ألقوش الكلدانية العراقية
بقلم: د. نزار ملاخا
ألقوش قصبة بدرجة ناحية، تقع شمال العراق، ضمن الحدود الإدارية لمحافظة نينوى، تبعد عنها بمسافة 45كم تقريباً، سكنتها أقوام مختلفة، جاءتها من قرى ومدن متعددة، في أزمان متفاوتة، وعشيرتنا(آل ملاخا) سكنت ألقوش بحدود العام 1738م، قادمة من منطقة پيوس ألتي تبعد عنها مسافة كيلومترين، وذلك بسبب مرض ألمَّ بأهالي القرية آنذاك.
ألقوش ذكرتها مصادر متعددة وأرّخ لها المؤرخون، حتى الكتاب المقدس ذكرها في سفر رؤيا ناحوم الألقوشي، ويٌقال بأن هناك مدينة في الجليل بأسم ألقوش.
ألمجتمع الألقوشي مجتمع مثقف واعٍ، تقبّل البشارة المسيحية، لذا فإن أهل ألقوش جميعاً مسيحيين على المذهب الكاثوليكي، وكلدان قومياً، وعراقيين موطناً، حال ألقوش كحال بقية قرانا فقد أنجبت للمجتمع العراقي مثقفين، ورجال دين، وقادة وسياسيين، وعلماء وحكماء ومفكرين، أساتذة كبار ومربّين، ضباط كبار ووزراء ومدراء عاميّن، أشتهرت القوش بالكثير من الأشياء، منها دير الربان هرمزد، وقبر النبي ناحوم منذ عدة مئات من السنين، كما كان لألقوش فضل في إحتضان المسيحية منذ أوائل إنتشارها، فهي أقدم من المسيحية بزمن طويل، قبل أن يكون العراق ولايات ثلاث، وقبل الإحتلال العثماني، المجتمع الألقوشي مجتمع عشائري، أكتسب بعض الأمراض الإجتماعية من المجتمع المحيط به، مثل الأخذ بالثأر، فالالقوشي لا ينام على ضيم، وهم من أصحاب النخوة والشيمة، يستجيبون لمن ينخاهم، ويتراكضون للقتال من أجل درء الخطر عن أهلهم، وما أن تتعرض ألقوش إلى هجوم من أية فئة كانت حتى ينتخي جميع أهل ألقوش ويتراكض الجميع حاملين أسلحتهم دفاعاً عن القرية، وكم حادثة حدثت وقدمت ألقوش خلالها دماء ابنائها قرباناً من أجل ألقوش، وقد تعرضت ألقوش لأزمات شديدة قدمت فيها شهداء كثيرون جادوا بدمائهم من أجل سمعة القوش وشرف ألقوش، ومن أجل المحافظة على كرامة ألقوش،
حال ألقوش كحال بقية القرى الكلدانية، ولكنها تنفرد عنهم ببعض المواقف، جعلتها تقفز إلى المقام الأول وتنال الشهرة من ذلك عبر الزمن، ومواقف رجال ألقوش يخلدها التأريخ، يكفينا فخراً بأن المناضل توما توماس هو أحد رجال ألقوش الشجعان (ولا يهونون بقية رجال ألقوش وقرانا)، تقع ألقوش في صدر جبل يُسَمّى بإسمها، وهي نهاية خط يبتدئ من تلكيف بعد نينوى مباشرة ماراً بقرى أخرى مثل بطنايا وباقوفا وتللسقف، والحديث عن شجاعة رجال ألقوش فإنهم لا ينحنون إلا للخالق، شديدي المراس لا يلينون بسهولة، ومؤمنون حد القداسة وفيهم عكس ذلك تماماً، ويكفي أن تقول بأنك ألقوشي لكي يعرف المقابل مع من يتحدث، ألقوش تعرفها القرى المحيطة بها، وألقوش لا يعرفها الغريب كما يعرفها العربي والكردي والإيزيدي القريب منها، فلو قلت لأبن الناصرية أو العمارة أو الحلة بأنك ألقوشي، فلا يعير لذلك إهتماماً ولربما لا يعرف ماذا تقول أو ماذا تعني، المايِعْرْفَك ما يِثَمْنَكْ، حادثة قفزت إلى مقدمة ألأفكار وهي حادثة الآثوريين عام 1933م، في سميل وبعدما قُتل مَن قُتل هرب البعض منهم وألتجأوا إلى ألقوش، بالرّغم من موقف ألقوش الداعم أو الرافض لتصرفهم آنذاك، فإن الألاقشة قاموا بواجب الحماية وقدّموا ما يمكنهم من سكن وطعام وإيواء وحماية، وهذا هو ديدن الألاقشة، عندما تقدمت القطعات العسكرية ونُصبت المدافع حول ألقوش وتهددت بالقصف المدفعي، وتجمهر عدد كبير من العشائر الكردية والعربية وغيرها متهيئة للسلب والنهب والغزو بعد أن يقتحمها الجيش، بقي أهل ألقوش متماسكين من إيمانهم العميق بصدق المبادئ التي يؤمنون بها والتي تناقلوها عبر الأجيال وتفانيهم في حماية أرواح مَن التجأ إليهم دفعهم إلى تشكيل مجموعات فدائية مقاتلة ألتفت حول الجيش، وتم لهم ما أرادو، حيث تم إحتواء المشكلة وتراجع الجيش وحُفظت أرواح الآثوريين.
وهناك مواقف بطولية أخرى ينفرد بها أهالي ألقوش مثل ألتجاء أهالي فيشخابور مع رئيسها عزيز ياقو وبقوا في ألقوش سنتان وقدّم لهم أهالي ألقوش كل الخدمات، وكذلك بالنسبة لأهالي قرية أرادن والداوودية وقرية تنا وإينشكي وبنياثان وغيرها من القرى الكثيرة من الذين لاذوا بِحِمى ألقوش وبقوا هناك حتى زوال الصعوبات وإندحار الدولة العثمانية، ورجوعهم إلى قراهم شاكرين أفضال القوش وأهلها، هذه الأعمال البطولية النادرة هي سر بقاء ألقوش، وسر شهرة ألقوش، واليوم يعيد التاريخ نفسه، ويستعيد الألاقشة ذكرى بطولاتهم ببطولات أخرى، فبعد أن سقطت قرى سهل الكلدان من تلكيف وبطنايا وتللسقف وباقوفا بايدي الدواعش، وبقاء ألقوش لم تطالها يد الغدر والعدوان والإرهاب المقيت، حتى ألتجأ أهالي تلك القرى وأنتشروا في ألقوش وبقية المناطق، وأحيا أبناء هذا الجيل من الألاقشة ما فعله آبائهم من واجبات كرم الضيافة والحماية وتوفير السكن والطعام وغير ذلك لكل مَن التجأ إليهم ولسان حالهم يقول " يا ضيفنا لو زرتنا لوجدتنا ,,,,,, نحن الضيوف وأنت ربُّ المنزلِ"""
الألقوشي كلمته واحدة، تصرفاته معروفة، وتستطيع أن تميّز الالقوشي بسهولة، وذلك من خلال سرعة تعامله مع الحدث، أو بالرجولة والشهامة البادية على تصرفاته وافعاله، أو بإندفاعه لتقديم المساعدة اياً كان المقابل، أو بتصرفاته البطولية، فإن كان أحداً بحاجة إلى مساعدة ما يكفي أن ينخى ألقوشياً، سيراه جبلاً أشمّاً عند الملمات ، ويكفيني فخراً بأنني ألقوشي.
" عذراً لبقية قرانا وأبناء شعبنا، فإنني كتبتُ ما أعرفه عن ألقوش، ولا يعني هذا من قريب أو بعيد المساس ولو بشائبة لسمعة بقية قرانا في سهل نينوى فكل القرى لها تاريخها المشرّف ولها رجالها ومواقفها البطولية، تحياتي للجميع ونتشرف بهم كلهم" .