المحرر موضوع: مفخخة النص وحديث السيف في كوردستان 3- 3  (زيارة 933 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل Dana Jalal

  • عضو فعال
  • **
  • مشاركة: 49
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
مفخخة النص وحديث السيف في كوردستان 3- 3

دانا جلال
Swedana2000@gmail.com


ظاهرة الفساد الإداري ليست الأبرز أو الأخطر على مصير فيدرالية جنوب كوردستان (كوردستان العراق) إذا ما قارناها بإشكالية اختلال التوازن في المنظومة الفكرية والأيديولوجية للأحزاب القومية الكوردية رغم اعتزازها بتأريخها الثوري وهي محقة في ذلك ، فعلى سبيل المثال لا الحصر يَعتبر الحزب الديمقراطي الكوردستاني نفسه مدرسة الأحزاب القومية ، أما الاتحاد الوطني الكوردستاني فله حق الحديث عن اقتحامه لبوابات السماء عام 1975 في كومونة كوردية جددت الثورة عقب انهيارها بعد اتفاقية الخيانة في الجزائر بين شاه إيران وصدام حسين وهواري بومدين.
إن ممارسة تلك الأحزاب لحقها المشروع بالاعتزاز بتاريخها كان يفترض أن يتزامن مع واجبها الأخلاقي بالاعتراف بفشلها على صعيد مواكبة فكرها وخطابها السياسي لمتغيرات الواقع من جهة وقصورها النظري مقارنة بتجاربها الغنية وممارستها العملية للنضال القومي المشروع من جهة ثانية.
إن الاختلال البنيوي للمنظومة الفكرية والأيديولوجية للأحزاب القومية الكوردية يتمثل بـ:-
1- عدم قدرتها على ربط أشكال الصراع وتحولاتها وإهمال الأشكال الثانوية منها وذلك بإضفاء القدسية على ألأسلوب الرئيسي كما شاهدنا ذلك في فترة حرب العصابات الثورية ، حيث تحول التنظيم الحزبي في المدن إلى دوائر تجنيد عملت على ديمومة تلك الحرب في حين كان يفترض بها أن تجعل من الأخيرة أداة لتقوية النضال المدني والتنظيم الحزبي في المدن .
2-   فشلها في وضع إستراتيجية قومية تُحدد طبيعة العلاقات والأهداف المشتركة مع الأحزاب الكوردية والكوردستانية في بقية أجزاء كوردستان مما أدى إلى تحول الحركة في احد الأجزاء إلى عبئ على الأخرى بدلا من أن تكون عمقا استراتيجيا لها.
3-   عدم تمييزها ما بين الخطاب السياسي الكوردي والكوردستاني والاختلاف بينهما مما أدى إلى فشلها ومحاربتها لكل محاولة تهدف إلى اكتشاف آليات عمل جديدة على صعيد النظرية والممارسة من اجل قيام الكورد خارج كوردستان بدورهم الديمقراطي المحكوم بجغرافية بعيدة عن الوطن الكوردستاني والذي سيكون دعما للنضال القومي الكوردي في المركز القومي .
4-   عدم ربط أهداف المرحلة الديمقراطية بأهداف مرحلة التحرر القومي وخاصة بعد تشكيل مؤسسات الحكومة في جنوب كوردستان وتحول الحزبين الرئيسيين إلى أحزاب سلطة وما نتج عنها من :-
أ‌-   اتساع الهوة بين الحزبين الرئيسيين وجماهيريها التي بدأت تشعر بالاغتراب عن ثورتها التي انتصرت وأحزابها التي استلمت زمام الحكم.
ب‌-   فقدان الحزبين الرئيسيين للتقاليد الثورية التي كانت ديمومة تواصلها واستمرارها رغم تعرضها للقمع المُرّكز من قبل النظام الفاشي المقبور وهذا أدى بدوره إلى بروز قيم وتقاليد جديدة بعيدة عن المجتمع الكوردستاني وعن التي دعت إليها  تلك الأحزاب فترة نضالها القومي .
ت‌-   عدم تقليصها للهوة المتزايدة بين الفقراء والأغنياء مما أدى إلى ظهور ملامح مرحلة جديدة  في مسيرة نضال الشعب الكوردي في جنوب كوردستان قد تنطلق وبقوة مع حل المشاكل العالقة مع المركز كقضية كركوك وصلاحية حكومة الإقليم .
إن الأسباب الآنفة الذكر قد وضعت القيادات الكوردستانية وحكومة الإقليم  في مأزق اختلال العلاقة بين دور وتأثير العامل الداخلي والخارجي في مسار وتوجهات الحركة التحررية الكوردية لدرجة خلقها معادلة شاذة وغير منطقية أهم خصائصها هو تغليب دور العامل الخارجي وبالذات الأميركي على دور العامل الداخلي ( الجماهير الكوردستانية ) .
إن الظاهرة تُعتبر غريبة وشاذة لان التطور الكبير للحركة القومية الكوردية في جنوب كوردستان كان يفترض بها أن تؤدي إلى مضاعفة دور العامل الداخلي لا إلى إضعافها كما أكدت وقائع الأحداث بعد عام 1991.
 صحيح إن مشكلة الشعب الكوردي حالها حال المشكلة الفلسطينية هي مشكلة  ناتجة عن السياسات الاستعمارية وحروبها غير العادلة ، وان دور العامل الخارجي أصبح أكثر تأثيرا على الصعيد العالمي بعد سقوط المنظومة الشرقية ودخول العالم في عصر العولمة وتحول كوكبنا الأرضي إلى قرية محكومة بالرأسمال المالي والقوة العسكرية الأميركية، ولكنه وبالمقابل فان وعي الشعوب لمصالحها وبروز قوة الجماهير  وقدرتها على التواصل الأممي بعيدا عن الصيغ القديمة للاُممية يُبقي على أولوية قوة التأثير لصالح العامل الداخلي حتى بالنسبة للمشاكل التي تُعتبر نتاجا للسياسات الدولية كقضية الشعب الكوردي .
ولكن ما هي النتائج  المترتبة عن إبعاد الجماهير الكوردية والكوردستانية عن دورها الحقيقي ومن ثم  إضعاف دور العامل الداخلي في مسيرة الحركة التحررية الكوردية في جنوب كوردستان ؟ إن أهم النتائج السلبية للظاهرة يتمثل بفقدان الشعب لثقته بذاته وبطاقاته الكامنة ودوره الرئيسي في المستجدات اللاحقة ومنها التهديدات التي تتعرض لها التجربة الكوردية وبالذات الخارجية  منها والمتمثلة باحتمال إقدام عسكر تركيا بارتكاب حماقة اجتياح كوردستان .
إن جماهير كوردستان لها الحق بان تسال حكومة الإقليم وأحزابها السؤال الذي يجب أن تجد الإجابات عنها :-  ما لذي قامت به الحكومة وأحزابها لمواجهة التهديدات التركية غير تلويحها بعدم موافقة العامل الخارجي و إنتاج أكذوبة عدم قيام عسكر تركيا بالمغامرة لوجود ما يزيد عن 400 شركة تركية عاملة في كوردستان؟ .
إننا على ثقة بان الإجراءات الواجب اتخاذها لم تكن بمستوى التهديدات المحتملة ، لذا فالأولى بالقيادات الكوردية أن تعود إلى جماهيرها ولا ترمي بكل أوراقها على مائدة العامل الخارجي وبالأخص الأميركي ، وعلى تلك القيادات أن تدرك إن الحرب الاقتصادية التي تهدد بها من خلال وجود الشركات التركية في كوردستان لن تمنع الطغمة العسكرية التركية من ارتكاب حماقة الاجتياح ، لان وجود تلك الشركات في كوردستان ستنعكس سلباً حال قيام الحرب( الكوردية- التركية) على وضع الإقليم.
إن واجب حكومة الإقليم وأحزاب الحكم هو مكاشفة الجماهير لمدى جدية التهديدات وتوفير مستلزمات الحرب الطويلة لان عملية تحويل قوات البيشمركة إلى جيش نظامي وإنهاء التراث الثوري لقوات الأنصار من خلال إنشاء الجيش النظامي الذي لن يكون فعالا كفعالية الحرب الشعبية التي هَزمت الفاشية في كوردستان .
 إن الاختلال في معادلات البنى الفكرية و الإيديولوجية قد تكون حالة طبيعية لأنه لا يمكن التحدث عن التطابق الكامل بين الوضع العيني والفكرة المجردة ، لا في مجال العلوم الاجتماعية ولا في حركة التاريخ ، فهناك دوما مسافة مابين الحلم والتحقق وخلاف ذلك تموت الأحلام . وكذلك لا يمكن إلغاء المسافة مابين النظرية والواقع  وخلاف ذلك يتحول الإنسان إلى روبوت لا يعرف غير فن التنفيذ. ولكن اتساع الهوة مابين الخطاب السياسي الرسمي الكوردي في جنوب كردستان مع الواقع الجديد سيؤسس لبدايات تشويه الحركة التحررية الكوردية إذا ما نظرنا إليها كحركة مشروعة وعادلة لأمة مقسمة مابين دول المنطقة  ناهيك عن احتمالات إعادة  سيناريوهات إنتاج الهزيمة بصيغ ودرجات مختلفة عما جرت عليه الحال في عام 1975 إذا لم تبادر القيادات الكوردية وبشكل عاجل بالعودة إلى جماهيرها التي  ستنتفض كما انتفضت جماهير حلبجة العام الماضي وهذه المرة لن تحرق الجماهير النصب الذي خلد ضحاياه ، بل ستباشر بالأصنام السياسية التي تتحجر مع كل خطوة في ابتعادها عن مصالح الجماهير التي ستكتب التاريخ وفق مصالحها لا وفق مصالح البرجوازية الكوردية التي تحالفت مع أكثر الفئات السياسية انتهازية لإدامة الصراع وفق مصالحها الاقتصادية . .