أضواء على أحزاب ألمعارضة العراقية في سوريا (الجزء الثاني) .
كانت أحزاب المعارضة العراقية منذ بداية الثمانينات من القرن الماضي، تعقد الأجتماعات والمؤتمرات العديدة في سبيل توحيد صفوفها ولكن دون جدوى،جميع المحاولات باءت بالفشل، والسبب الرئيسي كان لأختلاف في الرؤية بينهم نحو مستقبل العراق الجديد بعد سقوط النظام في بغداد، بالأضافة الى الخلافات التي كانت سائدة آنذاك بين الحزب الديمقراطي الكردستاني، والأتحاد الوطني الكردستاني، وهما من الأحزاب الرئيسية في المعارضة العراقية بالأضافة الى الحزب الشيوعي العراقي، لأنهم كانوا يحاربون النظام السابق من خلال قواتهم المسلحة من البيشمه ركة والأنصار في كردستان.
وبعد جهود مضنية لتوحيد المعارضة من قبل الحكومة السورية والليبية، تقرر عقد مؤتمر في ليبيا - طرابلس ودعوة أحزاب المعارضة لتوحيد صفوفها في جبهة وطنية عراقية موحدة، وأتخذت الحكومة الليبية على عاتقها تبني هذا المشروع وأنيطت مسؤلية الأشراف على هذا المؤتمر بنائب الرئيس الليبي السيد عبد السلام جلود ونائب أمين سر القيادة القومية لحزب البعث في سوريا السيد عبدالله الأحمر. تم تقديم دعوة من قبل الحكومة الليبية لعشرون حزبآ عراقيآ في بداية عام 1983، وكان حزبنا ( حزب بيت نهرين الديمقراطي الآشوري )المسجل بهذا العنوان لديهم، من ضمن الأحزاب المدعوة لهذا الأجتماع.
أثناء تلك الفترة خابرني السيد عبد الجبار الكبيسي الأمين العام لحزب البعث قيادة قطر العراق المعروف ب(رفيق حازم )وقال أن حزبكم مدعو لحضور مؤتمر المعارضة في ليبيا أسوة بأحزاب المعارضة العراقية، وعليك أن تذهب الى السفارة الليبية لأستحصال سمة الدخول ( الفيزا ) وبطاقة السفر وستجد حزبكم مدرج بقائمة المدعوين.
وفي اليوم التالي أتصلت مع بعض الأصدقاء من المدعوين لهذا الأجتماع وأتفقنا للذهاب سوية الى السفارة، ومنهم عبدالله الركابي وله تنظيم سياسي ناصري، أي من أنصار (جمال عبدالناصر) والضابط العراقي فيصل عبدالكريم الواسطي، وهو من تنظيم الضباط الأحرار بقيادة اللواء الركن حسن مصطفى النقيب.
ذهبنا الى السفارة، وفي غرفة الأستعلامات أعلمنا الموظف بأن نراجع مكتب الملحق الثقافي. أستقبلنا مدير المكتب بحفاوة، ودار حديث سياسي عام بيننا، ثم سلمنا له الجوازات، فوقع على كِلا الجوازين ،ثم مسك الجواز العائد لي بيده وبدأ يقرأ ويقرأ ويسألني، هل هذا أسمك الصحيح ؟!!،
قلت: له نعم.
قال: يظهر أنك غير مسلم ،ربما أنت مسيحي أو نصراني،
قلت: نعم أنا مسيحي والحمدلله،
ثم قال: في الحقيقة أن الأخ معمر (القذافي) ينزعج من المسيحيين ولا يوافق على دخولهم ليبيا، وأنا لا أستطيع تحمل المسؤولية ولاسيما عندما يكون الأمر متعلق بالسيد ألرئيس، لهذه الأسباب أنا أعتذر لعدم منحك سمة الدخول،
شكرته على صراحته، علمآ أن الذين معي هم علمانيون لا علاقة لهم بالدين. فقام عبدالله الركابي وأنتقد القنصل وبشدة.
وقال له: عيب هذه الأسئلة التي مضى عليها أكثر من ألف عام نحن الآن في القرن العشرين وأنت تعيدنا الى الحروب الصليبية. ثم نحن مدعون الى ليبيا لتحقيق جبهة وطنية موحدة، وليس جبهة أسلامية موحدة، ثم أن المسيحيين مكون أصيل في وطننا العراق وهم جزءُ منا.
غادرنا السفارة بدون وداع، ثم ذهبنا الى شقة عبدالله لتناول الغذاء، ولكن المقدم فيصل عبدالكريم قال لي سوف أنقل كل ما حدث الى اللواء حسن النقيب الذي يرتبط بعلاقة جيدة مع القيادة الليبية، ولكنني رفضت ذلك رفضآ قاطعآ.
خابرت السيد جبار الكبيسي ليكون على بينة مما حدث. قال لي أنني أتوقع من القذافي كل شئ، أنه مجنون، تصور قبل فترة أتصل مع أحد الصحفين المعروفين وطلب منه أن يشكل له ثلاثة أحزاب للوطن العربي. الأول يتضمن العروبة والديمقراطية، والثاني يتضمن الأسلام والحرية، والثالث يتضمن الأشتراكية، حسب النظرية الثالثة التي جاء بها القذافي في الكراس (ألأخضر) الذي الفهُ. لكن الصحفي رفض طلبه بالرغم من المغريات المادية التي عرضها له،
ثم قال على كل حال تفضل عندي بالقيادة لكي أعطيك جواز سفر بأسم آخر بحيث لا يبين أن حامله مسلم أو مسيحي، ولكن رفضت طلبه أيضآ وقلت له اٍن ممثلي أحزاب المعارضة جميعهم يعرفونني بأنني ممثل حزب آشوري، والآشوريون هم مسيحييون ولا يوجد آشوري واحد غير ذلك، ولا أريد أن أسبب لك مشكلة، لأن الجميع يعرفون أن حزبنا له علاقات وطيدة ومتميزة معكم.
وهكذا أصبحت الأحزاب المدعوة للأجتماع في طرابلس تسعة عشر حزبآ، ومن الجدير بالذكر أن عبد السلام جلود شكل حزبان عراقيان في ليلة واحدة تضاف الى الأحزاب المجتمعة، وأصبح عددها واحد وعشرون حزبآ.
أنعقد الأجتماع في 2/2/1983 ودام خمسة أيام ،وتمخض عن أصدار بيان مشترك يتضمن أتفاقآ لتوحيد صفوفهم في جبهة وطنية عراقية موحدة، ولكن لم ينفذ ولا فقرة واحدة من البيان الختامي، وأصبح حبر على ورق. وبعدها عقدت مؤتمرات أخرى, ولكن لم تنجح ولم تتوحد المعارضة العراقية الى يومنا هذا.
داود برنو