المحرر موضوع: لا للتقسيم والبلبلة بل للوحدة والتنسيق  (زيارة 431 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل لويس إقليمس

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 425
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
لا للتقسيم والبلبلة بل للوحدة والتنسيق
لويس إقليمس
بغداد، في 15 أيار 2023
الوفاء للكنيسة الجامعة هذه الأيام، بوحدة طوائفها في العراق وتضامن مسيحييها والتفافهم حول رمزها الوطني والكنسي الكبير غبطة البطريرك، نيافة الكاردينال لويس ساكو، يصبّ في أسمى عليائه في مصلحة الوطن العليا أيضًا، بوصفه الصوت الصارخ في البرّية هادرًا لا يعرف المواربة النفاقية ولا المجاملة غير الضرورية ولا الانحياز لغير جهة الحق والعدل والمنطق عندما يتعلّق الأمر بمصلحة المواطن أيّا كان انتماؤُه. لستُ أجاملُه دعائيًا ولا الصق به صفاتٍ طوباوية غير واقعية بحجة كسب ودّه أو تعاطف أتباع كنيسته، بالرغم من انتقادي الموضوعي حين يقتضي الظرف والحالة والواقع. فغبطته، ليس بحاجة لإطرائي ومجاملتي. كما أنّه شخصيًا وبما تربطني به من علاقة زمالة وصداقة وتقدير لرمزيته المرجعية المسيحية العليا، ومَن بالقرب من حاشيته ومَن يدينون له بالولاء والاحترام والتأييد لمكانته ووطنيته، يعرفوني جيدًا مَن أكون وما شأني في توضيح ما يستجدّ أو الإعراب عن وجهات نظري فيما يخصّ الشأن الكنسي والعراقي على صعيد الوطن وسياسة المنظومة السياسية الفاشلة المتعثرة منذ الغزو الأمريكي القذر للبلاد وتسليم شؤون إدارتها بأيادي غير أمينة على مصلحة العراق، وغير نزيهة بنكوصها في الحفاظ على ثروات البلاد ومصالح العباد. وهذا باعتراف جلّ الزعامات السياسية التي أعلنت للملأ في مناسبات عديدة أن شكل هذه المنظومة قد فشلت في إدارة البلاد وخدمة الشعب. وهنا، فأنا لستُ أحيد عن جادة الصواب، طالما أنّي لا أشخصنُ طرفًا أو جهة أو كتلة أو حزبًا دون آخر. فالمكيال عندي واحد موحد للجميع وإزاء الجميع فيما سأذهبُ إليه.
لقد اتضح من شكل التضامن الواسع الذي ناله رمزُ كنيسة العراق بشخص غبطة البطريرك ساكو مؤخرًا عبر وسائل الإعلام المرئية والمقروءة والمسموعة ومختلف وسائل التواصل الاجتماعي، باعتباره رأس الكنيسة الكلدانية في العراق والعالم، أنّ هناك ما ينبغي الاستدلال عليه وتحليله والخروج بنتائج وتوجيهات وقرارات جريئة في ضوء الأزمة الأخيرة الحاصلة غير المبرّرة التي رافقت ما بدر من زعامة جهة حشدية لها مكانتُها السياسية وموقعها المحترم بتأزيم الأمور تجاه رمز كنيسة العراق. فالمتابعون ومعهم صفوفُ المثقفين والحريصون منهم يدركون تمامًا أنّ الحرص ببقاء اللحمة المسيحية متماسكة وقوية وجريئة بين جميع الطوائف والكنائس على أساس الاحترام المتبادل بين بعضها البعض، هي من أولويات إدامة الوجود المسيحي في العراق، أو بالأحرى تلك الساعية بالحرص للحفاظ على ما تبقى من شكل هذا الوجود الآيل للاندثار يومًا بعد آخر. وإني شخصيًا بخصوص شكل هذا الاندثار المتلاحق لوجودنا على أرض الآباء والأجداد وقرار الهجرة الصعب، لا أريد تجرّع كأس المرارة في قادم الأوقات دون تحديدها، كما فعلها مقربون منّي وأصدقاء وجماعات كثيرة سواءً بحجة الغيرة والحسد والتفاخر، أو لأسباب أخرى خارج الإرادة البشرية الضعيفة.  ويكفي حنينُ مَن ساقه قطارُ الهجرة والنزوح القسري للعودة إلى أرض الوطن لأيامٍ أو في مناسباتٍ من أجل شمّ بعضٍ من هوائه والاستمتاع بشيءٍ من ذكريات الماضي والوقوف على أطلال بيوتٍ اندثرت، أو تلك التي هجرها ساكنوها في القرية أو المدينة، أو لزيارة عاصمة الرشيد والمنصور والكنائس والجوامع التاريخية التي مازالت شاخصة وبعضٌ منها لم تكن تعرف النوم والسكينة في سنوات الزمن الجميل. لقد كان بالأحرى على زعيم هذه الكتلة السياسية المحترمة بما آلتْ إليه من ثقل سياسي راهنٍ في واقع التمثيل المسيحي وبالصيغة التي حصلت عليها، أن تعمل الحكمة والروية والاتزان بدل خلق أزمة بل أزمات لا مبرَّرَ لها مع شخصية تحمل في آنٍ معًا رمزًا كنسيًا جامعيًا دوليًا إلى جانب ما يمثله من رمز وطنيّ يشهدُ له القاصي والداني لكونه مرجعًا لا يمكن الاستهانة به أو تفقيرُ قدرته وتأثيره داخليًا وخارجيًا. قد لا ألوم الطرف السياسي الذي ربما كانت له مبرّرات خاصة أو خصوصيات علائقية ومصلحية ذات صلة بالائتلاف الحاكم الذي ينتمي إليه كقوّة مسيحية ضمن صفوفه، لها تمثيلُها الرمزي والسياسي على صعيد تقاسم السلطة والمغانم والمكاسب، ما قد حصل تقاطعٌ في جزئيات العمل الجمعي مع مختلف المراجع أو بسبب حصول تقاطعات شخصية مع توجهات الزعيم الروحي المسيحي الأكبر للبلاد الذي له وزنُه الواضح دوليًا، وله قيمتُه العليا كنسيًا ولاسيّما في صفوف أتباع كنيسته الكلدانية ومَن تعاطف ويتعاطفُ معه في ضوء هذه الرمزية العليا المحترمة.
في اعتقادي افتراضًا، لا يمكن الشكّ في النوايا الحسنة لكلا الطرفين، أو بالأحرى باحتفاظ كلّ طرف بما في جعبته من حيثيات ومسببات ومبررات بحاجة إلى توضيحات لتقرير الصالح منها والباطل فيها. وهذا بحاجة إلى مراجعة ذاتية شاملة بما يمليه العقل والحكمة والروح المسيحية والغيرة "الكلدانية" على الطرفين وعلى مؤيدي كلّ منهما للوقوف على واقع الخلل ومعالجته بنفَسٍ مسيحي خالص بعيدٍ عن العجرفة والتطاول والأنفة. فالطرف السياسي بالتالي، تعود جذورُه وتبعيتُه وانتماؤُه المسيحي لرأس الكنيسة الكلدانية التي يُفترض أن تعرف خرافها أفضل من الأجير أو المحرّض أو المنافق الذي لا يطيبُ له استقرار الوجود المسيحي ووقوفه ثانية على أرض الآباء والأجداد بقيمٍ وطنية ومكوّناتية لها منزلتُها ومكانتُها، وبشعورٍ مسيحيّ عال الهمّة، ليس منّةً من أحد. فمن الواضح، وبسبب عدم جدّية الحكومات المتعاقبة في إنصاف أتباع المكّونات غير المنتمية لدين الأغلبية، ونقصد بها ما اصطلح عليهم بأتباع "الأقليات"، فقد اختلّ أسلوبُ التعامل مع أتباع هذه المكوّنات، ومنهم المسيحيون. فهناك كما يبدو، مخططات وبوادر لاحتواء مطالبهم وحصرها في "طرفٍ سياسيّ محدّدٍ" تشكّ رئاسةُ الكنيسة العراقية والعديد من اساقفة كنائس العراق متعددة الطوائف بوضوح رؤياه وصلاح نواياه وأسلوب تعامله وتجاهله لباقي الأحزاب والأطراف التي تدّعي هي الأخرى تمثيل الشعب المسيحي بصورة حقيقية لا تقبل المغالطة والتشكيك. وهذا من حقهم بعد اختلال التوازن الذي حصل عقب الانتخابات البرلمانية في دورته الخامسة، بسبب الخوف من طمس الحقوق وفق آليات لا تتسم بالعدل والمساواة على أساس المواطنة والولاء للوطن وليس للحزب والجهة الولائية مثار الشك. وهذا ما نعتقد أنه قائم هذه الأيام.

نوايا وحيطة وحذر
في ذات السياق، نقول ليس هناك من شكّ بوجود توجّه غير بريء تجاه مواقع تواجد أبناء المكوّن المسيحي والنوايا المبطنة لإحداث تغييرات ديمغرافية في بلداته التقليدية عبر سطوة طرف له قدراته التسليحية وعلاقاته مع أصحاب السلطة والحكم التي يمكن استغلالها في تركيع أية محاولة للخروج عن طاعة الجهة المستوطنة التي تمسك الأرض بقوة السلاح والسياسة وتدين بالولاء لجهة عليا ترضخ لها سياسيًا، ما خلق صراعًا على الأرض والمصالح. فبعد انجلاء الغمّة عن أمّة العراق واندحار الباطل الداعشي الذي عاث في مَواطن المسيحيين وقراهم فسادًا وتدميرًا وبطشًا واستهتارًا بالمقدسات، كان لا بدّ من مراجعة الآراء والمفاهيم والمخططات بغية التحوّط لأية مظاهر أو مساعي أو محاولات سلبية لإعادة عقارب الساعة واستبدال السطوة الداعشية بأخرى قد لا تقلّ ضررًا على ما تبقى من الوجود المسيحي في عموم بلاد الرافدين، سيّما وأن هناك مبادرات دولية وداخلية محدودة لاستعادة الرضا والقبول والتسامي فوق المسميات الفرعية واستبدالها بأخرى وطنية تحفظ لجميع المواطنين حقوقهم من دون تمييز في الدين والمذهب والقومية والطائفة والشكل واللون. ونفهم من هذه المساعي، الفرز بين مصالح الأحزاب الوطنية مع أخرى خارج الولاء الوطني في توجهاتها وقراراتها وسلوكياتها. ونعتقد بعدم استقامة الأمور، لا للمكوّن المسيحي ولا لغيرهم من نظرائهم في الوطن، إلاّ بتغيير الدستور والقوانين التي تحفظ طريقة اختيارهم لممثليهم بطريقة ديمقراطية صحيحة بعيدًا عن أسلوب التهديد والوعيد والقذف والتسقيط الذي ينتقص من قيمتهم ويحدُّ من حقوقهم الوطنية ويضع العراقيل أمام المشاركة الحقيقية في إدارة الوطن وبنائه ونهضته وبما تقتضيه الحاجة والواقع وفق منظور مدني وعلمانيّ يضع الدين ورموزَه في كفّ والسياسة والإدارة في كفّ آخر متناغم مع مطالب الشعب العراقي بعمومه وفق الجدارة وتحقيقًا للعدل والمساواة، ومن دون تقاطع المرجعيتين معًا. أي بمعنى آخر، أن تعترف أحزاب السلطة الحاكمة الفاشلة منذ السقوط، بسيادة القانون المدني على سائر الشعب وتقلع عن فرض سياسة الخنوع والخضوع والطاعة التي تُمارس بحجج وأعذار واهية تحديًا للمظلومية التي تتباكى عليها الأغلبية لغاية الساعة، بالرغم من كونها في أعلى دوائر السلطة.
هذه دعوة منصفة لمبادرة حسن النوايا بين طرفي الأزمة، كي يعرف كلّ طرفٍ ما يمليه عليه ضميرُه وعقلُه واعترافُ الطرف المخطئ أو المتجاوز في بعض التصريحات غير المبررة بحق مَن اساءَ إليه من دون وجه حق في وسائل إعلامية مختلفة توجسًا من القادم الأسوأ، لا سمح الله. بل من شأن هذه الأزمة المفتعلة الوقتية أن تفتح أبوابًا واضحة المعالم والمطالب لرسم خارطة طريق جديدة لمستقبل الوجود المسيحي، عمادُها عناصرُ ودماءٌ جديدة تتسم بالحرص والحيوية والجرأة في فرض الحقوق وتقرير المصير في أية فعالية وطنية ومحلية انتصارًا للجدارة والكفاءة والوفاء وما سواها من خصال يتسم بها أبناء هذا المكوّن ويختلفون فيها وبغيرها عن سائر أبناء بلدهم وأترابهم وشركائهم في الوطن، من منطلق الشراكة الحقيقية وليس المجاملة لأجل التهدئة وتطييب الخاطر. لقد كشفت السنوات العشرون المنصرمة عن ثغرات كثيرة في كيفية تمثيل المكوّن المسيحي لأسباب عديدة وكثيرة جلبت معها انشقاقات في الكثير من الأحزاب "القومية" التي ادّعت تمثيل المسيحيين. ولكن معظمها في واقع الحال، كانت تلهث وراء مصالح فئوية وطائفية وحزبية ضيقة وأخرى شخصية أثرى وأتخمَ وتكرّشَ بسببها بعض المتنفذين فيها. وبالتالي ففي السياسة كياسة تُستخدم عند الحاجة وتفاقم الأزمات. ومن ثمّ فالموقف لا يتطلب تجنّي أيّ طرف على آخر. بل نحن متفقون جميعًا بعدم المساس برموزنا الدينية مهما كانت مقابل احترام هذه الأخيرة لأتباعها ورعاياها ورعايتهم بحلم ومحبة وروية.
إنه وقت وحدة الكلمة ورصّ الصفوف وتنسيق المواقف والمطالب المشروعة وليس إحداث البلبلة بتجزئة المجزّأ وتقسيم المقسَّم بأيادي الأبناء والأحفاد. بل هو وقت الجدّ وتقرير الكلمة بمرجعية دينية واعية حكيمة متنفذة لها وقعُها الدولي والكنسي وكلمتُها الفصل في توجيه المركب المسيحي المتأرجح في مسيرته بالتعاون والتنسيق الصحيح مع المرجعيات السياسية لأبناء المكوّن ولعموم البلاد والسير بها نحو نهر الأمان والاستقرار والثقة عبر التمتع بكافة الحقوق بالتوازي مع الواجبات الوطنية التي لا تقصير فيها.