهمية الوجود المسيحي في المنطقة على أساس ما يقمونه من نتاج على كافة الأصعدة لا على اساس الكم والعدد.
وفي حديثه عن المستقبل جاء سيادته على ذكر أهمية الشبيبة المسيحية وضرورة التركيز عليها وتكون ممثل حقيقي لخدمة الشعب المؤمن في شتى مجالات الحياة السياسة والاجتماعية والرعوية، مؤكداً على وقوف الكنيسة خلفهم وبجانبهم في كل وقت.

المسيح قام حقا قام


أحد القيامة
"اذْهَبِي إِلَى إِخْوَتِي وَقُولِي لَهُمْ: إِنِّي أَصْعَدُ إِلَى أَبِي وَأَبِيكُمْ وَإِلَهِي وَإِلَهِكُمْ" (يو 20: 17)

يروي لنا يوحنّا الإنجيلي خبرة التلميذ الذي أحبّه يسوع مع يسوع القائم من بين الأموات، من خلال ظهور ربّنا يسوع لمريم المجدلية أولاً، والتي بكّرت صباح الأحد وجاءت إلى القبر، ووجدت أنَّ القبر فارغ، فأسرعت وأخبرت سمعان والتلميذ الذي أحبّة يسوع قائلة: "أَخَذُوا السَّيِّدَ مِنَ الْقَبْرِ وَلَسْنَا نَعْلَمُ أَيْنَ وَضَعُوهُ"، فانطلق التلميذ مع بُطرس مُسرعين نحو القبر يتفحصا الأمرَ، وعَرِفاً أنَّ حدثاً مُحيراً وعظيماً قد حصل، فالقبرُ فارغٌ، ومنديل الرأس ليس مع الأكفان، بل موضوعاً في مكان آخر، مما يستبعِد فكرة سرقة الجثمان على عُجلةٍ، وعادا إلى موضعهما، وبُطرس في حيرة من أمره، فعقله لم يستوعِب ما حصلَ والحال، أنَّ هناك خبراتٍ كثيرة في حياتنا لا يُمكن لنا أن نستوعبها بعقولنا، ما لم نسمح للقلب القادِر على الحُبَّ أن يُساعدنا في قبول ذلك، وهذا الذي حصل مع التلميذ الذي يُحبّهُ يسوع الذي وصل أولاً إلى القبر، فالحب يصنع الفارِق، ورأى ما رأه بطرس في القبرِ، ولكنّه آمن (يو 20: 8)، لأنّه يُحبُّ مَن أحبّهُ أولاً.
بقيت مريم عند القبر، تبكي بسبب أنه لم تسنح لها الفرصة لأنّ تُقدِم الإكرام الذي يليقُ بجثمان يسوع، مع أنَّ مريم أخت لعازر كانت قدّ طيّبت جسده في بيت عنيا قبل ستة أيام من الفصح (يو 12: 1- 7). ظهرَ لها ملاكين سألوها: "يَا امْرَأَةُ لِمَاذَا تَبْكِينَ؟" فقَالَتْ لَهُمَا: "إِنَّهُمْ أَخَذُوا سَيِّدِي وَلَسْتُ أَعْلَمُ أَيْنَ وَضَعُوهُ"، وهو جوابٌ غريبٌ إذ مَن كان يتجرأ أن يسرق قبراً مختوماً حوّطهُ حرس رؤساء الكهنةِ بحرسٍ (متّ 27: 62- 66).
سؤال الملاكين، ومع أنّه سؤال بسيط إلاَّ أنه سؤال يُعبّر عن تضامنهما مع مريم الحزينة، وهذا الالتفاتة جعلت مريم ترفع رأسها وتلتفت من حولها، وتتغيّر من حالةِ الحزن التي فيها، لتبدأ مسيرة الإيمان من خلال استجابتها لسؤال الملاكين. فمراراً ما نحبس أنفسنا عند خبراتٍ من الماضي العتيق، ونبقى نبكي عليها، من دون أن ننتبه إلى مُبادرات الله الكثيرة التي تأتينا من خلال مرافقة وأحاديث مَن يُرسلهم الله ليكونوا إلى جانبنا. نواصِل البُكاء على الماضي، ونحن نعرف أنه لن يعود، ونخاف القيام ونخاف تغيير المكان الذي نحن فيه، أو بالأحرى، نشعر بأننا آمنون فيما نحن عليه، عندما نستذِكِر حُزناً ما حصل لنا، ونستجدي عطفَ الناس من حولنا ونُشعِرهم بأننا ضحيّة، فتُعلّمنا مريم المجدلية، هي التي يقول عنها مرقس الإنجيلي أنَّ ربّنا يسوع أخرجَ منها سبعة شياطين (مر 16: 9)، أنًّ خبرة الفشل التي نعيشها مُحزنة وقد تكون مأساوية، ولكنَّنا نكتشِف أنَّ لله تدبيرٌ الأبوي لحياتنا عندما نتشجّع ونواجه الحياة بعد كلِّ خبرة فاشلة، فنحمل هذا الماضي فينا، ولا ندع الماضي يحملنا. فالفشل لا يعني أننا فاقدنا القُدرة على التواصل مع الآخرين، ونصارحهم بما نشعر به، ولكن الأهم هو: أن ننهضَ بعد كلِّ سقوطٍ، أو على الأقل أن نلتفت ونُحدّث الناس التي تُريد أن تكون إلى جانبنا.
في هذه الأثناء، ظهرَ لها الربُّ القائم من بين الأموات، ولم تتعرف لأنها كانت غارقةً في حزنها، فسألها هو الآخر: "لماذا تبكين، أيتها المرأة"، وعمّق السؤال قائلا: "وعمن تبحثين؟ لأنه يعرِف أنَّ الإنسان يبكي عندما يشعر أنه فقدَ شيئاً أو شخصاً أو حالةٍ. وأجابته ظناً منها أنه البُستاني: "سيدي، إذا كنت أنت قد ذهبت به، فقل لي أين وضعته، وأنا آخذه"، وتبيّن أنها لم تكن هي التي تبحث عن يسوع، بل هو الذي بحث عنها، ووجدها تبكي حزينة عند قبرٍ في بستان، محبوسة في ماضٍ، وحزنها يمنعها من رؤية القائم من بين الأموات، مثلما يمنعنا الحُزن عن رؤية عظائم الله في حياتنا.
دعاها باسمها: "يا مريم"، وللحال عرفِت الصوت، إنّه صوت المُعلم: "رابوني" الذي منح لها كرامتها وغفرَ لها خطاياها، وها هو اليوم يُناديها لتنهض وتترك حزنها، ويبعثها لتكون شاهدة القيامة، ورسولةَ الخلاص الذي أنعمَ به الله علينا: "اذْهَبِي إِلَى إِخْوَتِي وَقُولِي لَهُمْ: إِنِّي أَصْعَدُ إِلَى أَبِي وَأَبِيكُمْ وَإِلَهِي وَإِلَهِكُمْ" (يو 20: 17).
قيامةُ ربّنا يسوع حوّلتنا من حالٍ إلى حالٍ. ففي تجسّده عبر بنا من العبودية إلى صداقته، فجعلنا أحبّاء له: "لاَ أَعُودُ أُسَمِّيكُمْ عَبِيداً لأَنَّ الْعَبْدَ لاَ يَعْلَمُ مَا يَعْمَلُ سَيِّدُهُ لَكِنِّي قَدْ سَمَّيْتُكُمْ أَحِبَّاءَ لأَنِّي أَعْلَمْتُكُمْ بِكُلِّ مَا سَمِعْتُهُ مِنْ أَبِي" (يو 15: 15)، وفي قيامته حوّلنا إلى إخوةٍ له، فيُشاركنا فرح العيش الحياة الإلهية، وسنكون شهوداً صادقينَ لقيامةِ ربّنا من خلال صدقِ مشاعر الإخوّة التي تربطنا معاً. وهاكم كيف عاش الرُسل الأوائل هذه الأخوة:
احترموا مكانةٍ كلِّ واحدٍ منهم، فعندما وصلَ التلميذ الذي أحبّه يسوع أولاً إلى القبر، لم يدخل إلا بعد وصول بطرس، فسرعة الوصول ليست إنجازا حتى يستغله ويتجاوز مكانة بطرس (يو 20: 3-5). 
تقاسموا فرح ظهور ربّنا يسوع القائم لهم، مع الجميع حتّى مع الغائبين. فعندما أظهرَ ربّنا يسوع نفسه لهم، وهم مجتمعين خوفاً من اليهود، ومنح لهم السلام والروح القُدس، شاركوا هذه الفرحة توما الذي لم يكن معهم: "قَدْ رَأَيْنَا الرَّبَّ" (يو 20: 19 – 29)، وهكذا فعل تلميذي عمّاوس اللذان عادَ من قريتهما في الليل ليُشاركا التلاميذ فرحة لقاء يسوع القائم (لو 24: 33- 35)، فقيامةُ ربّنا يسوع فرحٌ للعالم أجمع وليست مقصورة على شخص أو جماعة دون آخر.
كانت جماعة المؤمنين قلباً واحداً متضامنين معاً في كلِّ شيءٍ، فتقاسموا الخيرات لكيلا يكون بينهم مُحتاجٌ، بمعنى، كان بينهم مَن هو فقيرٌ وآخر غنيٌّ، ولكنّ اكتفى الجميع بما لهم، والأهم كانوا فرحين (أع 2: 44- 46).
خدمة البشارة لم حكراً على أحدٍ منهم، بل كانوا يبحثون عن مَن يُساعدهم في نشر إنجيل ربّنا يسوع، وخدمة جماعة المؤمنين، ولكن وفقَ معايير تجعل من المُختار شاهداً صادقاً، وليس شخصياً منتفعاً. فمثلاً عندما أرادوا أن يعرفوا مَن الذي اختاره الربَّ ليكون مكان يهوذا الإسخريوطي، قالوا نُريد مَن هو شاهدٌ لقيامة ربّنا يسوع، وكان هناك أكثر من 500 شخص ظهرَ لهم يسوع القائم، فرشحوا اثنين وتركوا الاختيار لله الذي اختار متيّا (أع 1: 15- 26). وعندما أرادوا اختيار مَن يُساعدهم في خدمة الفقراء والأرامل، طلبوا مَن له سمعة طيّبة، وممتلئٌ من الروح القدس ليُعاونهم في الخدمة (أع 6).
كانوا يؤمنون أنَّ الله، وبمحبته الأبوية دبّر الكنيسة فوهبَ للجميع مواهب متمايزة، من أجل خدمةِ رسالتها، وليست هذه المواهب للتفاخر أو سبباً للحسد والشقاق بين الجماعة، بل هي كلها على تنوعها في خدمةِ جماعة المؤمنين (1 كور 12).
حينما اختبرَ أحدهم صعوبة، ولم يتمكنوا من مساعدتهُ بالشكل المطلوب، كانوا يجتمعون ليُصلّوا من أجلهِ، مثلما حصل مع بطرس الذي قبضَ عليه هيرودس ظلماً وأودعه الحبس، فلم تتمكّن جماعة المؤمنين من فعلٍ شيء لتحريره، لكنهم كانوا قادرين على الاجتماع والصلاة طوال الليل من أجل بُطرس (أع 12: 1- 10).
وإن حصلَ وأن واجهوا شكوكاً حولَ نيات أحدهم، ولم يستطيعوا أن يتأكدوا من سلامة نواياه، رفعوا الصلاة إلى الله ليُعينهم في اتخاذ ما يلزم، وهذا ما حصل عندما اختار الربَّ بولس للرسالة، هو الذي اضطهدَ المؤمنون الأوائل (أع 9: 1- 22).
يحصل خلافٌ بين الإخوة، فكلٌّ منهم يقول أنا أعرِف الحقيقة أكثر منّك، وأفهم ما يُريده الله منّا، ولكن هذا الاختلاف لم يكن سبباً للانشقاق، وإذا كان الربَّ قد كلّف بطرس بقيادة جماعة الرسل والكنيسة، فهذا لا يعني أنَ لا مجال لمناقشته في أمور تخصُّ قيادة الكنيسة، لذا، وبخَّه بولس في لقاءٍ في اورشليم، وجعلهُ يتبنى موقف بولس (غلا 2: 11).
الإخوة حرصٌ على سلامة حياة الجميع، وحراسةٌ أمينةٌ واعتناء صادقٌ عليهم، ورغبةٌ في تقدمهم ورفعتهم، من أجل خدمة الجميع، وفي ذلك رفعةٌ للكنيسة كلّها، ولتمجيد الله إلهاً أوحد. لم يسمحوا للحسد أن ينسلَّ إلى قلوبهم، فلكلّ واحدٍ موهبةٌ وخدمة يُقدمها للكنيسة، مثلما لم يفسحوا المجال للغضب أو العداوة أن تكون بينهم، ولم يتنافسوا على المراكز الأولى والمناصِب، ولم يكونوا مرائين في كلامهم ومواقفهم، بل كانوا يتنافسون في إكرام واحده الآخر (روم 12: 10). كانوا يحبون بعضهم البعض بمحبّة صادقة من دون رياءٍ، حتّى شهِدَ لهم الوثنيون: "انظر كيف يحب هؤلاء المسيحيون بعضهم بعضا، وكلٌّ منهم مستعد أن يبذل حياته لأجل الآخر"، "إنهم يحب أحدهم الآخر قبل أن يتعرف به".
هكذا، استجابوا لفرح ِالقيامة من خلال تضامنهم معاً كجماعة إخوة، إخوة يسوع، فانطلقوا إلى كلِّ مكان أرشدهم إليه الروح القُدس ليُبشروا بالإنجيل. لم يُفكروا أبداً أن عددهم قليلٌ، أو أنهم عاجزون عن فعل شيءٍ، بل تكفيهم نعمةُ الله، ليُبقوا أنظارهم إلى السماء، ومنها ينالون القوّة ليواصلوا الخدمة، وأنعمَ الله على الكنيسة بدخول أعداد كثيرة إلى جماعة الإيمان، لأنهم جميعاً وضعوا خدمة الإنجيل من خلال خدمة الآخرين هدفاً لهم، من دون أن يخافوا الضيق أو الاضطهاد، أو قلّة عددهم.
اليوم، يُنادينا ربّنا يسوع قائلا: "يا أخوتي، إني صاعدٌ إلى أبي وأبيكم، وإلهي وإلهكم"، فهل لي أن أتركَ الكنيسة، جماعة المؤمنين، تحت عنايتكم؟ هل أنتم مُستعدون لأن تعيشوا إخوّة وأخوات معاً، تُحبون واحدكم الآخر، وترجون له الخير، وتكونوا حراساً على حياتهم؟ هل تفرحون بنجاح أي مؤمن منّكم وتُعينهُ ليواصل نجاحهُ؟ هل لي أن أتركَ المحتاجين والفقراء تحت عنايتكم فلا يكون بينكم مُحتاجٌ؟ هل لكم أن تطلبوا مشورة الروح القُدس عندما تواجهون الأزمات، فهو معكم، يُرافقكم ويُرشدكم ويدافع عنكم؟
قيامة مُباركة عليكم جميعاً

--